تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هذه مفاهيمنا - ردًا على شركيات وضلالات محمد علوي مالكي



الصفحات : 1 [2] 3 4 5 6 7 8 9

أبو فراس السليماني
2014-09-10, 11:36 PM
الثاني:
الحديث رواه البزار في "مسنده"
(1/397 زوائده)
فقال: حدثنا يوسف بن موسى،
حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان
عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام )
قال:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( حياتي خير لكم.. الحديث ).

قال البزار:
(لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد) اهـ.

وهذا إسنادٌ فيه:
عبد المجيد بن أبي رواد،
وهو ممن لا يقبل ما ينفرد به عندهم،

ولذا قال الحافظ العراقي شيخ الهيثمي:

(رجاله رجال الصحيح
إلا أن عبد المجيد بن أبي رواد
وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي،
فقد ضعفه بعضهم)

فهذا هو التحقيق،

وقد تفرَّد بهذه الزيادة
( حياتي خير لكم... ).

أبو فراس السليماني
2014-09-10, 11:38 PM
أما أول الحديث ( إن لله ملائكة...الخ )
فهو محفوظ من حديث
سفيان عن عبد الله بن السائب به،

واتفق رواة الحديث عن سفيان
على هذا القدر

تم أتى عبد المجيد
فتفرد عنهم بهذه الزيادة
فهي شاذة ضعيفة
كما يقتضيه التحقيق.

أبو فراس السليماني
2014-09-10, 11:52 PM
الثالث:

لو ثبت الحديث
لم يكن فيه ما ادعاه صاحب المفاهيم
من جواز التوسل بعموم استغفار
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته؛

لأن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته لأمته
وسؤاله الله لهم أبلغ وأقطع من استغفاره بعد موته
- إن ثبت-،

وهذا السبب الذي كان موجوداً في حياته
هو عين السبب الذي عُلق الحكم به بعد مماته،

فلما لم يُشرع هذا العمل
وهو التوسل بالاستغفار العام
مع قيام المقتضي له في حياة رسول الله
صلى الله عليه وسلم
عُلم أن إحداثه بدعة.

أبو فراس السليماني
2014-09-11, 12:04 AM
ويؤيد هذا أن خير القرون
ثم الذين يلونهم،
ثم الذين يلونهم،
لم يستعمل أحد منهم
التوسل بهذا الطريق
الذي اخترعه عشاق البدع،
وهُجَّار السُنن.

أقول:
وتوسع صاحب المفاهيم على عادته
بتمسكه بأدنى شبهة وأبعدها،
فقال (ص173)
أواخر كتابه حول الحديث:
(الحديث صحيح لا مطعن فيه) اهـ.

وهذا افتراء
أو قلة علم؛

بل فيه مطعن
كما قدمناه.

أبو فراس السليماني
2014-09-11, 07:11 PM
قال:
(وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم
يعلم أعمالنا بعرضها عليه،
ويستغفر الله لنا على ما فعلنا من سيئ وقبيح،
وإذا كان كذلك فإنه يجوز لنا أن نتوسل به إلى الله
ونستشفع به لديه،
لأنه يعلم بذلك فيشفع فينا ويدعو لنا...) اهـ



أقول:

في الحديث عرض الأعمال،
والكاتب يستدل به على جواز طب الشفاعة،
يا له من فقه
غاب عن الأمة بضعة عشر قرناً،
حتى ظهر هؤلاء المبتدعة فأدركوه!

فعرض العمل عليه صلى الله عليه وسلم شيء
وتجويزك طلب الشفاعة أمر آخر بعيد،

فإن عرضت عليه أعمالك
فلن يرضى صلى الله عليه وسلم بالشرك الذي فيها،

ومنه طلب الشفاعة من الموتى

ولن يستغفر لمشرك يستغيث بالأموات،

{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }

[ التوبة: 113].

أبو فراس السليماني
2014-09-11, 07:27 PM
إن طلبك الشفاعة من الأموات سيئ من العمل وشرك،

ورسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يستغفر لمن ترك دينه
واتبع هواه فأشرك.

إن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفاعته،
إنما تكون في حياته وفي الدار الآخرة
لا في دار البرزخ،

وله أنواع من الشفاعات
ليس فيها نصيب لمشرك.

فمن طلب الشفاعة منه بعد موته،
فحري أن يكون فوَّت على نفسه
شفاعته صلى الله عليه وسلم في الآخرة،

وإن من سيئ الكلام
تعدي صاحب المفاهيم
على مقام النبوة

حيث جزم بقوله:
(فيشفع. فينا
ويدعو لنا).

أبو فراس السليماني
2014-09-11, 07:41 PM
وإن من سيئ القول وخطله وشنيعه
تعدي الكاتب على مقام الألوهية،

فيُجوّز طلب الشفاعة من النبي
صلى الله عليه وسلم بعد موته،

والشفاعة حق لله وحده،
وإنما تُطلب منه وحده ،

كما يدعو المخلصون بقولهم
اللهم!شفّع فينا نبيك محمداً
صلى الله عليه وسلم.

وفي باب الشفاعة بيان هذه الأصول
بما فيه مقنع
لمن أراد الله هدايته.

أبو فراس السليماني
2014-09-11, 07:46 PM
وضع (ص61) عنواناً هو:
( الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب
لا ينكر التوسل).

أقول:
تحليتك محمد بن عبد الوهاب بالشيخ الإمام:
إما أن تكون اعترافاً بفضله
في تجديد أمر دين الإسلام،
وإصلاحه وجهاده،
وإما أن تكون عنيت بها وضعها اللغوي.

فإن أردت المعنى الأول

فالشيخ قد أقام دعوته
في محاربة أصناف الشرك الجلي والخفي،
الأكبر منه والأصغر،
وحارب وسائل الشرك التي تجر إليه
مما حرمه الله ورسوله،

ومن تأمل كتاب " التوحيد "
ألفاه في فلك ما ذُكر دائر،
وعلى الصراط المستقيم سائر.

أبو فراس السليماني
2014-09-11, 07:54 PM
والشيخ -رحمه الله-
جاهد في إرجاع الناس إلى دينهم
الذي جاء به رسول الله محمد
صلى الله عليه وسلم

وجاهد في إقناعهم
بأن ما يفعله بعض الناس في زمانه
ويدّعونه إسلاماً
هو عين ما عليه المشركون
الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم،

فقد كان كثير من المنتسبين إلى الدين في زمانه
عُبَّاداً للقبور:
يدعون أصحاب القبور استقلالاً من دون الله،
ويدعونهم مع الله طلباً للشفاعة منهم
والقربى إلى الله زلفى،
ويرجونهم دفع المضرات،
ورفع المهلكات،
وتفريج الكربات

كما قال الله عن أشباههم:
{ مَا نَعْبُدُهُمْ
إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }

[ الزمر: 3 ]

أبو فراس السليماني
2014-09-11, 08:09 PM
ثم هم يقدمون لأولئك المقبورين
أصناف القرابين والعبادات
التي لا تكون
إلا لله جل وعلا:
كالذبح، والنذر،

وهم يخضعون لأولئك المقبورين الميتين
أعظم من خضعانهم في مساجد الله.

كانوا يستغيثون بالأموات،
ويخافونهم خوف السر،
ويحبونهم أشد من محبة الله،
ويتقربون إليهم أكثر من تزلفهم إلى ربهم،

بل نسوا ربهم وذكره،
وفشت فيهم مذاهب الإلحاد والزندقة،
كمذهب وحدة الوجود،
وتعظيم الأولياء على الأنبياء،

كما قال مقدمهم:

مقام النبوة في برزخ ## فويق الرسول ودون الولي

أبو فراس السليماني
2014-09-11, 08:16 PM
هذا جزء في واقع أسود
رآه الشيخ في هذه الديار،

فجاهد متوكلاً على ربه
مقتفيا سنة النبي صلى الله عليه وسلم
حتى في سيرته الجهادية،
فنصره الله وأعزَّه،
ومكَّن له الدين.

وذلك الواقع الذي وصفنا
موجود في أكثر البلدان الإسلامية،
والواجب تبصيرهم بالمكفرات الواقعة الكثيرة
ثم جهادهم بأنواع الجهاد باليد واللسان والقلب،
ولكن اثاقل الناس إلى الأرض،
إلا قليلاً.

أبو فراس السليماني
2014-09-11, 08:31 PM
هذا الذي ذُكر من أصناف الشرك الأكبر
كانت محاربته وتغييره،
وهداية الناس إلى الإسلام
همَّ الشيخ الأول،

ثم إن الشيخ - رحمه الله -
داع حكيمٌ متروٍ،

فإذا كان المخاطب واقعاً في أصناف الشرك
فمن غير الحكمة
أن ينهاه عن البدع ووسائل الشرك
وهو لم يعلم بعدُ
أن الشرك موجود بين الناس،

بل الواجب أن يبين الشرك
ثم إذا استقرت حقيقة الإسلام في قلب العبد
وترك وجاهد الشرك الأكبر،
فهو سينكر وسائل الشرك؛

لأن العاقل البصير إذا كره شيئاً
كره وسائله ودواعيه.

إن السلامة من سلمى وجارتها ## أن لا تحل على حال بواديها

فهذا الشاعر القديم عرف هذه الحقيقة،
وإليها يهتدي العقلاء،
وقد دلت الشريعة إليها وحضت عليها
قاعدة "سد الذرائع".

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 07:00 AM
وقال ملخصاً مباحثه في التوسل
(ص73):

(إن التوسل: ليس مقصورا على تلك الدائرة الضيقة
التي يظنها المتعنتون).

أقول:

هذه كلمات ينفر منها ذووا القلوب الحية،
التي قد ملأت محبة الله
وإعظامه وإجلاله جوانحها،

ويستأنس لها من شُغل بذكر غير الله مع الله،
أو نسوا الله فأنساهم أنفسهم.

يالها من ألفاظ لو مزجت بماء البحر لمزجته،
ولو سالت على زروع الناس
لأفسدت معيشتهم.

سبحان الله!!

التوسل بأسماء الله وصفاته
دائرة ضيقة!

أسماء الله التي لا تحصى
دائرة ضيقة للتوسل!

صفات الله العُلى
وأفعاله الحكيمة
دائرة ضيقة!

سبحان الله!
ولا حول ولا قوة إلا بالله!

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 07:11 AM
يا صاحب المفاهيم!

لو دعوت ربك متوسلاً إليه بأسمائه
لانقضى عمرك وعمر من معك،
ولم تبلغوا نهاية،
ولم تحصوا لها عدداً.

يا صاحب المفاهيم!

لو ظللت تدعو الليل والنهار
لا تفتر أبداً
تتوسل إلى الله
بأسمائه الحسنى
لم تنقض،

ولانقضى عمرك.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 07:19 AM
يا صاحب المفاهيم!

لو توسلت إلى الله
بأسمائه الحسنى
بما يناسب مطلوبك من أسمائه،
لانقضت حوائجك
ولم تبلغ بعضاً من أسماء الله.

يا صاحب المفاهيم!

إن من أسماء الله تسعة وتسعين اسماً
من أحصاها دخل الجنة،

فلو ظللت تدعو بها مفردة،
ثم تجعل مع الاسم آخر ثم هكذا،
لبلغت ما لو دعا به الخلق
من أولهم إلى آخرهم ما يسعهم
غير مكررٍ ولا معيد.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 07:29 AM
يا صاحب المفاهيم!

إني أنذرك مغبة هذه الكلمة الوبيلة
التي يقْشَعِرُّ منها البدن،

وعليك بالانطراح بين يدي الله
والتوبة من هذا القول،
وما جرَّ إليه من الشرك،
وما قرب إليه من البدع،

ولا حول ولا قوة إلا بالله،
وإنا لله،
وإنا إليه راجعون.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 07:45 AM
اللهم إنا نبرأ إليك من قول من قال:
إن التوسل بأسمائك الحسنى
وصفاتك العليا
دائرة ضيقة،

فتقبل اللهم براءتنا،
وعلمنا من أسمائك،
وآثار صفاتك،
ما يقوي قلوبنا،
ويهدينا إلى
صراطك المستقيم.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 09:01 AM
الباب الثاني



مسائل في

توحيد الربوبية والألوهية وفيه:



- الشرك في قوم نوح وإبراهيم، وفي العرب


- دخول الشرك في المسلمين من هذه الأمة


- رد القول "بالمجاز العقلي" لتبرير الشرك



الشرك في قوم نوح:

أخرج البخاري في "صحيحه"
(8/667)
في تفسير قوله تعالى:
[ولا تذرن وَدّاً ولا سواعاً]
الآية

عن ابن عباس رضي الله عنهما:

(صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعدُ.
أما وَدّ فكانت لكلب بدومة الجندل.
وأما يغوث فكانت لمراد ثم بني غطيف بالجرف عند سبأ.
وأما يعوق فكانت لهمدان.
وأما نسر فكانت لحمير لآلِ ذي الكلاع.

أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوح،
فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم
أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً
وسموها بأسمائهم.
ففعلوا فلم تعبد.
حتى إذا هلك أولئك
وتَنَسَّخَ العلم عُبدت).

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 09:19 AM
ومما جاء في معنى كلام ابن عباس
ما أخرجه عبدُ بن حميد
عن محمد بن كعب في قوله:

{ وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً *
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً }

[نوح:23-24].

قال:
(كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح،
فنشأ قوم بعدهم،
يأخذون كأخذهم في العبادة.

فقال لهم إبليس:
لو صورتم صورهم،
فكنتم تنظرون إليهم،
فصوروا ثم ماتوا.

فنشأ قوم بعدهم

فقال لهم إبليس:
إن الذين كانوا من قبلكم
كانوا يعبدونها،
فعبدوها).

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 09:42 AM
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مطهر قال:

ذكروا عند أبي جعفر يزيدَ بنَ المهلب،
فقال:
أما أنه قُتل في أول أرض
عُبد فيها غير الله
ثم ذكر وداً

قال: وكان ودٌّ رجلاً مسلماً،
وكان محبباً في قومه،
فلما مات عسكروا حول قبره في أرض بابل،
وجزعوا عليه،
فلما رأى إبليس جزعهم عليه
تشبه في صورة إنسان،

ثم قال:
أرى جزعكم على هذا
فهل لكم أن أصوّر لكم مثله
فيكون في ناديكم فتذكرونه به.

قالوا: نعم
فصوّر لهم مثله فوضعه في ناديهم،
وجعلوا يذكرونه.
فلما رأى ما بهم من ذكره

قال:
هل لكم أن أجعل لكم
في كل منزل كل رجل تمثالاً مثله
فيكون في بيته فتذكرونه؟

قالوا: نعم.

فصوّر لأهل كل بيت تمثالاً مثله،

فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به.

قال وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعونه به،
وتناسلوا
ودَرَسَ أمر ذكرهم إياه

حتى
اتخذوه إلهاً
يعبدونه من دون الله.

قال:
وكان أول ما عُبد غير الله في الأرض ود،
الصنم الذي سموه بود).

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 09:46 AM
وهناك روايات أخر،

قال الحافظ في "فتح الباري"
(8/669):

(قال بعض الشراح:
محصل ما قيل في هذه الأصنام
قولان:

أحدهما:
أنها كانت في قوم نوح.

الثاني:
أنها كانت أسماء رجال صالحين.
إلى آخر القصة.

قلت:

بل مرجع ذلك إلى قولٍ واحد،
وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح
هذه الأصنام،
ثم تبعهم من بعدهم على ذلك).

انتهى كلام الحافظ ابن حجر.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 01:20 PM
الشرك في قوم إبراهيم:

قال الشهرستاني في "الملل والنحل"
(1/560-563):

(وكانت الفرق في زمان الخليل عليه السلام
راجعة إلى صنفين اثنين:
أحدهما: الصابئة.
والثاني: الحنفاء.

فالصابئة كانت تقول:
إنا نحتاج في معرفة الله تعالى
ومعرفة طاعته وأوامره واحكامه إلى "متوسط".
لكن ذلك المتوسط يجب أن يكون روحانياً لا جسمانياً،

وذلك لزكاء الروحانيات وطهارتها
وقربها من رب الأرباب.

والجسماني بشر مثلنا يأكل مما نأكل،
ويشرب مما نشرب.
يماثلنا في المادة والصورة.

قالوا:

{ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ
إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ }

[ المؤمنون:34 ].

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 01:27 PM
والحنفاء كانت تقول:

إنا نحتاج – في المعرفة والطاعة -
إلى متوسط من جنس البشر،
تكون درجته في الطهارة والعصمة،
والتأييد والحكمة:
فوق الروحانيات.

يماثلنا من حيث البشرية
يمايزنا من حيث الروحانية.

فيتلقى الوحي بطرف الروحانية.
ويلقي إلى نوع الإنسان بطرف البشرية.

وذلك قوله تعالى:

{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ
يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ }

[ الكهف:110 ]،

وقال عزَّ ذكره:

{ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي
هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً }

[ الاسراء: 93 ].

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 01:33 PM
ثم لما لم يتطرق للصابئة الاقتصار على الروحانيات البحتة
والتقرب إليها بأعيانها والتلقي عنها بذواتها
فزعت جماعة إلى هياكلها،

وهي السيارات السبع وبعض الثوابت.

فصابئة النبط والفرس والروم:
مفزعها السيارات.

وصابئة الهند: مفزعها الثوابت.

وسنذكر مذاهبهم على التفصيل على قدر الإمكان
بتوفيق الله تعالى.

وربما نزلوا عن الهياكل إلى الأشخاص
التي لا تسمع
ولا تبصر
ولا تغني عنهم شيئاً.

والفرقة الأولى: هم عبدة الكواكب.
والثانية: هم عبدة الأصنام.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 01:39 PM
ثم قال (ص673)
ذاكراً مذهب أصحاب الروحانيات:

(ومذهب هؤلاء أن للعالم صانعاً فاطراً حكيماً
مقدساً عن سمات الحدثان
والواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى جلاله.

وإنما يتقرب إليه بالمتوسطات المقربين لديه.
وهم الروحانيون المطهرون المقدسون:
جوهراً، وفعلاً، وحالة.

أما الجوهر
فهم المقدسون عن المواد الجسمانية
المبرؤن عن القوى الجسدانية،
المنزهون عن الحركات المكانية،
والتغيرات الزمانية،
قد جبلوا على الطهارة،
وفطروا على التقديس والتسبيح،
لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

وإنما أرشدنا إليهم معلمنا الأول:
عاذيمون، وهرمس.

فنحن نتقرب إليهم
ونتوكل عليهم،
وهم أربابنا وآلهتنا،
ووسائلنا وشفعاؤنا عند الله،

وهو رب الأرباب
وإله الآلهة
رب كل شيء ومليكه) اهـ.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 01:44 PM
والغرض من نقل هذا كله
تبيان بعض حال الصابئة
الذين عبدوا الكواكب
لشبهة الوصول إلى الله
عن طريق من جُبل على
الطهارة والتقديس والتسبيح.

وبين شرك قوم نوح وشرك قوم إبراهيم
جامعٌ تفرعت عنه
أصناف الشرك بعد في الناس

فمقل من الشبه ومستكثر،

فبُعثت لهم الرسل.

فكان شرك قوم نوح يرجع
إلى مظاهر الصلاح في البشر

وشرك قوم إبراهيم من العقل والفلسفة
لأسرار الطبيعة ووظائف الأفلاك.

فشرك قوم نوح
شرك تقريب وشفاعة.
وشرك قوم إبراهيم
شرك أسباب وإعانة

فإذا اتخذت له أصنام
كان شرك تقريب وشفاعة،
كما دل عليه
آخر كلام الشهرستاني.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 03:21 PM
شرك العرب وديانتهم:

اعلم أن العرب كانوا بعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم
على دينه الحنيفية،
وبُثَّ هذا الدين فيهم
فتلقوه من ولد إسماعيل عليه السلام،
وانتشرت فيهم الحنيفية،
وأحبوا البيت وهوت إليه قلوبهم.

(وأول من وضع فيه الأصنام
عمرو بن لُحَيْ بن غالوثة بن عمرو بن عامر

لما سار قومه إلى مكة،
واستولى على أمر البيت،
ثم صار إلى مدينة البلقاء بالشام.
فرأى هناك أقواماً
يعبدون الأصنام.

فسألهم عنها،
فقالوا: هذه أرباب اتخذناها
على شكل الهياكل العلوية،
والأشخاص البشرية:
نستنصر بها فننصر،
ونستسقي بها فنسقى،
ونستشفي بها فنشفى..

فأعجبه ذلك.
وطلب منهم صنماً من أصنامهم
فدفعوا إليه هبل،
فسار به إلى مكة
ووضعه في الكعبة.

وكان معه إساف ونائلة على شكل زوجين.
فدعا الناس إلى تعظيمها،
والتقرب إليها،
والتوسل بها إلى الله تعالى )(1).



<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<

(1):الشهرستاني، "الملل والنحل"(2/1222، 1223) ط. بدران.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 03:35 PM
وذكر الشهرستاني أيضاً أديان العرب واعتقاداتهم،
فأُجملهم:

الطائفة الأولى:
منكروا الخالق والبعث والإعادة
وهم شرذمة وأفراد.

الطائفة الثانية:
منكروا البعث والإعادة.

الطائفة الثالثة:
عباد الأصنام.

ومنهم من كان يميل إلى اليهودية.
ومنهم من كان يميل إلى النصرانية.
ومنهم من كان يصبو إلى الصابئة.

قال عند ذكره الطائفة الثالثة
(2/1232):

(وصنف منهم أقروا بالخالق
وابتداء الخلق ونوع الإعادة.
وأنكروا الرسل،
وعبدوا الأصنام.
وزعموا أنهم شفعاؤهم عند الله
في الدار الآخرة.
وحجوا إليها
ونحروا لها الهدايا،
وقربوا القرابين،
وتقربوا إليها بالمناسك والمشاعر.
وأحلوا وحرموا.
وهم الدهماء من العرب
إلا شرذمة منهم نذكرهم) اهـ.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 05:10 PM
كيف دخل الشرك في المسلمين؟

وببعثة نبي الهدى والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم
زالت عبادة الأصنام على أصنافها،
وتحررت العقول من دناءة تفكيرها،
ووضاعة تصورها،

فارتقت إلى التوحيد
بعد أن كانت في حمأة الشرك،

وأصبحت قلوب العرب وغيرهم
متجهة إلى الله وحده،
لا شريك معه غيره
لا نبي مرسل
ولا ملك مقرب،

فأتمَّ الله الأمر،
وأكمل الدين،
وأعلا كلمته.

فدام على هذا المسلمون زماناً وقروناً،

حتى ظهرت فيهم الحركات الباطنية الخبيثة:
كالإسماعيلة
وما تفرع عنها من قرامطة،
وإخوان الصفا، وعبيديين،
ودروز ونحوهم

مما يعدون صوراً لعقيدة واحدة.
اتخذت هذه الحركة منذ القديم
تقديس أهل بيت الرسول
صلى الله عليه وسلم
شعاراً لها،
وسلسوا الإمامة في إسماعيل بن جعفر،
وكانوا في تقديسهم لآل البيت مشهورين

فالدولة الفاطمية أثر هذه الحركة الباطنية.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 05:19 PM
فالمسلمون في القرون الأولى
لا يوجد بينهم من تحوم مظاهر الشرك في ذهنه
كشرك العرب
باتخاذ الصالحين والأنبياء وسائل وشفعاء،

حتى بث الاسماعيليون معتقداتهم بين الناس سراً،
فاستحسن الجهال هذا الأمر
لخفته وطرح التكاليف الشرعية،

فأخذ يظهر الاعتناء بالقبور
وتشييد مزارات ومشاهد
وتحري الدعاء عندها،

حتى نقلهم الشيطان إلى اتخاذهم شفعاء
ثم نقلهم إلى
دعاء صاحب القبر،

ثم نقلهم إلى الاعتقاد
بأن له تصرفاً في الكون،

تدرج هذا في قرنين أو نحوها.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 05:25 PM
وإن أقدم من وقفت عليه
يرجع المسلمين إلى دين الجاهلية
في الاعتقاد بالأرواح والقبور
هم الاسماعيليون،

وبخاصة إخوان الصفا،
تلك الجماعة السرية الخفية
التي بثت عقائدها،
ورسائلها الخمسين بسرية تامة
حتى لا يكاد يُعرف لها كاتب ولا مصنف،
وإن ظن ظنا.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 05:31 PM
ثم تبعهم على تقديس المقبورين من أهل البيت
الموسويون الملقبون بالاثنى عشرية،

وصنفوا التصانيف في الحج إلى المشاهد،
وفي كيفية الزيارات والأدعية عند القبور،
يسندونها بطرق باطلة كاذبة
إلى أئمة أهل البيت رضي الله عنهم.

وقد طالعت كتاب "الزيارات الكاملة" لابن قولويه (1)
فرأيت فيه من هذا شيئاً كثيراً،
وهو مطبوع.



<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
(1):هو أبو القاسم جعفر بن محمد، المتوفي سنة 367 هـ،
وكتابه طبع طبعة حجرية بالنجف سنة 1356هـ.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 05:37 PM
ومن طالع تراث الإسماعيليين،
وحركة إخوان الصفا
وجد ما قلتُه ماثلاً أمامه،

فإن الشأن عظيم،
وإن فتنة الناس بالقبور
واتخاذ أهلها
شفعاء ووسطاء
لم تُعرف قبلهم،

ولما غلب الجهل قبل ظهور الدولة الفاطمية
عرفت هذه الأمور طائفة من الناس،

فلما ظهرت الدولة العبيدية
شيّدت المشاهد
ونشرت ما كان سراً من عقائدها.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 05:46 PM
جاء في الرسالة الثانية والأربعين
من رسائل إخوان الصفا،
ما يبين هذا، ويبرهن له،

فقال مؤلفوا الرسائل(4/19/21):

(وذلك أن القوم الذين بعث إليهم النبي عليه الصلاة والسلام والتحية والرضوان،
كانوا يتدينون بعبادة الأصنام،
وكانوا يتقربون إلى الله تعالى
بالتعظيم لها والسجود والاستسلام والبخورات،

وكانوا يعتقدون أن ذلك قربة لهم إلى الله زلفى،

والأصنام هي أجسام خرس،
لا نطق لها ولا تمييز ولا حس ولا صورة ولا حركة،

فأرسلهم الله،
ودلهم على ماهو أهدى وأقوم وأولى مما كانوا فيه.

وذلك أن الأنبياء عليهم السلام وإن كانوا بشراً
فهم أحياء ناطقون مميزون علماء مشاكلون للملائكة بنفوسهم الزكية،
يعرفون الله حق معرفته،

والتقرب إلى الله بهم
أولى وأهدى وأحق
من التوسل بالأصنام الخرس
التي لا تسمع ولا تبصر
ولا تغني عنك شيئاً.

ثم اعلم أنا نبين هاهنا بدء عبادة الأصنام فنقول:
بأن بدء عبادة الامم للأصنام أولاً كان عبادة الكواكب،
وبدء عبادة الكواكب كان عبادة الملائكة.
وسبب عبادة الملائكة كان التوسل بهم إلى الله تعالى،
وطلب القربة إليه.

وذلك أن الحكماء الأولين لما عرفوا بذكاء نفوسهم وصفاء أذهانهم
أن للعالم صانعاً حكيماً،
وذلك لتأملهم عجائب مصنوعاته،
وتفكرهم في غرائب مخلوقاته،
واعتبارهم تصانيف أحوال مخترعاته،

ولما تحققت في نفوسهم هويته،
أقروا له عند ذلك بالوحدانية ووصفوه بالربوبية،
وعلموا أن له ملائكة هم صفوته من خلقه،
وخالص عباده من بريته:
طلبوا عند ذلك إلى الله القربة،
وتوسلوا إليه بهم،
وطلبوا الزلفى لديه بالتعظيم لهم،

كما يفعل أبناء الدنيا،
ويطلبون القربة إلى ملوكهم بالتوسل إليهم
بأقرب المختصين بهم،

وكان من الناس
من يتوسل إلى الملك بأقاربه
وندمائه ووزرائه
وكتابه وخواصه وقواده،
وبمن يمكنه بحسب ما يتأتى له،
الأقرب فالاقرب والأدنى فالأدنى،

كل ذلك طلباً للقربة إليه والزلفى لديه.

فهكذا وعلى هذا المثال فعلت الحكماء وأهل الديانات
ومن عرف الله، وآمن به وأقر به،
فإنهم طلبوا القربة إليه والزلفى عنده:
كل واحد بحسب ما أمكنه وتأتى له،
وأدى إليه اجتهاده،
وتحقق في نفسه.

فلما مضى أولئك الحكماء والربانيون العارفون بالله حق معرفته،
وانقرضوا خَلَفهم قومٌ آخرون
لم يكونوا مثلهم في المعرفة والعلم،
ولم يعرفوا مغزاهم في دياناتهم،
فأرادوا الاقتداء بهم في سيرتهم
واتخذوا أصناماً على مثل صورتهم،
وصوروا تماثيل على مثل ما فعلت النصارى في بيعهم،
من التماثيل والصور
مثل أشباه المسيح عليه السلام ومثل الروح القدس
وجبرائيل ومريم عليهما السلام،
وكذلك أحوال المسيح في متصرفاته،
ليكون ذلك تذكاراً لهم بأحواله
كيف ما يمموا تلك التصاوير والتماثيل.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 05:54 PM
ثم قال إخوان الصفا الباطنيون:

فصل:

ثم اعلم يا أخي أن من الناس
من يتقرب إلى الله بأنبيائه ورسله
وبأئمتهم وأوصيائهم،
أو بأولياء الله وعباده الصالحين،
أو بملائكة الله المقربين،
والتعظيم لهم ومساجدهم، ومشاهدهم،
والاقتداء بهم وبأفعالهم،
والعمل بوصاياهم وسننهم على ذلك
بحسب ما يمكنهم
ويتأتى لهم ويتحقق في نفوسهم
ويؤدي إليه اجتهادهم

فأما من يعرف الله حق معرفته
فهو لا يتوسل إليه بأحد غيره
وهذه مرتبة أهل المعارف
الذين هم أولياء الله.

وأما من قصر فهمه ومعرفته وحقيقته:
فليس له طريق إلى الله تعالى إلا بأنبيائه،
ومن قصر فهمه ومعرفته بهم
فليس له طريق إلى الله تعالى إلا بالأئمة من خلفائهم وأوصيائهم،
والتعلق بسننهم،
والذهاب إلى مساجدهم ومشاهدهم،
والدعاء والصلاة والصيام والاستغفار
وطلب الغفران والرحمة عند قبورهم،

وعند التماثيل المصورة على أشكالهم،
لتذكار آياتهم، وتعرف أحوالهم،
من الأصنام والأوثان وما يشاكل ذلك
طلباً للقربة إلى الله والزلفى لديه.

ثم اعلم أنه على كل حال
من يعبد شيئاً من الأشياء
ويتقرب إلى الله تعالى بأحد
فهو أصلح حالاً ممن لا يدين شيئاً
ولا يتقرب إلى الله البتة..)

انتهى ما نقلته من رسائل إخوان الصفا.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 06:01 PM
وهذه الجماعة الباطنية
كان مبدأ نشاطاتها في أول القرن الثالث،
ولم تُعرف رسائلها التي قعّدت لمذهبها،
وبثت ذلك في أواسط الناس
إلا في القرن الرابع الهجري،
بسرية تامة فدخلت الأفكار في الطغام،

وأنكرها العلماء الأعلام،
وكفروا أصحابها

كما قال ابن عقيل صاحب الفنون
وهو من علماء القرن الخامس
حيث انتشرت المذاهب بتأييد الدولة العبيدية

قال:

(لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام،
عدلوا عن أوضاع الشرع
إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم،
فسهلت عليهم
إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم،

وهم عندي كفار لهذه الأوضاع،
مثل تعظيم القبور،
وخطاب الموتى بالحوائج

وكتب الرقاع فيها:
يا مولاي! افعل بي كذا وكذا،

أو إلقاء الخرق على الشجر
اقتداءً بمن
عَبَدَ اللات والعزى ...)

انتهى.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 06:09 PM
فصل

قال صاحب المفاهيم (ص26)
معنوناً: (الواسطة الشركية)،

وذكر قوله تعالى:

{ مَا نَعْبُدُهُمْ
إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }
[الزمر: 3]

فقال:
(هذه الآية صريحة في الإنكار على المشركين
عبادتهم للأصنام واتخاذها آلهة من دونه تعالى،
وإشراكهم إياها في دعوى الربوبية
على أن عبادتهم لها تقربهم إلى الله زلفى.

فكفرهم وشركهم من حيث عبادتهم لها
ومن حيث اعتقادهم أنها أرباب من دون الله.وهنا مهمة لا بد من بيانها
وهي أن هذه الآية
تشهد بأن أولئك المشركين ما كانوا جادّين
فيما يحكي ربنا عنهم) اهـ.


أقول:

حوى هذا الكلام على مسألتين:

الأولى:

أن كفار العرب ومشركيهم
يعتقدون أن أصنامهم أرباب من دون الله،
تخلق وترزق،

وهذه
تخالف صريح القرآن
فيما حكاه عنهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 06:17 PM
الثانية:

أن قولهم فيما حكى الله عنهم:
{ مَا نَعْبُدُهُمْ
إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }
[ الزمر: 3 ]،

لم يقولوه على سبيل الجد،
فيما حكاه الله عنهم،

وهذه المسألة الثانية من عجائب الأقوال،
وغرائب المخترعات،
مما سبق به كاتب "المفاهيم" غيره، وبزّه!!

فالله يحكي عن المشركين قولاً
يبني عليه حكماً
وعند هذا أنهم غير جادين،

وكأن الله حكى عنهم
غير عالم أنهم ليسوا جادين،

أفتراه يحكي هزلاً،
والقرآن فصل ؟!

{ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ
وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ }

[ الطارق: 14 ].

وكلماته في هذه المسألة
مما يأنف أن يقوله طالبُ علم،

بل لا يقوله
إلا من
في قلبه زَغَل
وفتنة،
وشرك
وبدعة.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 06:30 PM
يقول الله تعالى:

{ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
مَا نَعْبُدُهُمْ
إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى

إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي
مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }

[ الزمر: 3 ]،

هذه الآية بتمامها،
أسيقت لقولٍ غير جاد ؟

سبحان الله
من هذا الافتراء المحض !!

الذي خالف أقوال أهل العلم جميعاً،
ولم يقل به أحداً من المفسرين

هذا الذي فهمه صاحب المفاهيم.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 06:44 PM
قال الفخر الرازي في "تفسيره"
(26/241):

(واعلم! أن الضمير في قوله:

{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }
[ الزمر: 3 ]

عائد على الأشياء التي عُبدت من دون الله،
وهي قسمان: العقلاء، وغير العقلاء،

أما العقلاء:
فهو أن قوماً عبدوا المسيح وعزيراً والملائكة،
وكثير من الناس يعبدون الشمس والقمر والنجوم،
ويعتقدون فيها أنها أحياء عاقلة ناطقة،

وأما الأشياء التي عُبدت
مع أنها ليست موصوفة بالحياة والعقل
فهي الأصنام.

إذا عرفت هذا فنقول:
الكلام الذي ذكره الكفار لائقٌ بالعقلاء،
أما بغير العقلاء فلا يليق،

وبيانه من وجهين:
الأول:
أن الضمير في قوله: { مَا نَعْبُدُهُمْ } ضمير للعقلاء،
فلا يليق بالأصنام.

الثاني:
أنه لا يبعد أن يعتقد أولئك الكفار
في المسيح والعزير والملائكة
أن يشفعوا لهم عند الله،

أما يبعدُ من العاقل
أن يعتقد في
الأصنام والجمادات
أنها تقربه إلى الله ؟...) اهـ.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 09:52 PM
( فلقد كانوا يعلنون أن الله خالقهم وخالق السماوات والأرض...
ولكنهم لم يكونوا يسيرون مع منطق الفطرة
في إفراد الخالق إذن بالعبادة،
وفي إخلاص الدين لله
بلا شريك.

إنما كانوا يبتدعون أسطورة بنوة الملائكة لله سبحانه،
ثم يصوغون للملائكة تماثيل يعبدونها فيها،

ثم يزعمون أن عبادتهم لتماثيل الملائكة
– وهي التي دعوها آلهة أمثال اللات والعزى ومناة( 1 ) –

ليست عبادة لها في ذاتها،
إنما هي زلفى، وقربى لله؛
كي تشفع لهم عنده وتقربهم منه!

وهو انحراف عن بساطة الفكرة واستقامتها،
إلى هذا التعقيد والتخويف،

فلا الملائكة بنات الله،
ولا الأصنام تماثيل الملائكة،
ولا الله – سبحانه – يرضى بهذا الانحراف،
ولا هو يقبل فيهم شفاعة،
ولا هو يقربهم إليه عن هذا الطريق،

وإن البشرية لتنحرف عن منطق الفطرة،
كلما انحرفت عن التوحيد الخالص البسيط
الذي جاء به الإسلام،

وجاءت به العقيدة الإلهية الواحدة مع كل رسول.

وإنا لنرى اليوم في كل مكان
(عبادة) للقديسين والأولياء
تشبه عبادة العرب الأولين للملائكة،
أو تماثيل الملائكة،
تقرباً إلى الله بزعمهم،
وطلباً لشفاعتهم عنده.

وهو سبحانه يحدد الطريق إليه،
طريق التوحيد الخالص
الذي لا يلتبس بوساطة أو شفاعة،
على هذا النحو الأسطوري العجيب).


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
( 1 ) : ليست اللات والعزى ومناة تماثيل للملائكة،
كما يعلم من تفسير سورة النجم، بل هي تماثيل لبشر أو حجر.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 10:05 PM
وفي تفسير "التحرير والتنوير"
(23/322):

(والاستثناء في قوله:

{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ }

[ لقمان: 25 ]،

استثناء من علل محذوفة.

أي:ما نعبدهم لشيءٍ
إلا لعلّة أن يقربونا إلى الله،
فيفيد قصراً على هذه العلة قَصْر قلب إضافي...) انتهى.

ولو نقلت ما قاله المفسرون
لبلغ مئاتٍ من الصفحات،
ولكن فيما ذكر فتحُ بابٍ
لمن أراد مزيداً من النقول.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 10:08 PM
فبهذا ظهر أن قول
صاحب المفاهيم:
(وإن أولئك المشركين ما كانوا جادين فيما يحكي ربنا عنهم)

من المفاهيم الباهتة
التي تفرّد بها بعد أربعة عشر قرناً،

ولازمها أن هذا القرآن
فيه كلام يحكيه رب العالمين
ليس صدقاً بل هزلاً،
فبئست المقالة.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 10:14 PM
وقد أظهر صاحب المفاهيم هذا اللازم

حيث قال (ص27):

(وقل ذلك أيضاً في قوله تعالى:
{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }

[ لقمان: 25 ]،

فإنهم لو كانوا يعتقدون حقاً أن الله تعالى الخالق وحده،
وأن أصنامهم لا تخلق
لكانت عبادتهم لله وحده دونها ) اهـ.



وهذا كلام لو مزج بماءٍ فراتٍ لمزجه،
ويأتي رده في المسألة التالية لكلامي هذا.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 10:24 PM
توحيد الربوبية والإلهية




أما المسألة الأولى:

وهي زعمه أن كفار العرب الذين بعث إليهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
إنما كفروا وأشركوا؛
لأنهم اعتقدوا أن أصنامهم أرباب،
تخلق وترزق،

فصاحب المفاهيم يظن أن كفار العرب
لم يكونوا يقولون بأن الله خالقهم،

وذكر آية لقمان والزمر:
{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }

[لقمان: 25]،

فقال:
إنهم لا يعتقدون ذلك،
وإنما حكى الله عنهم ما لم يعتقدوه
كما مر نقله بنصه آنفاً.

وهذه المسألة أصل ضلال كثير من الخلق،
وأصلها الذي سبَّب نشرها بين الناس
هو منطق اليونان المذموم،
ومن تتلمذ له من أهل الكلام المشؤوم،

وهي القاعدة
التي ارتكز عليها أتباع أولئك الأقوام
في تفسير كلمة التوحيد.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 10:31 PM
والحق الذي لا مرية فيه
وأطبق عليه كل العلماء
وهو صريح القرآن،
أن مشركي العرب في زمن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
كانوا يعتقدون أن الله خالقهم ورازقهم،
فهم مقرون بتوحيد الرب بأفعاله،
من الخلق
والرزق
والتدبير
والإحياء
والإماتة
والتسخير
ونحو ذلك من أفعال الرب،

فلم يكونوا يعتقدون مشاركة أحدٍ له في ذلك،
وهو الذي سماه العلماء:
( توحيد الربوبية ).
فهم مقرون بهذا التوحيد،
ولم يدخلهم في الإسلام،

وليسوا مقرين بتوحيد الله بأفعالهم:
كالدعاء
والاستغاثة
والرجاء
والخوف
والمحبة
والنذر
والذبح
ونحو ذلك،

مما سماه العلماء:
( توحيد الألوهية )،
أي: توحيد العبادة.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 10:38 PM
وقد نوع الله جل وعلا في كتابه الكريم
الدلائل في إقرار المشركين بتوحيد الربوبية،
وإشراكهم في الألوهية،

بما إذا قرأه المسلم زاد تبصراً في حالهم،
وفقهاً في عقيدتهم.

النوع الأول من الدلائل على ذلك:

كقوله تعلى في سورة (يونس):

{ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ
وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ
وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ
فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ
فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ }

[ يونس: 31 ].

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 10:45 PM
وقال عز وجل في سورة (المؤمنون):

{ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ
قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ*

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ
وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ *
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ
قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ *

قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ
قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ }

[ المؤمنون: 84-89 ]،

فتأمل تعقيبه
بـ { فَأَنَّى تُسْحَرُونَ }،
والنكتة فيه
أن من أقر بكل هذا
ولم يوحد الله بالعبادة
فهو مسحور،
سحر جاهٍ أو سحر رياسة،
أو نحوه.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 10:50 PM
وقال تعالى اسمه وتعاظم
في سورة (العنكبوت):

{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ *

اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ
إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ }

[ العنكبوت61-63 ].

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 10:57 PM
وقال تعالى في (لقمان):

{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ }

[ لقمان: 25 ]،

وفي (الزمر):

{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }

[ الزمر: 38 ] الآية.

وغير هذه الآيات في القرآن.

أبو فراس السليماني
2014-09-12, 11:51 PM
وهي ظاهرة في أن اعتقاد المشركين:
أن لا رازق إلا الله،
وأنه تعالى مالك السمع والأبصار،
والمحي المميت،
وهو مدبر الأمر.
وأنه تعالى له الأرض ومن فيها،
وله السماوات السبع والعرش العظيم،
وأنه بيده ملكوت كل شيء،
ليس لأحدٍ ملك،
وأنه يجير ولا يجار عليه.
وأنه خالق السماوات والأرض،
ومسخر الشمس والقمر،
وأنه منزل القطر،
ومحي الأرض بعد موتها.
كل هذا اعتقاد مشركي العرب وغيرهم،

حكاه القرآن عنهم،
وألزم أولئك بأنهم ما داموا مقرين بذلك
فَلِمَ لَمْ يوحدوه بعبادته؟!

ولِمَ يتخذون شفعاء
يطلبون شفاعتها من عقلاء أموات،
أو جمادات ؟!

وصاحب المفاهيم ينكر هذا ويقول:
إن هؤلاء المشركين لم يقروا بما حكاه الله عنهم،

فيا لها من جراءة
ما بعدها جراءة !!

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 07:18 AM
النوع الثاني:

كقوله تعالى في سورة (الأنعام):

{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً
قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ
لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ
أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى
قُلْ لا أَشْهَدُ
قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ
وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ }

[ الأنعام: 19 ]،

فهذه الآية الكريمة
أفادت أن المشركين يشهدون بأن الله إلههم،
ولكنهم يقولون إن معه آلهة أخرى،
وهذه الشهادة منهم أُكدت بالقسم
وبأداة التأكيد (إن)،
وأكدت باللام.

فلفظ (مع) في قوله تعالى:

{ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى }

يدل على أنهم مقرون بربوبية الله،
وكذا بألوهيته،
لكنهم جعلوا معه آلهة أخرى،
جعلوها مع الله،
فشركهم من حيث إشراكهم آلهة مع الله
يتوجهون إليها كوسائط توصلهم إلى الله،
وترفع حاجاتهم،
وتلبي طلبهم بالدعاء لها،
هذا اعتقادهم ودينهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 07:28 AM
وجاء مثل هذا المعنى في آيات كثيرة،

منها قوله تعالى:

{ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئي نَ *
الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ
فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }

[ الحجر: 95-96 ]،

وقوله:

{ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ
إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ
فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ
إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }

[ المؤمنون: 117 ]،

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 07:58 AM
وقوله تعالى في آيات (النمل):

{ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ }

[ النمل: 60 ]،

وقوله:
{ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ }

[ النمل: 61 ]،

وقوله:
{ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ }

[ النمل: 62 ]،

وقوله:
{ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

[ النمل: 63 ]،

وقوله:
{ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

[ النمل: 64 ]،

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 08:08 AM
وقوله تعالى:

{ فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ
فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ }

[ الشعراء: 213 ]،

وقوله تعالى:

{ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ
فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ }

[ ق: 26 ]،

والآيات كثيرة،

يذكر الله في كتابه ما يعتقده المشركون
أن مع الله إلهاً،
فهم مقرون بربوبية الله وأحديته،
ولكن يتخذون معه آلهة في العبادة،

ومن تأمل هذا
وتدبر تلك الآيات الكريمات العزيزات،
انفتحت له من العلم أبوابٌ
ولج منها إلى الفهم الصحيح
لما بعث الله به رسله.

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 08:16 AM
النوع الثالث:

كقوله تعالى:

{ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا
وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ }

[ الأنعام: 148 ]،

وقوله:

{ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ }

[ الرعد: 33 ]،

في الرعد وغيرها من الآيات المفيدة
أنهم مقرون على أنفسهم بالشرك،في العبادة
بل القرآن كله في مخاطبته للمشركين مضمن هذا.

ولفظ الشرك لا يكون في لسانٍ
إلا ومعناه إشراك شيئين في حكم،
فهم مع اعترافهم بشركهم مقرون بربوبية الله،
ولكنهم أشركوا به في الإلهية.

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 08:22 AM
النوع الرابع:

إخباره تعالى عن هؤلاء المشركين
الذين كَذَّبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحاربوه وقَلَوه،
أنهم لا يشركون إلا في الرخاء واليسر،

لا في الشدة والكرب والعسر،
فهم حين ذلك مخلصون لله وحده
لا يدعون سواه،
ولا يتخذون وسائط .

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 08:36 AM
وهذا النوع متعدد في القرآن الكريم العزيز،

كقوله تعالى:

{ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ
وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا
جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ
وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ
لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }

[ يونس: ]،

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 08:43 AM
وقال تعالى:

{ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ
إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }

[ العنكبوت: 65 ]،

وقال:

{ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ
فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ }

[ لقمان: 32 ].

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 08:57 AM
فيا من قال:

إن أولئك الكفار يشركون بربوبية الله لا في عبادته؛

ويتأول آياتٍ
تأويلاً من نوع اللعب !

يا من قال ذلك!

أفيدعو أولئك مخلصين في حالة الشدة
من لم يعتقدوا ربوبيته وإلهيته ؟!

إن الحق الذي لا يجوز المحيد عنه
هو الذي دل عليه القرآن،

من إقرار المشركين بربوبية الله،
وكذا بألوهيته،

لكنهم أشركوا مبررين صنيعهم
بتأويلات وشبهات باطلة ،

فإذا كان الشدة والكرب،
أخلصوا دينهم لله،
وتركوا طلب الدعاء من غير الله،
وتركوا الاستغاثة بغير الله،
أخلصوا ذلك كله لله،
ونسوا غيره من الملائكة والأنبياء والصالحين.

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 09:12 AM
النوع الخامس:

كقوله تعالى في آخر سورة (يوسف):

{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ
إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }

[ يوسف: 106 ]،

وإيمانهم بالله هو قولهم:
الله خالقنا ورازقنا، ومميتنا وحيينا،

وإشراكهم هو جعلهم لله شريكاً
في عبادته ودعائه،

فلا يخلصون له بالطلب منه وحده،

ونحو هذا قال أهل التأويل:
ابن عباس، وعكرمة،
ومجاهد، وعامر، وقتادة، وعطاء،وجَمْع

كما في "تفسير ابن جرير"
(13/50-51)،
وابن أبي حاتم.

هذا هدى ،
فهل لهؤلاء من آذانٍ صاغية،
وقلوب تخاف الآخرة،
ونفوسٍ تكره النار وغضب الجبار؟!
اللهم!
اهدهم فإنهم لا يعلمون.

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 03:19 PM
الدليل من السنة
على إقرار المشركين بتوحيد الربوبية

وكذا في السنة
أدلة على إقرار المشركين بالربوبية،
وأن ذلك الإقرار لا ينفع إلا إذا شهد المقر بالربوبية
(أن لا إله إلا الله)،

والإله هو المعبود

كما قال تعالى:
{ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه }
[ هود: 26 ]،

فمن ذلك:
ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (2/4)
عن أنس بن مالك قال:

(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر،
وكان يستمع الأذان،
فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار.

فسمع رجلاً يقول:
الله أكبر الله أكبر،

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( على الفطرة )،

ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( خرجت من النار )،

فنظروا فإذا هو راعي معزى).

فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال:
(الله أكبر): ( على الفطرة )،

أفاد فائدة
وهي أن هذا القول
وما يدل عليه من توحيد الربوبية،
هو في الفطر مستقر( 1 )،

ولذا لم يحكم بنجاته من النار وإسلامه إلا بقوله:
(أشهد أن لا إله إلا الله)،
شهادة متضمنة نفي كل معبود سوى الله،
وهو توحيد الألوهية،
ودلالة هذا ظاهرة.


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
( 1 ) : ومن ذلك قول أوس بن حجر: وباللات والعزى ومن دان دينها وبالله إن الله منهم أكبرُ.

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 03:53 PM
ومن ذلك ما جاء في "صحيح مسلم"
(15/11 مع "شرح مسلم")

عن عمرو ابن الشريد عن أبيه قال:

(ردفتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال:
( هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ )،
قلت نعم،
قال:( هيه )،
فأنشدته بيتاً،

فقال: ( هيه )،
ثم أنشدته بيتاً،

فقال: ( هيه )،
حتى أنشدته مئة بيت).

ورواه مسلم من طريق أخرى بمثله،

وزاد: قال: ( إن كاد ليسلم )،

وفي الطريق الأخرى طريق عبد الرحمن بن مهدي قال:
( فلقد كاد يسلم في شعره ).

قال النووي:
(واستزاده من إنشاده
لما فيه من الإقرار بالوحدانية والبعث) اهـ.

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 04:00 PM
ومن شعر أمية قولُه:

الحمد لله ممسانا ومصبحنا * بالخير صَبَّحنا ربي ومَسَّانا
ربُّ الحنيفية لم تنفد خزائنها * مملؤة طبق الآفاق أشطانا
ألا نبي لنا منا فيخبرنا * ما بعد غايتنا من رأس هجرانا
بينا يُريَّبُنا آباؤنا هلكوا * وبينما نقتفي الأولاد ألانا
وقد علمنا لو أن العلم ينفعنا * أن سوف تلحق أخرانا بأولانا
وقد عجبت وما بالموت من عجب * ما بال أحيائنا يبكون موتانا

وشعره معروف سائر،

وكثير منه في نحو هذه المعاني،
المفردة رب الخليقة بالربوبية،
المؤمنة بالبعث.

فانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم:
( إن كاد ليسلم )،
فلم يحكم له بالإسلام بمجرد توحيده رب الخليقة
بالخلق والإحياء والإماتة ونحو ذلك،

وهو من الجاهلين
الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

والإكتفاء بهذين الحديثين
من سنة حبيبنا
صلى الله عليه وسلم
فيه كفاية لمن أراد الحق وسعى إليه.

أبو فراس السليماني
2014-09-13, 04:09 PM
ومن شعر العرب الدال على إقرارهم بالربوبية،

قول أوس بن حجر( 1 ):
وباللات والعزى ومن دان دينها * وبالله إن الله منهن أكبر

ومنه قول درهم بن زيد الأوسي( 2 ):
إني ورب العُزّى السعيدة * والله الذي دون بيته سَرَفُ!

وفي الباب أشعار كثيرة فيها الإقرار بالربوبية،
ولكني أجتزأت منها بما ذكرت؛
لأجل ورود ذكر الله جل جلاله
وأصنامهم في بيت واحد؛
ليكون أدل على المراد،
وأثبت عند الحجاج.

وكانت تلبية نزار إذا ما أهلّت:
لبيك اللهم لبيك،
لبيك لا شريك لك
إلا شريك هو لك
تملكه وما ملك( 3 ).


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
( 1 ) : "الأصنام" (ص17).
( 2 ) : "الأصنام" (ص19).
( 3 ) : "الأصنام" (ص7).

أبو فراس السليماني
2014-09-17, 04:57 AM
المجاز العقلي
وتعلق صاحب المفاهيم به
في تبرير أعمال الشرك ووسائله

أكثر صاحب المفاهيم من تبرير وتسويغ
ما يقوله المتوسلون بالذوات والجاه والحرمة ونحوها،
وكذا ما يقوله المتخذون رسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحين
واسطة بينهم وبين الله في الدعاء والشفاعة،
وكشف الضراء وجلب السراء،
وغفران الذنوب
بحجة المجاز العقلي.

وكذا ما يفعله العاكفون على القبور
من استغاثتهم بالأموات،
وطلب الشفاعة من الصالحين المقبورين وغيرهم
ممن قد لا يعرفون بصلاح،

يجادل في الحكم عليهم بالشرك
بحمل صنيعهم على المجاز العقلي.
والاحتجاج بالمجاز العقلي،

وإن احتاج إليه بعض المتأخرين من البيانيين
لتخريج بعض أنواع الإسناد في قصائد الشعراء،
أو في كلام العرب،

فلا يجوز لتخريج الكلام الذي ظاهره
شرك وكفر،
بحجة صدوره من مُقِرًّ بوحدانية الخالق،

وهذا مجمع عليه بين علماء الشريعة:
الفقهاء والمحدثين.

أبو فراس السليماني
2014-09-17, 05:00 AM
ولم يحتج بالمجاز العقلي في منع التكفير
إلا قلة من متأخري المنتسبين للعلم،
بعد ظهور دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب
– رحمه الله -،
لجأوا إلى ذلك تخلصاً من الإنكار عليهم،
وتبريراً لأوضاعهم الفاسدة،
وتخريجاً لأقوالهم الشركية،

وهو عمل باطل
لأن الأصل في الكلام الحقيقة،
ولا يصار إلى المجازإلا بدليل؛

ولأن فتح هذا الباب
يُحْيي شجرة الشرك.

أبو فراس السليماني
2014-09-17, 05:11 AM
وإليك شيئاً من كلامه:

قال (ص16)
تحت عنوان "(المجاز العقلي واستعماله):
(الاعتقاد الصحيح هو اعتقاد أن الخالق للعباد وأفعالهم هو الله وحده،
فهو الخالق للعباد وأفعالهم،
لا تأثير لأحدٍ سواه،
لا لحي، ولا لميت.
فهذا الاعتقاد هو التوحيد المحض،
بخلاف ما لو اعتقد غير هذا فإنه يقع في الإشراك) اهـ.

أقول:

هذا الاعتقاد هو توحيد الربوبية،
وما هو بالتوحيد المحض،

بل التوحيد المحض هو
ما جمع بين توحيد الله
في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته،

وما لم تجتمع فيه هذه الثلاثة
فليس بتوحيد محض.

وقد قدمنا بالأدلة القاطعة من القرآن والسنة
أن المشركين الذين بُعِثَ إليهم النبي صلى الله عليه وسلم
كانوا مقرين بما سماه صاحب المفاهيم "توحيداً محضاً".

اسمع قوله تعالى :

{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ
أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ
وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ
وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ
فَسَيَقُولُونَ اللّهُ
فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ *

فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ
فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ
فَأَنَّى تُصْرَفُونَ *
كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ
أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

[ يونس: 31-33 ]،

فهم مقرون بأن الله هو الخالق وحده،
والمحي المميت وحده،
وهو وحده مدبر الأمر،
ومع ذلك أخبر أنهم ليسوا مؤمنين،
وأنهم على ضلال.

فاحتج عليهم بما يقرون به:
وهو توحيد الربوبية،
على ما ينكرونه
توحيده سبحانه بأفعالهم
وهو الألوهية،

ولا بُدّ عند الاحتجاج أن يقدم للمعارض ما به يقر،
فانظر إلى لطيف هذه الحجة
واستعمال القرآن لها.

أبو فراس السليماني
2014-09-17, 05:26 AM
والمشركون الذين بعث إليهم نبي الله إبراهيم
– عليه الصلاة والسلام –
مقرون بذلك المعنى،
ومقرون بأن الله خالق ما يعملون،
فهم مخلوقون وأفعالهم مخلوقة لله.

ولذا احتج عليهم إبراهيم – عليه السلام –
بما يقرون به

فقال لهم ما أخبر الله عنه:

{ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ *
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }

[ الصافات: 95-96 ]

فأنكر عليهم العبادة:
وهي صرف القلب لهذه المنحوتات
المصورة على صور الوسائط،

وحجهم بما يقرون به،
وهو خلق الله لهم ولما يعملونه،

فأين هذا من التوحيد المحض،
وهم المشركون شركاً محضاً ؟!

أبو فراس السليماني
2014-09-17, 05:55 AM
وقوله:

(لا تأثير لأحد سواه لا لحي ولا لميت الخ)




تفوح منه رائحة قول غلاة الصوفية
القائلين بوحدة الوجود،
وأنه ما ثمَّ إلا الله،
وأفعال العباد هي أفعاله،

وقول صاحب المفاهيم:
(بخلاف ما لو اعتقد غير هذا فإنه يقع في الإشراك)،

نابع ومتفرع عن أصل أهل الكلام المذموم،

وهو أن غاية التوحيد توحيد الربوبية،
والمشرك من اعتقد وجود خالقين،
أو نابع من القول بوحدة الوجود كما ذكرنا،

ومن عرف حال المشركين
الذين أخبر الله بأحوالهم ومعتقداتهم،
تيقن بطلان
هذا الكلام العقلي لا الشرعي،

فإنه ليس له من دلائل الكتاب والسنة نصيب،
بل القرآن كله في تقرير خلافه.

أبو فراس السليماني
2014-09-17, 06:14 AM
ولكن تتلمذ فئام لأهل الكلام وكتبهم،
وانصرفوا عن تدبر كتاب ربهم،

والإشراك أقسام:

منها:
ما يقع في الربوبية
كاعتقاد الثنوية القائلين بوجود خالقين.

ومنها:
ما يقع في الألوهية،
كما هو شرك أكثر بل كل من بُعثت لهم الرسل
الذين قصَّ الله علينا في القرآن أخبارهم.


فما من منازع في توحيد الربوبية عند العرب
إلا شرذمة لا يصح أن تنسب لهم مقالة
كما قاله جمع من العلماء،
وما أولئك بالموحدين توحيداً محضاً.

أبو فراس السليماني
2014-09-17, 11:44 PM
يقول الله تعالى:

{ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
مَا نَعْبُدُهُمْ
إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى

إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي
مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }

[ الزمر: 3 ]،





سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

لا إله إلا الله
وحده لا شريك له
له الملك
وله الحمد
وهو على كل شيء قدير

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 07:40 AM
قال صاحب المفاهيم
(ص21):

( والأمر الجامع في ذلك
أن من أشرك مع الله جل جلاله غيره في الاختراع والتأثير،
فهو مشرك،
سواء كان الملحوظ معه جماداً، أو آدمياً، نبياً، أو غيره،
أو ملكاً، أو جناً، أو عملاً عمله.
ومن اعتقد السببية في شيء من ذلك اطردت أو لم تطرد،
فجعل الله تعالى سبباً لحصول مسبباتها،
وأن الفاعل هو الله وحده لا شريك له فهو مؤمن،
ولو أخطأ في ظنه ما ليس بسببٍ سبباً؛
لأن خطأه في السبب
لا في المسبب الخالق المدبر جل جلاله، وعظم شأنه).




أقول:
وهذا الاعتقاد هو عين ما كان يعتقده مشركوا العرب
حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل،
لا فرق،

فكيف تجري هذه الشبه في أمة محمد
صلى الله عليه وسلم،
وقد أكرمها الله ببعثة نبيه وإجابته واتباعه ؟!

ثم إن أهل وحدة الوجود يقولون:
إن من اعتقد أن هناك فاعلاً غير الله فقد أشرك
وهو قول الجبرية أيضاً،
وذلك ما يدل عليه كلامه.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 07:49 AM
والمشركون لم يعتقدوا أن أوثانهم تخلق بنفسها،
ولا أنها تنفع بنفسها
ولا أنها تفعل هي،
بل الفاعل عندهم والمدبر هو الله

كما قال تعالى:

{ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ }

[ يونس: 31 ]،

وقال:

{ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ
إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ *
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ }

[ المؤمنون: 88-89 ]،

فإذا أخبرنا الله أن أولئك الأقوام
إنما أشركوا شرك واسطة،
لا شرك خلق وإيجاد،
أشركوا شرك تسبب لا شرك استقلال،

فلماذا لا نتبع ما قال الله
وندع قول أحفاد اليونان من أهل الكلام ؟!

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 08:01 AM
إنها فتنة عظيمة شديدة
عسى الله أن يخرج أقواماً منها،

قال تعالى إخباراً عن أهل النار:

{ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ *
تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ *
إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ *
وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ *
فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ }

[ الشعراء: 96-100 ]،

فتأمل قوله تعالى حق التأمل وتدبره،

واجمع بينه وبين قوله تعالى:

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }

[ لقمان: 25 ]،

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }

[ الزخرف: 87 ]

تعلم من ذلك أمرين:

الأول:

أن تسوية المشركين معبوديهم برب العالمين
لم تكن في الخلق والإيجاد،
بل سووهم برب العالمين
في التوجه والعبادة.

فحق الله
أن لا يتوجه بطلب الغفران
ورفع الدرجات والعطاء
والرحمة
إلا منه.

وهم توجهوا بطلب الغفران والعفو وطلب الخير
من أصنامهم الممثلة على صور الصالحين،

وكان شعارهم:

{ مَا نَعْبُدُهُمْ
إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }

[ الزمر: 3 ]،

وكذا قولهم:

{ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ }

[ يونس: 18 ].

فتبين باليقين القاطع
أن تسويتهم معبوداتهم برب العالمين،

إنما هي في
المحبة
والتعظيم
والتوجه
والقصد،
وطلب الشفاعة
والواسطة.

فالقرآن حق كله،
وأحسن وأعلى وأغلى
ما فُسّر به القرآن القرآن.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 08:06 AM
الثاني:

أن اتخاذ الشفعاء ودعاء المقبورين
طلباً لشفاعتهم
شرك
وهو عين شرك الجاهلين،

وشركهم كان في الألوهية
في التسوية بين الله وبين خلقه
في التوجه والقصد
طلباً للشفاعة والدعاء والتسبب،


وقول صاحب المفاهيم:
(إن هذا سبب )

كذبٌ على الشرع،

فإن الله لم يجعل هذا سبباً لقبول الدعاء
ولا أمرَ به
ولم يشرعه لعباده.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 08:16 AM
ومن توجه إلى كتاب الله
وتفقه فيه وتبصر بآياته
وما أخبر الله فيه عن عقائد المشركين
وعقائد الموحدين،

وأحوال الرسل مع أقومهم
وما يتصل بذلك من بيان التوحيد والشرك
فإنه من المهتدين حقاً.

وسيقوم بقلبه
من محبة الله وتوحيده،
وتعظيمه وطاعته
ما به يصل برحمة الله
إلى اليقين في الدنيا،
والجنة والنعيم في الآخرة.

اللهم!
يسّر لنا أسباب ذلك
منّة منك وتكرماً.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 09:34 AM
قال صاحب المفاهيم
(ص25):

(وإذا وجد في كلام المؤمنين إسناد شيء لغير الله تعالى
يجب حمله على المجاز العقلي،
ولا سبيل إلى تكفيرهم) اهـ.

أقول:

يعني بهذا أن من قال للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته:
أستغيث بك يا رسول الله!
إذا كان القائل موحداً
فيجب حمله على المجاز العقلي،
إذ لا يعقل استغاثة موحد بالأموات
على سبيل الاستقلالية عند الكاتب.

بل المعنى الذي طلبه المستغيث هو التسبب،
وهذا المعنى كثير وروده في
كتاب "مفاهيم يجب أن تصحح"،

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 09:41 AM
والحق ينبني
على أن هذه المقدمات والأمور
التي يُعلل بها للمستغيثين
باطلة مقدماتها،
وباطلة نتائجها،

وكشف ذلك يتم بأمرين:

الأول:

أن يقال:

ومن قال إن المستغيث والداعي
إذا قصد التسبب لا يكفر،

بل القرآن لما كشف حال العرب
أعلم أنهم لم يكن شركهم
إلا بقصد التسبب
لا الاستقلالية،

كما قال تعالى:

{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ
إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ }

[ يوسف: 106 ]،

أي: وما يؤمن أكثرهم بأن الله هو خالقهم وما يعملون،
وهو المحي المميت،
وأنه الذي يجير ولا يجار عليه
إلا وهم مشركون به
في اتخاذ الأصنام وسائط،
واتخاذ الأرواح التي صورت على أجسام أصحابها
الأصنام سبباً
لتحصيل مقصودهم فيما يزعمون.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 09:49 AM
أفلا ترى إلى أنهم إذا أيقنوا بالهلاك في البحر
أخلصوا الدعاء لله،
فلم يتخذوا وسيلة إليه من المخلوقين
كما يفعلونه في الرخاء ؟

فعُلم من ضد أحوالهم
وبنصّ القرآن
أن أولئك المشركين
ما كانوا يعتقدون الاستقلالية،

بل كانوا يعتقدون التسبب
بما لم يجعله الله سبباً
ولم يأذن به،

فلمَ لم يحتج لهم بالمجاز العقلي؟!
ولمَ كفروا بقولهم:

{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }

[ الزمر: 3 ]،

وهم إنما جعلوهم سبباً
لتقريبهم إلى الله زلفى ؟!

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 10:02 AM
الثاني:

أن تخريج أقوال عُبَّاد القبور
- المستغيثين بالموتى،
الداعين إياهم ليشفعوا لهم عند ربهم،
المحبين أصحابها
أعظم من محبتهم لله -

على المجاز العقلي منكر كبير،
وخطأ عظيم
مخالف لحقيقة حالهم؛

ذلك أن كثيراً يعكفون على قبور الميتين
ويعتقدون أن لصاحب القبر
تصرفاً في الكون،
وأنه يفعل ما شاء مطلق التصرف( 1 )
بإعطاء الله له،

وهذا كفر أعظم من كفر اعتقاد التسبب،
وهذا لم يخطر
على أذهان الجاهلين من العرب،



<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
( 1 ): ونقل موسى محمد علي في كتابه "اتوسل والوسيلة" (ص229)
عن محمد عبد الله الشكاز قوله الآتي مستحسناً له مستشهداً له،
قال:
(الرجال أربعة: }رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
{ ، وهم رجال الظاهر شهداء الجهاد البواسل، و }
رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
{، وهم رجال الباطن، جلساء الحق تعالى ولهم المشورة...
ثم قال:
فرجال الظاهر
هم الذين لهم التصرف في عالم الملك والشهادة) اهـ.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 10:09 AM
ولذا تجد هؤلاء المشركين المعاصرين
ينادون معبودهم،
ويستغيثون به
ولو كانوا بعيدين عنه بعداً كبيراً،

لاعتقادهم بأن له قوة أكبر
من قوتهم البشرية،
أعطاه الله إياها،
وفوَّض له
إصلاح شؤون طائفة من الخلق،

تعالى الله
عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

ومن سمع أقوال المستغيثين بأصحاب القبور
علم أنهم يعتقدون أن لهم شيئاً
من التصرف والاستقلالية،
وهو كفر
فوق كفر التسبب والواسطة.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 10:23 AM
قال أبو الفضل الشهاب الألوسي
في تفسيره "روح المعاني"
(6/115):

(ولا أرى أحداً ممن يقول ذلك
إلا وهو يعتقد أن المدعو الحي الغائب
أو الميت المغيب
يعلم الغيب،
ويسمع النداء،
ويقدر بالذات
أو بالغير
على جلب الخير
أو دفع الأذى

وإلا لما دعاه،
ولما فَتَحَ فاه،
وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم).

فالألوسي يبصر عبدة القبور
المستغيثين بأصحابها،
ويعرف ما يدور بخلدهم من كثرة ما يراهم،
وعلى مثل حال من ذكر
كثير من الذين يصرفون وجوههم إلى غير الله.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 10:43 AM
وقد وقع في هذا صاحب المفاهيم
حيث قال(ص91)
في وصف نبي الله ورسوله محمدٍ
صلى الله عليه وسلم:

(فإنه حي الدارين، دائم العناية بأمته،
متصرف بإذن الله في شؤونها،
خبيرٌ بأحوالها...) اهـ،

فإنه يُلْمِح ويشير إلى ذلك المعنى
الذي عليه عبدة القبور،
من اعتقاد تصرُّف المقبورين
من الأنبياء والصالحين بشؤون الناس.


قال صاحب المفاهيم
(ص95):

(فالقائل:
يا نبي الله اشفني
واقض ديني،
لو فرض أن أحداً قال هذا فإنما يريد:
اشفع لي في الشفاء،
وادع لي بقضاء ديني،
وتوجه إلى الله في شأني،
فهم ما طلبوا منه إلا ما أقدرهم الله عليه،
وملكهم إياه من الدعاء إياه من الدعاء والتشفيع.
وهذا هو الذي نعتقده فيمن قال ذلك،
وندين الله على هذا،
فالإسناد في كلام الناس من المجاز العقلي
الذي لا خطر فيه على من نطق به) اهـ.




أقول:

أولاً:

ومن قال إن الدعاء والشفاعة
يملكها ويقدر عليها من حياته برزخية
نبياً كان أو غيره ؟

فهذه قالة فاسدة يقيناً.
وقد فصلت في موضعٍ آخر حكم الواسطة،
وكذا حقيقة الشفاعة،
وكيف تُطلَب،
فيراجع في محله.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 10:48 AM
الثاني:

أن هذا القول فيه من الزعم
على الإطلاع على قلوب عُبَّاد القبور
شيء كثير،

وكأنما صاحب المفاهيم
كفيل بكل من دعا أصحاب القبور
أن يدافع عنهم!

وكان قصارى ما يجب عليه
إنصافاً وعدم مكابرة
أن ينسب ذلك إلى
اعتقاده هو نفسه،
وإلا فقلوب الناس
لا سبيل إلى معرفة حقيقة ما فيها.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 11:02 AM
الثالث:

أن من نتائج هذا القول السيئ
إلغاء أقوال الفقهاء في باب حكم المرتد،
إذ كل من صدر منه قولٌ شركي وكفري
سيخرج من عهدته بالمجاز العقلي.

فهؤلاء المنافقون في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
حين قالوا في غزوة تبوك:

(ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء:
أرغب بطوناً،
ولا أكذب ألسناً،
ولا أجبن عند اللقاء)

فنزل فيهم قول الله جل وعلا:

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ
قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *
لاَ تَعْتَذِرُواْ
قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }

[ التوبة 65-66 ] الآيات،

أخرجه ابن أبي حاتم بإسنادٍ حسن،
وأخرجه ابن جرير وغيره.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 11:09 AM
فلمْ يعذرهم عن استهزائهم،
ولا قَبلَ منهم،

ولو كانوا في هذا الزمان
لخرَّج أصحاب المجاز العقلي قولهم،
ولم يكفروهم،

وكذا من قال من الزنادقة:
الشيطان ربي،
أو الحلَّاج إلهي،
أو الولي الفلاني مطَّلع على سري،

أفيقول فقيه:
إن كان موحداً حُمل قوله على:
الشيطان عصى ربي،
والحلاج أضلَّه إلهي،
أو رب الولي الفلاني مطَّلع [ على ] سري ؟!

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 11:16 AM
هذا ما لم تَحُمْ حوله أقوال فقيه،
ولا خرَّجها مُخرِّج،
ولا اعتذر عنهم بذلك معتذِر،

ولو أُجيز ذلك
لسمعت الأقوال الكفرية الشركية
صباح مساء من الفسقة والمنافقين،
ولطعنوا جهاراً في الدين،

ثم إذا أتت الأمور عند الحاكم
أحال كل منهم على المجاز العقلي،
وخَرَجَ من عهدة الشرك.

أفيقول بهذا حاكم ؟!
أم يتسيغه مفتٍ؟!
أم يقول به طالب علم؟!
أم يفوه به منتسب لأهل العلم؟!

إن قَبِلَ هذا قابل
فأبشر بعزةٍ لدين الزنادقة،
وتولٍ لدين الموحدين،
دين رب العالمين،

ثم أبشر بكل شر.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 11:23 AM
أفيجوز بعد هذا
أن يحتج محتج بالمجاز العقلي الحادث؟!

فهذا مذهب المالكية في الردة
لا يقبل المجاز العقلي،

فمن ذلك ما قاله الدردير
في "شرحه الصغير"(6/144) وما بعدها:

(الردة: (كفر مسلم) متقرر إسلامه بالنطق بالشهادتين مختاراً،
يكون:(بصريح) من القول:
كقوله أشرك بالله.
(أو قول يقتضيه) أي: يقتضي الكفر،
كقوله: جسم كالأجسام.
(أو فعل يتضمنه) أي: يستلزمه لزوماً بيناً)).

ثم قال في حكم من سبّ نبياً
(6/154):

((ولا يعذر) الساب (بجهل)؛
لأنه لا يعذر أحد في الكفر بالجهل،

(أو سَكْرٍ) حراماً
(أو تهور): أي كثرة الكلام بدون ضبط.
ولا يقبل منه سبق اللسان
(أو غيظ) فلا يعذر إذا سب حال الغيظ بل يقتل الخ
(أو بقوله: أردت كذا)
فلا يقبل منه ويُقتَل )) اهـ.

فانظر إلى عدم الاعتداد بقوله:
أردت كذا،
وهو عين المجاز العقلي،
الذي يزعمه الزاعمون.

أبو فراس السليماني
2014-09-18, 11:29 AM
وفي "شرح الشيخ عليش على مختصر خليل"
(4/477) قال:

((أو) سب لـ(تهور) أي:
توسع ومبالغة (في) كثرة (كلامه)
وقلة مراقبة وعدم ضبطه وعجرفته،
فلا يُعذر بالجهل
ولا بدعوى زلل اللسان )) اهـ.

وعند الحنفية
من التكفير بمجرد القول ما يطول،

وقد اختلفوا في قول القائل من الخطباء
في ألقاب السلطان:
العادل الأعظم،
مالك رقاب الأمم،
سلطان أرض الله،
مالك بلاد الله،

حكى ابن نجيم في "البحر الرائق"
(5/124)
الخلاف في كفره،

والموحد ظاهر مرادُه،
وأنه لا يعني بمدحه السلطان،
إضافة هذه الأشياء له حقيقة،
بل إنما يعني به الإسناد المجازي،
وهو المجاز العقلي،
فلم يمنع ذلك من حكم بعضهم بكفره.
ومقصودنا التمثيل لا التتبع،

وبما ذكرنا
يبطل تبرير
الأقوال الشركية والكفرية
بالمجاز العقلي.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 09:34 AM
فصل:

قال صاحب المفاهيم (ص16):
(ولا شك أن المجاز العقلي مستعمل في الكتاب والسنة)
انتهى.

أقول:
قال القزويني
في "الإيضاح في علوم البلاغة"
(ص28-29)
بعد سياق حد المجاز العقلي وأمثلته:

(واعلم أنه ليس كل شيء يصلح
لأن تتعاطى فيه المجاز العقلي بسهولة،
بل تجدك في كثير من الأمر
تحتاج إلى أن تهيىء الشيء،
وتصلحه له).

ثم قال:
(وأنكر السكاكي
وجود المجاز العقلي في الكلام) اهـ.

وهذا الكلام من شيخ البلاغة القزويني
يبطل أن تبرِّر أقوال عبدة القبور
بالمجاز العقلي،
إذ استعماله وتعاطيه ليس سهلاً،
خاصة في الأمور الشرعية،
وأعلاها الكفر والإيمان.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 09:44 AM
وأما في قول أديب أو شعر شاعر
فيتعاطى مع شيء من العُسر،

والسكاكي وهو من هو
أنكر وجوده في الكلام،

وهو وإن كان يسميه تسمية أخرى،
فإخراج التسمية يبعد شيئاً من تطبيقاتها.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 09:48 AM
وما من شك في أن أولئك المستغيثين
بعباد الله الصالحين
ممن وارتهم القبور

لم يَحُمْ حول خاطرهم معنى المجاز العقلي،
بل ولا عرفوه ولا سمعوا به

والقول بالمجاز العقلي عند من أجازه
مقترن بقصد المتكلم به،

أما من لم يَحُمْ حوله له بال
فما يخرج قولهم عليه.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 09:53 AM
وقد اختلف العلماء
في وقوع المجاز أصلاً في اللغة،
وفي القرآن،

فنفى جماعة من محققي العلماء
وقوعه في اللغة:

منهم أبو إسحاق الإسفرائيني،
وأبو علي الفارسي،

قال: إنه لا مجاز في اللغة أصلاً،

أفاده ابن السبكي في "جمع الجوامع"
من كتب الأصول.

ونصر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية،
والعلامة شمس الدين ابن القيم
في "الصواعق"
وغيرهما.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 09:58 AM
قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي
في كتابه
"منع جواز المجاز
في المنزل للتعبد والإعجاز"
(ص7):

( ثم إن القائلين بالمجاز في اللغة العربية
اختلفوا في جواز إطلاقه في القرآن،

فقال قومٌ:
لا يجوز أن يقال في القرآن مجاز
منهم:
ابنُ خُوَيْز منداد من المالكية،
وابن القاص من الشافعية،
والظاهرية،

وبالغ في إيضاح منع المجاز في القرآن
الشيخ أبو العباس ابن تيمية،
وتلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى،
بل أوضحا منعه في اللغة أصلاً.

والذي ندين الله به
ويلزم قبوله كل منصف محقق
أنه لا يجوز إطلاق المجاز في القرآن مطلقاً
على كلا القولين ) اهـ.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 10:01 AM
ولا يحسن في مثل هذا المختصر
الإطالة بتفصيل الإجمال،

ولكن ينبغي أن يعلم أن النافي للمجاز
- وهم طائفة من أئمة الأصول والعربية والعقائد-
يعنون منع اطراده في كل ما شاء من يجيزه.

فالتوقف عند ما استعملته العرب
في مجاري كلامها هو التحقيق،

فما استعملته العرب جاز استعماله
مما يفيد بسياقه غير ما يفيده بأفراده،

أعني:
أن تركيب الكلام يفيد ما لا يفيده أفراد الكلام.

فإن استعملت العرب هذا المعنى التركيبي صح استعماله،
وهو حقيقة في المعنى المركب،
لا في المعنى الإفرادي،

ومن أراد أن لا يفرق بين ما استعملوه مركباً
وما استعملوه في وضعه الأول،
فسيعكر عليه ذلك
نصوص كثيرة.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 10:10 AM
فما يسميه المجيزون مجازاً
هو عند النافين أسلوب من أساليب اللغة العربية،

واللغة العربية
كلها حقيقة ،

والحقيقة تكون لفظية أي:
يدل اللفظ على معناه بمفرده،

وتكون تركيبية أي:
تدل الألفاظ على معناها بتركيبها.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 10:13 AM
والفرق بين هذا وبين القول بالمجاز:
أن المجاز أعم،
وقول المحققين أخص،

فالمدَّعون للمجاز
يجوزون عباراتٍ وأساليب
لم تعهدها العرب في كلامها،
بتقدير محذوفاتٍ في الكلام
وتقدير نسبٍ
لا ضابط لها.

والعقل ليس أصل اللغة جزماً،
بل أصل صحة الاستعمال السماع ،

فما جاء عنهم مستعملاً في موارده قُبِل،
وسُمي:حقيقة ،

وما لم يستعملوه
فلا يُستعمل في دلالات الألفاظ ومفرداتها،
ولا في قواعدها وأبنيتها.

والمسألة معروفة مشهورة،
ولا تحتمل أكثر من هذا
في مثل هذه الردود المختصرة.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 12:23 PM
الباب الثالث

الشفاعة

الشفاعة
معنى الشفاعة في اللغة:
تقولُ: شَفَعَ لي يَشْفَعُ شفاعةً، وتَشَفْعَ: طَلَبَ.

قال ابن سيده في "المحكم"
(1/233)
ونقله في "اللسان"،

قال أبو منصور:
(روى أبو عمر عن المبرد وثعلب
أنهما قالا
في قوله تعالى

{ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ }
[ البقرة: 255 ]،

قالا: الشفاعة:
الدعاء ها هنا.

والشفاعة:
كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره) (1).

وشفع إليه:
في معنى طلب إليه.

والشافع:
الطالب لغيره،
يتشفع به إلى المطلوب،

فمعنى الشفاعة:
الدعاء.

وعلى هذا يُفسَّر موارد اللفظ في القرآن والسنة،
في لفظ الشفاعة،


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
(1) : "تهذيب اللغة" للأزهري(1/436-437).

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 12:28 PM
فمما ورد في السنة

ما رواه أبو هريرة قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول في صلاته على الجنازة:

( اللهم أنت ربها،
وأنت خلقتها،
وأنت هديتها للإسلام،
وأنت قبضت روحها،
وأنت أعلم بسرها وعلانيتها،
جئنا شفعاء فاغفر له )

رواه أحمد.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 12:32 PM
وعن أنس وعائشة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

( ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين
يبلغون مئة
كلهم يشفعون له
إلا شفعوا فيه )

رواه مسلم.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 12:35 PM
وعن ابن عباس قال:
سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقول:

( ما من مسلمٍ يموت
فيقوم على جنازته أربعون رجلاً
لا يشركون بالله شيئاً
إلا شفعهم الله فيه )

رواه مسلم.

فهذا معنى الشفاعة
في وضع اللغة واستعمال الشرع.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 12:44 PM
آيات الشفاعة:

جاءت في الشفاعة آيات كثيرة
في كتاب الله الكريم،

فبعضها
ينفي الشفاعة مطلقاً عن أحدٍ غير الله،

وأخرى
فيها إثبات الشفاعة عنده تعالى
وتقييد الانتفاع بهذه الشفاعة بإذن الرحمن
- جل وعلا -
بالشفاعة،

وفي آيات غيرها تقييد الانتفاع
برضى الله - جل شأنه -
عن عن المشفوع له.

فمما جاء في
اختصاص الشفاعة بالله وحده
ولا يملكها أحد غيره

قوله تعالى:

{ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ
قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ *
قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

[ الزمر: 43،44 ]،

فهذا نفي بالنص الصريح
أن يملك أحدٌ الشفاعة؛

لقوله:
{ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً }

[ الزمر: 44 ].

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 12:54 PM
ومن ذلك
نفيه تعالى أن يكون من دون الله شفيع،

قال:

{ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ }

[ الأنعام: من الآية 51 ]

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 12:57 PM
وهذه الآية في المؤمنين

قال:

{ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ
لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

[ الأنعام: 51 ]،

وهذا نفي منه تعالى
أن يكون للمؤمنين شفيع من دون الله،

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 01:01 PM
ومنه قوله تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ
لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ
وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

[ البقرة: 254 ].

فنفى تعالى
أن يكون في ذلك اليوم شفاعة،

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 01:07 PM
ومنه قوله تعالى:

{ وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ

إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

[ الزخرف: 86 ]،

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 01:18 PM
وفي آيات أُخر:
ذكر الله تعالى أن الشفاعة موجودة في ذلك اليوم،
وتنفع بقيد وشرط:
أن يأذن الله تعالى للشفيع أن يشفع.

فمنه قوله تعالى
في أعظم آية في القرآن:

{ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ
إِلَّا بِإِذْنِه }

[ البقرة: 255 ]،

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 01:20 PM
وقال في أول يونس:

{ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ
مَا مِنْ شَفِيعٍ
إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ }

[ يونس: 3 ]،

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 01:24 PM
وقال تعالى في النجم:

{ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ
لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً
إِلَّا مِنْ بَعْدِ
أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى }

[ النجم: 26 ]،

وغير ذلك من آيات الذكر الحكيم.

أبو البراء محمد علاوة
2014-09-20, 01:26 PM
ما شاء الله ، موفق بإذن بالله .

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 01:28 PM
وفي آياتٍ أُخر
ذكر تقييد الانتفاع برضى الله،
واتخاذ الشافع والمشفوع له عهداً عند الله،

قال تعالى:

{ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ *

وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ
فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ
كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ }

[ الانبياء: 28،29 ]،

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 01:31 PM
وقال:

{ لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ
إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً }

[ مريم: 87 ].

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 01:35 PM
وقال:

{ يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ
إِلَّا
مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ
وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً }

[ طه: 109 ]،

وآيات أخر
لا تخفى على من تتبع ما في الباب من آيات،

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 01:38 PM
فإذا تبين أن الله –تبارك وتعالى-
قد نفى في كتابه شفاعة،
وأثبت شفاعة،

وجب على طالب الحق
أن ينظر في هذه الشفاعة المنفية،
والشفاعة المثبتة،
ومعنى هذه وهذه،

حتى لا يضل في هذا الأمر
الذي ضل فيه فئام من أمة محمد،

وإنما كان سبب ضلالهم
أن كل فرقة أخذت بآية،
وبنت عليها أحكاماً

ولم تتتبَّع آيات الشفاعة في القرآن،
فضربوا كتاب الله بعضه ببعض،
والقرآن حق كله،
والحق لا يناقض حقاً أبداً.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 01:42 PM
فالآيات الأولى
دلت على أن هناك شفاعةً منفية
ليست لأحدٍ من الخلق،

وهذه الشفاعة
هي ذاك النوع الذي يظنه المشركون
في الجاهليات،

وأولئك المشركون ظنوا
أن الشفاعة عند الله ،
كالشفاعة عند غيره،
وهذا أصل ضلال النصارى أيضاً.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 01:45 PM
فمن ظن أن الشفاعة المعهودة
من الخلق للخلق
تنفع عند الله،

مثل:

أن يشفع الإنسان
عند من يرجوه المشفوع إليه
أو يخافه،

كما يشفع عند الملك ابنه،
أو أخوه، أو أعوانه،
أو نظراؤه الذين يخافهم ويرجوهم،
فيُجيب سؤالهم،
لأجل رجائه أو خوفه منهم،

أو أن لهم حقاً عنده
يوجب عليه الإجابة
فيمن يشفعون فيه عنده،
وإن كان يكره شفاعتهم،
ويشفعون بغير إذنه.

فهذه الشفاعة
هي التي نفاها الله
- جل وعلا-
في الآيات الأولى،

وهي أن يكون للشافع حق عند الله
كما للشفعاء حق عند الملوك ونحوهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 01:55 PM
وهذا النوع هو الشركي
الذي أشرك به من أشرك بالله،
واتخذ وسائط يسألهم الشفاعة،
كما كان يفعله النصارى،
وأشباههم في ذلك من هذه الأمة،
ويعتقدون أن لهم أن يسألوا المقبورين
من الأنبياء والصالحين شفاعتهم،

وهم يعتقدون أن لهم حقاً عند الله
به يجيب شفاعتهم
ولا يرد شفاعتهم.

وهذا غلط:

فإن دعاء الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- قد يُرَد،
وليس كل ما دعوا به أُجيب،

بل ربما امتنعت إجابتهم
لحكمة يعلمها الله
- عز وجل-،
إما أنه قد سبق في القضاء ما يخالف ما دعوا به،
أو لأنهم دعوا وشفعوا فيمن لم يرض الله قوله،
أو نحو ذلك من الموانع.

أبو فراس السليماني
2014-09-20, 05:01 PM
ما شاء الله ، موفق بإذن بالله .


شكرا لكم يا أستاذ علاوة

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 02:44 PM
ومن المتقرر في الكتاب والسنة
أن الأنبياء ليس لهم حق
في أن يجاب جميع ما دعوا به،

ودعاؤهم حري بالإجابة
وهم أرفع من غيرهم من أممهم،
فإجابة سؤالهم إما إعطاؤهم عين ما سألوا،
أو تأخير ذلك بالأجر الجزيل لهم.

وقد يستنكر بعض الناس هذا
لكونه لم يرتوِ من علوم الكتاب والسنة،
ولم يتفقه فيها،
ولذا سأسوق بعض الدلائل
لعلّها تكُفُّ بعض الناس،
وتبصِّر أقواماً:

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 02:48 PM
فرسول الله صلى الله عليه وسلم
قد قال الله له:

{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ
إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً
فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ }

[ التوبة: 80 ]،

فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
- وهو خير الخلق
وأعظمهم قدراً عند الله –
لو استغفر لأولئك المنافقين
لم يغفر لهم،

وذلك لوجود مانع يمنع الإجابة،
وهو أن المُسْتَغْفَر له غير مرضي عنه،
فشرط الرضى غير متحقق في المشفوع له؛
فلم يُجب الداعي فيما سأل،

وفي الآية بيان لهذا
بقوله:
{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ }،

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 02:51 PM
وقد تمتنع إجابة الله للرسول
صلى الله عليه وسلم
لحكمة يعلمها الله
- جل وعلا-

كما في الحديث الذي أخرجه مسلم
في "صحيحه"
(8/171-172)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

( سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين،
ومنعني واحدة:
سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها،
وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها،
وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم
فمنعنيها ).

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 02:55 PM
وأورد الحافظ ابن حجر
في "فتح الباري"
قول بعض شراح المصابيح:
(اعلم أن جميع دعوات الأنبياء مستجابة)

فتعقبه بقوله
(11/97):
(وأما جزمه بأن جميع أدعيتهم مستجابة
فيه غفلة عن الحديث الصحيح:
سألت الله ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعنى واحدة..الحديث)

انتهى كلام الحافظ(1).


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
(1):لعل شارح المصابيح اعتمد في قوله
على ما روي عن عائشة في حديثٍ: (وكل نبي مجاب)
وهو حديث ضعيف؛
ولذا لم يعرج الحافظ عليه بالاستدلال، فتنبه.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 02:58 PM
وأخرج البخاري (11/96)
ومسلم (1/130-132)

عن أبي هريرة وأنس بن مالك
ومسلم نحوه عن جابر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها،
وأريد أن أختبىء دعوتي
شفاعة لأمتي في الآخرة )،

هذا لفظ نسخة الأعرج عن أبي هريرة.

قال الحافظ في "الفتح":

(وقد استشكل ظاهر الحديث
بما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة
ولا سيما نبينا صلى الله عليه وسلم،
وظاهره أن لكل نبي دعوة مستجابة فقط،

والجواب:
أن المراد بالإجابة
في الدعوة المذكورة القطع بها،
وما عدا ذلك من دعواتهم
فهو على رجاء الإجابة ) اهـ.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:00 PM
وعلى هذا جرى أهل العلم وشراح الحديث،

وقال الكَرْماني
في"شرح البخاري"(22/122)
عند شرح الحديث:

( معناه لكل نبي دعوة مجابة البتة،
وهو على يقين من إجابتها،
وأما باقي دعواتهم
فهو على رجاء إجابتها،
وبعضها يجاب
وبعضها لا يجاب )
انتهى.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:04 PM
وكذلك غيره من الأنبياء
لهم دعوة مستجابة،
وما كل ما دعوا به أجيب،

فهذا نوح قال:
{ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي
وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ
وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ *

قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ
إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ
فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }

[ هود: 45،46 ]

فسأل نوح ربه الشفاعة في ابنه
فلم يعطها؛
لأنه فقد شرط الرضى على الابن،

ولذا قال:
{ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ }.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:07 PM
وهذا إبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم
لم تنفع شفاعته في أبيه،

وأمثال هذا معلوم
لمن تدبر القرآن والسنة،
مقرر فيهما أوضح تقرير وأبلغه،

فإذا انتفى هذا عن الأنبياء،
فالصالحون أولى وأولى.

وبعض الخُلوف الجُهال
يظنون أن للأنبياء حقاً عند ربهم لا يرد،
ولا يعلمون بهذه الآيات والأحاديث،
وذلك من تسويل الشيطان
وتلاعبه بهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:12 PM
قال ابن جرير في تفسير آية البقرة:
{ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ }
[ البقرة: 123 ]:

(فتأويل الآية إذاً:
واتقوا يوماً لا تقضي نفس عن نفس حقاً
لزمها لله –جل ثناؤه- ولا لغيره،
ولا يقبل الله منها شفاعة شافع،
فيترك لها ما لزمها من حق.

وقيل:
إن الله - عز وجل- خاطب أهل هذه الآية
بما خاطبهم بها فيها؛
لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل،
وكانوا يقولون:
نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه،
وسيشفع لنا عنده آباؤنا،

فأخبرهم الله - عز وجل -
أن نفساً لا تجزي عن نفس شيئاً في القيامة،
ولا يقبل منها شفاعةُ أحدٍ فيها،
حتى يستوفي لكل ذي حق منها حقه )(1) انتهى.


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
(1) : (2/32) ط. الأستاذ محمود شاكر.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:15 PM
والطائفة الثانية من الآيات
أفادت إثبات الشفاعة،
وهي الشفاعة الشرعية
المخالفة لما عليه المشركون.

وأخبر الله - تعالى - أنها لا تنفع
إلا بشرطين:

الأول:
إذنه سبحانه للشافع أن يشفع.

الثاني:
رضاه سبحانه عن المشفوع له.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:18 PM
وهذان الشرطان لازمان
لكل شفاعة ترجى منفعتها،

فأما الإذن:

فهو إذن الله – تعالى– للشافع،
ونكتة هذا القيد وسره
صرف الوجوه إلى الله
وإسلامها له
وتعلقها به ،
وترك تعلقها بغيره
لأجل الشفاعة ؛

لذلك يساق هذا بعد ذكر التوحيد
وذكر ما يدل على
وجوب عبادة الله وحده ،

وهذا الشرط لم يفهمه فئام من الناس،
ظنوا أن الاستثناء يفيد إثبات الشفاعة مطلقاً،
وطلبها من غير الله
فعادوا لما ظنه المشركون وقصدوه.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:24 PM
وحقيقتها
أن الله إذا أراد رحمة عبده ونجاته
أذِنَ لمن شاء في الشفاعة
رحمة للمشفوع فيه،
وكرامة للشافع.

وإذا سأله الشفاعة
ولم يأذن الله له
لم تنفعه
كما في شفاعة نوح لابنه،
وإبراهيم لأبيه،
ونبينا محمدٍ لعمه في استغفاره،

حتى نزلت:
{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }

[ التوبة: 113 ]

صلى الله عليهم وسلم تسليماً.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:27 PM
فالرسل المذكورون
صلوات الله وسلامه عليهم

لم يأذن الله لهم الإذن الشرعي
في أن يشفعوا:
فلذا ردت شفاعاتهم،

ولم يرضَ سبحانه فيمن شفعوا فيهم
لأنهم كفار مشركون؛
فلذا لم تنفع شفاعة هؤلاء الأنبياء

صلوات الله وسلامه عليهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:34 PM
والله لا يرضى إلا التوحيد

كما قال:
{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً
فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ }

[ آل عمران: 85 ]؛

ولذا فسَّر السلف
الرضا في الآيات التي وردت بها

بالإخلاص والتوحيد،
وترك الشرك كله.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:37 PM
فأخرج ابن جرير في "تفسيره"
(16/97)،
وابن المنذر، وابن أبي حاتم في "تفسيره"،
والبيهقي في "الأسماء والصفات"
(ص109)

كلهم من طريق معاوية بن صالح
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
في قوله تعالى في مريم:
{ لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ
إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً }

[ مريم: 87 ]

قال:
شهادة أن لا إله إلا الله،
ويتبرأ إلى الله
من الحول والقوة
ولا يرجو إلا الله.

وهذه الطريق هي التي قال فيها الإمام أحمد
هاتيك الكلمات،
قال: (إن بمصر صحيفة في التفسير
رواها علي بن أبي طلحة
لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصداً
ما كان كثيراً).

قال الحافظ ابن حجر:
(وهي عند البخاري عن أبي صالح
وقد اعتمد عليها في صحيحه
فيما يعلقه عن ابن عباس) انتهى.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:40 PM
وهذه الطريق
أعلى الطرق جودة وصحة عن ابن عباس
في التفسير.

وفي المعنى
ما أخرجه ابن مردويه في "التفسير"
في هذه الآية
عن ابن عباس قال:

( من مات لا يشرك بالله شيئاً
دخل الجنة ).

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:44 PM
وأخرج ابن جرير
(17/13)،
وابن المنذر، وابن أبي حاتم،
والبيهقي في "البعث"
وفي"الأسماء والصفات"
(ص109)

عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله:
{ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى }،

يقول:
الذين ارتضى لهم
شهادة أن لا إله إلا الله.

وهذه الطريق سلف الكلام عليها.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 03:50 PM
وفي قوله تعالى في الملائكة:
{ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى }.

قال قتادة: :
{ وَلا يَشْفَعُونَ }

قال:
لا تشفع الملائكة يوم القيامة:
{ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى }

قال: لأهل التوحيد،

أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 04:09 PM
وأخرج عبد بن حميد
وابن جرير
(25/62)،
وابن المنذر

عن مجاهد
في قوله تعالى:

{ وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ
إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ }
[ الزخرف: 86]،

قال:
كلمة الإخلاص.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 05:16 PM
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم:

إذا تقرر هذا
فينبغي النظر في نصوص الشرع الخاصة
بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ففي الحياة الدنيا
طلب الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يدعو لهم
وهو معنى أن يشفع لهم،
وهذا لا ينازع فيه أحد،

وإنما الشأن في طلب الشفاعة منه بعد موته،

وأهل السنة
مجمعون في القرون الثلاثة المفضلة
على أمرين:

الأول:
عدم مشروعية
طلب الشفاعة منه في قبره،

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 05:19 PM
وإنما ظهر خلاف من خالف من شذّاذ الناس
بعد نشاط
الدعوات الباطنية
كالإسماعلية والفاطمية،
ومن تأثر بها كالموسوية الجعفرية وشبهها،

فروجوا هذا في الناس،
فأشكل على بعضهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 05:22 PM
فقد كان المسلمون في القرون الثلاثة المفضلة
لا يعرفون طلب الشفاعة منه بسؤاله إياها،

بل مضى الخلفاء الراشدون
ولم يسأل أحد منهم
نبي الله الشفاعة بعد موته،

ولو كانت مشروعة
لكانوا أحرص عليها،

ولم يتركوا طلبها منه
بعد موته.

فلو لم يكن تغير نوع الحياة له أثر عندهم
لما تركوا ذلك،

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 05:25 PM
وكذلك مضى التابعون
وتابعوهم بإحسان وتابعوهم،

حتى نشطت الدعوات الباطنية
التي تسترت بالتشيع لأهل بيت النبي
صلى الله عليه وسلم،

بل إنهم ألفوا الكتب باسمهم،
وهذا ظاهر لمن درس حركة إخوان الصفا
والعبيديين (الفاطميين)
وكلها باطنية إسماعيلية،
شعارهم التشيع لأهل البيت بزعمهم،

وهم أول من أحدث الكذب في النسب
إلى آل البيت رضي الله عنهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 05:28 PM
فالمقصود من هذا
أن الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم
بسؤاله الشفاعة
بعد موته
مُحْدَث
أحدثه الباطنيون.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 05:35 PM
الثاني:
وهو الأهم،
أن أهل السنة مجمعون
أن للنبي صلى الله عليه وسلم
أنواعاً من الشفاعة يشفع بها،

ولم يذكروا منها
طلبها منه في قبره،
بل كلها يوم القيامة.

فينبغي تأمل هذا،
ومن خالف
إجماع أهل السنة
فليس منهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 05:38 PM
فصل:
وبرهان هذا الإجمال الذي قدم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه:
( أول شافع، وأول مشفع )
أخرجه مسلم (7/59).

وهذه الشفاعة هي الشفاعة العظمى
لأهل الموقف،
بالنص والإجماع.

فهذه قوله صلى الله عليه وسلم
نحكمه على
من ادعى محبته وتصديقه،

فقوله:
( أنا أول شافع، وأول مشفع )
يقتضي أولوية مطلقة
لا استثناء فيها،
على كل من قامت قيامته.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 05:43 PM
ومن زعم
أنه بعد موته في قبره يشفع،
وأن الصالحين يشفعون بعد موتهم في قبورهم

فلا معنى لقوله:
( أنا أول شافع )
عند ذاك الزاعم،

إذ لو كان النبي صلى الله عليه وسلم
يشفع في قبره
لكان يشفع من حين موته
إلى أن ينفخ في الصور،

وحينئذ فلا معنى
لقوله: ( أنا أول )،

إذ لو كان يشفع في قبره
لانتفى تخصيصه
صلى الله عليه وسلم
بهذه الفضيلة يوم القيامة !

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 05:49 PM
فإذا كان في حياته
يشفع لهم بالدعاء،
وبعد موته يشفع،
وبعد قيام قيامة الناس يشفع،

فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم:
( أنا أول شافع )؟!

فهو على هذا الفرض مستديم الشفاعة،
ودائم قبولها منه
عند أولئك الزاعمين،

وإذا كان كذلك
فأي فائدة من إنشاء هذا الخبر
أنه
أول شافع
وأول مشفع ؟!
فتدبر هذا
فإنه مفيد
لمن أراد الله به خيراً.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 06:10 PM
فأهل السنة
المتمسكون بما كان عليه الصحابة
يطلبون في حال موت النبي صلى الله عليه وسلم
الشفاعة من الله،

ويسألون الله
أن يُشفِّع فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم،

وطلبهم هذا يكون بأمرين:
الأول:

الاستقامة على تحقيق
كلمة التوحيد
لا إله إلا الله ،
وفهم معناها،
والعمل بمقتضاها،

ومخالفة معتقدات مشركي العرب وأشباههم
ممن قالوا:
{ مَا نَعْبُدُهُمْ
إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }

[ الزمر: 3 ]،

وممن قالوا:
{ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ }

[ يونس: 18 ]،

يشيرون إلى أوثانهم
التي مثلوها بصور الأنبياء والصالحين.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 06:13 PM
الثاني:
التضرع والاستكانة
بين يدي الله
في أوقات الإجابة والأسحار
أن يمنّ عليهم
بالاستقامة على التوحيد،
ويثبتهم عليه،
وأن يُشفِّع فيهم
نبي الله محمداً
صلى الله عليه وسلم
حين يأخذ الناس الكرب،
فيكون أول شافع
وأول مشفع.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 06:18 PM
اللهم !
أنلنا شفاعته،
واجعلنا ممن شفَّعته فيهم،
ولا تحرمنا هذه الشفاعة،
ونسألك الثبات على التوحيد،
والعزيمة على الرشد.

وبهذين الأمرين
يكون أهل الحق والسنة
قد أخذوا بقوله صلى الله عليه وسلم:

( لكل نبي دعوة مستجابة،
وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة،
فهي نائلة إن شاء الله
من مات لا يشرك بالله شيئاً )

متفق عليه.

أبو فراس السليماني
2014-09-23, 06:21 PM
وهو تفسير
لقوله صلى الله عليه وسلم
لأبي هريرة:

( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة
من قال:
لا إله إلا الله
خالصاً من قبل نفسه )

متفق عليه.

فأهل الحق أخذوا وأعملوا القولين،
ولم يحرِّفوا أحد القولين عن مراد الله،
فاهتدوا،
فزادهم هدى
وآتاهم تقواهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 05:53 PM
فصل

قال صاحب المفاهيم (ص78):

( زعم بعضهم أنه لا يجوز أن تطلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا،
بل ذهب البعض الآخر من المتعنتين إلى أن ذلك شرك وضلال،
ويستدلون على ذلك بقوله تعالى:
{ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً }
[ الزمر: 44 ]
وهذا الاستدلال باطل، ولا يدل على فهمهم الفاسد،
وذلك من وجهين:
أولاً: أنه لم يرد نص لا في الكتاب ولا في السنة
ينهى عن طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا) اهـ.



أقول:
هو لا يعني بقوله في الدنيا
حال حياته صلى الله عليه وسلم،
لأنه يعلم أن هذا لم يقله أحد،

وإنما يعني بقوله: (في الدنيا)
طلبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته،
كما صرح به بعد،

بقوله (ص81):
(لا بأس بطلبها منه أيضاً بعد موته) اهـ.
وهذا الوجه مردود من وجوه كثيرة،
أجتزئ منها أوجهاً:

الأول:
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته
لا يقال أنه في الدنيا
لا عقلاً
ولا شرعاً.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 05:59 PM
الثاني:

أن هذا برهان
لا يقوم
عند العارفين بالبراهين،

إذ قوله: (لم يرد نص) متهافت،

فمن أراد أن يثبت حكماً ويعتمده وينصره،
فلا بد أن يأتي بنص يدل على ثبوته،

فقوله بجواز طلب الشفاعة
من المقبورين أنبياء وصالحين

هو الذي يجب أن يبرهن عليه بنص،
لا أن يقال لمن نفاه
معتمداً على عمومات النصوص في حال المشركين،
إنه لم يرد نص،

وكذا لمن نفاه بناءً على النفي الأصلي
حتى يرد دليل الإثبات؛

لأن العبادات توقيفية،
لا بد لها
من أدلة صريحة.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 06:09 PM
الثالث:

أن قوله:
(لم يرد نص)
غير صحيح،

فعمومات النصوص
تنهى عن طلب الشفاعة
من الأموات؛

لأنهم أفضوا إلى ما قدموا،

فتأمل قوله:
{ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
مَا لا يَضُرُّهُمْ
وَلا يَنْفَعُهُمْ
وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ }

[ يونس: 18 ]

والدعاء هو العبادة،
والشفاعة طلب الدعاء،

فعُلم أن قولهم
{ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا }

تفسير لـ
{ َيَعْبُدُونَ } في أول الآية.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 06:16 PM
وهنا نقلُ أسوقه عن الرازي (1)
ليستبين به الحال،
وأن لا يقال إن هذا فهم( الوهابيين ) فقط!
قال في "تفسيره"
(17/59-60):

(اختلفوا في أنهم كيف قالوا في الأصنام
إنهم شفعاؤنا عن الله !..)
فذكر صوراً منها قوله:
( ورابعها:

أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان
على صور أنبيائهم وأكابرهم،
وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل
فإن أولئك الأكابر
تكون شفعاء لهم عند الله تعالى.

ونظيره في هذا الزمان:
اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر،
على اعتقادهم أنهم إذا عظَّموا قبورهم
فإنهم يكونون لهم شفعاء عند الله) اهـ.

وهو كلام يقضي على قول صاحب المفاهيم من أُسَّه،
حتى يواري كلامه في رمسه،
من رجل هو عندهم مقدَّم في قوله وحسه.


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
(1):والنقول كثيرة،
لكن اخترت الفخر لأنهم يفخرون بفهمه في (أصول الدين)،
وهذا المنقول عنه من أصول الدين.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 06:34 PM
والآيات في الشفاعة الشركية كثيرة،

نوَّعَها الله جل وعلا في كتابه؛
ليتدبر باغي الخير،
متحري الصراط المستقيم.

وهو إخبار عن قوم مشركين
كي نبعد عن حالهم وصفتهم،

وسياقة الآيات كلها
وأقوال أهل التفسير والعلم فيها
يخرج بي عن قصد الاختصار والإيجاز،
وقد قدمت طرفاً منها،
ويرجع المستزيد لأقوال المفسرين وأهل العلم
عند آيات الشفاعة.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 06:55 PM
الرابع:

قال تعالى في سورة سبأ:

{ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ
إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }

[ سـبأ: 23 ]،

والآية قبلها قوله:

{ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ
وَلا فِي الْأَرْضِ
وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ
وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ *
وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ
إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }

[ سبأ: 22،23 ].

فأبطل تعالى صور الشرك
التي يعتقدها المشركون في كل زمان،

وهذه الآية
قال فيها بعض أهل العلم المتقدمين:
هذه الآية
تقطع عروق شجرة الشرك
لمن عقلها.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 07:09 PM
قال الرازي في "تفسيره"
(25/254-255):

(واعلم أن المذاهب المفضية
إلى الشرك أربعة..)
فذكر ثلاثة
ثم قال:

(رابعها:
قول من قال:

إنا نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة
ليشفعوا لنا،

فقال تعالى في إبطال قولهم:
{ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ
إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }

[ سبأ: 34 ]،

فلا فائدة لعبادتكم غير الله،
فإن الله لا يأذن في الشفاعة
لمن يعبد غيره،

فبطلبكم الشفاعة
تفوتون
على أنفسكم الشفاعة )

اهـ كلام الرازي بحروفه.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 07:18 PM
فتأمل قوله:

إن من طلب الشفاعة
فوَّت على نفسه الشفاعة
التي تكون يوم القيامة؛

لأنها لا تنال إلا بالتوحيد،

ومن التوحيد
ترك طلب الشفاعة
من المقبورين،
سواء كانوا أنبياء أو صالحين

وإنما تُطلب شفاعة الأنبياء
من الله سبحانه
لا منهم،

وتطلب من الله
بتحقيق التوحيد
والاستقامة عليه،
وترك طلب الشفاعة
ممن لا يملكها.

وهذا هو الحق
الذي اتفقت عليه أقوال أهل العلم
قبل إحداث الباطنية
التعلق بالأموات،
والتفلسف
لإثباته بطرق عقلية لا شرعية.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 07:26 PM
وإنما ضلَّ من ضل
بسبب أنه ظن أن ما في القرآن
من آيات في الشفاعة
هي عن قوم مضوا وانتهوا،
وهذا من مداخل
الشيطان والأهواء
على النفوس،

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 07:37 PM
وما أحسن قول شمس الدين ابن القيم (1)
على هذه الآية:

( فكفى بهذه الآية نوراً وبرهاناً
ونجاةً
وتجريداً للتوحيد،

وقطعاً لأصول الشرك
وموارده لمن عقلها،
والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها،

ولكن أكثر الناس لا يشعر بدخول الواقع تحته،
وتضمنه له،
ويظنونه في نوع وفي قوم
قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثاً.

وهذا هو الذي يحول بين القلب
وبين فهم القرآن.

ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا
فقد ورثهم من هو مثلهم
وشر منهم ودونهم،
وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك.

ولكن الأمر كما قال عمر بن الخطاب
– رضي الله عنه -:
إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة؛
إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية،

وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية والشرك،
وما عابه القرآن وذمه،
وقع فيه وأقره،
ودعا إليه وصوبه وحسنه،
وهو لا يعرف أنه هو الذي كان عليه أهل الجاهلية
أو نظيره أو شر منه،
أو دونه،
فينقض بذلك عرى الإسلام عن قلبه ) اهـ.


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
(1) :"مدارج السالكين" (1/343-344).

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 07:46 PM
قال صاحب المفاهيم
(ص78):

(ثانياً:
أن هذه الآية لا تدل على ذلك،
بل شأنها شأن غيرها من الآيات
التي جاءت لبيان اختصاص الله سبحانه وتعالى
بما هو ملك له دون غيره،
بمعنى أنه هو المتصرف فيه،
وهذا لا ينفي أنه يعطيه من يشاء إذا أراد
فهو مالك الملك،
يعطي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء..) الخ كلامه.



ثم قال:
( كذلك الشفاعة كلها له،
وقد أعطاها للأنبياء وعباده الصالحين،
بل وكثير من عامة المؤمنين
كما نطقت به صحاح الأحاديث المتواترة معنوياً،
وأي حرج في أن يطلب الإنسان من المالك بعض ما يملكه ..الخ ) اهـ.



أقول:
أولاً:

اختصاص الله بالشفاعة اختصاص مُلك،
ومعنى ذلك
أنه ليس لأحد من الخلق شفاعة
إلا من أخبر الله أن له شفاعة مقيدة بقيود،

فالله - جل وعلا - هو مالكها
يأذن لمن شاء أن يشفع،
في من رضي أن يشفع فيه.

فالشفاعة ليست ملكاً مطلقا ً لهم
كما زعمه الكاتب ؛
لأن المالك له التصرف فيما يملكه،

وإنما حقيقة الشفاعة
أنها لله وحده ،
لكنه سبحانه يأذن لمن شاء أن يأذن له،
وفي هذا تمام صرف القلوب
إلى
خالقها وحده
مالك الشفاعة ،

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 07:52 PM
وعلى هذا دلت الآية في الزمر

قال تعالى:

{ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ
قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا
لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً
وَلا يَعْقِلُونَ *

قُلْ
لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

[ الزمر: 43،44 ].

فأخبر تعالى
أن من اتخذهم المشركون شفعاء
لا يملكون شيئاً،
وشيئاً نكرة في سياق النفي،
فتعم الشفاعة وغيرها،
فهم لا يملكون الشفاعة ،
كما نبه عليه جماعة من المفسرين.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 08:10 PM
فهذه الآية صريحة
في أنهم
لا يملكون الشفاعة،
وهذا الملك هو الذي يظنه المشركون
وهو المطلق من شرطي
الإذن للشافع،
والرضى عن المشفوع له،

فالشفيع مع هذين الشرطين
يملك الشفاعة ملك انتفاع موقت،
لا ملكاً دائماً؛

ولذا يحتاج في كل شفاعة
أن يأذن الله ويرضى،
فليست الشفاعة للشفيع مطلقاً؛

ولذا قال سبحانه:
{ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ}
[ الزمر: 43 ]،

فقوله: { مِنْ دُونِ اللَّهِ }
أي: من دون إذنه ورضاه.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 09:37 PM
ثانياً:

قول الكاتب
إن الشفاعة أعطيت للأنبياء والصالحين...الخ،

مغالطة ظاهرة،
فالشفاعة أعطيت للأنبياء والصالحين يوم القيامة
مع شرط الإذن والرضى،
لا إعطاءً مطلقاً؛
ولذا لا نصيب فيها لمشرك،
وصحاح الأحاديث المتواترة معنوياً- كما قال-
هي في الشفاعة يوم القيامة
لا في الحياة البرزخية.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 09:42 PM
ففي الحياة البرزخية
لا يجوز
أن يسأل أحدٌ ميتاً الشفاعة؛
لأنهم لا يملكونها في الحياة البرزخية
حتى ولا ملك انتفاع؛
لأنهم قد أفضوا إلى ما قدموا.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 09:44 PM
والنبي صلى الله عليه وسلم
الذي أخبر بأنه سيشفع يوم القيامة،
لم يخبر
بأنه في قبره يشفع،
ولا يوجد دليل صحيح
ولا ضعيف في ذلك.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 09:50 PM
فقوله:
(كما نطقت به صحاح الأحاديث المتواترة معنوياً)

تلبيسٌ على الأغمار،
فالأحاديث في شفاعة القيامة
لا الحياة البرزخية،

ولذا عدل الكاتب عن إثبات الحجة
إلى الإحالة الإجمالية
وما فيها من تلبيس،
لينخدع بها من عري عن العلم.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 09:51 PM
ولم لا يحاكم الكاتب نفسه
إلى الصحابة الكرام ؟!
فهل طلب الشفاعة
بعد موت النبي
صلى الله عليه وسلم
صحابي من العشرة،
أو طلبها أحدٌ من البدريين،
أو أحدٌ ممن شهد بيعة الرضوان،
أو ممن حج معه حجة الوداع،
أو من شاء من الصحابة ؟

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 09:55 PM
فلم يطلب أحد منهم
من رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حياته البرزخية
الشفاعة،

بل عدلوا إلى طلبها
- وهي الدعاء -
ممن هو دونه
عام القحط،

وهذا إجماع منهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 09:58 PM
ثالثاً:

أن آية الزمر:
{ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}

[ الزمر: 44 ]

رد على من يصرف قلبه لغير الله
احتجاجاً بالشفاعة،

كما كان مشركو العرب
يصنعون مع آلهتهم،

فإنهم كانوا يعتقدون في آلهتهم
أنها شفعاءُ لهم،

فأخبر تعالى أن الشفاعة له،
ليس لأحدٍ منها شيء.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 10:06 PM
قال الرازي في "تفسيره"
(26/285):

(اعلم أن الكفار أوردوا على هذا الكلام سؤالاً.
فقالوا:
نحن لا نعبد هذه الأصنام
لاعتقاد أنها آلهة تضر وتنفع،
وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل
لأشخاص كانوا عند الله من المقربين،
فنحن نعبدها
لأجل أن يصير أولئك الأكابر
شفعاء لنا عند الله.

فأجاب الله تعالى بأن قال:
{ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ
قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا
لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً
وَلا يَعْقِلُونَ }

[ الزمر: 43 ].

وتقرير الجواب:
أن هؤلاء الكفار إما أن يطمعوا بتلك الشفاعة
من هذه الأصنام،
أو من أولئك العلماء والزهاد
الذين جعلت هذه الأصنام تماثيل لهم.

والأول باطل؛
لأن هذه الجمادات وهي الأصنام
لا تملك شيئاً ولا تعقل شيئاً،
فكيف يعقل صدور الشفاعة عنها ؟!

والثاني باطل؛
لأن في يوم القيامة
لا يملك أحدٌ شيئاً،
ولا يقدر أحدٌ على الشفاعة
إلا بإذن الله،
فيكون الشفيع في الحقيقة
هو الله،
الذي يأذن في تلك الشفاعة،

فكان الاشتغال بعبادته أولى
من الاشتغال بعبادة غيره)

انتهى.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 10:12 PM
قال صاحب المفاهيم
(ص78-79):
(وأي حرج في أن يطلب الإنسان من المالك
بعض ما يملكه
لا سيما إذا كان المسؤول كريماً،
والسائل في أشد الحاجة إلى ما سأله).



أقول:هذا على أن الشفاعة وإن كانت ملكاً لله،
فقد ملكها الأنبياء والصالحين،

وهذه المقدمة
قد احتج بها مشركو العرب،

فيظنون أن الله ملَّك الملائكة والأنبياء الشفاعةَ
تمليكاً مطلقاً من القيود،

وهذا غلط في الفهم
أسوأ غلط؛

لأن الله - جل جلاله -
وتقدست أسماؤه
لم يُملِّك أحداً
من خلقه الشفاعة
تمليكاً مطلقاً من القيود،

بل لا أحد يشفع عنده
إلا بأمرين:

1 - إذن الله للشافع أن يشفع.
2 - رضاه عن المشفوع له.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 10:21 PM
والإذن هنا ليس هو الإرادة الكونية،
بمعنى أنه لو لم يأذن
لم يقع ولم يكن،

بل من ظن هذا الظن
فقد ظن نظير ما قاله المشركون:
{ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا }

[ الأنعام: 148 ]

فإنهم قالوا لو لم يشأ الله شركنا
لم يحدث في ملكه وملكوته،
ولم يأذن بوقوعه،
وهذه الشبهة أصل ضلال كثيرين.

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 10:28 PM
فالمقصود هنا:

أن النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين
إنما يشفعون لمن أذن الله له يوم القيامة،
ورضي توحيده وقوله،

وأما في الدنيا في حياتهم وتمكنهم من الدعاء،
فقد يشفعون
بمعنى أنهم يطلبون من الله ويدعون،
فمن دعا من الأنبياء دون إذن من الرحمن
وشفع فيمن لم يأذن الرحمن بالشفاعة فيه،
فهذا يُرد عليه
ولا تقبل شفاعته،

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 10:31 PM
وهذا ظاهر،
كما قال تعالى لنبيه
صلى الله عليه وسلم
لما استغفر لعمه:

{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }

[ التوبة: 113 ].

أبو فراس السليماني
2014-09-24, 10:46 PM
وقال لنبيه:

{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ
أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ
إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً
فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ }

[ التوبة: 80 ]

والآية في شأن المنافقين
الذين كانوا يقولون:
لا إله إلا الله محمد رسول الله
ويصلون مع الناس ويجاهدون،

لكنهم
لم يُخلصوا
ولم يُوحدوا ربهم
بأعمالهم،
فكان هذا شأنهم،
فلم ينفعهم
استغفار نبي الله
صلى الله عليه وسلم.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:16 AM
قال (ص79):

(وهل الشفاعة إلا الدعاء،
والدعاء مأذون فيه،
مقدور عليه
لا سيما الأنبياء والصالحين في الحياة،
وبعد الوفاة في القبر،
ويوم القيامة،
فالشفاعة معطاة لمن اتخذ عند الله عهداً،
ومقبولة لديه عز وجل في كل من مات على التوحيد) اهـ.



أقول:
وهذه الجملة من كلامه
حَوَتْ تلبيساً وغلطاً،
فالنصوص قد جاءت بجواز طلب الشفاعة أي:
الدعاء من رسول الله
صلى الله عليه وسلم
في حياته،
وجاءت بطلبها منه صلى الله عليه وسلم
يوم القيامة،

ولم تجئ بطلبها منه
في حياته البرزخية.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:24 AM
ومما يؤكد منع طلبها منه
وهو في البرزخ:

أن الأحاديث جاءت
في حياته ويوم القيامة،

فلو كان طلبها في البرزخ مشروعاً
لانتفى تخصيص الحياة والقيامة بالذكر.

فلما كان كذلك
عُلم منه أن النوع الثاني من الحياة،
وهو الحياة البرزخية تخالف ما قبلها وما بعدها،

وبدليل
أن الصحابة
لم يفعلوا ذلك
بعد وفاته
صلى الله عليه وسلم
فتقرر أنها
لا تطلب من الأموات.
وهذا برهان إجمالي،

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:29 AM
وأما تفصيل الرد على قوله
فيقال:

قوله:
(الدعاء مأذون فيه مقدور عليه)،

ليس صحيحاً
على إطلاقه في الحياة والموت.

فأما والداعي حي قادر فهذا صحيح،

وأما بعد موته
فليس الأمر كذلك،

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يُجعل قبره مسجداً،

فقال فيما روته عائشة وابن عباس وأبو هريرة:

( لعن الله اليهود والنصارى
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)؛
يُحذِّر ما صنعوا.

قالت:
فلولا ذلك لأُبرز قبره
غير أنه خشي أن يُتخذ مسجداً.

متفق عليه،

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:33 AM
والشاهد
أن هذه اللعنة
لمن اتخذ القبر مسجداً

إنما هي لأن المسجد يُقصد للدعاء،
وأعلى أنواع الدعاء الصلاة،
والصلاة دعاء في اللغة،

قال تعالى:
{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ }

[ التوبة: 103 ].

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:36 AM
وقال الأعشى في شعره المشهور:

تقولُ بنْتي وَقَدْ قَرَّبْتُ مُرْتحِلاً

يا ربّ جّنَّب أبيْ الأوْصَابَ والوجعا

عليكِ مثلُ الذي صليتِ فاغتمضي

نوماً، فإنَّ لجنْبِ المرءِ مضطجَعا

قوله:
(صليتِ) يعني: دعوتِ،

وشواهد هذا المعنى كثيرة،

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:39 AM
والصلاة كلها دعاء عبادة،
ودعاء مسألة،

ومن لم يعرف هذين النوعين
للدعاء
لم يُوفق لفهم الآيات في الدعاء.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:42 AM
فإذا كانت المساجد
إنما تُقصد لدعاء الله فيها؛

فلعنة الله
على من اتخذ قبور أنبيائه مساجد،

معناها:
النهي البليغ الشديد
عن الدعاء عندها،
ولمن دعا عندها.

وإذا كان من دعا عندها كذلك
ولم يدع إلا الله،

فكيف به
إذا سأل الميت الدعاء؟!

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:48 AM
والحي إذا أتيته وسألته الدعاء
كان لك جائزاً.

وأما الميت إذا سألته أن يدعوا لك
فذلك شركٌ ؛

ولأجله نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
عن اتخاذ القبور مساجد،
يُدعى عندها ويُصلى عندها،
ونحو ذلك من وسائل الشرك،

وهذا مع إخلاص السائل في دعائه،
وإنما تحرى القبر لشرف المقبور،
ولظنه أن المكان مبارك،

وهذا من جنس
من لعنه رسول الله
صلى الله عليه وسلم،
ومن شرار الناس،

فإن المساجد بُنيت
لدعاء الله فيها
بالصلاة والذكر.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:52 AM
إذا تقرر هذا
فانظر إلى فهم
الخليفة الراشد عمر
فيما عَلَّقه البخاري في "صحيحه"،
وقد رأى أنس بن مالك يصلي عند قبر

فقال:
القبر،
القبر،
القبر،

يُحذِّر أنساً،
ويعلمه أن بقرب مكان صلاته قبراً.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:58 AM
ولو كان الميت يملك الدعاء،
ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يملك بعد موته
أن يدعو لمن سأله،
ويقدر على الدعاء،
كما يقدر عليه حياً،

فلأي معنى
نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
عن اتخاذ قبره مسجداً ؟!

فالمسلمون كانوا يطلبون منه أن يدعو لهم،
وكان يدعو لهم في حياته
فلو كان دعاؤه لهم
مقدوراً مستديماً بعد موته
صلى الله عليه وسلم
لما نهى عن اتخاذ القبور مساجد،

وهي الذريعة الكبرى،
والوسيلة العظمى
للإشراك الأكبر برب الأرباب،
بطلب الدعاء من الأموات،
والاستغاثة بهم،
ونحو ذلك.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:00 AM
الثاني:

أن يقال:
إذا كان طلب دعاء الأموات من الأنبياء جائزاً
وهم يقدرون على الدعاء،

فلأي معنى لم يطلب صحابة رسول الله
صلى الله عليه وسلم منه
أن يدعو لهم بعد موته

وعدلوا إلى العباس ويزيد الجرشي
وهم أعلم الأمة
وأحرص الأمة على الخير ؟!

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:08 AM
الثالث:

هؤلاء شهداء أحد
معروف مكانهم وفضلهم،
معروفة قبورهم
لم يذهب إليهم
أحد من المسلمين
من صحابة رسول الله
صلى الله عليه وسلم
في حياته
ولا بعد مماته
يسألونهم الدعاء،

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:11 AM
وهم أحياء حياة برزخية
بنص القرآن:

{ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً
بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *

فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُو نَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ
أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ *

يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ
وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ }

[ آل عمران: 169-171 ]،

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:15 AM
فَلِمَ ترك أولئك
طلب دعاء هؤلاء الشهداء،
بل كانوا يدعون لهم،
لا يسألونهم الدعاء،
وهم أحياء بنص كريم،
لكن حياتهم
ليست كحياتنا على الأرض ؟!

نعلم منه
أنهم وإن كانوا أحياء حياة برزخية
لا نعلمها،
فهي مختلفة
في ما يقدرون عليه
عن حياتهم في الدنيا،

وهذا تقرير نافع
لمن تأمله وتدبره،
والحمد لله رب العالمين.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:21 AM
الرابع:

أن مسلماً أخرج في "الصحيح"
(7/189)
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

( إن خير التابعين رجل يقال له أويس،
وله والدة وكان به بياض،
فمروه فليستغفر لكم ).

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:23 AM
وأخرج أيضاً
أن عمر قال لأويس لما لقيه:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( يأتي عليكم أويس بن عامر ) الحديث

وفيه:
( لو أقسم على الله لأبره،
فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل )

فاستغفر لي ،
فاستغفر له.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:27 AM
وفقه هذا الحديث الصحيح:

أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد عمر
إلى أن يطلب الدعاء من أويس
وهو تابعي،

وأين منزلته
من منزلة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ؟!

فأرشده الرسول صلى الله عليه وسلم
إلى أن يدعو له المفضول
ويترك طلب الدعاء
من خير الخلق في قبره،

وهذا دليل واضح
في أن الفرق هو
تغير نوع الحياة،
وقدرة الحي
على الدعاء للمعين،
بخلاف من حياته برزخية
- عليه الصلاة والسلام -،

فتأمل.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:29 AM
قوله:
(لا سيما الأنبياء والصالحين في الحياة،
وبعد الوفاة في القبر، ويوم القيامة،
فالشفاعة معطاة لمن اتخذ عند الله عهداً).

أقول:
قد مر فيما سبق في الوجهين الثاني والثالث الماضيين
ما به يرد على هذه
المقالة السيئة،
التي تخالف شريعة محمد
صلى الله عليه وسلم،

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:34 AM
وبقي هنا أمر
وهو أن يقال:

قوله: (وبعد الوفاة في القبر)

مما لا يستطيع أن يأتي عليه بدليل،
بل إن المشركين في الجاهلية
اتخذوا بعض أصنامهم
عند أماكن أناس صالحين،
وعند قبورهم،
ولم يكونوا يطلبون منها
سوى الشفاعة.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:37 AM
والمشركون لم يكونوا يحجون لأصنامهم
ولا يتصدقون لها،
بل كانوا يدعون أصنامهم
الممثلة على صور الصالحين،
أو المتخذة على قبورهم،

وكان لهم معها حالان:

1 - حال الرخا:
وهم أنهم يسألونها حيناً أن تدعو لهم،
وحيناً يدعونها أنفسها،
وهم يعتقدون أن أرواح من اتخذ الصنم على صورته
تحل عند الصنم،
فتسمع الدعاء وتدعو لهم
فتجيبهم إلى ما يطلبون.
ويسألونها جلب الخيرات،
وإغداق الأموال،
واستمرار المسرات،

فهذه كانت حالهم في الرخاء
كلها دائرة على طلب الدعاء من الأصنام،
أو دعوتها،

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:42 AM
وحالهم قولهم:

{ مَا نَعْبُدُهُمْ
إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }
[ الزمر: 3 ]

أي: ما ندعوهم.

ويستعينون على تحقيق استجابة الأوثان لهم
بصرف النذور لهم،
وإيصال القرابين إلى أعتابهم
فتُذبَح بأسماء الأوثان،
فيجيب الجن بعض ما طلبوا،
فيظنون أن المجيب هو المدعو،
فقويت عبادتهم عندهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:46 AM
2 - حال الشدة:

وأهل الجاهلية كانوا في هذا الحال
يخلصون العبادة له ،
أي: الدعاء،

كما أخبر الله عنهم بقوله تعالى:

{ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ
إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }

[ العنكبوت: 65 ]

وغيرها من الآيات.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:54 AM
وهذا يدل
على أن الله أعظم في نفوسهم
من تلك الأصنام

لعلمهم أنه لا يجيب في الشدة
إلا بالإخلاص،
وتوجيه الدعاء
وهو العبادة له سبحانه.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:59 AM
وجماع هذا
أن من سأل المقبور أن يدعو له
لكشف شدته
فإنه قد صرف محض حق الله للمقبور،

وبيانه
أن من وقعت به شدة،
وكان به شدة حاجة إلى ما سأله،
فسيكون في قلبه من التعلق بمن سأله
وحبه ورجائه أمر عظيم،
وسيكون قلبه مضطراً لتعظيم هذا المسؤول،

وهذا كله
مما يجب
أن لا يكون إلا لله ،

فإذا كان
الحب
ورجاء إجابة السؤال،
وتفريج الهموم،
وزوال الكروب
يُطلب من غير الله من المقبورين:
أنبياء أو صالحين
فما بقي للقلب تعلق بالله،
أين المحبة
التي لا تكون إلا لله ؟!

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 02:02 AM
فإذا علَّق هذا بالموتى
كان كما قال تعالى عن أشباههم:

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ
وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ }

[ البقرة: 165 ].

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 02:08 AM
فالحمد لله
الذي وفق محبي رسول الله
صلى الله عليه وسلم حقيقةً
لاتباع سنته وهديه،
في دعائه،
وفي فعله وتركه،

وخذل من شاء من خلقه بعدله،
فتركوا سبيله في فعله وتركه،
ولم يرتضوها،
وتشعبت بهم السبل والطرق،

{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالاً *
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }

[ الكهف: 103،104 ]
الآيات.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 02:12 AM
فالشيطان حريص على إغواء بني أدم
ويأتي كلاً بما يناسبه،

فيأتي من ينتسب إلى العلم
فيضله بما ينتسب إليه،

ووقائع أحابيله في العيان ظاهرة،
وشبهه في قلوب مواليه قاهرة،

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 11:54 AM
قال (ص80):

( وإذا صح طلب الشفاعة منه في الدنيا قبل الآخرة
فإن معنى ذلك أنه سينالها حقيقة في محلها يوم القيامة،
وبعد أن يأذن الله تعالى للشفعاء بالشفاعة
لا أنه ينالها هنا قبل وقتها ) اهـ.



أقول:
أولاً:

ليس هذا قصد من يطلب الشفاعة
من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا،
بل قصده أن يشفع له الآن،
وصاحب المفاهيم يرواغ نفسه،
ويناقضها،
فإذا كان قصده كذلك
فلمَ أطال في إثبات خبر عثمان بن حنيف
الباطل الضعيف،
فيمن أبطأ عليه عثمان بالاستجابة ؟!

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 11:58 AM
أليسَ - في زعمه -
أن شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم له
كانت هنا في الدنيا ؟!

ولمَ ساق خبر العتبي،
وقد أُجيبت عندكم شفاعته في الدنيا ؟!

ولمَ سردتَ كل ما سردت من أقوال،
تريد بها إثبات طلب الشفاعة منه
صلى الله عليه وسلم في الدنيا،

وتحبب ذلك للناس
ببيان أثر طلبها في الدنيا ؟!

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:05 PM
لِمَ كل هذا من صاحب المفاهيم ؟!
لِمَ يتناقض،
وفي صفحات متقاربة ؟!
أينسى،
أم يتناسى،
أم هو صاحب هوى ؟!

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:08 PM
ثانياً:

يقال:
إذا كان مقصودكم - إن صدقتم -
طلب الشفاعة الآخروية
التي تكون يوم القيامة،

فلمَ لا تتبعون السبل المشروعة
التي سنها من أُعطي الشفاعة
صلى الله عليه وسلم ؟!

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:11 PM
ومن أمثال ذلك
سؤال الله له الوسيلة

كما في حديث جابر بن عبد الله
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

( من قال
حين يسمع النداء؛
اللهم!
رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة
آت محمداً الوسيلة والفضيلة،
وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته،
حلَّت له شفاعتي يوم القيامة )

أخرجه البخاري في "صحيحه" وغيره.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:17 PM
وفي "صحيح مسلم"
(2/4)

من حديثٍ لعبد الله بن عمرو بن العاص
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
يقول:
( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة
من قال:
لا إله إلا الله
خالصاً من قلبه
أو نفسه )

أخرجه البخاري
(1/193) (1) .


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
(1):وهو في الصحيحين باختلاف يسير عن هذا اللفظ.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:21 PM
والإخلاص
ترك الشرك
وإفراد الله بالعبادة ،

كما في حديث أبي هريرة الآخر:

( إني اختبأت دعوتي
شفاعة لأمتي يوم القيامة،
فهي نائلة – إن شاء الله –
من مات
لا يشرك بالله شيئاً )

متفق عليه.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:27 PM
فبهذا وأمثاله تُطلب الشفاعة من الله،
فيطلبها أهل التوحيد
بترك الإشراك
وتحقيق التوحيد،
وبسؤال الله لنبيه الوسيلة،

ولا يطلبها أهل التوحيد
الكارهون للشرك بأصنافه
- الصحابة وأتباعهم إلى يوم الدين-
من النبي صلى الله عليه وسلم في قبره،

بل يعلمون بدلائل القرآن والسنة
أن من سأله الشفاعة بعد وفاته
فهو خليق بحرمانه
من الشفاعة.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:32 PM
فاتبعوا يا عباد الله المشروع
في سؤال شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم القيامة،

وابتعدوا عن ما لم يفعله رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ولا صحابته المقربون.

وإذا لم نسأل النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة
فغيره من الصالحين أولى وأولى،

ودلائل هذا ظاهرة،
فعسى أن تجد قلوباً مهدية،
لم يعلُ عليها هواها،
فالتبصر التبصر،
والاتباع الاتباع.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 12:41 PM
ثالثاً:

يقال:
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة
لا تطلب منه في الدنيا
لا سيما وهو ميت

وإنما تطلب منه في وقت الحاجة إليها،
وفي حال حياته صلى الله عليه وسلم
في الآخرة
حينما يشتد الحال بأهل الموقف
كما صح في الحديث،

وحينما يريد أهل الجنة دخول الجنة،
وحينما يدخل أهل الكبائر من أمته في النار
أو يؤمر بدخولهم فيها،
كما دلت على ذلك النصوص الصحيحة،

أما طلبها الآن
فهو طلب قبل أوانه،
ومن تعجَّل شيئاً قبل أوانه
عُوقب بحرمانه.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:43 PM
قال (ص92)
في رده على
أهل السنة والجماعة
الذين يفرِّقون بين ما مكَّن الله العبد منه في الحياة الدنيا،
وبين ما لم يمكنه في الحياة البرزخية.
قال:
(ولنقتصر هنا على هذا السؤال:
أيعتقدون أن الشهداء أحياء عند ربهم كما نطق القرآن بذلك أو لا؟
فإن لم يعتقدوا فلا كلام لنا معهم؛
لأنهم كذبوا القرآن حيث يقول:
{ وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ
بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}
[البقرة: 154]،
{ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً
بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }
[ آل عمران: 169 ]
وإن اعتقدوا ذلك فنقول لهم:
إن الأنبياء وكثيراً من صالحي المسلمين
الذين ليسوا بشهداء كأكابر الصحابة
أفضل من الشهداء بلا شك) اهـ.



أقول:
يظهر أن الكاتب
لا يعرف معتقد أهل السنة والجماعة،
ولو عرفه
لما فتحَ فاه ،
ولا نبسَ بما نبسَ به،

فكتب علماء السنة
وخاصة علماء هذه البلاد،
وتلامذة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
منتشرة مشهورة،
وفيها بيان اعتقادنا

والحمد لله.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:48 PM
فمن ذلك
ما كتبه الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد عبد الوهاب
في الاعتقاد لأهل مكة
لما دخلها أتباع الدولة السعودية الأولى
سنة 1218 هـ

فمما قال:

(والذي نعتقده أن
رتبة نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم
أعلى مراتب المخلوقين
على الإطلاق،
وأنه حي في قبره حياة برزخية
أبلغ من حياة الشهداء،
المنصوص عليها في التنزيل،
إذ هو أفضل منهم بلا ريب) اهـ (1) .


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
(1):"الدرر السنية"(1/114).

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 01:58 PM
وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين
المتوفى
سنة 1282هـ:

هل النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره ؟

فأجاب:

( الله سبحانه وتعالى أخبر بحياة الشهداء،
ولا شك أن الأنبياء أعلى رتبةُ من الشهداء،
وأحق بهذا،
وأنهم أحياء في قبورهم،

ونحن نرى الشهداء رميماً،
وربما أكلتهم السباع،
ومع ذلك هم
{ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُو نَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ }

[ آل عمران: 169،170 ]

فحياتهم حياة برزخية ،
والله أعلم بحقيقتها،

والنبي صلى الله عليه وسلم قد مات
بنص القرآن والسنة،
ومن شك في موته فهو كافر ) اهـ (1).


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
(1):"الدرر السنية"(2/165).

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 02:02 PM
فهذا بحمد لله
معتقدنا،
ولو علمه الكاتب
لما حرَّك قلمه بهذه الشبهة،

والقوم يظنون أنهم أفراح
بالدلائل الصحيحة الصريحة
من أهل السنة والجماعة ،

وما صحَّ دليل
إلا وقد نصره
أهل السنة
نصراً بليغاً،
مع النظر في غيره من الأدلة،

والحمد لله رب العالمين.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 11:14 PM
ثم دخل الكاتب في الأرواح وخصائصها،
وخاض بغير علم
فمما قال (ص93):
(ولا شك أن الأرواح لها من الانطلاق والحرية
ما يمكنها من أن تجيب من يناديها،
وتغيث من يستغيث بها،
كالأحياء سواء بسواء،
بل أشد وأعظم) اهـ.

أقول:
فهلا أتى الكاتب على علمه بالأرواح
من دليل نقلي،

والله سبحانه يقول:

{ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ
قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً }

[ الاسراء: 85 ]

أم أنه
كُشف له الغيب
فعلم ذلك !

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 11:17 PM
وهنا أمور يجب تقريرها:

الأول:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق
بما يمكن علمه من شأن الأرواح،
وهو لم يعلم صحابته وأمته هذا العلم
من أنها
(تغيث من يستغيث بها
كالأحياء سواء بسواء
بل أشد وأعظم)،

أفكتم هذا العلم
الذي علمه
المفسرون المشركون ؟!.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 11:21 PM
الثاني:

أن الأرواح لا تُعلَم أحوالها وكيف هي،
وقدراتها،
والذي نعلمه قطعاً
أنها لا تجيب من يدعوها،
ولا تغيث من يستغيثها.

فما ظن الكاتب
بدين الجاهلية
دين المشركين ،
أيعبدون أصناماً أحجاراً ؟!
أم أنهم لم يعبدوها
إلا وقد رأوا أثرها من إجابة دعاء، وإغاثة ؟!

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 11:24 PM
إن أعظم فتن الشياطين
هي الشرك،
وبابه القبور
حيث يظهر عمل شياطين الجن
من تمثل بصورة المقبور،
وتكليم الحاضرين،
وربما أجاب سؤالاً،
وغير ذلك.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 11:32 PM
الثالث:

ومما يتفرع عما أسلفتُ
ما ذكره الشيخ العلَم تقي الدين ابن تيمية
في "الجواب الصحيح
لمن بدّل دين المسيح"
(1/322):

(والشيطان إنما يضل الناس
ويغويهم بما يظن أنهم يطيعونه فيه،
فيخاطب النصارى بما يوافق دينهم،
ويخاطب من يخاطب من ضلال المسلمين
بما يوافق اعتقاده،
وينقله إلى ما يستجيب لهم فيه
بحسب اعتقادهم،

ولهذا يتمثل لمن يستغيث من النصارى بجرجس
في صورة جرجس،
أو بصورة من يستغيث به من النصارى من أكابر دينهم
إما بعض البتاركة،
وإما بعض المطارنة،
وإما بعض الرهبان،

ويتمثل لمن يستغيث به من ضلال المسلمين
بشيخ من الشيوخ
في صورة ذلك الشيخ،

كما يتمثل لجماعة ممن أعرفه في صورتي،
وفي صورة جماعة من الشيوخ
الذين ذكروا في ذلك.

ويتمثل كثيراً في صورة بعض الموتى،
تارة يقول:
أنا الشيخ عبد القادر،
وتارة يقول:
أنا الشيخ أبو الحجاج الأقصري،
وتارة يقول:
أنا الشيخ عدي،
وتارة يقول:
أنا أحمد بن الرفاعي،
وتارة يقول:
أنا أبو مدْين المغربي،

وإذا كان يقول: أنا المسيح أو إبراهيم أو محمد،
فغيرهم بطريق أولى.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال:
( من رآني في المنام فقد رآني حقاً،
فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي )،

وفي رواية:
( في صورة الأنبياء )،

فرؤيا الأنبياء في المنام حق،

وأما رؤية الميت في اليقظة
فهذا جني تمثل في صورته.

وبعض الناس يسمي هذا روحانية الشيخ،
وبعض الناس يقول: هي رفيقه،

وكثير من هؤلاء من يقوم من مكانه
ويدع في مكانة صورة مثل صورته،
وكثير من هؤلاء ومن هؤلاء من يقول يُرى في مكانين،
ويرى وافقاً بعرفات وهو في بلده لم يذهب،
فيبقى الناس الذين لا يعرفون حائرين،

فإن العقل الصريح يعلم أن الجسم الواحد
لا يكون في الوقت الواحد في مكانين.

والصادقون قد رأوا ذلك عياناً لا يشكون فيه،
ولهذا يقع النزاع كثيراً بين هؤلاء وهؤلاء،
كما قد جرى ذلك غير مرة،
وهذا صادق فيما رأى وشاهد،
وهذا صادق فيما دل عليه العقل الصريح،

لكن ذلك المرئي كان جنياً
تمثل في صورة إنسان ) اهـ.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 11:39 PM
وذكر - رحمه الله -
في " قاعدة في التوسل والوسيلة"
من تفصيل ذلك ما يزيد المؤمنين هدى،

ومما قال
(1/174)
"مجموع الفتاوى":

( وعند المشركين عُبَّاد الأوثان
ومن ضاهاهم من النصارى،
ومبتدعة هذه الأمة في ذلك من الحكايات
ما يطول وصفه.

فإنه ما من أحدٍ يعتاد دعاء الميت والاستغاثة به
نبياً كان أو غير نبي
إلا وقد بلغه من ذلك ما كان من أسباب ضلالة،

كما أن الذين يدعونهم في مغيبهم
ويستغيثون بهم
فيرون من يكون في صورتهم،
أو يظنون أنه في صورتهم،

ويقول: أنا فلان،
ويكلمهم ويقضي بعض حوائجهم،
فإنهم يظنون أن الميت المتسغاث به
هو الذي كلمهم وقضى مطلوبهم،
وإنما هو من الجن والشياطين.

ومنهم من يقول:
هو ملك من الملائكة،
والملائكة
لا تعين المشركين ،
وإنما هم شياطين أضلوهم عن سبيل الله،

وفي مواضع الشرك
من الوقائع والحكايات التي يعرفها من هنالك،
ومن وقعت له ما يطول وصفه ) اهـ.

أبو فراس السليماني
2014-09-25, 11:48 PM
فقَطْع الكاتب
بأن أرواح الموتى تغيث من يستغيث بها،
كالأحياء بل أشد وأعظم،
من الشرك الذي خدعت الجن والشياطين به
طوائف من الناس،
فتقربوا إلى المقبورين،
وإنما تقربوا في الحقيقة إلى شياطين الجن،
فتشكلت لهم الجن وأرضوهم
حيث أشركوا بهم،
وهذا ما يريده إبليس اللعين،
وقد أطاعه فيه عُبَّاد القبور،
والمنافحون عنهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 04:58 AM
قال الكاتب(ص96)
شارحاً
لمعنى حديث:
( إذا سألت فأسأل الله،
وإذا استعنت فاستعن بالله )

قال:
(هذا الحديث الشريف ليس المقصود به
النهي عن السؤال والاستغاثة بما سوى الله،
كما يفيده ظاهر لفظه،
وإنما المقصود به النهي عن الغفلة
عن ما كان من الخير على يد الأسباب فهو من الله،
والأمر بالانتباه إلى أن ما كان من نعمة
على يد المخلوقات فهو من الله وبالله.

فالمعنى: وإذا أردت الاستغاثة بأحد من المخلوقين
- ولابد لك منها -
فاجعل كل اعتمادك على الله وحده،
ولا تحجبنك الأسباب عن رؤية المسبب
- جل جلاله -،
ولا تكن ممن يعلمون ظاهراً من هذه الارتباطات
والعلاقات بين الأشياء المترتب بعضها على بعض،
وهم عن الذي ربط بينها غافلون) اهـ.



أقول:

هذا التفسير لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
بناه الكاتب على مفهوماته للتوحيد
وهو توحيد الربوبية،
وفسره تفسيراً لم ينقله
عن عالم يركن إلى تفسيره وشرحه،
ولا إلى إمام يحتذى حذو فهمه ويتابع عليه.

فإذا كان من عند نفسه
فلا شك أنه لن يُقبل ولن يصار إليه،
والعجب منه كيف جُرُأته
على تحريف مرادات
رسول الله صلى الله عليه وسلم
لنصرة هواه.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 05:01 AM
ومما يدل على بطلان ما فسره به:

أولاً:

أن هذه الوصية
من رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس
منقبة لابن عباس،
ولو فُسِّرت
بما فسرها به الكاتب
لكانت غير منقبة،

إذ تفسيره يدل على أن المخاطب
معه أدنى درجات الإيمان والتوحيد،
فهو يحذِّر من الوقوع في براثن رؤية الأسباب،
وحاشا ابن عباس
- رضي الله عنه -
عن ذلك.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 05:04 AM
الثاني:

أن هذا الشرح
خارج عما قاله الشراح من أهل العلم،
وما كان كذلك
فهو من الهوى
إن لم يقم صاحبه عليه
دليلاً صحيحاً نقلاً ونظراً،

وهو مما ليس في قول الكاتب هنا،
وأنى له ذلك.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 05:10 AM
قال الحافظ الفقيه ابن رجب
في "شرح الأربعين"
(2/228):

قوله صلى الله عليه وسلم:
( إذا سألت فأسأل الله
وإذا استعنت فاستعن بالله )

هذا منتزع من قوله تعالى:
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

[ الفاتحة: 5 ]،

فإن السؤال لله
هو دعاؤه
والرغبة إليه،

والدعاء هو العبادة،
كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
من حديث النعمان بن بشير
وتلا قوله تعالى:
{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ }

[ غافر: 60 ]

خرجه الإمام أحمد وأبو داود
والترمذي والنسائي وابن ماجه،

وخرج الترمذي
من حديث أنس بن مالك
عن النبي صلى الله عليه وسلم:
( الدعاء مخ العبادة ).

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 05:19 AM
فتضمن هذا الكلام
أن يسأل الله عز وجل،
ولا يسأل غيره،

وأن يستعان بالله
دون غيره،

فأما السؤال
فقد أمر الله بمسألته
فقال:
{ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِه }

[ النساء: 32 ]،

وفي الترمذي
عن ابن مسعود مرفوعاً:
( سلوا الله من فضله،
فإن الله يُحب أن يسأل )،

وفيه أيضاً
عن أبي هريرة مرفوعاً:

( من لا يسأل الله
يغضب عليه )،

وفي حديث آخر:
( ليسأل أحدكم ربه
حاجته كلها،
حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع ).

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 05:25 AM
وفي النهي عن مسألة المخلوقين
أحاديث كثيرة صحيحة،
وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم
جماعة من أصحابه
على أن لا يسألوا الناس شيئاً
منهم:
أبو بكر الصديق وأبو ذر وثوبان،

وكان أحدهم يسقط سوطه
أو خطام ناقته
فلا يسأل أحداً
أن يناوله إياه).

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 05:55 AM
ثم قال ابن رجب:

(واعلم أن سؤال الله عز وجل دون خلقه
هو المتعين؛

لأن السؤال
فيه إظهار الذل من السائل
والمسكنة
والحاجة
والافتقار،

وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول
على دفع هذا الضرر
ونيل المطلوب،
وجلب المنافع
ودرء المضار.

ولا يصح الذل والافتقار
إلا لله وحده
لأنه حقيقة العبادة،

وكان الإمام أحمد يقول:
اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك
فصنه عن المسألة لغيرك )

انتهى كلام ابن رجب.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 06:05 AM
وقال ابن حجر الهيتمي المكي
في "الفتح المبين شرح الأربعين"
(ص172):

(فمع النظر لذلك
لا فائدة لسؤال الخلق
مع التعويل عليهم
فإن قلوبهم كلها بيد الله سبحانه وتعالى،
ويصرفها على حسب إرادته،

فوجب أن لا يعتمد في أمر من الأمور
إلا عليه سبحانه وتعالى،
فإنه المعطي المانع،
لا مانع لما أعطى
ولا معطي لما منع،
له الخلق وله الأمر...

ثم قال:
(فبقدر ما يميل القلب إلى مخلوق
يبعد عن مولاه
لضعف يقينه
ووقوعه في هوة الغفلة
عن حقائق الأمور
التي تيقظ لها أصحاب التوكل واليقين،
فأعرضوا عما سواه
وأنزلوا جميع حوائجهم
بباب كرمه وجوده ) اهـ.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 06:22 AM
وفي"الفتوحات الوهبية بشرح الأربعين النووية"،
قال إبراهيم بن مرعي المالكي
(ص178):

(وإذا استعنت
أي: طلبت الإعانة على أمر من أمور الدنيا والدين،
ولذا حذف المعمول المؤذن بالعموم

( فاستعن بالله )؛
لأنه القادر على كل شيء،
وغيره عاجز عن كل شيء،

والاستعانة
إنما تكون بقادر على الإعانة،

وأما من هو كلٌّ على مولاه
لا يقدر على إنفاذ ما يهواه لنفسه
فضلاً عن غيره،

فكيف يؤهل للاستعانة
أو التمسك بسببه ؟!

ومن كان عاجزاً عن النفع والدفع عن نفسه،
فهو عن غيره أعجز،

ليت الفحل يهضم نفسه.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 06:27 AM
فاستغاثة مخلوق بمخلوق
كاستعانة مسجون بمسجون،

فلا تستعن
إلا بمولاك
فهو دليلك في أخراك وأولاك،

كيف تستعين بعبد
مع علمك بعجزه ؟!

فمن لا يستطيع دفع نازلة عن نفسه
كيف يدفعها عن غيره،
من أبناء جنسه ؟!

فلا تنتصر إلا به
فهو الولي الناصر،

ولا تعتصم إلا بحبله
فإنه العزيز القادر )

انتهى.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 06:32 AM
فهذه شذرة
من كلام أهل العلم،
يبين بها خروج الكاتب بمفاهيمه
عن فهمهم
ومن كان كذلك
فليس منهم.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 07:04 AM
الثالث:

إذا كان هذا كلام العلماء
فيمن هو حي يقدر على إجابة السؤال
وإعانة الطالب،

فما ظنك بالميت
الذي هو أضعف في إجابته من الحي،
بل لا يجيب حياً سأله في أمرٍ يتعلق به،

فالميت مشغولٌ بنفسه:
إما في نعيم وروضة
وإما في جحيم وحفرة.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 07:19 AM
قال كاتب المفاهيم العجيبة :


(هذا الحديث يخطىء كثير من الناس في فهمه
إذ يستدل به على أنه لا سؤال ولا استعانة مطلقاً
من كل وجه وبأي طريق إلا بالله،
ويجعل السؤال والاستعانة بغير الله من الشرك
المخرج عن الملة).



أقول:
إن من خَطَّأَ العلماء
لا يؤبه لكلامه،

فالحي الأولى له
والأكمل
تحقيقاً لتوحيده،
أن لا يسأل أحداً شيئاً
ولا يستعين بأحد مطلقاً
إلا بالله ،
فهذه مرتبة الأنبياء والصديقين،

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 07:22 AM
ولذا قال أنس بن مالك
- رضي الله عنه -:

(خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين،
فو الله ما قال لي:
أفٍ قط،
ولم يقل لشيء فعلته،
لم فعلت كذا وكذا؟
ولا لشيء لم أفعله:
ألا فعلت كذا؟)

وبهذا أوصى طائفة من أصحابه
أبا بكر وأبا ذر وثوبان،
فهذا من
تحقيق كمال التوحيد.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 07:24 AM
وأما سؤال الميت الأشياء والاستعانة به،
فهو مُنافٍ للتوحيد من أصله،

إذ الميت لا يمكنه إعانة نفسه،
فهو عن الناس في شغل،
وحدُّه وقصاراه نفسه لا غير.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 07:29 AM
وقد قال تعالى:

{ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ }

[ فاطر: 22 ]

يعني؛ سمع إجابة،

والكاتب يماحل نفسه،
ويلوي أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم
لتوافق مذهبه،
ولو كانت مخالفة
لقول أهل العلم أجمعين.

ثم إن في تفسيره الحديث بما فسره به
تنقصاً لابن عباس - رضي الله عنهما -،
وقع فيه من جراء
اختلاق التفاسير والشروح،
ومن خالف وقع.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 07:38 AM
ثم أراد أن يقوي نظرته
المخالفة لأقوال أهل العلم
بما ليس بدليل،


فمما قال
(ص97):
(وقال صلى الله عليه وسلم:
( إن لله خلقاً خلقهم لحوائج الناس يفزع الناس إليهم في حوائجهم،
أولئك الآمنون من عذاب الله )،

فانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم:
( يفزع إليهم في حوائجهم )
ولم يجعلهم مشركين بل ولا عاصين ).


أقول:
لم يذكر مخرج الحديث،

فقد رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(1)
عن ابن عمر- رضي الله عنه-
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"
(8/192):
فيه شخص ضعفه الجمهور،

وأحمد بن طارق الراوي عنه لم أعرفه
وبقية رجاله رجال الصحيح،

هذا ما نقله المناوي في "فيض القدير"
(2/477-478)
عن الهيثمي

وما في المجمع المطبوع مختل،
وبه بياض فلتراجع نسخة مضبوطة.

ورواه ابن عساكر في "تاريخه" عن ابن عمر.
ورواه ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال"
(4/1507)
من طريق عبد الله بن إبراهيم ابن أبي عمرو
قال حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم
عن أبيه عن ابن عمر به.
وهذا إسناد ضعيف جداً
وإن قيل
بوضعه كان متجهاً؛
لأن عبد الرحمن حدث عن أبيه بالموضوعات
كما قاله الحاكم وغيره،
والراوي عنه عبد الله بن إبراهيم
من الضعفاء.


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
(1):رقم (13334)، من طريق عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه،
وعناه الهيثمي حيث قال:
فيه شخص ضعفه الجمهور.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 07:44 AM
وأورد الكاتب
أحاديث في الحث على قضاء حوائج الناس،
مستدلاً بها على فساد فهم أهل العلم
الذين قالوا
بأن ترك سؤال المخلوق
القادر على الإجابة
من إكمال التوحيد،

وأن من سأل
من لا يقدر على الإجابة
ممن زال عن دار العمل والتكليف دار الدنيا،
فقد أشرك.

وما فهم العلماء بفاسد،
ولكن
فَهم المعجب بفهمه
هو الفاسد،

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 07:48 AM
ونُذَكر الكاتب
بقوله في أهل العلم:

( وكيف يفتح الله علينا
لنستفيد من علومهم
إذا كنا نعتقد فيها الانحراف والزيغ
عن طريق الإسلام )
(ص39)،

وحق هذا
فما فُتح لكاتب المفاهيم
أبواب الاستفادة من أقوالهم؛
لأنه يعتقد فيها الانحراف،

حيث قال:
(وهذا الحديث يخطئ كثير من الناس في فهمه)،

والذين أخطؤوا هم العلماء،

فعلى نفسه حَكَم،
ولمفاهيمه وَزَن.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 07:53 AM
وختم كلامه على الحديث
(ص99)
بعَجَب عجيب
وأمر مريج

فقال:
( وبهذا يبين أن المقصود من الحديث
ليس ما توهموه،
فإنه فاسد واضح الفساد كما تبين،
وإنما المقصود الترهيب من سؤال الناس أموالهم
بلا حاجة طمعاً فيها ).

وهذا التأويل
يعرف الجهال فساده.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 08:03 AM
قال (ص98):

(ومن أخذ بالسبب الذي أمر الله بسلوكه لنيل جوده
فما سأل السبب بل سأل واضعه،
فقول القائل:
يا رسول الله! أريد أن ترد عيني أو يزول عنا البلاء
أو أن يذهب مرضي،
فمعنى ذلك طلب هذه الأشياء من الله
بواسطة شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو كقوله: ادع لي بكذا واشفع لي في كذا،
لا فرق بينهما
إلا أن هذه أصرح في المراد من ذلك ) اهـ.


أقول:

إن قول القائل:

يا رسول الله!
أريد أن ترد عيني أو أن يذهب مرضي
من شرك التصرف،
وهو شرك أكبر ناقل عن الملة.

وأما قول القائل:
ادع لي بكذا واشفع لي في كذا،
سائلاً النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته
فهو من
شرك التقريب والشفاعة.

وكلا الأمرين شرك
ولكن الأول أعظم وأشد؛

لأن معناه إشراك
رسول الله صلى الله عليه وسلم في التصرف،

فقائله
- كما هو الحال المشاهد
من قائلي مثل هذا
مع غير النبي صلى الله عليه وسلم من الصالحين -

يعتقدون
أن الميت يتصرف
في جزءٍ من الكون،
فبيده إشفاء المرضى
بتفويض الله له ذلك،
وبيده إزالة البلاء والقحط والنكبات،
لتفويض الله له التصرف
في جزءٍ من الكون.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 08:06 AM
وهذا معلوم،
والكاتب مُغالط
فيدعي معرفة عقائد كل من قال تلك الكلمات،
وذاك من الدعاوي العريضة
التي هي
محض تخرُّص،
أو مغالطة.

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 08:11 AM
فمن ذلك
ما في "رماح حزب الرحيم"
لعمر الفوني
(1/219) (1)

قال في النبي صلى الله عليه وسلم:

( إنه يحضر كل مجلس
أو مكان أراد
بجسده وروحه،
وأنه يتصرف حيث شاء
في أقطار الأرض
وفي الملكوت،
وهو بهيئته التي كان عليها
قبل وفاته ) اهـ.



<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
(1):نقله عنه عبد الرحمن الوكيل في "هذه هي الصوفية"
(ص81).

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 08:17 AM
وفي شعر لأحدهم ( 1 ) قال:

فلذا إليك الخلقُ تفزَع كلهم
في هذه الدنيا وفي اليوم الأهم

وإذا دهتهم كربة فرجتها
حتى سوى العقلاء في ذاك انتظم

جُدْ لي فإن خزائن الرحمن في
يدك اليمين وأنت أكرمُ من قسم

وعند عُبَّاد القبور
المستغيثين بأصحابها
من اعتقاد تصرفهم في العالم
شيء كثير،

وهو من أعظم الشرك،
الشرك في الربوبية.



<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
( 1 ) :نقله عنه عبد الرحمن الوكيل في "هذه هي الصوفية"(ص87).

أبو فراس السليماني
2014-09-26, 08:23 AM
ومن أدلته على خطأ فهم العلماء
لحديث ابن عباس


قوله (ص98):
(ويكفي في بيان الخطأ
أن الحديث نفسه إنما هو جواب منه - عليه الصلاة والسلام -
لسؤال ابن عباس راوي الحديث
بعد تشويق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأله
فإنه قال:
( يا غلام! ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن )،
فأي تحريض على السؤال أجمل من هذا؟
قال ابن عباس: بلى ) اهـ.



أقول:

الحديث أخرجه الترمذي في "جامعه"
(رقم 2516)
بإسناده عن ابن عباس قال:
كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال:

( يا غلام!
إني أعلمك كلمات:
احفظ الله يحفظك،
احفظ الله تجده تجاهك،
إذا سألت فأسال الله،
وإذا استعنت فاستعن بالله... ) الحديث.

وأخرجه أحمد
(1/293) هكذا،وجماعة.

هذه الرواية المشهورة القوية السند.

وهي التي أشار إليها الكاتب
حيث قال:
(هذا طرف من الحديث المشهور
الذي رواه الترمذي وصححه
عن ابن عباس مرفوعاً)،

وليس فيها
السؤال والجواب
اللذان أوردهما.

وإنما ورد ذلك من
طريق ضعيفة منقطعة،
أخرجها أحمد في "المسند"
(1/307) وغيره،
وفي كلام أحمد شاكر على الحديث
وبيان انقطاعه كفاية،
فيرجع إليه
(4/286-288).