لا نريدك ذئبًا ولا أن تأكلك الذئاب!!



هيام الجاسم




في إحدى ورش العمل التي أقيمها لشريحة النساء سألتني إحدى الحاضرات عن الطريقة المثلى في أن أحظى بأي حق لي دون أن أخسر الآخرين؟! قد يرفض الطرف الآخر في يوم ما، وفي موقف ما أن يمنحني حقا لي عنده، قد يحتال، وقد يخبث، ويلف، ويدور، ويلفق الكذبات، ويتبرأ مما اعترف لك سابقا بحقك الذي هو لك عنده، وهكذا قد تتجدد المواقف المزعجة في حياتنا مع أناس لا نكاد ننفك عن الارتباط بهم، زوج وأب وأخ، أم وأخت وهكذا، تسألني مستنكرة: «يعني لازم أصير ذئب حتى أحصل على حقوقي من غيري!! أنا أرفض أصير ذئب وفي نفس الوقت أرفض أصير فريسة ينهشها الذيب!!» أجبتها: عزيزتي أنا أريد لك ولي أن نكون ذئابا في تعاملاتنا مع الآخرين!! ذئابا في قوة منطقنا، ذئابا في الثبات على مبادئنا وقناعاتنا، ذئابا في رباطة جأش قلوبنا، ذئابا في حماية أنفسنا، ذئابا في حسن تفكيرنا وتخطيطنا، ذئابا في مناوراتنا مع خصومنا، فلماذا دوما نفترض في أنفسنا أن القوة تعني الشر والخبث؟! يمكنك أن تكون مراوغا وفي الوقت نفسه أمينا! أمينا في قولك، وفي تقييمك! فكن لطيفا هادئا واحمل مع لطفك دهاء محمودا في كسب من حولك نحو فكرتك، هذا لا يضر بل هو أمر مرغوب مطلوب، وأنا أدرك تماما أننا منهيّون عن أن نكون خبّا - بكسر الخاء - ولا نقبل بالخب أن يراوغنا من خلال خبابته! وهذا قول للخليفة الصحابي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «لست بالخب ولا الخب يخدعني»، ولكن أتساءل من منطق آخر: لماذا نرسم انطباعا سيئا عن حيوان ما، ثم نسقط طباعه السلبية علينا؟! لماذا لا نتأمل الجانب الإيجابي منه وننشد في أنفسنا أن نكونه؟! ثم نحن لا نحتاج لأن نقتدي بالبهائم وهي أصلا مسخرة لنا، إنما هي مضارب للأمثال فقط لا غير، لماذا نفترض أننا إذا ارتضينا لأنفسنا أن نكون كالذئاب فإن ذلك يعني الخبث والمكر والدهاء فيما هو ضار ليس بنافع؟! لنكن ماكرين ودهاة فيما يحقق لنا الراحة دون أن يتأذى منا الآخرون، ودون أن نظلمهم، ودون أن نسلبهم حقوقهم؛ لنستثمر قوة الدهاء فيما ينجينا من ورطات في حياتنا دون أن نخبث على غيرنا، عزيزي القارئ، إذامنحك الآخرون حقوقك بطبق غال وثمين فبها ونعمت، ولكن إن خبث عليك الخابثون ولعبوا لعبتهم فلا تقبل لنفسك أن تكون فريسة استئذابهم عليك وأطلق ذئبيتك عليهم ولكن وفق الأدب الجم ودونما تجاوز للقانون، واحكم انتزاعك لحقوقك منهم بأحكام شرعك، فمثلما أنك لا تقبل أن تكون ظالما لغيرك فلا تقبل أن تكون ظالما لنفسك ولن تقبل أن يظلمك غيرك أيضا.

عزيزي القارئ، هل كل ذلك يعني لك أنك إن لم تكن ذئبا فستأكلك الذئاب؟! أبداً أبداً، أمسك عصاك من الوسط وكن معتدلا، أريدك ذئبا في مهاراتك توظفها لمنجاة نفسك من غيرك، أريدك ذئبا في مهابة الآخرين منك احتراما وتقديرا لك، أتدري لماذا يهابك الناس؟! لأنك على المحجة البيضاء، شفاف واضح، ونظيف صريح لا لك ولا عليك، العبها صح واضبط نفسك فستجد غيرك يحسب لك حسابا، ولن يفكر في يوم أن يلبس الخباثة بثوب الذئبية عليك، ولن يقدر على نهشك مطلقا!!