لماذا احتواء المشكلات وليس حلها؟


هيام الجاسم



الاحتواء عمل قلبي جميل رائع يستمتع به من جربه ومارسه مسلكا مع نفسه ومع الآخرين، وهو أن يسع قلبك كل الناس، نعم كل الناس: عدوك قبل صديقك، أن تسعه بدماثة خلقك وبسعة صدرك وبانشراح ملمحيتك في قسمات وجهك، بل زد عليها بانتقائك ألطف كلماتك، تلك هي سعة قلبك للآخرين، وأنت بهذا المسلك تكون قد أسرتهم وملكت قلوبهم، وملت معهم لا عليهم إلى حين انخفاض ثورة غضبهم، واحتواؤك لغيرك يعني أن تساعد من حولك على لملمة جراحه التي بين جنبيه، وأن تأخذ بيده إلى الحد من تضخيم مشكلته، وتعينه على تحجيم أخطبوطية همّه وأحزانه، ورسولنا - عليه الصلاة والسلام - قد أهدانا ذهبا من كلماته النافذة واقعا حينما قال لنا: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعوهم بأخلاقكم»، والخلق هو الطبع والطبع مثيل الخلق، هكذا صنفه لنا علماؤنا الأفاضل.

لذا أنا أعتقد أن أولى خطوات التعامل مع المشكلات هي احتواء نفسك التي بين جنبيك ولملمتها، ثم احتواء حدثك الذي هاج له الفؤاد وطاش معه العقل، ثم يأتي دورك أن تحتوي معك أطراف المشكلة، هذا الاحتواء يوفر عليك زمنا طويلا في حل مشكلتك، ويختصر عليك أخطاء قد ترتكبها لو لم تحتو ذاتك ومشكلتك والآخرين، ويفسح لك فرصا في الهدوء النفسي والسكينة القلبية التي نضمن معها صفاء الذهن لاختيار الحل الأمثل.

عزيزي القارئ, الاحتواء خلق رفيع المستوى، راق جدا، فائق في الرقي، يخبرنا المختصون أنه لا يقوى عليه كل أحد من الناس، ولا يقوى عليه إلا صاحب الخبرة إذا كان رفيق دربه دماثة في الخلق ولبابة في العقل؛ لذا كان الاحتواء صعبا لا يجرؤ أحد من الناس أن يدّعيه لنفسه ما لم يكن هو أهله حقا، وتواتر الناس على الشهادة له بذلك.

عزيزي القارئ, لماذا نحن نحتوي أولا ثم قد نحل المشكلة أو لا نحلها؟! أنت وأنا كلنا يعلم أن في حياتنا مشكلات ليس لها حلول آنية، وليس لها حلول جذرية، وقد لا نكون أصحاب قرار لحلها؛ لذا قد لا نملك حلا آنيا، وقد لا نملك حلا جذريا، قد نملك الحلول ونقترحها لكن لسنا أصحاب القرار النهائي فحلولنا معلقة منتظرة الفرج، كثير من مشكلاتنا يتكفل ربنا عز وجل بحلها بعد حين من الدهر، هكذا فجأة تنقشع الغمة -بضم الغين- بعد أمد طويل من الانتظار المؤلم؛ لذا ليس دوما الحل الأمثل نحن قادرون على تنفيذه واقعا، هذا فضلا عن أنه لو كان قرار الحل بأيدينا ولكننا اخترنا لأنفسنا حلولا ترقيعية، وفضلا عن أننا لو اخترنا حلولا واكتشفنا أنها زادت المشكلة تعقيدا؛ إذاً ليست الأمور بالكلية تحت سيطرتنا وإنما تحتاج إلى حكمة إنسانية يسبقها تفويض لله تعالى.


عزيزي القارئ, ما دام هذا حالنا مع مشكلاتنا قد نقدر أو نعجز، قد نتجاوز المحنة وقد نتهالك في داخلها، إذاً حسن السلامة أن نختار لأنفسنا ولمن حولنا احتواء الحدث بجميع أطرافه ولملمة شعثه وشعث أطرافه حينا من الدهر؛ حتى نستشرف مستقبل المشكلة كيف لنا أن نكون حكماء في حلها وبأقل الخسائر، لا نريد أن نخرج من المحنة ونحن مهزوزو الدين، ولا نريد أن نخرج منها وقد تنازلنا عن ثوابتنا ومبادئنا، ولا نرضى لأنفسنا أن نزيد رصيد العداوات في حياتنا، يجمل ويحسن بنا أن نتخطى مشكلاتنا ونحن مستجمعون في ذواتنا رباطة جأش وقوة نفس لا نخسر معها إلا ما يستحق الخسارة فعلا.