تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 33

الموضوع: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

  1. #1

    افتراضي تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله:
    الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
    أما بعد فإني كنت دائما أعلم أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد ولكن كنت أحسب أن قضاياه صادقة لما رأيت من صدق كثير منها، ثم تبين لي فيما بعد خطأ طائفة من قضاياه وكتبت في ذلك شيئا.
    ثم لما كنت بالإسكندرية اجتمع بي من رأيته يعظم المتفلسفة بالتهويل والتقليد فذكرت له بعض ما يستحقونه من التجهيل والتضليل. واقتضى ذلك أني كتبت في قعدة بين الظهر والعصر من الكلام على المنطق ما علقته تلك الساعة، ثم تعقبته بعد ذلك في مجالس إلى أن تم. ولم يكن ذلك من همتي فإن همتي إنما كانت فيما كتبته عليهم في الإلهيات.
    وتبين لي أن كثيرا مما ذكروه في المنطق هو من أصول فساد قولهم في الإلهيات، مثل ما ذكروه من تركّب الماهيات من الصفات التي سموها ذاتيات، وما ذكروه من حصر طرق العلم فيما ذكروه من الحدود والأقيسة البرهانيات، بل فيما ذكروه من الحدود التي بها تعرف التصورات، بل ما ذكروه من صور القياس ومواده اليقينيات.
    فأراد بعض الناس أن يكتب ما علقته إذ ذاك من الكلام عليهم في المنطق فأذنت في ذلك لأنه يفتح باب معرفة الحق، وإن كان ما فُتح من باب الرد عليهم يحتمل أضعاف ما علقته تلك الساعة.
    أقول: هنا ثلاث وقفات:
    الأولى: ما يتعلق بأهمية المنطق عند الشيخ فهو كان دائما يرى أن المنطق لا يحتاج إليه الذكي من الناس لأنه يملك القدرة على التفكير السليم والاستنتاج الصحيح، وأما البليد فلا ينتفع به لعسر مباحثه بالنسبة إليه، ولأن تطلب من البليد أن يحمل الصخور على كاهله أهون عليه من أن يجلس ساعة يفكر ويتأمل.
    نعم لا يُنْكَر أن في المنطق ما قد يستفيدُ ببعضه من كان في كفرٍ وضلالٍ وتقليدٍ لمن نشأ بينهم من الجهَّال، كعوامِّ النصارى واليهود والرافضة ونحوهم، فأورثهم المنطقُ تركَ ما عليه أولئك من تلك العقائد... ففي الجملة، ما يحصلُ به لبعض الناس مِن شَحْذِ ذهنٍ أو رجوعٍ عن باطل أو تعبيرٍ عن حقٍّ، فإنما هو لكونه كان في أسوأ حال، لا لما في صناعة المنطق من الكمال. نقض المنطق ص 286.
    الثانية: كان الشيخ لفترة من عمره يحسب أن جميع قضايا المنطق صحيحة وإن كانت لا تخلو من حشو وتطويل وكان الذكي لا يحتاج إليه وذلك لما رأى من صدق كثير من قضاياه.
    وهذه النظرة للمنطق أعني اعتقاد صحة قضاياه في نفسها قد شاركه فيها كثير من العلماء فقد قال الشيخ: كان كثير من فضلاء المسلمين وعلمائهم يقولون: المنطق كالحساب ونحوه مما لا يعلم به صحة الإسلام ولا فساده ولا ثبوته ولا انتفاؤه. فهذا كلام من رأى ظاهره وما فيه من الكلام على الأمور المفردة لفظا ومعنى ثم على تأليف المفردات وهو القضايا ونقيضها وعكسها المستوي وعكس النقيض ثم على تأليفها بالحد والقياس وعلى مواد القياس وإلا فالتحقيق: أنه مشتمل على أمور فاسدة ودعاوى باطلة كثيرة. نقض المنطق 341.
    ولعل سبب هذا أن الضلال الذي فيه إنما ينشأ من القول بلوازم بعض مسائله والتي لا تكاد تظهر إلا لكبار الحذاق، وهذا ما يجعل الكثير من الناس يدرس ويدرّس بعض مختصرات المنطق ولا يتغير حاله ولا يشعر في نفسه أنه مكذب بشيء من الحق الذي كان يعلمه من القرآن والسنة قبل معرفة المنطق وهذا ما أشار إليه الشيخ في موضع آخر حيث قال: ..قد يطعن في هذا من لم يفهم حقيقة المنطق وحقيقة لوازمه، ويظن أنه في نفسه لا يستلزم صحة الإسلام ولا فساده، ولا ثبوت حق ولا انتفاءه، وإنما هو آلة تعصم مراعاتها عن الخطأ في النظر، وليس الأمر كذلك، بل كثير مما ذكروه في المنطق يستلزم السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات، ويكون من قال بلوازمه ممن قال الله تعالى فيه: وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير.
    والكلام في هذا مبسوط في غير هذا الموضوع، وإنما يلتبس على كثير من الناس بسبب ما في ألفاظه من الإجمال والاشتراك والإبهام، فإذا فُسر المراد بتلك الألفاظ انكشفت حقيقة المعاني المعقولة. درء التعارض 1/218.
    الثالثة: ذكر الشيخ أنه تبين له لاحقا أن كثيرا من مسائل المنطق هي من أصول ضلال الفلاسفة في باب الإلهيات حينما يتكلمون على الباري سبحانه، وذكر أهم تلك المسائل التي سيدير الكلام عليها وهي:
    تركب الماهيات والحقائق الخارجية من الذاتيات.
    حصر طرق العلم في الحدود المنطقية والبرهان الأرسطي وأنه لا يُنال المطلوب التصوري إلا بالحد، ولا ينال المطلوب التصديقي إلا بالقياس.
    كون الحدود تفيد تصور الأشياء.
    ما ذكروه في صور القياس كتفريقهم بين قياس الشمول وقياس التمثيل وما ذكروه في مواده البرهانية، مثلما ذكروه في مواد البرهان من قبول بعض القضايا التي سموها يقينية واعتقدوها كلية، وليس الأمر كذلك، وردهم لبعض القضايا التي سموها مشهورات ووهميات، مع كونها قد تكون أقوى من كثير من القضايا التي سموها يقينية. درء تعارض العقل والنقل. 7/344.

  2. #2

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    قال الشيخ: فقلتُ: بسم الله الرحمن الرحيم
    فصل
    بنوا المنطق على الكلام في الحد ونوعه والقياس البرهاني ونوعه. قالوا: لأن العلم إما تصور وإما تصديق وكل منهما إمّا بديهي وإما نظري، فإنه من المعلوم أنه ليس الجميع بديهيا، ولا يجوز أن يكون الجميع نظريا لافتقار النظري إلى البديهي فيلزم الدور القبلي أو التسلسل في العلل- التي هي هنا أسباب العلم وهي الأدلة- وهما ممتنعان.
    والنظري منهما لا بد له من طريق ينال به فالطريق الذي ينال به التصور هو الحد والطريق الذي ينال به التصديق هو القياس.
    فالحد اسم جامع لكل ما يعرِّف التصور وهو القول الشارح فيدخل فيه الحقيقي والرسمي واللفظي، أو هو الحقيقي خاصة فيقرن به الرسمي، واللفظي ليس من هذا الباب، أو الحد اسم للحقيقي والرسمي دون اللفظي، فإن كل نوع من هذه الثلاثة اصطلاح طائفة منهم كما قد بسطته وذكرت أسماءهم في غير هذا الموضع.
    والقياس إن كانت مادته يقينية فهو البرهان خاصة، وإن كانت مسلمة فهو الجدلي، وإن كانت مشهورة فهو الخطابي، وإن كانت مخيلة فهو الشعري، وإن كانت مموهة فهو السوفسطائي، ولهذا قد يتداخل البرهاني والخطابي والجدلي، وبعض الناس يجعل الخطابي هو الظني وبعضهم يجعله الإقناعي. ولهم اصطلاحات أخر بعضها موافق لاصطلاح المعلم الأول أرسطو وبعضها مخالف له فإن كثيرا من المصنفين فيه خرجوا في كثير منه عن طريقة معلمهم الأول ولكن ليس المقصود هنا بسط هذا.
    ثم الحد إنما يتألف من الصفات الذاتية إن كان حقيقيا وإلا فلا بد من العرضية، وكل منهما إما أن يكون مشتركا بين المحدود وغيره وأما أن يكون مميزا له عن غيره، فالمشترك الذاتي الجنس والمميز الذاتي الفصل والمؤلف منهما النوع، والمشترك العرضي هو العرض العام والمميز العرضى هو الخاصة، وقد يعبر بـ الخاصة عما يعرض لـ النوع وإن لم يكن عاما لأفراده لكن تلك الخاصة لا يحصل بها التمييز كما قد يعبر بـ النوع عن الأنواع الإضافية التي هي بالنسبة إلى ما فوقها نوع وبالنسبة إلى ما تحتها جنس ولكن هذا وأمثاله من جزئيات المنطق التي ليس هنا المقصود الكلام فيها فان للكلام على ما ذكروه في الجنس والنوع مقاما آخر غير ما علق في هذه العجالة، فهذه الكليات الخمس، وبإزاء الكلي الجزئي وهو ما يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، والكلام في المركب مسبوق بالكلام على المفرد ودلالة اللفظ عليه.
    والقياس مؤلف من مقدمتين والمقدمة قضية إما موجبة وإما سالبة وكل منهما إما كلية وإما جزئية فلا بد من الكلام في القضايا وأنواعها وجهاتها.
    وقد يستدل عليها بـ نقيضها وبعكسها وبعكس نقيضها فإنها إذا صحت بطل نقيضها وصح عكسها وعكس نقيضها فتكلم في تناقض القضايا وعكسها المستوى وعكس نقيضها.
    والقضية إما حملية وإما شرطية متصلة وإما شرطية منفصلة فانقسم القياس باعتبار صورته إلى قياس تداخل وهو الحملي وقياس تلازم وهو الشرطي المتصل وقياس تعاند وهو التقسيم والترديد وهو الشرطي المنفصل هذا باعتبار صورته وباعتبار مادته إلى الأصناف الخمسة المتقدمة.
    فلا بد من الكلام في مواد القياس وهي القضايا التي يستدل بها على غيرها وهذا كله في قياس الشمول وأما قياس التمثيل والاستقراء فله حكم آخر فإنهم قالوا الاستدلال بـ الكلي على الجزئي هو قياس الشمول وبـ الجزئي على الكلي هو الاستقراء إما التام إن علم شموله للأفراد وإلا فالناقص والاستدلال بأحد الجزئيين على الآخر هو قياس التمثيل.
    مع أنا قد بسطنا في غير هذا الموضع الكلام على أن كل قياس شمول فانه يعود إلى التمثيل كما أن كل قياس تمثيل فانه يعود إلى شمول وأن جعلهم قياس الشمول يفيد اليقين دون قياس التمثيل خطأ.
    وذكرنا تنازع الناس في اسم القياس هل يتناولهما جميعا كما عليه جمهور الناس أو هو حقيقة في التمثيل مجاز في قياس الشمول كما اختاره أبو حامد الغزالي وأبو محمد المقدسي أو بالعكس كما اختاره ابن حزم وغيره من أهل المنطق والكلام على هذا مبسوط في مواضع.
    أقول: بيان هذا الفصل وشرحه تجده في كتابي الواضح في المنطق، ومن لم يفهم ما ذكره الشيخ هنا فلا ينفعه قراءة الكتاب فإنه تنتظرنا معمعة يتصدع لها الرأس.

  3. #3

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    قال: والمقصود هنا ذكر شيء آخر فنقول: الكلام في أربع مقامات مقامين سالبين ومقامين موجبين.
    فالأولان:
    أحدهما: في قولهم إن التصور المطلوب لا ينال إلا بالحد.
    والثاني: إن التصديق المطلوب لا ينال إلا بالقياس.
    والآخران: في أن الحد يفيد العلم بالتصورات وأن القياس أو البرهان الموصوف يفيد العلم بالتصديقات
    المقام الأول
    في قولهم: إن التصورات غير البديهية لا تنال إلا بالحد والكلام على هذا من وجوه:
    أحدها: أن يقال لا ريب أن النافي عليه الدليل إذا لم يكن نفيه بديهيا كما أن على المثبت الدليل، فالقضية سواء كانت سلبية أو إيجابية إذا لم تكن بديهية فلا بد لها من دليل وأما السلب بلا علم فهو قول بلا علم فقول القائل: أنه لا تحصل هذه التصورات إلا بالحد قضية سالبة وليست بديهية فمن أين لهم ذلك وإذا كان هذا قولا بلا علم كان في أول ما أسسوه القول بلا علم فكيف يكون القول بلا علم أساسا لميزان العلم ولما يزعمون أنه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن أن يزل في فكره.

    أقول: قال الغزالي في مقاصد الفلاسفة ص 12: وكل ما لا بد في تصوره من طلب فلا ينال إلا بذكر الحد، وكل ما لا بدّ في تصديقه من طلب فلا ينال إلا بالحجة.
    ومثله قال في محك النظر ص 6: فالمطلوب من المعرفة لا يقتنص إلا بالحد، والمطلوب من العلم الذي يتطرق إليه التصديق أو التكذيب لا يقتنص إلا بالحجة والبرهان وهو القياس. اهـ.
    إذا علم هذا فما المقصود أولا بقولهم: التصورات المطلوبة لا تنال إلا بالحد؟
    إذا قلنا: المقصود بالتصور هو التام الذي يكون بإدراك تمام الماهية فيكون المعنى: التصورات التامة لا تنال إلا بالحد التام المكون من جنس الشيء وفصله القريبين.
    وإذا قلنا: المقصود بالتصور هو مطلق التصور ولو بالخاصة فيكون المعنى:
    التصورات لا تنال إلا بالقول الشارح.
    فقد قال الغزالي في المقاصد ص 13: فما يؤدي إلى كشف التصورات يسمى حدا أو رسما، وما يفضي إلى العلوم التصديقية يسمى حجة فمنه قياس ومنه استقراء وتمثيل وغيره.
    وقال في محك النظر ص 256: قد ذكرنا أن أحد قسمي الإدراك هو المعرفة، أعني العلم بالمفردات، وأن ذلك لا ينال إلا بالحد.... واسم الحد في العادة قد يطلق على هذه الأجوبة الثلاثة على سبيل الاشتراك. اهـ يقصد اللفظي والرسمي والحدي.
    وقال كما في مجموع الفتاوى 9/ 266: وهنا تلخيص ذلك فأقول: مقصود الكلام في طرق العلم بالتصورات والتصديقات فالأول كالحد والرسم، والثاني كالقياس بأنواعه من البرهان وغيره وكالتمثيل والاستقراء. وقد يزعمون أن المطلوب من التصورات لا ينال إلا بجنس الحد والمطلوب من التصديقات لا ينال إلا بجنس القياس وقد يسمى جنس القياس بالنسبة كما يسمى جنس القول الشارح حدا وأما البديهي من النوعين فمستغن عن الحد والبرهان. اهـ.

    وقد اعترض الشيخ هذه القضية باعتراضات عديدة:
    أولها: أين الدليل على قولكم هذا فإن كل قضية موجبة أو سالبة إذا لم تكن بديهية فلا بدّ لها من دليل، وأنتم لم تقيموا عليها دليلا.
    والمناطقة وجدوا أن هذه القضية قريبة من البداهة فكل من لا يعرف مفردة من المفردات يسأل عنها قائلا: ما هو كذا؟ فيقال له: هو كذا وكذا. فهذا هو الطريق المعتاد في اقتناص المعرفة.
    والشيخ يقول: لا دليل لكم على الحصر فمن أين لكم أن هذه التصورات لا تحصل إلا بالحد.

  4. #4

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    الثاني: أن يقال الحد يراد به نفس المحدود وليس هذا مرادهم ههنا، ويريدون به القول الدال على ماهية المحدود وهو مرادهم هنا وهو تفصيل ما دل عليه الاسم بالإجمال.
    فيقال: إذا كان الحد قول الحاد فالحاد إما أن يكون قد عرف المحدود بحد وإما أن يكون عرفه بغير حد، فإن كان الأول فالكلام في [الحاد] الثاني كالكلام في الأول وهو مستلزم للدور القبلي أو التسلسل في الأسباب والعلل وهما ممتنعان باتفاق العقلاء وإن كان عرفه بغير حد بطل سلبهم وهو قولهم أنه لا يعرف إلا بالحد.

    أقول: الاعتراض الثاني: إن الحد إما أن يراد به نفس المحدود وحقيقته وإما أن يراد به القول الدال على ماهية المحدود، كالاسم يراد به تارة اللفظ الدال على المسمى، وتارة يراد به عين المسمى، والمراد بالحد هنا القول الدال على ماهية المحدود فهو الذي يكتسب به التصور، وحينئذ يقال: إذا كان الحد هو قول الحاد، والمستمع إنما عرف المحدود بحد المتكلم الحاد فهذا الحاد إما أن يكون هو أيضا قد عرف المحدود بحد غيره له، وإما أن يكون قد عرفه بغير حد، فإن كان عرفه بحد غيره له فيقال فهذا الحاد الثاني كيف عرفه فإن كان بالحاد الأول لزم الدور وإن كان عرفه بحاد ثالث وهو برابع إلى ما لا نهاية لزم التسلسل، وإن عرفه بغير حد بطل قولهم أنه لا يعرف إلا بالحد.
    فإن قيل: بل عرفه الحاد بنفس الحد المنعقد في نفسه فهو قبل أن يتكلم به انعقد الحد في نفسه. قلنا: لا يصح لأنه يكون قد عرف الشيء قبل أن يحده وإلا لم يصح حده لأنه يشترط في الحد أن يطابق المحدود عموما وخصوصا ولولا معرفته قبل أن يحده لم تصح معرفته بالمطابقة.

  5. #5

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    الثالث: أن الأمم جميعهم من أهل العلم والمقالات وأهل العمل والصناعات يعرفون الأمور التي يحتاجون إلى معرفتها ويحققون ما يعانونه من العلوم والأعمال من غير تكلم بحد منطقي ولا نجد أحدا من أئمة العلوم يتكلم بهذه الحدود لا أئمة الفقه ولا النحو ولا الطب ولا الحساب ولا أهل الصناعات مع أنهم يتصورون مفردات علمهم فعلم استغناء التصور عن هذه الحدود.
    أقول: حاصله أن الناس من الأمم جميعا من أهل العلم والنظر وأهل العمل والصناعة يتعاملون مع ما لا تحصى من المفردات في مجال علمهم وعملهم ويتصورنها جيدا مع أنهم لا يتكلمون بحد منطقي بل أكثر حدود هؤلاء لا تستقيم مع قوانين الحدود المنطقية فعلم استغناء التصور عن الحدود فكيف يصح قولهم: لا ينال التصور إلا بالحد!.

  6. #6

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    الرابع: أنه إلى الساعة لا يعلم للناس حد مستقيم على أصلهم بل أظهر الأشياء الإنسان وحده بـ الحيوان الناطق عليه الاعتراضات المشهورة وكذلك حد الشمس وأمثال ذلك، حتى أن النحاة لما دخل متأخروهم في الحدود ذكروا لـ الاسم بضعة وعشرين حدا وكلها معترض عليها على أصلهم بل أنهم ذكروا لـ الاسم سبعين حدا لم يصح منها شيء كما ذكر ذلك ابن الأنباري المتأخر، والأصوليون ذكروا لـ القياس بضعة وعشرين حدا وكلها معترض على أصلهم، وعامة الحدود المذكورة في كتب الفلاسفة والأطباء والنحاة والاصوليين والمتكلمة معترضة على أصلهم، وإن قيل بسلامة بعضها كان قليلا بل منتفيا؛ فلو كان تصور الأشياء موقوفا على الحدود لم يكن إلى الساعة قد تصور الناس شيئا من هذه الأمور، والتصديق موقوف على التصور فإذا لم يحصل تصور لم يحصل تصديق فلا يكون عند بني آدم علم في عامة علومهم وهذا من أعظم السفسطة.
    أقول: الحاصل أن الحدود المنطقية التي يزعمون أنه لا تنال التصورات إلا بها، لا يكاد يستقيم منها شيء حتى ما جاء به المناطقة أنفسهم كحد الإنسان بأن حيوان ناطق عليه اعترضات مشهورة في كتبهم وكذلك حد الشمس وغيرها مما معرفته من أظهر الأشياء، وكذلك حدود غيرهم من النحاة والأطباء والفلاسفة وغيرهم معترضة على أصول المنطق؛ فلو كان تصور الأشياء موقوفا على حدودهم لم يكن إلى الساعة قد تصور الناس شيئاّ! فكيف والتصديق موقوف على التصور فإنه إذا لم يحصل تصور لم يحصل تصديق فلا يكون عند بني آدم علم في عامة علومهم وهذا من أعظم السفسطة!
    وسيأتي للشيخ نقل عن المناطقة فيما يتعلق بعدم توقف التصديق على التصور التام.

  7. #7

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    الخامس: إن تصور الماهية إنما يحصل عندهم بالحد الذي هو الحقيقي المؤلف من الذاتيات المشتركة والمميزة وهو المركب من الجنس والفصل وهذا الحد إما متعذر أو متعسر كما قد أقروا بذلك، وحينئذ فلا يكون قد تصور حقيقة من الحقائق دائما أو غالبا وقد تصورت الحقائق فعلم استغناء التصورات عن الحد.
    أقول: الماهية والحقيقية إنما تتصور عند المناطقة بالحد الحقيقي المؤلف من الجنس والفصل القريبين، وتحصيل هكذا حد قالوا: إما أنه متعذر على الطاقة البشرية، أو هو عسير جدا، وهذا يعني أن تصور الحقائق لا يحصل للناس إما دائما أو غالبا جدا، مع أن الحقائق قد تصورت وبكثرة فعلم استغناء التصورات عن ذلك الحد.

  8. #8

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    السادس :أن الحدود الحقيقية عندهم إنما تكون للحقائق المركبة وهي الأنواع التي لها جنس وفصل، وأما ما لا تركيب فيه وهو ما لا يدخل مع غيره تحت جنس كما مثله بعضهم بالعقول فليس له حد وقد عرفوه وهو من التصورات المطلوبة عندهم؛ فعلم استغناء التصورات عن الحد بل إذا أمكن معرفة هذه بلا حد فمعرفة تلك الأنواع أولى لأنها أقرب إلى الحس وأن أشخاصها مشهودة.
    وهم يقولون إن التصديق لا يقف على التصور التام الذي يحصل بالحد الحقيقي بل يكفي فيه أدنى تصور ولو بالخاصة وتصور العقول من هذا الباب، وهذا اعتراف منهم بأن جنس التصور لا يقف على الحد الحقيقي، لكن يقولون الموقوف عليه هو تصور الحقيقة أو التصور التام وسنبين إن شاء الله أنه ما من تصور إلا وفوقه تصور أتم منه، وأنا نحن لا نتصور شيئا بجميع لوازمه حتى لا يشذ عنا منها شيء وأنه كلما كان التصور لصفات المتصور أكثر كان التصور أتم.
    وأما جعل بعض الصفات داخلة في حقيقة الموصوف وبعضها خارجة فلا يعود إلى أمر حقيقي وإنما يعود ذلك إلى جعل الداخل ما دل عليه اللفظ بالتضمن والخارج اللازم ما دل عليه اللفظ باللزوم فتعود الصفات الداخلة في الماهية إلى ما دخل في مراد المتكلم بلفظه والخارجة اللازمة للماهية إلى ما يلزم مراده بلفظه وهذا أمر يتبع مراد المتكلم فلا يعود إلى حقيقة ثابتة في نفس الأمر للموصوف وقد بسطنا ألفاظهم في غير هذا الموضع وبينا ذلك بيانا مبسوطا يبين أن ما سموه الماهية أمر يعود إلى ما يقدر في الأذهان لا إلى ما يتحقق في الأعيان والمقدر في الأذهان بحسب ما يقدره كل أحد في ذهنه فيمتنع أن تكون الحقائق الموجودة تابعة لذلك.

    أقول: حاصل هذا الاعتراض هو: أنهم يقولون إن الحدود الحقيقية إنما تكون للأنواع المركبة من الجنس والفصل، وأما الأنواع البسيطة التي لا تندرج تحت جنس كالعقول السماوية عندهم فلا حد لها وقد عرفوها بلا حد، فعلم استغناء بعض التصورات عن الحد، بل يقال إذا أمكن معرفة هذه بلا حد مع بعدها عن الحس، فلأن يمكن معرفة الأنواع المركبة كالإنسان أولى لأن أفرادها مشهودة بالحس.
    ثم تعرض الشيخ لأمر يقول به المناطقة وهو:
    أن التصديق بحكم من الأحكام- كالحكم على العقل بأنه بسيط- لا يتوقف على التصور التام، فلا يقال كيف حصل تصديق بذلك الحكم ولم يحصل تصور؛ لأنه يكفي التصور ولو بالخاصة، وأما التصور التام فلا يحصل إلا بالحد التام.
    والشيخ يعقب بأمرين:
    أن هذا الكلام اعتراف بأن جنس التصور لا يقف على الحد الحقيقي.
    أن قولهم بأن التصور التام إنما يكون بالحد التام، لا يصح فإنه ما من تصور إلا وفوقه تصور أتم منه؛ فمن تصور الإنسان بأن حيوان ناطق ضاحك أتم ممن تصوره بأنه حيوان ناطق فقط فكلما كان التصور لصفات المحدود أكثر كان التصور أتم، أما جعلهم بعض الصفات كالنطق داخلة في حقيقة الإنسان وبعضها كالضحك خارجة عن حقيقته فمحض تحكم وإنما هذا الأمر كدلالة اللفظ على المعنى الذي قصده المتكلم فما دخل فيه يدل عليه بالتضمن، وما لم يدخل ولازمه يدل عليه باللزوم، فتلك الصفات التي يجعلونها داخلة في الماهية هي الداخلة في مراد المتكلم بلفظه، وتلك الصفات الخارجة عن الماهية هي اللازمة للماهية، وهذا أمر يتبع مراد المتكلم وقصده ولا يعود إلى صفة ثابتة في نفس الأمر الموصوف. فما سموه بالماهية هو أمر يقدر في الأذهان، يقدره كل واحد بحسب ما في ذهنه ولا يعود إلى أمر حقيقي ثابت، وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة في كلامه.

  9. #9

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    السابع: أن مستمع الحد يسمع الحد الذي هو مركب من ألفاظ كل منها لفظ دال على معنى فان لم يكن عارفا قبل ذلك بمفردات تلك الألفاظ ودلالتها على معانيها المفردة لم يمكنه فهم الكلام، والعلم بأن اللفظ دال على المعنى وموضوع له مسبوق بتصور المعنى؛ فمن لم يتصور مسمى الخبر والماء والسماء والأرض والأب والأم لم يعرف دلالة اللفظ عليه، وإذا كان متصورا لمسمى اللفظ ومعناه قبل استماعه -وإن لم يعرف دلالة اللفظ عليه- امتنع أن يقال إنه إنما تصوره باستماع اللفظ لأن في ذلك دورا قبليا؛ إذ يستلزم أن يقال لم يتصور المعنى حتى سمع اللفظ وفهمه، ولم يمكن أن يفهم المراد باللفظ حتى يكون قد تصور ذلك المعنى قبل ذلك وهذا كما أنه مذكور في دلالة الأسماء على مسمياتها المفردة فهو بعينه وارد في دلالة الحدود على المحدودات إذ كلاهما إنما يدل على معنى مفرد لكن الحد يفيد تفصيل ما دل عليه الاسم بالاجمال.
    وقد يكون فيه عند المنطقين تفصيل صفاته المشتركة وا
    لمختصة وإن كان للمتكلمين في الحد طريق آخر إذ لا يحدون إلا بالخاصة المميزة الفاصلة دون المشتركة بل يمنعون من التركيب الذي يوجبه المنطقيون وهو لعمري أقرب إلى المقصود كما سنبينه إن شاء الله تعالى ونبين أن فائدة الحدود التمييز لا التصوير.
    وإذا كان المطلوب التمييز فإنما ذاك بالمميز فقط دون المشترك ولأنه كلما كان أوجز وأجمع وأخص كان أحسن كالأسماء فليس الحد في الحقيقة إلا اسما من الأسماء أو اسمين أو ثلاثة كقولك: حيوان ناطق، وكذلك قيل في تعليم آدم الأسماء كلها تعليم حدودها وهي من جنس الحدود المذكورة في قوله تعالى: وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله.

    أقول: خلاصته أن التصورات لو لم تعلم إلا بالحدود لأفضى ذلك إلى الدور المحال بيانه:
    إن الحد هو قول يقوله الحاد، وذلك القول لا يفيد المستمع شيئا إن لم يكن عارفا بمدلولات الألفاظ التي تركب منها الحد، والعلم بأن اللفظ دال على المعنى وموضوع له مسبوق بتصور المعنى، فيمتنع أن يقال إن الحد هو الذي أفاده بسماعه تصور المحدود؛ إذ يستلزم أن يقال: لم يتصور المعنى حتى سمع اللفظ وفهمه، ولم يمكن أن يفهم المراد باللفظ حتى يكون قد تصور ذلك المعنى أي أن التصور موقوف على فهم المعنى، وفهم المعنى موقوف على التصور وهذا دور سواء كان القول المعرِّف مفردا كالخاصة المميزة وهي طريقة المتكلمين إذ لا يعرفون إلا بالمختص بالمحدود، أو بالمركب من العام المشترك والمميز كقولنا: حيوان ناطق وهي طريقة المناطقة وسيأتي تفصيل ذلك.

  10. #10

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    الثامن: أن الحد إذا كان هو قول الحاد فمعلوم أن تصور المعاني لا يفتقر إلى الألفاظ فان المتكلم قد يتصور معنى ما يقوله بدون لفظ والمستمع قد يمكنه تصور تلك المعاني من غير تخاطب بالكلية فكيف يمكن أن يقال لا تتصور المفردات إلا بالحد الذي هو قول الحاد.
    أقول: يقول المناطقة: لا تنال التصورات إلا بالحدود، والحد هو قول الحاد ولفظه، وتصور المعاني لا يفتقر إلى الألفاظ، فإن المتكلم قد يمكنه تصور معنى ما يقوله بدون لفظ، والمستمع قد يمكنه تصور تلك المعاني من غير مخاطِب له أصلا بأن يتصورها بحسه وعقله، فكيف يمكن أن يقال لا تتصور المفردات إلا بالحد الذي هو لفظ الحاد!.

  11. #11

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    التاسع: أن الموجودات المتصورة إما أن يتصورها الإنسان بحواسه الظاهرة كالطعم واللون والريح والأجسام التي تحمل هذه الصفات، وإما أن يتصورها بمشاعره الباطنة كما تتصور الأمور الحسية الباطنة الوجدية مثل الجوع والشبع والحب والبغض والفرح والحزن واللذة والألم والإرادة والكراهية والعلم والجهل وأمثال ذلك، وكل من الأمرين قد يتصوره معينا وقد يتصوره مطلقا أو عاما، وهذه التصورات جميعها غنية عن الحد ولا يمكنه تصور شيء بدون مشاعره الظاهرة والباطنة وما غاب عنه يعرفه بالقياس والاعتبار بما شاهده.
    أقول: تصور المعاني يكون إما بالحس الظاهر وإما بالحس الباطن سواء تصوره جزئيا أو كليا، وهذه التصورات مستغنية عن الحد، ولا يمكن للإنسان تصور شيء بدون مشاعره الظاهرة والباطنة وما غاب عنه يعرفه بالقياس والاعتبار بما شاهده.

  12. #12

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    العاشر: أنهم يقولون إن للمعترض أن يطعن على حد الحاد بالنقض والمعارضة.
    والنقض إما في الطرد وإما في العكس، أما الطرد فهو أنه حيث وجد الحد وجد المحدود فيكون الحد مانعا فإذا بين وجود الحد ولا محدود لم يكن مطردا ولا مانعا بل دخل فيه غيره كما لو قال في حد الإنسان أنه الحيوان.
    وأما العكس وهو أن يكون حيث انتفى الحد انتفى المحدود لكون الحد جامعا وإذا لم يكن جامعا انتفى الحد مع بقاء بعض المحدود كما لو قال في حد الإنسان إنه العربي فلا يكون الحد منعكسا، ولو استعمل لفظ الطرد في موضع العكس لكان سائغا.
    والمقصود أنه لا بد من اتفاق الحد والمحدود في العموم والخصوص فلا بد أن يكون مطابقا للمحدود لا يدخل فيه ما ليس من المحدود ولا يخرج منه ما هو من المحدود فمتى كان أحدهما أعم كان باطلا بالاتفاق وسمي ذلك نقضا.
    فإن النقض يرد على الحد والدليل والقضية الكلية والعلة، لكن الدليل والقضية الكلية لا يجب فيهما الانعكاس إلا بسبب منفصل مثل المتلازمين إذا استدل بأحدهما على الآخر فهنا يكون الدليل مطردا منعكسا وأما الحد فلا بد فيه من الانعكاس.
    والعلة إن كانت تامة وجب طردها وإن لم تكن تامة جاز تخلف الحكم عنها لفوات شرط أو وجود مانع ويسمى ذلك تخصيصا ونقضا. أما وجود الحكم بلا علة فيسمى عدم عكس وعدم تاثير ونفس الحكم المتعلق بها ينتفي لا بانتفائها ولا يجب انتفاء نظيره إذا كان له علة أخرى فمجرد عدم الانعكاس لا يدل على فساد العلة إلا إذا وجد الحكم بدون العلة من غير أن تخلفها علة أخرى وهو في الحقيقة وجود نظير الشخص وهو نوعه فهنا تكون العلة عديمة التأثير فتكون باطلة وبهذا يظهر أن عدم التأثير مبطل لها وعدم الانعكاس ليس مبطلا لها.
    وهذه كلمات جوامع في هذه الكليات التي يكثر فيها اضطراب الناس.
    وأما المعارضة للحد بحد آخر فظاهر.
    فإذا كان المستمع للحد يبطله بالنقص تارة وبالمعارضة أخرى ومعلوم أن كليهما لا يمكن إلا بعد تصور المحدود علم أنه يمكن تصور المحدود بدون الحد وهو المطلوب.

    أقول: خلاصة ما يريد أن يقوله الشيخ هو: أنهم صرحوا أن الحد يمكن إبطاله إما بالنقض أو بالمعارضة، فالنقض يرد على جامعية الحد ومانعيته، والمعارضة هي المقابلة بحد آخر، ولا يخفى أنه لا يمكن النقض والمعارضة إلا بعد تصور المحدود فعلم أنه يمكن تصور المحدود أولا بدون الحد وهو المطلوب.
    وقد استطرد الشيخ وذكر ما يدخله النقض وهو-إضافة للحد- الدليل والقاعدة الكلية والعلة، وذكر ما يتعلق بطرد وعكس كل منها، ولعلنا نجد مناسبة لاحقا ونتحدث عنها بالتفصيل.

  13. #13

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    الحادي عشر: أن يقال هم معترفون بأن من التصورات ما يكون بديهيا لا يحتاج إلى حد وإلا لزم الدور أو التسلسل.
    وحينئذ فيقال كون العلم بديهيا أو نظريا هو من الأمور النسبية الإضافية مثل كون القضية يقينية أو ظنية إذ قد يتيقن زيد ما يظنه عمرو وقد يبده زيد من المعاني ما لا يعرفه غيره إلا بالنظر وقد يكون حسيا لزيد من العلوم ما هو خبري عند عمرو، وإن كان كثير من الناس يحسب أن كون العلم المعين ضروريا أو كسبيا أو بديهيا أو نظريا هو من الأمور اللازمة له بحيث يشترك في ذلك جميع الناس وهذا غلط عظيم وهو مخالف للواقع.
    فان من رأى الأمور الموجودة في مكانه وزمانه كانت عنده من الحسيات المشاهدات وهي عند من علمها بالتواتر من المتواترات وقد يكون بعض الناس إنما علمها بخبر ظني فتكون عنده من باب الظنيات فان لم يسمعها فهي عنده من المجهولات وكذلك العقليات فان الناس يتفاوتون في الإدراك تفاوتا لا يكاد ينضبط طرفاه ولبعضهم من العلم البديهي عنده والضروري ما ينفيه غيره أو يشك فيه وهذا بين في التصورات والتصديقات.
    وإذا كان ذلك من الأمور النسبية الإضافية أمكن أن يكون بديهيا عند بعض الناس من التصورات ما ليس بديهيا لغيره فلا يحتاج إلى حد وهذا هو الواقع وإذا قيل فمن لم يحصل له تلك المحدودات بالبداهة حصلت له بالحد قيل كثير منهم يجعل هذا حكما عاما في جنس النظريات لجنس الناس وهذا خطا واضح ومن تفطن لما ذكرناه يقال له ذلك الشخص الذي لم يعلمها بالبديهة يمكن أن تصير بديهة له بمثل الأسباب التي حصلت لغيره فلا يجوز أن يقال لا يعلمها إلا بالحدود.

    أقول: يريد الشيخ أن يقول: إن التصورات عند المناطقة منها ضرورية لا تحتاج حدا ومنها نظرية تحتاج إليه، فحينئذ يقال: فكون العلم بديهيا أو نظريا هو من الأمور النسبية الإضافية مثل كون القضية يقينية أو ظنية فقد يكون النظري عند رجل بديهيا عند غيره لوصوله إليه بأسبابه كمشاهدة أو تواتر وإذا كان ذلك من الأمور النسبية الإضافية أمكن أن يكون بديهيا عند بعض الناس من التصورات ما ليس بديهيا لغيره فلا يحتاج إلى حد وهذا هو الواقع.
    وإذا قيل فمن لم يحصل له تلك المحدودات بالبداهة حصلت له بالحد؟
    فيقال له ذلك الشخص الذي لم يعلمها بالبديهة يمكن أن تصير بديهة له بمثل الأسباب التي حصلت لغيره فلا يجوز أن يقال لا يعلمها إلا بالحدود.

  14. #14

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    المقام الثاني
    وهو أنه هل يمكن تصوّر الأشياء بالحدود.
    فيقال المحققون من النظار يعلمون أن الحد فائدته التمييز بين المحدود وغيره كالاسم ليس فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته وإنما يدعى هذا أهل المنطق اليوناني أتباع أرسطو ومن سلك سبيلهم وحذا حذوهم تقليدا لهم من الإسلاميين وغيرهم فأما جماهير أهل النظر والكلام من المسلمين وغيرهم فعلى خلاف هذا.
    وإنما دخل هذا في كلام من تكلم في أصول الدين والفقه بعد أبي حامد في أواخر المائة الخامسة وأوائل المائة السادسة فأما أبو حامد فقد وضع مقدمة منطقية في أول المستصفى وزعم أن من لم يحط بها علما فلا ثقة له بشي من علومه وصنف في ذلك "محك النظر" و"معيار العلم" ودواما اشتدت به ثقته، وأعجب من ذلك أنه وضع كتابا سماه القسطاس المستقيم ونسبه إلى أنه تعليم الأنبياء وإنما تعلمه من ابن سينا وهو تعلمه من كتب أرسطو وهؤلاء الذين تكلموا في الحدود بعد أبى حامد هم الذين تكلموا في الحدود بطريقة أهل المنطق اليوناني.
    وأما سائر طوائف النظار من جميع الطوائف المعتزلة والأشعرية والكرامية والشيعة وغيرهم ممن صنف في هذا الشأن من اتباع الأئمة الأربعة وغيرهم فعندهم إنما تفيد الحدود التمييز بين المحدود وغيره بل أكثرهم لا يسوغون الحد إلا بما يميز المحدود عن غيره ولا يجوز أن يذكر في الحد ما يعم المحدود وغيره سواء سمي جنسا أو عرضا عاما وإنما يحدون بما يلازم المحدود طردا وعكسا ولا فرق عندهم بين ما يسمى فصلا وخاصة ونحو ذلك مما يتميز به المحدود من غيره.
    وهذا مشهور في كتب أهل النظر في مواضع يطول وصفها من كتب المتكلمين من أهل الإثبات وغيرهم كأبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر إسحاق وأبي بكر بن فورك والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وأبي المعالي الجويني وأبي الميمون النسفي الحنفي وغيرهم وقبلهم أبو علي وأبو هاشم وعبد الجبار وأمثالهم من شيوخ المعتزلة وكذلك ابن النوبخت والموسوي والطوسي وغيرهم من شيوخ الشيعة وكذلك محمد بن الهيصم وغيره من شيوخ الكرامية فإنهم إذا تكلموا في الحد قالوا: إن حد الشيء وحقيقته خاصته التي تميزه.

    أقول: بعد أن انتهى الشيخ من الكلام على قولهم: "إنه لا تنال التصورات إلا بالحدود" شرع يتكلم على قضية أخرى وهي: هل أنه أصلا يمكن تصوّر الأشياء بالحدود؟
    فقرر قضية ثابتة في معتقده وهي: أن فائدة الحدود التمييز بين المحدود وغيره، وليست فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته. توضيحه:
    يقول المناطقة: إن لكل شيء ماهية وحقيقة في الخارج، وهدف الحد التام هو وضع اليد على تلك الحقيقة. مثاله: الإنسان هو: حيوان ناطق أو حيوان ذو نفس ناطقة، هذه هي حقيقته التي خلقه الله عليها فمتى قيل في تعريف الإنسان: حيوان ناطق فقد أصيب كبد الحقيقة، ثم يلزم من معرفة الحقيقة حصول التمييز بين الإنسان وغيره من الكائنات، ولكن لو قيل في تعريف الإنسان: هو الضاحك. فقد حصل التمييز بين الإنسان وبين غيره لأن خاصة الإنسان التي تميزه عن غيره هي الضحك، ولكن لم تقتنص ماهية الإنسان وحقيقته بهذا التعريف، ولهذا كان الحد التام هو الهدف الأسمى للمناطقة. هذا ما قرروه.
    أما الشيخ فيقول: كلا، بل الغرض من الحدود كيف كانت هو مجرد التمييز بين المحدود وبين غيره بلفظ وجيز لا تصوير حقيقته وتعريف ماهيته لمن لا يعرفها، وسيكرر الشيخ هذه القضية مرارا وتكرارا في مواضع مختلفة.
    ثم ذكر أن هذا الذي قرره ليس هو الذي ابتكره من عنده بل هو مذهب المحققين من النظار والمتكلمين من كل الطوائف الإسلامية، وإنما دخل الفكر الأرسطي لكتب الإسلاميين في أصول الدين وفي أصول الفقه بعد أبي حامد الغزالي في أواخر المائة الخامسة وبداية المائة السادسة من الهجرة، وأن الغزالي ألف مقدمة منطقية ووضعها في بداية كتابه المستصفى في أصول الفقه وادعى أن من لم يحط بها علما فلا ثقة له بشي من علومه وصنف في ذلك "محك النظر" و"معيار العلم" ودواما اشتدت به ثقته، وأعجب من ذلك أنه وضع كتابا سماه "القسطاس المستقيم" ونسبه إلى أنه تعليم الأنبياء وإنما تعلمه من ابن سينا وهو تعلمه من كتب أرسطو، وهؤلاء الذين تكلموا في الحدود بعد أبي حامد هم الذين تكلموا في الحدود بطريقة أهل المنطق اليوناني وأما سائر طوائف النظار من جميع الطوائف المعتزلة والأشعرية والكرامية والشيعة وغيرهم ممن صنف في هذا الشأن من اتباع الأئمة الأربعة وغيرهم فعندهم إنما تفيد الحدود التمييز بين المحدود وغيره.

  15. #15

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    قال أبو القاسم الأنصاري في شرح الإرشاد: "قال إمام الحرمين: القصد من التحديد في اصطلاح المتكلمين التعرض لخاصة الشيء وحقيقة التي يقع بها الفصل بينه وبين غيره". قال الأستاذ: "حد الشيء معناه الذي لأجله كان بالوصف المقصود بالذكر" قال أبو المعالي: "ولو قال قائل حد الشيء معناه واقتصر عليه كان سديد أو قال حد الشيء حقيقته أو خاصته كان حسنا". قال: "فإن قيل: إذا قلتم حد العلم أو حقيقة ما يعلم به فلم تذكروا خاصة العلم لأن العلم يشتمل على مختلفات ومتماثلات لا يجمع جميعها في خاصة واحدة فان المجتمعين في الأخص متماثلان؟ فنقول: إنما غرضنا أن نبين أن المذكور حدا هو خاصة وصف المحدود في مقصود الحد إذ ليس الغرض بالسؤال عن العلم التعرض لتفصيله وإنما الغرض معرفة العلمية بأخص وصف العلم الذي يشترك فيه ما يختلف منه وما يتماثل بما ذكرناه حيث قلنا أنه المعرفة أو ما يعلم به أو التبيين".
    وهذا على طريقة الأستاذ ومن رام ذكر حد في قبيل المعلومات فإنما غرضه الوقوف على صفة يشترك فيها القبيل المسئول عنه على وجه يتضح للسائل.

    أقول: كان الشيخ قد ذكر أن فائدة الحدود التمييز لا التصوير وأن هذا ما ذكره النظار فشرع ينقل عنهم فبدأ بكتاب الإرشاد في قواعد الاعتقاد للأستاذ أيي المعالي الجويني بشرح تلميذه أبي القاسم الأنصاري وذكر تعريف العلم بأنه المعرفة أو ما يعلم به الشيء أو التبيين، وذكر اعتراضا وهو أنه كيف يعرف العلم وهو مشتمل على معلومات متضادة فكيف تجمعها خاصة واحدة؟ وأجاب بأنه ليس المقصود بالتعريف هو ذكر تفاصيل المعلومات بل ذكر صفة شاملة للجميع وهي المعرفة ونحوها.

  16. #16

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    قال أبو المعالي: "فان قيل الحد يرجع إلى قول المخبر أو إلى صفة في المحدود؟ قلنا: ما صار إليه كافة الأئمة أن الحد صفة المحدود سكت عنه الواصفون أم نطقوا وهو بمعنى الحقيقة" وقد ذكر القاضي في التقريب أن الحد قول الحاد المنبئ عن الصفة التي تشترك فيها آحاد المحدود ووافق الأصحاب في أن حقيقة الشيء ومعناه راجعان إلى صفة دون قول القائل وإنما بين ذلك في الحد لمشابهته الوصف ومشابهة الحقيقة الصفة ونحن نفصل بين الوصف والصفة" ثم قال القاضي: "من الأشياء ما يحد ومنها ما لا يحد وما من محقق إلا وله حقيقة ومن صار إلى أن الحد يرجع إلى حقيقة المحدود"
    يقول: "ما من ذي حقيقة إلا وله حد نفيا كان أو إثباتا والغرض من التحديد التعرض لحقيقة الشيء التي بها يتميز عن غيره والشيء إنما يتميز عن غيره بنفسه وحقيقته لا بقول القائل".

    أقول: هل الحد يرجع إلى وصف المتكلم أو إلى صفة الحد وحقيقته سكت عنه الواصفون أم نطقوا؟ قال: الذي صار إليه كافة الأئمة هو أن الحد يرجع إلى صفة الشيء الواقعية وحقيقته، وما من ذي حقيقة إلا وله حد نفيا كان أو إثباتا والغرض من التحديد التعرض لحقيقة الشيء التي بها يتميز عن غيره والشيء إنما يتميز عن غيره بنفسه وحقيقته لا بقول القائل.

  17. #17

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    ثم قال أبو المعالي: "قال المحققون الاطراد والانعكاس من شرائط الحد وإذا كان الغرض من الحد تمييز المحدود بصفة عما ليس منه فليس يتحقق ذلك إلا مع الاطراد والانعكاس فالطرد هو تحقق المحدود مع تحقق الحد والعكس هو انتفاء المحدود مع انتفاء الحد.
    وإذا قيل حد العلم هو العرض لم يطرد ذلك إذ ليس كل عرض علما فهذا نقض الحد ولو قلنا في حد العلم كل معرفة حادثة فهذا لا ينعكس إذ ثبت علم ليس بحادث والسائل عن حد العلم لم يقصد حد ضرب منه تخصيصا وإنما أراد الإحاطة بمعنى سائر العلوم.
    وإذا قلنا العلم هو المعرفة فكل معرفة علم وكل علم معرفة وكل ما ليس بعلم فليس بمعرفة وكل ما ليس بمعرفة فليس بعلم وهذه عبارات أربع: عبارتان في النفي وعبارتان في الإثبات ولا تستقيم الحدود دون ذلك".

    أقول: إذا ثبت أن الغرض من الحد هو تمييز المحدود فإنما يتحقق ذلك إذا كان جامعا مانعا، مثاله: إذا قيل: حدّ العلم: المعرفة. فهذا حد جامع مانع، بدليل صدق أربع عبارات لا بد منها في كل حد وهي: كل معرفة علم، وكل علم معرفة، وكل ما ليس بعلم فليس بمعرفة، وكل ما ليس بمعرفة فليس بعلم.

  18. #18

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    قال أبو المعالي: "فان قال قائل: هل يجوز تركيب الحد من وصفين أم لا؟ قلنا: اختلف المتكلمون:.
    فذهب كثير منهم إلى أن المركب ليس بحد وشيخنا أبو الحسن يميل إلى ذلك ويقدح في التركيب وليس المراد بمنع التركيب تكليف المسئول أن يأتي في حد ما يسأل عنه بعبارة واحدة إذ المقصود إتحاد المعنى بدون اللفظ والعبارات لا تقصد لأنفسها وليست هي حدودا بل هي منبئة عن الحدود، وقال شيخنا أبو الحسن في حد العلم مع منعه التركيب ":هو ما أوجب كون محله عالما" وهذا يشتمل على كلمات ولم يعد هذا تركيبا فان المقصود بالحد التعرض لصفة واحدة هو إيجاب العلم حكمه وكذلك إذا قيل في حد الجوهر ما قبل العرض فليس مركب وإن ذكر العرض وقبوله إياه ولكن المقصود بالحد التعرض للقبول فقط.
    ثم التركيب فيه تقسيم فمنه باطل بالاتفاق ومنه مختلف فيه فالمتفق عليه هو أن يذكر الحاد معنيين يقع الاستقلال بأحدهما وذكر الآخر لغو في مقصود الحد وشرطه وأما المختلف فيه فكما يقول المعتزلة في حد المرئي ما يكون لونا أو متلونا فهم يصححون هذا الحد ولا يرون هذا التركيب قادحا قالوا لأن المقصود من الحد حصر المحدود مع التعرض للحقيقة فإذا قامت الدلالة على أن المتحيز يرى وعلى أن الألوان مرئية ولا يجتمع الألوان والجوهر في حقيقة واحدة إذ الأوصاف الجامعة لها محدودة منها الوجود والحدوث وباطل تحديد المرئي بالموجود أو المحدث إذ يلزم منه رؤية الطعوم والروائح والعلوم ونحوها فإذا لم يمكن الجمع بين الجواهر والألوان في صفة جامعة لها في حكم الرؤية غير منتقضة فلا وجه إلا ذكر الجواهر بخاصتها وذكر الألوان بحقيقتها.
    ومعظم المتكلمين على الامتناع من مثل ذلك في الحدود وقالوا المتحيز وكون اللون هيئة حكمان متنافيان فينبغي أن لا يثبت لهما مع تباينهما حكم لا تباين فيه وهو كون المرئي مرئيا".
    قال الأستاذ أبو المعالي: "وأحسن طريقة في هذا ما ذكره القاضي فإنه قال: "ما يذكر من معرفة الحدود ينقسم فربما يتأتى ضبط آحاد المحدود بصفة واحدة يشترك فيها جملة الآحاد نحو تحديدنا العلم ب المعرفة والشيئية ب الوجود وربما لا يتأتى ضبط جميع آحاد المحدود في صفة واحدة يشترك جميعها فيها فلو ذكر في حدها صفة جامعة لبطل فإذا كان الأمر كذلك وتأتي ضبط ما يسأل عنه بذكر صفتين يشتمل إحداهما على قبيل من المسئول والأخرى على القبيل الآخر لصح تحديده" قال القاضي: "ولو حقق ذلك لزال فيه الخلاف فان الذي يحد بصفتين لو قيل له أتدعي اجتماع القبلين في صفة واحدة؟ لما ادعاه ولو قيل لمطالبة أتنكر تحقيق الانحصار عند ذكر الصفتين لما وجد سبيلا إلى إنكار ذلك والحد ليس بموجب وإنما هو بيان وكشف وهذا المعنى يتحقق في الصفتين تحققه في الصفة الواحدة فآل الكلام إلى مناقشة في العبارة".

    أقول: ذكر مسألة وهي: هل يجوز أن يتركب الحد من وصفين مثل: حيوان ناطق؟ ذهب أكثر المتكلمين إلى منعه، وإليه يميل كلام أبي الحسن الأشعري.
    ثم قال: التركيب قسمان: فمنه باطل بالاتفاق ومنه مختلف فيه.
    فالمتفق عليه هو أن يذكر الحاد معنيين يقع الاستقلال بأحدهما وذكر الآخر لغو في مقصود الحد وشرطه نحو حيوان ناطق، يحصل التمييز بقولنا: ناطق فقط.
    وأما المختلف فيه فكما يقول المعتزلة في حد المرئي: ما يكون لونا أو متلونا. فهم يصححون هذا الحد ولا يرون هذا التركيب قادحا قالوا لأن المقصود من الحد حصر المحدود مع التعرض للحقيقة فإذا قامت الدلالة على أن المتحيز يرى وعلى أن الألوان مرئية ولا يجتمع الألوان والجوهر في حقيقة واحدة فإذا لم يمكن الجمع بين الجواهر والألوان في صفة جامعة لها في حكم الرؤية غير منتقضة فلا وجه إلا ذكر الجواهر بخاصتها وذكر الألوان بحقيقتها.
    ومعظم المتكلمين على الامتناع من مثل ذلك في الحدود.
    قال الأستاذ أبو المعالي: "وأحسن طريقة في هذا ما ذكره القاضي فإنه قال: "ما يذكر من معرفة الحدود ينقسم: فربما يتأتى ضبط آحاد المحدود بصفة واحدة يشترك فيها جملة الآحاد نحو تحديدنا العلم بالمعرفة وربما لا يتأتى ضبط جميع آحاد المحدود في صفة واحدة فلو ذكر في حدها صفة جامعة لبطل فإذا كان الأمر كذلك وتأتي ضبط ما يسأل عنه بذكر صفتين يشتمل إحداهما على قبيل من المسئول والأخرى على القبيل الآخر لصح تحديده.

  19. #19

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    وقال القاضي أبو بكر بن الطيب:"وإن قال لنا قائل: ما حد العلم عندكم قلنا: حده معرفة المعلوم على ما هو به. والدليل على ذلك أن هذا الحد يحصره على معناه ولا يدخل فيه ما ليس منه ولا يخرج منه شيء هو فيه، والحد إذا أحاط بالمحدود على هذا السبيل وجب أن يكون حدا ثابتا صحيحا فكلما حد به العلم وغيره وكانت حاله في حصر المحدود وتميزه من غيره وإحاطته به حال ما حددنا به العلم وجب الاعتراف بصحته وقد ثبت أن كل علم تعلق بمعلوم فإنه معرفة له على ما هو به، وكل معرفة بمعلوم فإنها علم به، فوجب توثيق الحد الذي حددنا به العلم وجعلناه تفسيرا لمعنى وصفه بأنه علم".
    قلت: فقد بين القاضي أن كل ما أحاط بالمحدود بحيث لا يدخل فيه ما ليس منه ولا يخرج منه ما هو منه كان حدا صحيحا.

    أقول: نقل الشيخ عن القاضي أبي الطيب في كتابه تمهيد الدلائل في تعريف العلم: بأنه معرفة المعلوم على ما هو به. وبين القاضي أن كل ما كان جامعا مانعا فهو حد صحيح لحصول التمييز.


  20. #20

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    وقد ذكر الغزالي في كتابه الكبير في المنطق الذي سماه معيار العلم مذهب المتكلمين هذا بعد أن ذكر استعصاء الحد على طريقة المنطقيين فقال:
    الفصل السابع: في استعصاء الحد على القوى البشرية إلا عند غاية التشمير والجهد:
    ومن عرف ما ذكرناه من مثارات الاشتباه في الحد عرف أن القوة البشرية لا تقوى على التحفظ عن كل ذلك إلا على الندور وهي كثيرة وأعصاها على الذهن أربعة أمور:
    أحدها: أنا شرطنا أن نأخذ الجنس الأقرب ومن أين للطالب أن لا يغفل عنه؟ فيأخذ جنسا يظن أنه أقرب وربما يوجد ما هو أقرب منه فيحد الخمر بأنه مائع مسكر ويذهل عن الشراب الذي هو تحته وهو أقرب منه ويحد الإنسان بأنه جسم ناطق مائت ويغفل عن الحيوان وأمثاله.
    الثاني: أنا إذا شرطنا أن تكون الفصول ذاتية كلها واللازم الذي لا يفارق في الوجود والوهم يشتبه بالذاتي غاية الاشتباه ودرك ذلك من أغمض الأمور فمن أين له أن لا يغفل فيأخذ لازما فيورده بدل الفصل ويظن أنه ذاتي.
    الثالث: أنا شرطنا أن يأتي بجميع الفصول الذاتية حتى لا يحل بواحد ومن أين يأمن من شذوذ بعضها عنه لا سيما إذا وجد فصلا حصل به التمييز والمساواة في الاسم في الحمل كالجسم ذي النفس الحساس ومساواته لفظ الحيوان مع إغفال المتحرك بالإرادة وهذا من أغمض ما يدرك.
    الرابع: أن الفصل مقوم للنوع مقسم للجنس فإذا لم يراع شرط التقسيم أخذ في القسمة فصولا ليست أولية للجنس وهو غير مرضي في الحدود فان الجسم كما أنه ينقسم إلى النامي وغير النامي انقساما بفصل ذاتي فكذلك ينقسم إلى الحساس وغير الحساس والى الناطق وغير الناطق فمهما قيل الجسم ينقسم إلى الناطق وغير الناطق فقد قسم بما ليس هو الفصل القاسم أوليا بل ينبغي أن يقسم أولا إلى النامي وغير النامي ثم النامي ينقسم إلى الحيوان وغير الحيوان ثم الحيوان إلى الناطق وغير الناطق وكذلك الحيوان ينقسم إلى ذي رجلين والى ذي أرجل ولكن هذا التقسيم ليس ل فصول أولية بل ينبغي أن يقسم الحيوان إلى ماش وغير ماش ثم الماشي ينقسم إلى ذي رجلين وذي أرجل إذ الحيوان لم يستعد ل الرجلين والأرجل باعتبار كونه حيوانا بل باعتبار كونه ماشيا واستعد لكونه ماشيا باعتبار كونه حيوانا.
    فرعاية الترتيب في هذه الأمور شرط للوفاء بصناعة الحد وهي في غاية العسر.
    ولذلك لما عسر اكتفى المتكلمون بالتمييز وقالوا أن الحد هو القول الجامع المانع ولم يشترطوا فيه إلا التمييز.
    ويلزم عليه الاكتفاء ب الخواص فيقال في حد الفرس أنه الصهال وفي حد الإنسان أنه الضحاك وفي الكلب أنه النباح وذلك في غاية البعد عن غرض التعريف لذات المحدود.

    أقول: الغزالي يخالف جمهور المتكلمين فيذهب مذهب أرسطو في صناعة الحد ويقول إن التمكن من صوغ حد تام ينطبق على ما يشترطه المناطقة في غاية العسر لأمور:
    1- أنه لا بد عندهم من الجنس الأقرب للمحدود وقد يشتبه على الحاد فيأخذ جنسا أبعد كتعريفه الخمر بأنه: مائع مسكر، وثمة أقرب وهو شراب مسكر.
    2- أنه لا بد من الفصل في الحد ولا يصلح بدله الخاصة وهما يشتبهان غاية الاشتباه.
    3- أنه لا بد من جميع الفصول في الحد ولا يكفي حد الحيوان مثلا بأن جسم نام حساس. بل لا بد أن يأتي بالمتحرك بالإرادة وإن حصل التمييز التام بالحساس وهذا عسير.
    4- أن الفصل كما يقوم النوع يقسم الجنس كالناطق فهو يقوم الإنسان ويحصل حقيقته وهو بنفس الوقت يقسم الجنس الذي هو الحيوان إلى ناطق وغير ناطق كالحمار، فإذا علم هذا فيجب أن يقسم الجنس باعتبار فصوله الأولية لا الفصول البعيدة فان الجسم كما أنه ينقسم إلى النامي وغير النامي انقساما بفصل ذاتي فكذلك ينقسم إلى الحساس وغير الحساس والى الناطق وغير الناطق فمهما قيل الجسم ينقسم إلى الناطق وغير الناطق فقد قسم بما ليس هو الفصل القاسم أوليا بل ينبغي أن يقسم أولا إلى النامي وغير النامي ثم النامي ينقسم إلى الحيوان وغير الحيوان ثم الحيوان إلى الناطق وغير الناطق.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •