بسم الله الرحمن الرحيم ،
هذا بحث كنت قد كتبته منذ قرابة السنة في هذه المسألة ، وأرى أن أضعه بين أيديكم لعلّه يفيدكم ، إن شاء الله .
مسألتنا هي : سؤال الميت دعاء الله تعالى .. كأن يقول : يا وليّ الله ، اسأل الله أن يرزقني ويشفيني .
وهذه النقول من كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - كلها من مجموع الفتاوى ، وسأردّ على شبهة اعترضت بعض الإخوة فنبذوا جميع كلامه الواضح في هذه المسألة وتعلقوا بها ، وظنوا أنها المخرج لهم في إثبات أن ابن تيمية - رحمه الله - يرى هذا الفعل شركاً أكبر .
-----------
يقول ابن تيمية [1/330-331]:
لم يفعله أحد من السلف .. وذلك ذريعة إلى الشرك .. يدل كلامه هنا على أن هذا الفعل من الشرك الأصغر ، لأنه لا يقال مثلاً : لا يجوز عبادة الأصنام لأنه لم يفعلها السلف !! أو لأن ذلك ذريعة إلى الشرك .وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ ، وَإِنْ كَانُوا أَحْيَاءً فِي قُبُورِهِمْ ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِلْأَحْيَاءِ ، وَإِنْ وَرَدَتْ بِهِ آثَارٌ ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ بِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ بِخِلَافِ الطَّلَبِ مِنْ أَحَدِهِمْ فِي حَيَاتِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الشِّرْكِ ؛ وَلِأَنَّ مَا تَفْعَلُهُ الْمَلَائِكَةُ وَيَفْعَلُهُ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ هُوَ بِالْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ سُؤَالُ السَّائِلِينَ ، بِخِلَافِ سُؤَالِ أَحَدِهِمْ فِي حَيَاتِهِ ، فَإِنَّهُ يُشْرَعُ إجَابَةُ السَّائِلِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ انْقَطَعَ التَّكْلِيفُ عَنْهُمْ .
وقال أيضاً في [1/332-333]:
وهذا نص آخر يفيد أنه يرى أن ذلك ذريعة إلى الشرك ، وهذا يقال فقط في الشرك الأصغر .وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي طَلَبِ الدُّعَاءِ مِنْهُ ، وَدُعَائِهِ هُوَ ، وَالتَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِ ضَرَرٌ ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ بِلَا شَرٍّ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَحْذُورٌ وَلَا مَفْسَدَةٌ ؛ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لَمْ يُعْبَدْ فِي حَيَاتِهِ بِحُضُورِهِ ، فَإِنَّهُ يَنْهَى مَنْ يَعْبُدُهُ وَيُشْرِكُ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ شِرْكًا أَصْغَرَ ، كَمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَجَدَ لَهُ عَنْ السُّجُودِ لَهُ ، وَكَمَا قَالَ : { لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا : مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ } ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ . وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَخَافُ الْفِتْنَةَ وَالْإِشْرَاكَ بِهِ ، كَمَا أَشْرَكَ بِالْمَسِيحِ وَالْعُزَيْرِ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ قُبُورِهِمْ .
نأتي الآن إلى تقسيمات ابن تيمية - رحمه الله - لأنواع دعاء الأموات .. وهذه مسألة مهمة هنا ، فإنه عندما يذكر التقسيم ، لا يدرج مسألتنا في باب الشرك الأكبر ، بل يجعلها في باب مستقل ويصفها بالبدعة فقط .
يقول في [27/72-75]:
ففي القسم الأول قال : هذا شرك صريح يستتاب عليه صاحبه وإلا قتل .. ولم يدرج مسألتنا في هذا القسم الذي هو شرك صريح .وَأَمَّا مَنْ يَأْتِي إلَى قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ ، أَوْ مَنْ يَعْتَقِدُ فِيهِ أَنَّهُ قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ صَالِحٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَيَسْأَلُهُ وَيَسْتَنْجِدُه ُ ، فَهَذَا عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ :
إحْدَاهَا : أَنْ يَسْأَلَهُ حَاجَتَهُ ، مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَهُ أَنْ يُزِيلَ مَرَضَهُ ، أَوْ مَرَضَ دَوَابِّهِ ، أَوْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ ، أَوْ يَنْتَقِمَ لَهُ مِنْ عَدُوِّهِ ، أَوْ يُعَافِيَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَدَوَابَّهُ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : فَهَذَا شِرْكٌ صَرِيحٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ .
وَإِنْ قَالَ أَنَا أَسْأَلُهُ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى اللَّهِ مِنِّي لِيَشْفَعَ لِي فِي هَذِهِ الْأُمُورِ ؛ لِأَنِّي أَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ بِهِ ، كَمَا يُتَوَسَّلُ إلَى السُّلْطَانِ بِخَوَاصِّهِ وَأَعْوَانِهِ ، فَهَذَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالنَّصَارَى ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ شُفَعَاءَ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِمْ فِي مَطَالِبِهِمْ ، وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } . فَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ . فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنْ يَسْتَشْفِعُوا إلَى الْكَبِيرِ مِنْ كُبَرَائِهِمْ بِمَنْ يُكَرَّمُ عَلَيْهِ ، فَيَسْأَلُهُ ذَلِكَ الشَّفِيعُ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ، إمَّا رَغْبَةً وَإِمَّا رَهْبَةً ، وَإِمَّا حَيَاءً وَإِمَّا مَوَدَّةً ، وَإِمَّا غَيْرَ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ حَتَّى يَأْذَنَ هُوَ لِلشَّافِعِ ، فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا شَاءَ ، وَشَفَاعَةُ الشَّافِعِ مِنْ إذْنِهِ فَالْأَمْرُ كُلُّهُ لَهُ .
إلى أن قال ..
وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الضُّلَّالِ : هَذَا أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنِّي ، وَأَنَا بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ ، لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَدْعُوَهُ إلَّا بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ } . وَقَدْ رُوِيَ : أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ : رَبُّنَا قَرِيبٌ فَنُنَاجِيه أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيه ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ . وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَرٍ ، وَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا ، بَلْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا ؛ إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ } وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْعِبَادَ كُلَّهُمْ بِالصَّلَاةِ لَهُ وَمُنَاجَاتِهِ ، وَأَمَرَ كُلًّا مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } . ثُمَّ يُقَالُ لِهَذَا الْمُشْرِكِ : أَنْتَ إذَا دَعَوْت هَذَا ، فَإِنْ كُنْت تَظُنُّ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِك وَأَقْدَرُ عَلَى عَطَاءِ سُؤَالِك ، أَوْ أَرْحَمُ بِك ، فَهَذَا جَهْلٌ وَضَلَالٌ وَكُفْرٌ . وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ وَأَقْدَرُ وَأَرْحَمُ ، فَلِمَ عَدَلْت عَنْ سُؤَالِهِ إلَى سُؤَالِ غَيْرِهِ ؟
إلى أن قال ..
وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنْك ، وَأَعْلَى دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْك ، فَهَذَا حَقٌّ ؛ لَكِنْ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَقْرَبَ مِنْك وَأَعْلَى دَرَجَةً مِنْك ، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُثِيبَهُ وَيُعْطِيَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِيك ، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّك إذَا دَعَوْته كَانَ اللَّهُ يَقْضِي حَاجَتَك أَعْظَمَ مِمَّا يَقْضِيهَا إذَا دَعَوْت أَنْتَ اللَّهَ تَعَالَى : فَإِنَّك إنْ كُنْت مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ وَرَدِّ الدُّعَاءِ - مَثَلًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُدْوَانِ - فَالنَّبِيُّ وَالصَّالِحُ لَا يُعِينُ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ ، وَلَا يَسْعَى فِيمَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَاَللَّهُ أَوْلَى بِالرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ .
وَإِنْ قُلْت : هَذَا إذَا دَعَا اللَّهَ أَجَابَ دُعَاءَهُ ، أَعْظَمَ مِمَّا يُجِيبُهُ إذَا دَعَوْته . فَهَذَا هُوَ (الْقِسْمُ الثَّانِي) وَهُوَ : أَلَّا تَطْلُبَ مِنْهُ الْفِعْلَ وَلَا تَدْعُوَهُ ، وَلَكِنْ تَطْلُبُ أَنْ يَدْعُوَ لَك . كَمَا تَقُولُ لِلْحَيِّ : اُدْعُ لِي ، وَكَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَطْلُبُونَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -الدُّعَاءَ ، فَهَذَا مَشْرُوعٌ فِي الْحَيِّ كَمَا تَقَدَّمَ . وَأَمَّا الْمَيِّتُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمْ ، فَلَمْ يُشْرَعْ لَنَا أَنْ نَقُولَ : اُدْعُ لَنَا ، وَلَا اسْأَلْ لَنَا رَبَّك ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَلَا أَمَرَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، وَلَا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ ، بَلْ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّهُمْ لَمَّا أَجْدَبُوا زَمَنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِيَنَا ، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ . وَلَمْ يَجِيئُوا إلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَائِلِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اُدْعُ اللَّهَ لَنَا ، وَاسْتَسْقِ لَنَا ، وَنَحْنُ نَشْكُو إلَيْك مِمَّا أَصَابَنَا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ . لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ قَطُّ ، بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ .
وجعل مسألتنا في قسم آخر ، وقال : لم يفعله أحد من الصحابة ، ولم يرد به حديث ، ولم يأمر به أحد من الأئمة .. وهذه الأقوال لا يقولها فقيه في الشرك الأكبر .. بل يقولها في البدعة التي هي دون الشرك الأكبر ..
فلا يُقال : إن عبادة الأصنام لم يرد بها حديث ، ولم يفعلها أحد من الصحابة .. لذلك فهي حرام !!
ثم هو وصفها بالبدعة ، ولم يقل كما قال في الأولى : شرك صريح يستتاب عليه صاحبه وإلا قتل .
ومن تقسيماته أيضاً لمراتب الدعاء قوله في : [1/350-351]:
انظر كيف في القسم الأول ذكر أنواعاً متعددة من الشرك الأكبر ، وجعلها كلها في قسم واحد .. وما فتئ يقول : وأعظم من ذلك .. حتى إن أتى على مسألتنا ، جعلها من البدع .. وهذا هو كتقسيمه السابق .وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ الْأَدْعِيَةَ الشَّرْعِيَّةَ ، وَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَدْعِيَةِ الْبِدْعِيَّةِ ، فَيَنْبَغِي اتِّبَاعُ ذَلِكَ . وَالْمَرَاتِبُ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثٌ :
- إحْدَاهَا أَنْ يَدْعُوَ غَيْرَ اللَّهِ ، وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ غَائِبٌ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ ، فَيَقُولُ : يَا سَيِّدِي فُلَانٌ أَغِثْنِي ، أَوْ أَنَا أَسْتَجِيرُ بِك ، أَوْ أَسْتَغِيثُ بِك ، أَوْ اُنْصُرْنِي عَلَى عَدُوِّي ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ .
إلى أن قال ..
وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ : اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ كَمَا يَفْعَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجُهَّالِ الْمُشْرِكِينَ . وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْجُدَ لِقَبْرِهِ وَيُصَلِّيَ إلَيْهِ ، وَيَرَى الصَّلَاةَ أَفْضَلَ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ، حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ : هَذِهِ قِبْلَةُ الْخَوَاصِّ ، وَالْكَعْبَةُ قِبْلَةُ الْعَوَامِّ . وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرَى السَّفَرَ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْحَجِّ ، حَتَّى يَقُولَ إنَّ السَّفَرَ إلَيْهِ مَرَّاتٌ يَعْدِلُ حَجَّةً . وَغُلَاتُهُمْ يَقُولُونَ : الزِّيَارَةُ إلَيْهِ مَرَّةً أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْبَيْتِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ . وَنَحْوَ ذَلِكَ ، فَهَذَا شِرْكٌ بِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي بَعْضِهِ .
- الثَّانِيَةُ أَنْ يُقَالَ لِلْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ : اُدْعُ اللَّهَ لِي ، أَوْ اُدْعُ لَنَا رَبَّك ، أَوْ اسْأَلْ اللَّهَ لَنَا ، كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى لِمَرْيَمَ وَغَيْرِهَا ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَسْتَرِيبُ عَالِمٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ .
ويقول في [1/179]:
أولاً .. جعل دعاء غير الله تعالى قسمان : شرك وذريعة إلى الشرك .. ثم باقي كلامه في مسألتنا أوضح من أن أبينها .يَنْهَى أَنْ يُدْعَى غَيْرُ اللَّهِ ، لَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَا الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَا غَيْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ هَذَا شِرْكٌ أَوْ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ ؛ بِخِلَافِ مَا يُطْلَبُ مِنْ أَحَدِهِمْ فِي حَيَاتِهِ مِنْ الدُّعَاءِ وَالشَّفَاعَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لَمْ يُعْبَدْ فِي حَيَاتِهِ بِحَضْرَتِهِ ، فَإِنَّهُ يَنْهَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ ؛ بِخِلَافِ دُعَائِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ ، فَإِنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ بِهِمْ ، وَكَذَلِكَ دُعَاؤُهُمْ فِي مَغِيبِهِمْ هُوَ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ . فَمَنْ رَأَى نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَقَالَ لَهُ " اُدْعُ لِي " ، لَمْ يُفْضِ ذَلِكَ إلَى الشِّرْكِ بِهِ ، بِخِلَافِ مَنْ دَعَاهُ فِي مَغِيبِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الشِّرْكِ بِهِ ، كَمَا قَدْ وَقَعَ . فَإِنَّ الْغَائِبَ وَالْمَيِّتَ لَا يَنْهَى مَنْ يُشْرِكُ ، بَلْ إذَا تَعَلَّقَتْ الْقُلُوبُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الشِّرْكِ بِهِ ، فَدَعَا وَقَصَدَ مَكَانَ قَبْرِهِ أَوْ تِمْثَالِهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، كَمَا قَدْ وَقَعَ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُبْتَدِعَةِ الْمُسْلِمِينَ .
في هذه النقول كفاية ..
ويستدل الذين يرون أن ابن تيمية يرى أن هذا الفعل من الشرك الأكبر ، بشبهة من كلامه يطعنون بها في هذه النصوص الواضحة الصريحة .. فيستدلون بقوله :
قال في [1/155-159]:
[QUOTE]قالوا ، فقوله التالي دليل على أنه يرى أن سؤال الأموات دعاء الله تعالى شرك أكبر ، حيث قال :وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ جَعَلُوا مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى مُقِرِّينَ بِأَنَّ آلِهَتَهُمْ مَخْلُوقَةٌ ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَهُم ْ شُفَعَاءَ ، وَيَتَقَرَّبُون َ بِعِبَادَتِهِمْ إلَيْهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، وَقَالَ تَعَالَى : { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (*) إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (*) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } ، وَكَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك ، إلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ . وَقَالَ تَعَالَى : { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (*) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (*) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (*) مُنِيبِينَ إلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (*) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } . بَيَّنَ - سُبْحَانَهُ - بِالْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ لَهُمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَمْلُوكُهُ شَرِيكَهُ ، فَقَالَ : { هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ } . يَخَافُ أَحَدُكُمْ مَمْلُوكَهُ كَمَا يَخَافُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ؟ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ لَا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكُهُ شَرِيكَهُ ، فَكَيْفَ تَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِكُمْ ؟ . وَهَذَا كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ : لَهُ بَنَاتٌ فَقَالَ تَعَالَى : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (*) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (*) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }.
وَالْمُشْرِكُون َ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِالشِّرْكِ ، أَصْلُهُمْ صِنْفَانِ : قَوْمُ نُوحٍ . وَقَوْمُ إبْرَاهِيمَ : فَقَوْمُ نُوحٍ كَانَ أَصْلُ شِرْكِهِمْ الْعُكُوفَ عَلَى قُبُورِ الصَّالِحِينَ ، ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ ثُمَّ عَبَدُوهُمْ . وَقَوْمُ إبْرَاهِيمَ كَانَ أَصْلُ شِرْكِهِمْ عِبَادَةَ الْكَوَاكِبِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ . وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ قَدْ تُخَاطِبُهُمْ وَتُعِينُهُمْ عَلَى أَشْيَاءَ ، وَقَدْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ ، وَإِنْ كَانُوا فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ، فَإِنَّ الْجِنَّ هُمْ الَّذِينَ يُعِينُونَهُمْ وَيَرْضَوْنَ بِشِرْكِهِمْ ، قَالَ تَعَالَى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (*) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } . وَالْمَلَائِكَة ُ لَا تُعِينُهُمْ عَلَى الشِّرْكِ ، لَا فِي الْمَحْيَا وَلَا فِي الْمَمَاتِ ، وَلَا يَرْضَوْنَ بِذَلِكَ . وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ قَدْ تُعِينُهُمْ وَتَتَصَوَّرُ لَهُمْ فِي صُوَرِ الْآدَمِيِّينَ ، فَيَرَوْنَهُمْ بِأَعْيُنِهِمْ ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ : أَنَا إبْرَاهِيمُ ، أَنَا الْمَسِيحُ ، أَنَا مُحَمَّدٌ ، أَنَا الْخَضِرُ ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ ، أَنَا عُمَرُ ، أَنَا عُثْمَانُ ، أَنَا عَلِيٌّ ، أَنَا الشَّيْخُ فُلَانٌ . وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ : هَذَا هُوَ النَّبِيُّ فُلَانٌ ، أَوْ هَذَا هُوَ الْخَضِرُ ، وَيَكُونُ أُولَئِكَ كُلُّهُمْ جِنًّا يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ . وَالْجِنُّ كَالْإِنْسِ فَمِنْهُمْ الْكَافِرُ ، وَمِنْهُمْ الْفَاسِقُ ، وَمِنْهُمْ الْعَاصِي ، وَفِيهِمْ الْعَابِدُ الْجَاهِلُ . فَمِنْهُمْ مَنْ يُحِبُّ شَيْخًا فَيَتَزَيَّا فِي صُورَتِهِ وَيَقُولُ : أَنَا فُلَانٌ . وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي بَرِّيَّةٍ وَمَكَانٍ قَفْرٍ ، فَيُطْعِمُ ذَلِكَ الشَّخْصَ طَعَامًا ، وَيَسْقِيهِ شَرَابًا ، أَوْ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يُخْبِرُهُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ الْغَائِبَةِ ، فَيَظُنُّ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنَّ نَفْسَ الشَّيْخِ الْمَيِّتِ أَوْ الْحَيِّ فَعَلَ ذَلِكَ . وَقَدْ يَقُولُ : هَذَا سِرُّ الشَّيْخِ ، وَهَذِهِ رَقِيقَتُهُ و، َهَذِهِ حَقِيقَتُهُ . أَوْ هَذَا مَلَكٌ جَاءَ عَلَى صُورَتِهِ . وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ جِنِّيًّا ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تُعِينُ عَلَى الشِّرْكِ وَالْإِفْكِ وَالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (*) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } . قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَانَ أَقْوَامٌ يَدْعُونَ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاء َ ، كَالْعُزَيْرِ وَالْمَسِيحِ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاء َ عِبَادُ اللَّهِ ، كَمَا أَنَّ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُمْ عِبَادُ اللَّهِ ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ، وَيَتَقَرَّبُون َ إلَيْهِ كَمَا يَفْعَلُ سَائِرُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ . وَالْمُشْرِكُون َ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ يَقُولُونَ : إنَّا نَسْتَشْفِعُ بِهِمْ ، أَيْ نَطْلُبُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاء ِ أَنْ يَشْفَعُوا ، فَإِذَا أَتَيْنَا قَبْرَ أَحَدِهِمْ طَلَبْنَا مِنْهُ أَنْ يَشْفَعَ لَنَا ، فَإِذَا صَوَّرْنَا تِمْثَالَهُ - وَالتَّمَاثِيلُ إمَّا مُجَسَّدَةٌ وَإِمَّا تَمَاثِيلُ مُصَوَّرَةٌ ، كَمَا يُصَوِّرُهَا النَّصَارَى فِي كَنَائِسِهِمْ - قَالُوا : فَمَقْصُودُنَا بِهَذِهِ التَّمَاثِيلِ تَذَكُّرُ أَصْحَابِهَا وَسِيَرِهِمْ ، وَنَحْنُ نُخَاطِبُ هَذِهِ التَّمَاثِيلَ ، وَمَقْصُودُنَا خِطَابُ أَصْحَابِهَا لِيَشْفَعُوا لَنَا إلَى اللَّهِ . فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ : يَا سَيِّدِي فُلَانٌ ، أَوْ يَا سَيِّدِي جرجس ، أَوْ بِطَرْسِ ، أَوْ يَا سِتِّي الْحَنُونَةُ مَرْيَمُ ، أَوْ يَا سَيِّدِي الْخَلِيلُ ، أَوْ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ : اشْفَعْ لِي إلَى رَبِّك . وَقَدْ يُخَاطِبُونَ الْمَيِّتَ عِنْدَ قَبْرِهِ : سَلْ لِي رَبَّك . أَوْ يُخَاطِبُونَ الْحَيَّ وَهُوَ غَائِبٌ كَمَا يُخَاطِبُونَهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا حَيًّا ، وَيُنْشِدُونَ قَصَائِدَ يَقُولُ أَحَدُهُمْ فِيهَا : يَا سَيِّدِي فُلَانٌ أَنَا فِي حَسَبِك ، أَنَا فِي جِوَارِك ، اشْفَعْ لِي إلَى اللَّهِ ، سَلْ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَنْصُرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا ، سَلْ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا هَذِهِ الشِّدَّةَ ، أَشْكُو إلَيْك كَذَا وَكَذَا ، فَسَلْ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ هَذِهِ الْكُرْبَةَ . أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ : سَلْ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي . وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى { وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } وَيَقُولُونَ : إذَا طَلَبْنَا مِنْهُ الِاسْتِغْفَارَ بَعْدَ مَوْتِهِ كُنَّا بِمَنْزِلَةِ الَّذِينَ طَلَبُوا الِاسْتِغْفَارَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَيُخَالِفُونَ بِذَلِكَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ ، وَلَا سَأَلَهُ شَيْئًا ، وَلَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُتُبِهِمْ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ ، وَحَكَوْا حِكَايَةً مَكْذُوبَةً عَلَى مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَيَأْتِي ذِكْرُهَا وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - . فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنْ خِطَابِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاء ِ وَالصَّالِحِينَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَفِي مَغِيبِهِمْ ، وَخِطَابِ تَمَاثِيلِهِمْ ، هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ الْمَوْجُودِ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَفِي مُبْتَدِعَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِين َ الَّذِينَ أَحْدَثُوا مِنْ الشِّرْكِ وَالْعِبَادَاتِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } .
والجواب عن ذلك بأن يقال : لا يمكن أن يُطعن بكل هذه النصوص الصريحة الواضحة في بيان كون هذا الفعل من الشرك الأصغر ، بكلمة متشابهة يمكن حملها على أكثر من وجه ، كما سيتبيّن لاحقاً إن شاء الله .فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنْ خِطَابِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاء ِ وَالصَّالِحِينَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَفِي مَغِيبِهِمْ ، وَخِطَابِ تَمَاثِيلِهِمْ ، هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ الْمَوْجُودِ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَفِي مُبْتَدِعَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِين َ الَّذِينَ أَحْدَثُوا مِنْ الشِّرْكِ وَالْعِبَادَاتِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى .
والاحتمالات في تأويل كلام ابن تيمية الآنف هي :
الأول : إما أن يكون لشيخ الإسلام قولان في المسألة ، كما هو حال كثير من الفقهاء ، وهو احتمال وارد ولكنه ضعيف .
الثاني : إما أنه يعني المشركين الذين اتخذوا من دون الله شفعاء وأشركوهم في ملك الله وربوبيته ، لأنه قال في وصفهم : والمشركون الذين جعلوا معه آلهة أخرى .. والمشركون من هؤلاء .. ومنهم ، .. إلخ .. بما يدل على أنه عنى الذين ذكرهم في صدر حديثه ، وهم الذين اتخذوا معه آلهة أخرى يعبدونها .. ثم بعد ذلك ، كشف عن أفعالهم في تحقيق مرادهم من الشفاعة الشركية .. وهو احتمال قوي ، لكن ما بعده أرجح منه .
وثالثاً : إما أنه جمع الأجلى والأعم والأغلب من أنواع الشرك في الدعاء في موضع واحد ، فجمع كل ما له علاقة به ، سواء أكان من الأكبر أم الأصغر ، ثم بيّن أن أصل هذه الأنواع قائم على الشرك الأكبر ، وهو دعاء غير الله تعالى .
لذلك تراه عند ذكر الأنواع جميعها في موضع واحد ، يقول عنها أعظم أنواع الشرك .. أي أن أصلها الذي بنيت عليه هو الشرك الأكبر .. أو يعني هي أعظمها انتشاراً وفشواً بين المسلمين .. وأكثرها ظهوراً .
وعندما يأتي إلى التقسيم ، فإنه يفرّق ولا يقول : إن دعاء الميت هو شرك أكبر بكافة أنواعه .. بل يفرّق بين ما كان لا يقدر عليه إلا الله ، ويقول صراحة أنه كفر أكبر وشرك أكبر ، وصاحبه كافر .. وما كان من جنس طلب الدعاء فقط ، فلا يصفه إلا بالبدعة .. ولا يصف صاحبه بالشرك الأكبر أو أنه كافر .
وهذه نقطة مهمة جداً يجب أخذها بالاعتبار .. ففي كل المواضع التي قسّم فيها أنواع دعاء الأموات ، لم يذكر أن طلب الدعاء شرك أكبر .. بل اكتفى بقوله بدعة .. لماذا ؟؟ .. ولماذا يذكر في القسم الأول أنه شرك أكبر صراحة ، ولا يقول بدعة ؟؟ مع أنه بدعة شركية كذلك ، وهو في طائفة من المنتسبين للإسلام ..
وعند جمع أنواع الدعاء لغير الله تعالى ، للميت أو الغائب ، يقول في مجموعها إنها أعظم أنواع الشرك .. مع أن كلمة "أعظم" يمكن أن تؤول إلى "أظهر" أو "أفشى" أو "أغلب" .. أو غير ذلك .
وأخيراً .. يذكر ابن تيمية علّة تحريم دعاء الميت بما يدعا به الحي .. فقال في [27/80-81]:
فالعلة في مشروعية دعاء الأحياء في حضورهم وحرمة دعائهم بعد موتهم ، هو أنه بعد موتهم لا يوجد من ينهاهم عن الشرك والغلو ، فيفضي ذلك إلى تعلق القلب بهم وتعظيمهم ثم الشرك بالله تعالى ، كما ذكرته في بداية هذا البحث .وَأَمَّا التَّمَسُّحُ بِقَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَتَقْبِيلُهُ فَكُلُّهُمْ كَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا قَصَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَسْمِ مَادَّةِ الشِّرْكِ وَتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَهَذَا مَا يُظْهِرُ الْفَرْقَ بَيْنَ سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالرَّجُلِ الصَّالِحِ فِي حَيَاتِهِ ، وَبَيْنَ سُؤَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي مَغِيبِهِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي حَيَاتِهِ لَا يَعْبُدُهُ أَحَدٌ بِحُضُورِهِ ، فَإِذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَالصَّالِحُونَ أَحْيَاءً لَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يُشْرِكُ بِهِمْ بِحُضُورِهِمْ ؛ بَلْ يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُونَه ُمْ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { مَا قُلْتُ لَهُمْ إلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (*) وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت فَقَالَ : أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ } وَقَالَ : { لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ } ، وَلَمَّا قَالَتْ الجويرية : وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَعْلَمُ مَا فِي غَد . قَالَ : { دَعِي هَذَا قُولِي بِاَلَّذِي كُنْت تَقُولِينَ } . وَقَالَ : { لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ؛ إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ } . وَلَمَّا صُفُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا قَالَ : { لَا تُعَظِّمُونِي كَمَا تُعَظِّمُ الْأَعَاجِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا } . وَقَالَ أَنَسٌ : لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ، وَكَانُوا إذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ ؛ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ .
وَلَمَّا سَجَدَ لَهُ مُعَاذٌ نَهَاهُ وَقَالَ : " { إنَّهُ لَا يَصْلُحُ السُّجُودُ إلَّا لِلَّهِ ، وَلَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا - مَنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا } . وَلَمَّا أُتِيَ عَلِيٌّ بِالزَّنَادِقَة ِ الَّذِينَ غَلَوْا فِيهِ وَاعْتَقَدُوا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ أَمَرَ بِتَحْرِيقِهِمْ بِالنَّارِ . فَهَذَا شَأْنُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَأَوْلِيَائِهِ ، وَإِنَّمَا يُقِرُّ عَلَى الْغُلُوِّ فِيهِ وَتَعْظِيمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَنْ يُرِيدُ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَفَسَادًا ، كَفِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِ ، وَمَشَايِخِ الضَّلَالِ الَّذِينَ غَرَضُهُمْ الْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادُ ، وَالْفِتْنَةُ بِالْأَنْبِيَاء ِ وَالصَّالِحِينَ وَاِتِّخَاذُهُم ْ أَرْبَابًا وَالْإِشْرَاكُ بِهِمْ مِمَّا يَحْصُلُ فِي مَغِيبِهِمْ وَفِي مَمَاتِهِمْ ، كَمَا أُشْرِكُ بِالْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ . فَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّالِحِ فِي حَيَاتِهِ وَحُضُورِهِ ، وَبَيْنَ سُؤَالِهِ فِي مَمَاتِهِ وَمَغِيبِهِ . وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا تَابِعِي التَّابِعِينَ يَتَحَرَّوْنَ الصَّلَاةَ وَالدُّعَاءَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَيَسْأَلُونَهُ مْ وَلَا يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ ؛ لَا فِي مَغِيبِهِمْ وَلَا عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَكَذَلِكَ الْعُكُوفُ .
وبعد هذه الصفحة ، سأعلل كون هذا الفعل من الشرك الأصغر وليس من الأكبر .. فللحديث بقية إن شاء الله تعالى .