228 - " لا يقوم الرجل للرجل من مجلسه ، و لكن افسحوا يفسح الله لكم " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 398 :
أخرجه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2 / 483 ) : حدثنا سريج حدثنا فليح عن أيوب
بن عبد الرحمن بن صعصعة الأنصاري عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أبي هريرة
مرفوعا .
قلت : و هذا سند حسن ، رجاله موثقون .
أما يعقوب بن أبي يعقوب ، فقال في " التهذيب " :
" قال أبو حاتم : صدوق ، و ذكره ابن حبان في الثقات " .
قلت : و قد ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " ، لكن لم يذكر قول أبيه
" صدوق " .
و أما ابن صعصعة ، فقد ذكره ابن حبان في " الثقات " و روى عنه جماعة ، و قال
الخزرجي في " الخلاصة " و الحافظ في " التقريب " : " صدوق " .
و أما بقية الرجال فمن رجال الشيخين .
و للحديث شاهدان ذكرهما الحافظ في " الفتح " ( 11 / 53 ) و فاته هذا الحديث
المشهود له ! فقال تعليقا على قول البخاري :
" و كان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ، ثم يجلس مكانه " قال :
" أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " بلفظ : و كان ابن عمر إذا قام له رجل من
مجلسه لم يجلس فيه . و كذا أخرجه مسلم . و قد ورد ذلك عن ابن عمر مرفوعا .
أخرجه أبو داود من طريق أبي الخصيب و اسمه زياد بن عبد الرحمن عن ابن عمر : جاء
رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس ، فنهاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم . و له أيضا من طريق سعيد بن أبي الحسن : جاءنا
أبو بكرة فقام له رجل من مجلسه ، فأبى أن يجلس فيه و قال : إن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن ذا . و أخرجه الحاكم و صححه من هذا الوجه " .
قلت : ما عزاه للأدب المفرد هو عنده ( رقم 1153 ) بسند صحيح على شرط الشيخين
و هو عقب حديثه المرفوع بلفظ :
( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل من المجلس ثم يجلس فيه ) .
و هو عند مسلم أيضا .
و ما عزاه لأبي داود من حديث ابن عمر هو عنده ( 4 / 406 ) بإسناد رجاله كلهم
ثقات غير أبي الخصيب قال أبو داود عقبه كما قال الحافظ :
" اسمه زياد بن عبد الرحمن " .
قلت : و قد أورده ابن أبي حاتم ( 1 / 2 / 538 ) و لم يذكر جرحا و لا تعديلا ،
و ذكره ابن حبان في " الثقات " و في " التقريب " : " مقبول " .
و الحديث سكت عليه المنذري في " مختصر السنن " ( 7 / 184 ) ، فهو في الشواهد لا
بأس به إن شاء الله تعالى . و صححه أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " !
و أما حديث أبي بكرة ، فرجاله ثقات أيضا من رجال الشيخين غير أبي عبد الله مولى
لآل أبي بردة فحاله كحال أبي الخصيب ، أورده ابن أبي حاتم أيضا ( 4 / 2 / 401 )
و لم يذكر فيه جرحا ، و قال الحافظ : " مقبول " . و في " الفتح " ( 11 / 53 ) :
" بصري لا يعرف " .
و من هذا الوجه أخرجه الحاكم ( 4 / 272 ) لكن لفظه مثل لفظ ابن عمر الذي في
الصحيح : " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يقعد فيه " .
و قال : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .
قلت : و مداره على شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن أبي عبد الله مولى آل أبي بردة
عن سعيد بن أبي الحسن .
و قد اختلف عليه مسلم بن إبراهيم عند أبي داود ، و عمرو بن مرزوق عند الحاكم ،
فقال الأول عنه بلفظ نحو لفظ ابن عمر عند أبي داود كما تقدم ، و قال عمرو
بن مرزوق مثل لفظ ابن عمر في " الصحيح " ، و إذا اختلف هذا مع مسلم بن إبراهيم
فمسلم أرجح رواية من عمرو ، لأن مسلما ثقة مأمون ، و أما عمرو فثقة له أوهام
كما في التقريب ، فروايته مرجوحة . و الله أعلم .
و جملة القول : إن حديث أبي هريرة صحيح بشاهديه المذكورين .
و هو ظاهر الدلالة على أنه ليس من الآداب الإسلامية أن يقوم الرجل عن مجلسه
ليجلس فيه غيره ، يفعل ذلك احتراما له ، بل عليه أن يفسح له في المجلس و أن
يتزحزح له إذا كان الجلوس على الأرض بخلاف ما إذا كان على الكرسي ، فذلك غير
ممكن ، فالقيام و الحالة هذه مخالف لهذا التوجيه النبوي الكريم . و لذلك كان
ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ، ثم يجلس هو فيه كما تقدم عن البخاري ،
و الكراهة هو أقل ما يدل عليه قوله " لا يقوم الرجل للرجل ... " فإنه نفي بمعنى
النهي ، و الأصل فيه التحريم لا الكراهة . و الله أعلم .
ثم إنه لا منافاة بين هذا الحديث و بين حديث ابن عمر المتقدم في " الصحيح " ،
لأن فيه زيادة حكم عليه ، و الأصل أنه يؤخذ بالزائد فالزائد من الأحكام ،
و حديث ابن عمر إنما فيه النهي عن الإقامة ، و ليس فيه نهي الرجل عن القيام ،
بخلاف هذا الحديث ففيه هذا النهي و ليس فيه النهي الأول إلا ضمنا ، فإنه إذا
كان قد نهي عن القيام فلأن ينهى عن الإقامة من باب أولى . و هذا بين لا يخفى إن
شاء الله تعالى ، و عليه يدل حديث ابن عمر فإنه مع أنه روى النهي عن الإقامة
كان يكره الجلوس في مجلس من قام عنه له ، و إن كان هو لم يقمه ، و لعل ذلك سدا
للذريعة و خشية أن يوحي إلى الجالس بالقيام و لو لم يقمه مباشرة و الله أعلم .