بسم الله وبعد :
فهذا جزء من مبحث كبير في المهدي فأقول :
المبحث الأول : حكم من رد أحاديث المهدي المتواترة :
لقد ظهر جماعة من الزنادقة المبتدعة ابتدأوا أول كيدهم برد أحاديث الآحاد ومفاريد الثقات، ولم يكتفوا بذلك بل راحوا يطعنون والله – في المنتديات - في أحاديث في الصحيحين أو في أحدهما، الحديث تلو الحديث من غير حياء من رقيب، أو خوف من رب حسيب، الذي اتفقت أمة نبيه على قبول أحاديث الصحيحين ، والعجب أنهم لم يكتفوا بذلك حتى أظهروا عن خبث نياتهم، وسوء طوياتهم في رد حتى ما تواتر من السنن وما رواه الجم الغفير من الصحابة والتابعين، ومن ذلك ردهم لأحاديث المهدي المتواترة، واستدلالهم ببعض الأقوال المبتورة والمدلسة عن السلف .
وقبل أن أجيب على بترهم لكلام السلف وكذبَهم على الأئمة أقول :
لقد نقل الكثير من أئمة الحديث تواتر أحاديث المهدي ، ولا أعيد النقل عنهم إلا نزرا يسيرا سأذكره في غضون هذا البحث، لأكتفي بما نقله شيخنا عبد المحسن العباد في كتابيه في المهدي والرد على من كذب به، حيث نقل الكثير عن أئمة الحديث ممن قال بتواتر أحاديثه،
وقد ذكر الكتاني في نظم المتناثر أحاديث خروج المهدي عن عشرين صحابيا، ونقل غير واحد عن الحافظ السخاوي أنها متواترة، ونقلوه عن أبي الحسن الآبري وغيرهم كثير جدا .
وإذا كان السلف قد تكلموا في تفسيق أو تبديع من رد أحاديث آحاد الثقات، فإن عامتهم على تكفير من رد الإجماع والأحاديث المتواترة والله المستعان :
قال الإمام ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية (27) :" وسئل عن طائفة يعتقدون في رجل مات من منذ أربعين سنة أنه المهدي الموعود بظهوره آخر الزمان وأن من أنكر كونه المهدي المذكور فقد كفر فما يترتب عليهم ؟
فأجاب : بأن هذا اعتقاد باطل وضلالة قبيحة وجهالة شنيعة :
أما الأول فلمخالفته لصريح الأحاديث التي كادت تتواتر بخلافه كما ستملى عليك .
وأما الثاني فلأنه يترتب عليه تكفير الأئمة المصرحين في كتبهم بما يكذب هؤلاء في زعمهم وأن هذا الميت ليس المهدي المذكور ، ومن كفر مسلماً لدينه فهو كافر مرتد يضرب عنقه إن لم يتب ، وأيضاً فهؤلاء منكرون للمهدي الموعود به آخر الزمان .
وقد ورد في حديث – وهو ضعيف - عند أبي بكر الإسكافي أنه صلى الله عليه وسلم قال :" من كذب بالدجال فقد كفر ومن كذب بالمهدي فقد كفر"،
قال: وهؤلاء مكذبون به صريحاً فيخشى عليهم الكفر ، فعلى الإمام أيد الله به الدين وقصم بسيف عدله رقاب الطغاة والمبتدعة والمفسدين ، كهؤلاء الفرقة الضالين الباغين الزنادقة المارقين أن يطهر الأرض من أمثالهم ويريح الناس من قبائح أقوالهم وأفعالهم ، وأن يبالغ في نصرة هذه الشريعة الغراء التي ليلها كنهارها ونهارها كليلها فلا يضل عنها إلا هالك ، بأن يشدد على هؤلاء العقوبة إلى أن يرجعوا إلى الهدى وينكفوا عن سلوك سبيل الردى ويتخلصوا من شرك الشرك الأكبر ، وينادي على قطع دابرهم إن لم يتوبوا بالله الأكبر ، فإن ذلك من أعظم مهمات الدين ومن أفضل ما اعتنى به فضلاء الأئمة وعظماء السلاطين ، وقد قال الغزالي رحمه الله تعالى في نحو هؤلاء الفرقة : إن قتل الواحد منهم أفضل من قتل مائة كافر : أي لأن ضررهم بالدين أعظم وأشدّ إذ الكافر تجتنبه العامة لعلمهم بقبح حاله فلا يقدر على غواية أحد منهم ، وأما هؤلاء فيظهرون للناس بزي الفقراء والصالحين مع انطوائهم على العقائد الفاسدة والبدع القبيحة فليس للعامة إلا ظاهرهم الذي بالغوا في تحسينه ، وأما باطنهم المملوء من تلك القبائح والخبائث فلا يحيطون به ولا يطلعون عليه لقصورهم عن إدراك المخايل الدالة عليه فيغترون بظواهرهم ، ويعتقدون بسببها فيهم الخير فيقبلون ما يسمعون منهم من البدع والكفر الخفي ونحوهما ، ويعتقدون ظانِّين أنه الحق فيكون ذلك سبباً لإضلالهم وغوايتهم ، فلهذه المفسدة العظيمة قال الغزالي ما قال من أن قتل الواحد من أمثال هؤلاء أفضل من قتل مائة كافر ، لأن المفاسد والمصالح تتفاوت الأعمال بتفاوتهما ، وتتزايد الأجور بحسبهما ".
ثم قال :" إذا تقرر ذلك فلْنُمْلِ عليك من الأحاديث المصرحة بتكذيب هؤلاء وتضليلهم وتفسيقهم ما فيه مقنع وكفاية لمن تدبره، أخرج أبو نعيم أنه صلى الله عليه وسلم قال :" يخرج المهدي وعلى رأسه عمامة ومعه مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعون "، وأخرج هو والخطيب رواية أخرى:" يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي إن هذا المهدي فاتبعوه"، ثم ذكر أحاديث المهدي وتواترها .
المبحث الثاني : بيان بترهم وتدليسهم لكلام السلف :
وقد حاول هؤلاء الضلال الخروج من مأزقهم أمام العوام، فراحوا يَكْذبون عن السلف، ولن أطيل في الرد على شبهاتهم الكاذبة، لأن شيخنا عبد المحسن العباد قد أطال وأفاد في الرد عليهم في رسالتين جليلتيْن في رده على من أنكر الأحاديث الصحيحة في المهدي ، ولئن كان أهل الجهل في شك من عماياتهم فإن أهل العلم منهم لفي يقين .
1/ ونكتفي هنا بتدليسهم، بأن العقيلي قد رد أحاديث المهدي وهو سلفهم في ذلك .
وأقول : العقيلي حاشاه من مخالفة السلف، فإنه لم يضعفها ، بل ضعف طريقا واحد منها، وهو طريق أم سلمة الآتي، فتأملوا قوله بلا بتر ولا تدليس ،
فإنه قال في الضعفاء (2/75) في ترجمة زياد:" وفى المهدى أحاديث صالحة الاسانيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يخرج منى رجل ويقال من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبى فأما من ولد فاطمة ففي إسناده نظر ".
وقال في ترجمة علي بن نفيل :" وفى المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ "، فسبحان الله على من جمع بين الزندقة والكذب والتدليس .
2/ ومن ذلك كذبهم على ابن الجوزي، والصواب أنه قال في العلل (2/861):" وهذه الاحاديث كلها معللة، إلا ان فيها ما لا بأس به "، ثم ذكر حديث "لا مهدي"، ثم قال :" والاحاديث قبله في التنصيص على خروج المهدي أصح اسنادا "، على أن ابن الجوزي معروف تشدده ولمزه في الأحاديث بأي كلام ولو كان شاذا في الراوي، ومع ذلك قال :"فيها ما لا بأس به"، وابن الجوزي يقر بالمهدي،
فقد قال ابن حجر في فتاويه :" ويرد عليهم ما قال عبد الغافر الفارسي وابن الجوزي وابن الأثير في ذكر عليّ أن المهدي من ولد الحسن وأنه منفرج الفخذين : أي بينهما تباعد "، فأين هم من ابن الجوزي الذي يكذبون عليه نصرة منهم للباطل والضلال .
3/ قالوا : وقيل لعبد الرحمن بن مهدي: أيُّ حديثٍ أصحُّ في المهدي؟ قال : أصحُّ شيءٍ فيه عندي: حديث أبي معبد عن ابن عباس "، والعجب أن الإمام ابن مهدي يصحح هذا الحديث، ويجعله من أصح الصحيح، وأما هم فينكرونه ، وربما يكون الأمر كما قال ابن مهدي ، فإنه من أصح أحاديث الباب:
فقد رواه سفيان حدثنا عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس قال: «إني لأرجو ألا تذهب الأيام والليالي حتى يبعث الله منا أهل البيت غلاما شابا حدثا لم تلبسه الفتن ولم يلبسها يقيم أمر هذه الأمة كما، فتح الله هذا الأمر بنا فأرجو أن يختمه الله بنا ». وهذا من أصح الأسانيد ثقة وعدالة واتصالا، وله طرق كثيرة مرفوعة أيضا ستأتي في البحث ، وهم يخالفونه أيضا ؟ ويخالفون ابن مهدي؟ بل ويخالفون السلف ، وقد تكلم العلماء في كتب المصطلح عن اختلاف السلف في أصح الأحاديث الصحيحة، ولكلٍّ اختياره، ولا يعني ذلك عدم وجود ما هو أصح منه .
4/ ونفس الشيء يُقال فيما قاله الإمام عبد الله بن أحمد في العلل (5983) حدثني زياد بن أيوب أبو هاشم قال حدثنا علي بن محمد بن أخت يعلى بن عبيد قال حدثنا وكيع قال لم أسمع في المهدي بحديث أصح من حديث حدثناه الاعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد قال سمعت عليا يقول ينقص الاسلام حتى لا يقول أحد الله الله، وقال إني لأعرف اسم أميرهم ومناخ ركابهم "، قالوا : وهو غير مرفوع، وليس صريحا في المهدي، والعجب أنهم يخالفون الإمام وكيع الذي حمله على المهدي، وستأتي طرقه المرفوعة وأنه صريح في المهدي.
وهذا رواه يوسف بن عدي عن محبوب بن محرز عن الأعمش عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن الحارث بن سويد قال: قال علي: يذهب الناس حتى لا يبقى أحد يقول لا إله إلا الله , فإذا فعلوا ذلك ضرب يعسوب الدين ذنبه فيجتمعون إليه من أطراف الأرض كما يجمع قرع الخريف. ثم قال علي: إني لأعرف اسم أميرهم ومناخ ركابهم , [يقولون: القرآن مخلوق. وليس بخالق ولا مخلوق , ولكنه كلام الله , منه بدأ وإليه يعود ]"، وهي زيادة غير محفوظة .
فقد رواه جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد قال: قال علي: لا يزال الناس ينتقصون حتى لا يقول أحد: الله الله، فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه، فإذا فعل ذلك بعث إليه بعثا يتجمعون على أطراف الأرض، كما تتجمع قزع الخريف، والله إني لأعلم اسم أميرهم، ومناخ ركابهم".
ورواه نعيم (1175) ثنا أبو معاوية وأبو أسامة ويحيى بن اليمان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: " ينقص الدين حتى لا يقول أحد: لا إله إلا الله، وقال بعضهم: حتى لا يقال: الله الله، ثم يضرب يعسوب الدين بذنبه، ثم يبعث الله قوما قزع كقزع الخريف، إني لأعرف اسم أميرهم، ومناخ ركابهم "،
ورواه عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد قال: قال علي رضي الله عنه: «لتملأن الأرض ظلما وجورا حتى لا يقول أحد الله الله، حتى يضرب الدين بجرانه، فإذا فعل ذلك بعث الله قوما من أطراف الأرض قزعا كقزع الخريف إني لأعرف اسم أميرهم ومناخ ركابهم»، ووالله ليس هذا الحديثُ الصحيح الغيبي البحت مما يمكن أن يكون بالرأي، بل هو من قبيل المرفوع حكما، ومن المعلوم أن المهدي يأتي بعد شيوع الظلم والجور ونقص الدين وكثرة الفتن كما تكاثرت بذلك الأحاديث ، ثم يأتي ليُرجع الناس إلى الدين، وقد فهم الإمام وكيع منه أنه في المهدي، فأين هم من فهم وكيع، ومن فهم السلف الذين يكذبون عليهم ويخالفونهم جهارا نهارا ؟؟ .
5/ ومن عجيب تدليسهم أن قالوا: ومما يؤكد ضعفها أن صاحبي الصحيح لم يخرجاها في الصحيحين، فهي إذا معلولة "، وهو كذب على الشيخين لأنهما قد صرحا بأنهما لم يُخرجا كل الصحيح، فما بال القوم ينسبون إليهما ما لم يقولاه ولا ادعياه، على أن الإمام مسلم قد خرج ثلاثة أحاديث في المهدي كما سيأتي .
6/ قالوا : ومما يدل على ضعفها اختلاف ألفاظها واضطرابها في تعيين المهدي من هو ؟ والجواب في :
المبحث الثالث : في تعدد الخلفاء والمهديين : .......