وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي..
خالد سعد النجار
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ واْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) }
وورد أن جماعة من الصحابة سألوا النبي قائلين: أقريب ربنا فنناجيه [بخفض الصوت] أم بعيد فنناديه [برفع الصوت]؟ فأنزل الله تعالى قوله: {{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي}} فالتفت إلى خطاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحده لأنه في مقام تبليغ {{فَإِنِّي قَرِيبٌ}} وفيه كراهية رفع الصوت بالعبادات إلا ما كان في التلبية والأذان والإقامة {{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ}} يجيب دعوة عبده بقبول طلبه وإعطاؤه مطلوبه {{إِذَا دَعَانِ}} أصلها دعاني -بالياء، فحذفت الياء تخفيفاً.
قال سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحد من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله تعالى قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس: {{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}} [الحجر:36]
وقد ذكر في هذه الآية أنه جل وعلا قريب يجيب دعوة الداعي، وبين في آية أخرى تعليق ذلك على مشيئته -جل وعلا- وهي قوله: {{فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ}} الآية [الأنعام:41].
وقال بعضهم التعليق بالمشيئة في دعاء الكفار كما هو ظاهر سياق الآية، والوعد المطلق في دعاء المؤمنين. وعليه فدعاؤهم لا يرد، إما أن يعطوا ما سألوا أو يدخر لهم خير منه أو يدفع عنهم من السوء بقدره.
وقال ابن عاشور: والآية دلت على أن إجابة دعاء الداعي تفضل من الله على عبادة، غير أن ذلك لا يقتضي التزام إجابة الدعوة من كل أحد وفي كل زمان، لأن الخبر لا يقتضي العموم، ولا يقال: إنه وقع في حيز الشرط فيفيد التلازم، لأن الشرط هنا ربط الجواب بالسؤال وليس ربطا للدعاء بالإجابة، لأنه لم يقل: إن دعوني أجبتهم.
وفي هذه الآية إيماء إلى أن الصائم مرجو الإجابة، وإلى أن شهر رمضان مَرْجُوَّةٌ دَعَوَاتُهُ، وإلى مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان.
{{فَلْيَسْتَجِيب ُواْ لِي}} يجيبوا ندائي إذا دعوتهم لطاعتي وطاعة رسولي بفعل المأمور وترك المنهي، والتقرب إليّ بفعل القرب، وترك ما يوجب السخط.
وأصل أجاب واستجاب أنه الإقبال على المنادى بالقدوم، ثم أطلق مجازا مشهورا على تحقيق ما يطلبه الطالب، لأنه لما كان بتحقيقه يقطع مسألته فكأنه أجاب نداءه.
{ وَلْيُؤْمِنُواْ بِي}} وحمله على الأمر بإنشاء الإيمان فيه بُعدٌ لأن صدر الآية يقتضى أنهم مؤمنون، فلذلك يؤول على الديمومة أو على إخلاص الدين والدعوة والعمل.
قال ابن عاشور: والمقصود من الأمر الأول الفعل، ومن الأمر الثاني الدوام، ويجوز أن يراد بالاستجابة ما يشمل استجابة دعوة الإيمان، فذكر {وَلْيُؤْمِنُوا} عطف خاص على عام للاهتمام به.
{ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}} والرشد إصابة الحق، والمعنى: أنهم إذا استجابوا لله وآمنوا به كانوا على رجاء من حصول الرشد لهم وهو الاهتداء لمصالح دينهم ودنياهم
وقيل: حازوا كمال القوتين العلمية والعملية إذ الرشد هو العلم بمحاب الله ومساخطه، وفعل المحاب وترك المساخط، ومن لا علم له ولا عمل فهو السفيه الغاوي والضال الهالك.
وختم الآية برجاء الرشد من أحسن الأشياء لأنه تعالى لما أمرهم بالاستجابة له وبالإيمان نبه على أن هذا التكليف ليس القصد منه إلاَّ وصولك بامتثاله إلى رشادك في نفسك لا يصل إليه تعالى منه شيء من منافعه وإنما ذلك مختص بك