القول المختصر في المهدي المنتظر
الشيخ علي بن محمد أبو هنية
الحمد لله كما أمر, والشكر له وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، والصلاة والسلام على خير البشر, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أولي النظر, وعلى من اقتفى دربهم من أهل الأثر, وسار على نهجهم ولزم هديهم إلى أن يخرج المهدي المنتظر, أما بعد:
فإن الإيمان بظهور المهدي في آخر الزمان, ومنتهى العصر والأوان, عقيدة من عقائد الإسلام, التي يجب على كلِّ مسلم أن يؤمن بها, ولزاماً على كلِّ مؤمن أن يسلِّم لها, فهي عقيدة ثابتة ظاهرة, بالأحاديث الصحيحة المتواترة عن نبينا العدنان -صلوات الله وسلامه عليه-, وهي مسألة تعدُّ من جزئيات الإيمان باليوم الآخر, كونها داخلةً في أشراط الساعة, قال -تعالى-: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾.
وهذه مقالة مستعجلة, قصيرة مختزلة, كتبتها غير مسترسل فيها, ولا مسهب في إيضاح خوافيها, بيَّنت فيها أهمَّ ما يتعلق بهذه الشخصيَّة العظيمة, شخصيَّة الإمام (المهدي) الذي سيظهر في آخر الزمان, ويقود الأمة إلى النصر والعزة, ويخوض بها الفتن والملاحم الحادثة في ذلك الوقت.
بعضُ الأَحاديثِ الصَّحيحةِ الّتي تُبَيِّنُ حقيقةَ المهدي:
1) عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لو لم يبقَ من الدُّنيا إلاّ يوم؛ لَطوَّل اللهُ ذلكَ اليوم, حتى يُبعثَ فيه رجلٌ من أهل بيتي, يواطئُ اسمُه اسمي, واسمُ أبيه اسمَ أبي, يملأُ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظُلماً وجَوراً». أخرجه أبو داود وصححه الألباني في «صحيح الجامع» برقم (5304).
2) عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «المهديُّ مِنَّا أهلَ البيت, يُصلحه الله في ليلة». أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في «الصحيحة» برقم (2371).
3) عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول: «المهديُّ من عِترتي من ولد فاطمة». أخرجه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني في «صحيح الجامع» برقم (6734).
والعِتْرَة: «ولد الرجل لصلبه, وقد يكون العترة -أيضاً-: الأقرباء وبنو العمومة, وعِترة الرجل: أخصُّ أقاربه... وعِترة النَّبي: بنو عبد المطلب, وقيل: قريش, والمشهور المعروف: أنهم الذين حرمت عليهم الزكاة»». «عون المعبود» (11/251).
4) عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «المهديُّ منِّي, أَجلى الجبهة, أَقنى الأنف, يملأُ الأرضَ قِسطاً وعدلاً, كما مُلِئت جَوراً وظلماً, يملك سبع سنين». أخرجه أبو داود وصححه الألباني في «صحيح الجامع» برقم (6736).
أجلى الجبهة: واسعها, أقنى الأنف: طويلُه, مع دقة أرنبته وحدب في وسطه.
5) عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقومُ السّاعة حتى تُملأَ الأرضُ ظلماً وجَوراً وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي, أو من أهل بيتي؛ يملؤها قسطاً وعدلاً، كما مُلِئت ظلماً وعدواناً». أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه الألباني في «الصحيحة» (4/39).
6) عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَتُملأنَّ الأرضُ جَوراً وظلماً, فإذا مُلِئت جَوراً وظلماً؛ يبعث الله رجلاً مني؛ اسمه اسمي, واسم أبيه اسم أبي, فيملؤها عدلاً وقسطاً, كما مُلِئت جَوراً وظلماً, فلا تمنع السماء شيئاً من قطرها, ولا الأرض شيئاً من نباتها, يمكث فيكم سبعاً, أو ثمانياً, فإن أكثرَ فتسعاً». أخرجه البزار والطبراني وصححه الألباني في «صحيح الجامع» برقم (5073).
7) عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يكونُ في آخرِ أمتي خليفةٌ يَحْثُو المالَ حَثْواً؛ لا يَعُدُّهُ عَدًّا». رواه مسلم.
8) عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يخرج في آخر أمتي المهدي؛ يسقيه الله الغيث, وتُخرج الأرض نباتها, ويُعطِي المالَ صَحاحاً, وتكثر الماشية, وتعظم الأمة, يعيش سبعاً أو ثمانياً. يعني:حجة». أخرجه الحاكم وصححه الألباني في «الصحيحة» برقم (711).
9) عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم (المهدي): تعال صلِّ بنا، فيقول: لا, إن بعضهم أمير بعض، تكرمة الله لهذه الأمة». «الصحيحة» رقم (2236).
قال محمد بن سيرين :: «المَهْدِيُّ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ, وَهُوَ الَّذِي يَؤُمُّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ -عليه السلام-».أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» برقم (38804).
* خلاصة ما في الأحاديث:
أن (المهدي المنتظر) اسمه: محمد بن عبد الله, ولقبه: المهدي, ونَسَبُه: من عترة النبي -صلى الله عليه وسلم-, أي: من أهل بيته؛ حَسَني فاطمي؛ من نسل فاطمة ابنة النبي -صلى الله عليه وسلم-, ومن نسل ابنها الحسن تحديداً, وله صفات خَلْقية محددة كما في الحديث.
ويكون ظهوره عند اشتداد الظُّلم والجَور والعدوان على الأمة جمعاء, ويصلحه الله للخلافة في ليلة واحدة, ويمكث حاكماً لهذه الأمة مدة سبع سنوات إلى تسع سنوات, ويصلي إماماً بعيسى بن مريم -عليه السلام- حين ينزل, ويعيش الناس في زمن المهدي في سَعَة ورخاء, حتى يفيض المال, ويزيد عن حاجة الناس, وتكثر الماشية.
أحاديث المهدي متواترة:
وقد حكم جمع من أئمة أهل العلم بالحديث بأن أحاديث المهدي متواترة, وأوَّل من صرَّح بذلك منهم: الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الآبُرِّي (ت:363هــ) صاحب كتاب «مناقب الشافعي», فقال -رحمه الله-: «وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى -عليه السلام- يخرج, فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤمُّ هذه الأمة, ويصلى عيسى خلفه». «تهذيب الكمال» (25/149).
وقد نقل عنه هذه العبارة عنه, وارتضاها, وأقرّها جمعٌ من العلماء الأجلاء, مثل: الحافظ أبي الحجاج المِزّي -رحمه الله- في كتابه «تهذيب الكمال», والعلامة القرطبي -رحمه الله- في كتابه «التذكرة», والعلامة ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في كتابه «المنار المنيف», والحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- في كتابيه «تهذيب التهذيب»، و«فتح الباري», والحافظ السَّخاوي -رحمه الله- في كتابه «فتح المغيث», والحافظ جلال الدين السيوطي -رحمه الله- في رسالته «العَرف الوردي في أخبار المهدي», والفقيه ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- في كتابه «الصواعق المحرقة», والعلامة مرعي بن يوسف الكرمي -رحمه الله- في كتابه «فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر», وغيرهم.
وممَّن قال بتواتر أحاديث المهدي -أيضاً- من العلماء: العلامة محمد البرزنجي الحسيني -رحمه الله- في كتابه «الإشاعة لأشراط الساعة», والعلامة محمد السفاريني -رحمه الله- في كتابه «لوامع الأنوار البهيَّة», والعلامة محمد بن علي الشوكاني -رحمه الله- في كتابه «التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح», والعلامة صديق حسن خان القِنَّوجي -رحمه الله- في كتابه «الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة», والشيخ محمد بن جعفر الكتاني -رحمه الله- في كتابه «نظم المتناثر في الحديث المتواتر», والإمام الألباني -رحمه الله- في مقال له بعنوان: «المهدي المنتظر», نشر في «مجلة التَّمدن الإسلامي», والشيخ العلامة ابن باز -رحمه الله- في «مجموع فتاويه».
وهذا فيه أعظم ردٍّ, وأكبر صدٍّ لمن زعم بأن أحاديث المهدي أخبار آحاد لا تصل إلى حدِّ التواتر -زعماً منهم-؛ ليتوصَّلوا إلى ردِّها وإنكارها.
أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي:
بلغ عدد الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي أكثر من ثلاثين صحابياً, هم:
عثمان بن عفان, علي بن أبي طالب, طلحة بن عبيد الله, عبد الرحمن بن عوف, الحسين بن علي, أم سلمة, أم حبيبة, عبد الله بن عباس, عبد الله بن مسعود, عبد الله بن عمر بن الخطاب, عبد الله بن عمرو بن العاص, أبو سعيد الخدري, جابر بن عبد الله, أبو هريرة, أنس بن مالك, عمار بن ياسر, عوف بن مالك, ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, قرة بن إياس, علي الهلالي, حذيفة بن اليمان, عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي, أبو أيوب الأنصاري, عمران بن حصين, أبو الطفيل, جابر بن ماجد الصدفي, أبو أمامة الباهلي, العباس بن عبد المطلب, تميم الداري, عائشة بنت أبي بكر الصديق, عمرو بن مرة الجهني. رضي الله عنهم أجمعين, وأحاديثهم -كما هو معلوم- منها الصحيح, ومنها الحسن, ومنها الضعيف, ولكن بمجموعها تبلغ حد التواتر.
بعض عبارات أهل العلم في إثبات حقيقة المهدي, وتواتر أحاديثه:
1ـ قال الإمام البيهقي -رحمه الله-: «والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصحُّ البتة إسناداً, وفيها بيان كونه من عترة النبي -صلى الله عليه وسلم- ».اهـ نقله عنه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (47/518), والمزي في «تهذيب الكمال» (25/149).
2ـ قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: «والأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في التَّنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة..».اهـ «التذكرة» (ص699).
3ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة, رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره».اهـ «منهاج السنة» (8/183).
4ـ قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: «أنه [أي: المهدي] رجل من أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-, من ولد الحسن بن علي, يخرج في آخر الزمان، وقد امتلأت الأرض جَوراً وظلماً, فيملؤها قسطاً وعدلاً، وأكثر الأحاديث على هذا تدل».اهـ «المنار المنيف» (ص151).
5ـ قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: «فصل: في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان؛ وهو أحد الخلفاء الراشدين, والأئمة المهديين. وليس بالمنتظر الذي تزعم الروافض وترتجي ظهوره من سرداب في سامراء! فإِن ذاك ما لا حقيقة له, ولا عين, ولا أثر, أما ما سنذكره؛ فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يكون في آخر الدهر, وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم, كما دلت على ذلك الأحاديث... ولعله هو الخليفة الذي يحثي المال حثياً والله -تعالى- أعلم. وفي زمانه تكون الثمار كثيرة, والزروع غزيرة, والمال وافراً, والسلطان قاهراً, والدين قائماً, والعدو راغماً, والخير في أيامه دائماً».اهـ «النهاية في الفتن والملاحم» (ص15-18).
6ـ قال العلامة الشوكاني -رحمه الله-: «والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها, منها خمسون حديثاً فيها الصحيح, والحسن, والضعيف المنجبر, وهي متواترة بلا شك ولا شبهة, بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول, وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي, فهي كثيرة -أيضاً-, لها حكم الرفع, إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك».اهـ نقله عنه العلامة صديق حسن خان في كتابه «الإذاعة» (ص62).
يتبع