{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ....} (يوسف:23)

قد ذكر المفسرون من الأسباب التي تدعو يوسف عليه السلام لارتكاب المعصية الشيء الكثير هناك أسباب كثيرة تدعوه للمعصية أولاً: الأمان، (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ)، ثانياً: هو عبد في عرف المجتمع وهي سيدته، ولا مصلحة لها بأن ينفضح الأمر، هي تكتم وليس هو، وهي تدعوه في قصرها في بيتها وليس بعيداً عنها أو تريد شيئاً في بيته هو فيخاف الانكشاف، هي ستتولى عملية التعتيم والكتم إذ ليس لها مصلحة في الفضيحة، فالأسباب التي كانت تدعو يوسف عليه السلام ليقع في المعصية كثيرة، لكنه لم يقع، هذا صبر يوسف عليه السلام.

نأتي إلى الآية: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا) رادَ، يَرُود، أي جاء وذهب، المراودة هي المطالبة، يطلب شيئاً لكن برفقٍ، وبلينٍ، وبتُؤْدَة، لا يطلب بقسوة، يطلب برفق، وهذه امرأة العزيز تريد أن توقع به وأن تقع معه في الفاحشة فيحصل أن تطالبه برفق وبلين لأن مثل هذه الأمور نسأل الله السلامة لا تحصل إلا بالرفق واللين فهي طالبته برفقٍ وبلين، لماذا قال الله تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) عن نفسه؟ هذا اسمه في اللغة العربية التضمين، ضمَّن الباري جلَّ جلاله الفعل راودته معنى خادعته ليحمل معنى المخادعة إذاً المراودة هنا ترافقها مخادعة تريد أن تخدعه وأن تحتال عليه لتوقعه في فخِّ المعصية، فهي مطالبة مع المخادعة وقال: (الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا) للإشارة إلى أن هذا من داوعي الوقوع في المعصية لأنه في بيتها (الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا) وليست هي في بيته وإنما هو في بيتها فهي تطلب منه.

(عَن نَّفْسِهِ): أي خادعته عن نفسه وطلبت منه الوقوع في المعصية، الآن المروادة كما قلنا هي المطالبة بلين، تراوده عن نفسه، تخادعه، تحاول أن توقعه، بيدو أن مرحلة المراودة استمرت زمناً، يوسف عليه السلام تعرض لهذه المراودة في القصر مراراً وتكراراً، تحاول كل حين أن توقع به وأن تسمعه كلاماً ليفهم المغزى منه بأنها تريده.

لكن الآن (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) الآن صرنا في موقف محدد (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) حان وقت المعصية بعد فترة مراودة (وَغَلَّقَتِ) فيها المبالغة، لم يقل: غَلَقَت ولا أغلقت، وإنما قال: (وغَلَّقَتِ) فأغلقت الباب ربما بمفتاح ثم أغلقته بمفتاحٍ آخر أو بالغت في إغلاقه بحيث لا يستطيع فتحه أو وضعت شيئاً أمام الباب بحيث لا يمكن دفعه (غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) للدلالة على أنها هيأت الجو الآمن، ولم يقل: الباب إنما قال: (الْأَبْوَابَ) وهذا يدل على القصور الفارهة التي كان يعيش بها أمراء ووزراء مصر في ذلك الزمن لأن الوزير أو القوي أو ذا الشأن في المجتمع في عُرف الناس لا تستطيع أن تصل إليه من بابٍ واحد فتفتح الباب وتدخل عليه، وإنما تدخل إلى غرفة ثم إلى غرفة ثم إلى غرفة، هكذا شأن القصور فهي أبواب، وقيل في بعض التفاسير: هي سبعة أبواب، كان هناك سبعة أبواب، فهي غَلَّقَت كلَّ الأبواب الموصلة إلى غرفة المعصية التي أعدتها للإيقاع بيوسف عليه السلام.

(وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ): (هَيْتَ لَكَ) فيها قراءات (هَيْتَ) هي قراءة حفص وغيره وقرئت: (هِيتَ لك) (هِئتُ لك) بمعنى تهيأت لك، يعني أعددت نفسي لك أما (هَيْتَ لَكَ) فاسم فعل أمر بمعنى: هلمَّ، تعال، أقبل، (هَيْتَ لَكَ) أقبل، الآن انتقلت من المراودة إلى المصارحة، المراودة فيها طلب بلين، برفق، بتؤدة، بتلميح، تسمعه ما تريد، أما عندما قالت له: (هَيْتَ لَكَ) فقد أعلنت رغبتها في الوقوع في المعصية أي أقبل، وهلمَّ، وتعال إلى المعصية.

(قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ) أي أعوذ معاذاً بالله، ما معنى أعوذُ؟ العرب تقول: أطيبُ اللحمِ عُوَّذُهُ، أي ما كان ملاصقاً للعظم، أطيب اللحم ما كان ملاصقاً للعظم، كلما كان اللحم قريباً من العظم كان أطيب من البعيد، لماذا يقال: أطيبُ اللحمِ عُوَّذُهُ؟ لأنه احتمى بالعظم حتى التصق به، ونحن عندما نقول: أعوذ بالله أو كما قال يوسف: (مَعَاذَ اللَّهِ) أي ألتجئ إلى الله وأحتمي به، شدة القرب، قريب جداً من المولى جلَّ جلاله، أحتمي به، ألتصق به، فأنت عندما تعوذ بالله فقد التجأت إلى القوي ليحميك من الشر والتجأت إلى القوي ليدفع عنك الضر، والتجأت إلى القوي ولُذت به، هناك لاذَ وعاذَ، قالوا: لاذَ ليأتيك بالنفع، وعاذَ ليدفع عنك السوء والضر والمعصية، فأنت التجأت إلى القوي جلَّ جلاله عوذاً ولوذاً، لذت به، وعذت به، فنحن عندما نقرأ القرآن

موقع نور الدين



{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ....} (يوسف:23)

عند اشتداد الفتنة وقوة الداعي لها فإن صوت العقل والإيمان يتدخل ويصرخ بك لتفيق ... من اعتصم بالله ، عصمه الله

في الآية الكريمة أسمى معاني العفة ، مقابل أحط معاني الخيانة في إغلاق ليس باب بل أبواب .ما أقل إيمان من يختفي عن العيون كي لاتراه ، وعين الله فوقه تراقبه ، والملائكة تسجل خلوته!!!.. كن صارما مع الشهوات ، ارفع صوتك وقل معاذ الله ..

(وغلقت الأبواب) لكل فتنة أبواب ، احذرها وأغلقها قبل أن تغلق عليك .. هرب يوسف إلى الباب وأنكر التهمة وصمد لإثبات براءته ثم سأل الله السجن .. هذه هي البطولة ..


{وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ } ليس بين الجملتين أداة عطف توحي بالتريث!! لم يترك يوسف فراغا زمنيا للتفكير ... لقد تهيأت هي للمعصية ، أفلا نتهيأ نحن للطاعة ورضا الله؟؟..