الاخلاص هو أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأعماله الظاهرة وإلباطنة ابتغاء وجه الله تعالى.

قال الله عز وجل( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء )

الإخلاص لله تبارك وتعالى من أعظم أصول هذا الدين،

فهو مسك القلوب وعماد الدين،

مدار الفلاح كله عليه،

فيه رضا الرحمن وراحة القلوب ونجاة النفوس،

وهو ركن العمل وأساسه.

الإخلاص من أهم أعمال القلوب، وأعظمها قدراً وشأناً،

الإخلاص لله أصل الدين وتاج العمل،

ولا يتم أمر ولا تحصل بركة إلا بصلاح القصد والنية

فبحسب الإخلاص يُقبل عمل العبد أو يُرَدّ عليه.

و الدين كله يقوم على الإخلاص،
قال تبارك وتعالى: {قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}
وقال سبحانه: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي} [الزمر: 14].

الإخلاص لُبُّ الأعمالِ وروحها
وله ثمراتٌ عظيمة في الدنيا والآخره
بالإخلاص تطمئن القلوب، وتهدأ النفوس؛ لأنها تعامل علام الغيوب،
الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء،
الإخلاص: تصفية العمل لله تعالى؛
قال ابن القيم: «الإخلاص هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة

وقال ابن القيم: «نبه سبحانه بقوله:
{إلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} على أن من ليس لمخلوق عليه نعمة تُجزى لا يفعل ما يفعله إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى؛ بخلاف من تصور نعم المخلوقين ومننهم، فإنه مضطر إلى أن يفعل لأجلهم ويترك لأجلهم، ولهذا كان من كمال الإخلاص أن لا يجعل العبد عليه منّة لأحد من الناس؛ لتكون معاملته كلها لله ابتغاء وجهه وطلب مرضاته، فكما أن هذه الغاية أعلى الغايات وهذا المطلوب أشرف المطالب فهذا الطريق أقصر الطرق إليه وأقربها وأقومها»***

وإذا علم العبد أن كل نعمة أصابته، وكل فضل ناله، وكل خير جاء له، وكل شر صُرف عنه، وكل سوء نجا منه، أن فاعل كل ذلك على الحقيقة هو الله الواحد سبحانه.. وإذا أيقن أن الله سبحانه هو الخالق الرازق، الرب المحيي المميت المعبود، فلا معبود بحقٍ سواه، صرف العبادة كلها إليه وحده دون سواه، فكل حركة وسكنة إنما هدفها الأعلى رضا الله سبحانه، وهذا ما أرشد إليه قول الله تعالى: {قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ صلى الله عليه وسلم ٢٦١صلى الله عليه وسلم ) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ } [الأنعام: ٢٦١، ٣٦١].
الإخلاص، أن تكون الحياة لله، وأن يكون الممات لله، وأن تكون الصلاة لله، وأن يكون النسك والعبادة كلها خالصة لوجه الله، لا تُصرف لأحدٍ، لا لبشر، ولا لحجر، ولا لبقر، ولا لطاغوت، ولا لوثن، ولا لأحد من الناس كائناً من كان،
هذا هو اخلاص العبادة لله: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ}

ولا بد من إخلاص النية لله في أي عمل يعمله العبد؛ قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥]، وقال صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، وقال صلى الله عليه وسلم : «قال الله أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا بريء منه؛ وهو كله للذي أشرك»
ولا بد في إخلاص العمل من أن يكون هذا العمل مما شرعه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول تعالى: {قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ١٣] ، ويقول صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفي لفظ في صحيح مسلم أيضاً: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
وبالإخلاص والمتابعة يتحصن المسلم من ألد أعدائه ألا وهو الرياء والبدعة والشرك. يقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله:
«فهما توحيدان، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرسول»

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان؛ أحدهما: أن لا نعبد إلا الله. والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع. لا نعبده بعبادة مبتدعة. وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢]. قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه. قالوا. يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإن كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وذلك تحقيق قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِـحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}


العبرة في الإسلام ليست بكثرة العمل فحسب،
إنما الواجب صحة الإخلاص لله والعمل الموافق لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم
وقد جمع ربنا ذلك في قوله تعالى : " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ "
فجمعت هذه الآية الإخلاص وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
والعمل ـ وإن كان كثيراً ـ مع فقد صحة المعتقد يجعله الله هباء منثورا
قال سبحانه : " وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا "
ومن علامات الإخلاص:
1- أن يبتغي المسلم الأجر من الله تعالى وحده:فلا يبحث عن مكانة ولا زعامة، ولا ثناء ، قال تعالى على لسان بعض الأنبياء في القرآن الكريم: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -: «وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم، وما نسب إليَّ شيء منه»

المخلص من العباد من يأتي بجميع العبادات على أحسن وجه، ومع ذلك هو خائف أن لا يتقبل الله منه عمله يوم القيامة،
كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}
وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها،
فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ؟
قَالَ لَا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ،
وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يُخَافُ اللَّهَ

المخلص يقوم بجميع أعماله على ما يرضى الله تعالى ثم بعد ذلك لا يبالى أرضي الناس أم سخطوا، مدحوا أم ذموا. وكان بَعْض السَّلَفِ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُمْدَحُ فِي وَجْهِهِ، قَالَ: «التَّوْبَةُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: اللهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَاجْعَلْنِي خَيْراً مِمَّا يَظُنُّونَ»

قال السعدي رحمه الله:
" ينبغي للعبد، كلما فرغ من عبادة ، أن يستغفر الله عن التقصير، ويشكره على التوفيق، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة ، ومنّ بها على ربه ، وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة ، فهذا حقيق بالمقت ، ورد الفعل، كما أن الأول، حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر " .
انتهى من " تفسير السعدي

الإخلاص هو روح العمل: فعمل لا إخلاص فيه كجسد لا روح فيه، فهو بمنزلة الروح من الجسد، يقول ابن القيم رحمه الله:'ومِلاَك ذلك كله: الإخلاص والصدق، فلا يتعب الصادق المخلص، فقد أُقيم على الصراط المستقيم فيُسَار به وهو راقد، ولا يتعب من حُرم الصدق والإخلاص فقد قُطعت عليه الطريق واستهوته الشياطين في الأرض حيران، فإن شاء فليعمل، وإن شاء فليترك، فلا يزيده عمله من الله إلا بُعداً، وبالجملة: فما كان لله وبالله فهو من جند النفس المطمئنة' [الروح ص227] .

ويقول ابن القيم رحمه الله:' العمل بغير إخلاص ولا إقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً ينقله ولا ينفعه' . فهو ليس له من هذا الجراب وهذا الحمل إلا التعب، فمن حمل التراب على ظهره، فإن ذلك لا ينفعه؛
الإخلاص والتوحيد شجرة في القلب فروعها الأعمال وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة ، وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك . ابن القيم : الفوائد
الإخلاص أن لا تشرك بالله شيئاً، وأن لا تريد بعملك إلا وجه الله.

قال ابن القيم رحمه الله في مدراج السالكين (الإخلاص: توحيد المطلوب، وحقيقة الصدق: توحيد الطلب والإرادة، ولا يثمران إلا بالاستسلام المحض للمتابعة؛ فهذه الأركان الثلاثة : هي أركان السير وأصول الطريق التي من لم يبن عليها سلوكه وسيره فهو مقطوع وإن ظن أنه سائر؛ فسيره إما إلى عكس جهة مقصوده، وإما سير المقعَد والمقيَّد، وإما سير صاحب الدابة الجموح كلما مشت خطوة إلى قُدَّام رجعت عشرة إلى خلف. فإنْ عدم الإخلاص والمتابعة انعكس سيره إلى خلف، وإن لم يبذل جهده ويوحّد طلبه سار سير المقيد.وإن اجتمعت له الثلاثةُ فذلك الذي لا يجاري في مضمارِ سيرِه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).ا.هـ.
وقال أيضا: (ان للعبد مطلوباً وطلباً؛ فالإخلاص توحيد مطلوبه، والصدق توحيد طلبه؛ فالإخلاص أن لا يكون المطلوب منقسماً، والصدق أن لا يكون الطلب منقسما؛ فالصدق بذل الجهد، والإخلاص إفراد المطلوب).

وقال ابن القيم رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفاً : (فحنيفا هو حال مقررة لمضمون قوله: فأقم وجهك للدين ولهذا فسرت مخلصاً،
فتكون الآية قد تضمنت الصدق والإخلاص؛
فإن إقامة الوجه للدين هو إفراد طلبه بحيث لا يبقى في القلب إرادة لغيره،
والحنيف المفرِد لا يريد غيرَه؛
فالصدق أن لا ينقسم طلبك،
والإفراد أن لا ينقسم مطلوبك،
الأول: توحيد الطلب،
والثاني: توحيد المطلوب)
ا.هـ.

حقيقة الإسلام هي الانقياد لله وحده لا شريك له، فيكون قلب العبد سليماً من الشرك، وعمله خالصاً لله

إخلاص العبادة لله هو حقيقة الدين الذي لا يقبل الله سواه، وهو معنى الإسلام الذي بعث الله به المرسلين، فإن الدين السليم والقلب السليم هو الذي خلص من الشرك.
وإخلاص العمل لله هو لب ما يراد من العبد ، وما خلق لأجله،قال الله تعالى:
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون

قال ابن القيم في إعلام الموقعين في شرح كتاب عمر بن الخطاب
(قوله: (فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله)

هذا شقيق كلام النبوة وهو جدير بأن يخرج من مشكاة المحدث الملهم،
وهاتان الكلمتان من كنوز العلم، ومَنْ أَحسَنَ الإنفاقَ منهما نفع غيره وانتفع غاية الانتفاع؛ فأما الكلمة الأولى فهي منبع الخير وأصله، والثانية أصل الشر وفصله.

فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى وكان قصده وهمه وعلمه لوجهه سبحانه كان الله معه فإنه سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ورأس التقوى والإحسان خلوص النية لله في إقامة الحق، والله سبحانه لا غالب له فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله بسوء
فإن كان الله مع العبد فمن يخاف
وإن لم يكن معه فمن يرجو وبمن يثق ومن ينصره من بعده
فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولا وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها وجعل له فرجا مخرجا
وإنما يؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة أو في اثنين منها أو في واحد
فمن كان قيامه في باطل لم ينصر وإن نصر نصرا عارضا فلا عاقبة له وهو مذموم مخذول
وإن قام في حق لكن لم يقم فيه لله وإنما قام لطلب المحمدة والشكور والجزاء من الخلق أو التوصل إلى غرض دنيوي كان هو المقصود أولا والقيام في الحق وسيلة إليه
فهذا لم تضمن له النصرة
فإن الله إنما ضمن النصرة لمن جاهد في سبيله وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا لا لمن كان قيامه لنفسه ولهواه فإنه ليس من المتقين ولا من المحسنين وإن نصر فبحسب ما معه من الحق؛
فإن الله لا ينصر إلا الحق،
وإذا كانت الدولة لأهل الباطل فبحسب ما معهم من الصبر، والصبر منصور أبداً:

-فإن كان صاحبه محقًّا كان منصوراً له العاقبة.
-وإن كان مبطلاً لم يكن له عاقبة.
-وإذا قام العبد في الحق لله، ولكن قام بنفسه وقوته، ولم يقم بالله مستعيناً به متوكلاً عليه مفوضاً إليه بريًّا من الحول والقوة إلا به؛ فله من الخذلان وضعف النصرة بحسب ما قام به من ذلك.
ونكتة المسألة أن تجريد التوحيدين في أمر الله
لا يقوم له شيء البتة وصاحبه مؤيد منصور ولو توالت عليه زُمَرُ الأعداء )ا.هـ.