رسالة مِن معافَى مِن مرض الكورونا


عصام حسانين




الدين النصيحة، وهذه رسالة من مريض عافاه الله مِن وباء كورونا، أحبَّ أن يذكِّر بها إخوانه المسلمين، والذكرى تنفع المؤمنين؛ فعن سعيد بن وهب قال: «دخلت مع سلمان -رضي الله تعالى عنه- على صديق له من كِندة يعوده، فقال له سلمان: إن الله -تعالى- يبتلي عبده المؤمن بالبلاء ثم يعافيه؛ فيكون كفارة لما مضى، فيستعتب فيما بقي -أي: يعاتب نفسه علي تفريطها في حق الله -تعالى-، فيندم ويعزم على إرضاء الله -تعالى- من حينه، وإن الله -عز اسمه- يبتلي عبده الفاجر بالبلاء ثم يعافيه؛ فيكون كالبعير عقلوه أهله ثم أطلقوه، فلا يدري فيم عقلوه حين عقلوه، ولا فيمَ أطلقوه حين أطلقوه» (حلية الأولياء).

أولًا: الصبر والرضا والشكر

فإن العبد إذا ابتلي بمرضٍ، يجب عليه أن يصبر بحبس قلبه عن التسخط، ولسانه عن الشكوى، وحبس جوارحه عن المعصية، قال الله -تعالى-: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة:156-157).

- ويستحب له مع الصبر الرضا، أن يرضى عن الله -تعالى- فيما قدَّره عليه، وأن يرضى بقضائه فلا يسخط، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ» (رواه الترمذي، وابن ماجه، وحسنه الألباني).

- والإحسان في هذا المقام هو الشكر؛ فيشكر الله -تعالى- على ما قدّره عليه من البلاء، فكم في البلايا من منح وعطايا.

لما سُجن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وأُغلق عليه باب السجن تلا قوله -تعالى-: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} (الحديد:13)، وكان يُكثر أن يقول في سجوده: «اللهم أعني على ذكرك، وشُكرك، وحُسن عبادتك».

ثانيًا: التوبة النصوح

وليعلم العبد أنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة؛ فيُسارع إلى ربه -تعالى- تائبًا، مًقبلًا عليه؛ فإنه -تعالى- يحب التوابين، وتواب لمن تاب إليه وأناب، قال -تعالى-: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (طه:82).

فيتوب توبة نصوحًا، نادمًا على ما اقترف، عازمًا إن شفاه الله -تعالى- على عدم العود إلى الذنب، مقلعًا عنه فورًا، ويتخلص من المظالم؛ فمَن كان له عند أخيه مظلمة من عرض أو مال فليتحلله، ومن ظلم بغيبة فإنه يدعو له، ويُكثر مِن الاستغفار، وليستبشر.

ثالثًا: تقديم الرجاء على الخوف

وعليه أن يستبشر برحمة الله ومغفرته، وأن يقدِّم حسن الظن بالله -تعالى-، ورجاء رحمته ومغفرته، وليقرأ أو يُقرأ عليه ما جاء في ذلك من نصوص الكتاب والسنة، وحكايات الصالحين عند الموت، ونحو ذلك مما يُعظم رجاءه في ثواب الله -تعالى- ورحمته.

رابعًا: الإقبال على الله -تعالى

ثم يُقبل على الله -تعالى-، مصليًّا، ذاكرًا لربه -تعالى- ولو بقلبه الأذكار الموظفة والمطلقة، ولا يتحرك لسانُه إلا بذكر الله -تعالى- وبالكلام الطيب.

خامسًا: استحضار ما جاء في ثواب المريض المحتسب

فهذا مما يعين على العبادات الإيمانية السابقة، ومما جاء قوله - صلى الله عليه وسلم -: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» (رواه مسلم)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟» (رواه مسلم، وقال - صلى الله عليه وسلم - لأم السائب: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» 0رواه مسلم)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ، فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا» (رواه مسلم9).

وليتذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير خلق الله أجمعين قد ابتلاه الله بالمرض، وكان يُوعك - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته وعكًا شديدًا، دخل عليه ابن مسعود -رضى الله عنه- فرآه كذلك، فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» (متفق عليه).

ونحو ذلك من الأحاديث الشريفة التي تحمله على الصبر والرضا والشكر.

سادسًا: الدعاء

إن الدعاء هو العبادة كما قال - صلى الله عليه وسلم -، وقد أمر الله -تعالى- به عباده، ويحب من عباده ذلك، ويحب من عبده في ضرائه وبلائه أن يتضرع إليه ويدعوه، ويخبت إليه ويستكين، وإنه -تعالى- لينظر إلى قلبه، وما فيه من حب وخوف ورجاء، وإخلاص، وصدق، وتوكل، وإخبات، واستكانة، ورضا، وينظر إلى أعماله الظاهرة من صلاة ودعاء وذكر ونحو ذلك، فيرى ربه مِن نفسه خيرًا.

فأبشر أيها المريض المبتلى، فإن الله -تعالى- عندك برحمته واستجابته لدعائك؛ فادع الله -تعالى- أن يشفيك ويعافيك، وادع لمن أحببت.

سابعًا: الأخذ بالأسباب

وليأخذ بأسباب العلاج الكونية التي جعلها الله سببًا لشفاء الأمراض مما عرفه الناس بالتجربة، مع اعتقاد أن الشافي هو الله كما قال الله -تعالى- عن إبراهيم -عليه السلام-: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء:80).

ويأخذ بأسباب العلاج الشرعية من تلاوة القرآن بيقين؛ فإن القرآن شفاء كما قال الله -تعالى-، وأخبرنا - صلى الله عليه وسلم - أن سورة الفاتحة رقية، وشافية كافية، وقال: «اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» (رواه مسلم). والبطلة: السحرة.

وكذا الأدعية النبوية الشريفة، ومن ذلك:

- وضع اليد على موضع الألم وقول: «أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ» سبع مرات. (رواه مسلم).

- المسح باليد اليمنى على موضع الألم وقول: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا) (متفق عليه).

- و»بِسْمِ اللَّهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بِإِذْنِ رَبِّنَا (متفق عليه).

قال النووي -رحمه الله-: «معنى الحديث: أنه يأخذ مِن ريق نفسه على إصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء ثم يتمسح به على الموضع الجريح أو العليل، ويقول هذا الكلام في حال المسح».

- و«أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ» سبع مرات. (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- والاستشفاء بما جعل الله فيه بركة وشفاء، من شرب ماء زمزم، وعسل النحل، وحبة البركة، وأكل سبع تمرات من عجوة المدينة، والحجامة.

مع الاعتقاد واليقين القلبي أن الشافي هو الله، وهذا هو التوكل، والذي هو أعظم سبب في الشفاء، والخير كله فيه.

ثامنًا: تذكر نعم الله تعالى

قال الله -تعالى-: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (النحل:53)، وقال -تعالى-: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل:18)، فنعم الله على عباده «لا سيما المؤمنين» لا تُعد ولا تحصى، والحمد لله.

ويحب الله -تعالى- مِن عباده أن يذكروه بنعمه، وتحصيل ذلك: بالتفكر والاعتبار، فيتذكر في مرضه صعوبة تنفسه وكلامه، وضعف حركته، وعزوفه عما لذَّ وطاب من المباحات، وحبسه عما وُفق إليه من الطاعات والاستعمال في إقامة الدين ونصرته؛ فيعلم أنه قد غُبن كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ» (رواه البخاري)، فكم ضيَّع وفرط في أوقات الصحة والقوة والفراغ؛ فيعلم قدر نعمة الصحة والقوة؛ فيُوجب ذلك له حبًّا لله -تعالى- على نعمه ومنته، ويوجب له أيضًا التوبة النصوح، والعزم على الإحسان.