بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وبعد:
ثبت في اجتماع رفع الأصوات موافقة عند التكبير مع المبالغة في رفعها عن الصحابة رضي الله عنهم آثار - بغير تكلف في اجتماع الأصوات اتفاقا بتطريب أو تنغيم أو ترعيد أو تمطيط أو ما شابه -، ومنها:
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يكبر في قبته بمنى فيكبر أهل المسجد، فيكبر بتكبيرهم أهل منى، ويكبر بتكبيرهم أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا.
علقه البخاري جزما في صحيحه في باب التكبير أيام منى.
وأخرجه عبد الرزاق - كما في الاستذكار لابن عبد البر (13/171)، وابن رجب في فتح الباري (9/28) -.
وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (2188).
والفاكهي في أخبار مكة (4/258).
والبيهقي في الكبرى (6338) وفيه عنده في بعض النسخ: تكبيرا واحدا.
والراجح - والله أعلم - أنه خطأ من بعض النساخ فقد نقله عن البيهقي كل من ابن رجب في فتح الباري (9/28)، وابن حجر في تغليق التعليق (2/379) بدون تلك الزيادة.
2- عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يجهر بالتكبير يوم الفطر إذا غدا إلى المصلى حتى يخرج الإمام فيكبر بتكبيره.
أخرجه الشافعي في الأم (1/487)، وابن أبي شيبة في مصنفه (5665)، وسحنون في زوائده على المدونة الكبرى (1/245) - واللفظ له -، والفريابي في العيدين (39)، وابن المنذر في الأوسط (2092)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (14/38)، والدارقطني في سننه (1712)، والحاكم في مستدركه (1106)، والبيهقي في الكبرى (6196).
وصححه الألباني في إرواء الغليل (650).
3- عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم كانا يخرجان أيام العشر إلى السوق، فيكبران، ويكبر الناس معهما، لا يأتيان السوق إلا لذلك.
علقه البخاري جزما في صحيحه في باب فضل العمل في أيام التشريق.
أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1704)، وأبوبكر المروزي الأموي في كتاب العيدين، وغلام الخلال في كتاب الشافي، كما نقله عن الآخيرين ابن رجب الحنبلي في فتح الباري (9/8).
4- عن أم عطية رضي الله عنها قالت: «كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ العِيدِ حَتَّى نُخْرِجَ البِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ ، وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ اليَوْمِ وَطُهْرَتَهُ».
أخرجه البخاري في صحيحه (971) - واللفظ له -، ومسلم في صحيحه (890-11).
5- عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه خرج يوم العيد فَلَمْ يَرَهُمْ يُكَبِّرُونَ، فَقَالَ: "مَا لَهُمْ لَا يُكَبِّرُونَ، أَمَا وَاللهِ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَقَدْ رَأَيْتَنَا فِي الْعَسْكَرِ مَا يُرَى طَرَفَاهُ فَيُكَبِّرُ الرَّجُلُ فَيُكَبِّرُ الَّذِي يَلِيهِ حَتَّى يَرْتَجَّ الْعَسْكَرُ تَكْبِيرًا، وَإِنَّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ كَمَا بَيْنَ الْأَرْضِ السُّفْلَى إِلَى السَّمَاءِ الْعُلْيَا.
أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (14/39)، والبيهقي في الكبرى (6201) - واللفظ له -.
رجاله ثقات، إلا أنه فيه تدليس الأعمش.
قال مالك في الموطأ (1/404): الأمر عندنا أن التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات.
وأول ذلك: تكبير الإمام، والناس معه.
قال الشافعي في الأم (1/275): وَيُكَبِّرُ الْحَاجُّ خَلْفَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى أَنْ يُصَلُّوا الصُّبْحَ مِنْ آخَرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ يَقْطَعُونَ التَّكْبِيرَ إذَا كَبَّرُوا خَلْفَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ آخَرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيُكَبِّرُ إمَامُهُمْ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ فَيُكَبِّرُونَ مَعًا، وَمُتَفَرِّقِين َ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَفِي كُلِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ.
قال ابن الملقن في التوضيح (8/117): ومعنى: (ترتج مني): تتحرك وتضطرب، فهو شبه الزلزلة، وهو مجاز. والمعنى: يرتج الحاضرون بهم. وهذا عبارة عن كثرة المكبرين ورفع أصواتهم.
قال ابن حجر في فتح الباري (2/462): وقوله ترتج بتثقيل الجيم أي تضطرب وتتحرك وهي مبالغة في اجتماع رفع الأصوات.
قال البدر العيني في عمدة القاري (6/292): قوله: (حتى ترتج) يقال: ارتج البحر، بتشديد الجيم إذا اضطرب، والرج: التحريك. قوله: (منى) فاعل: ترتج. قوله: (تكبيرا) نصب على التعليل، أي: لأجل التكبير، وهو مبالغة في اجتماع رفع الأصوات.
فالمقصود: أنه لا حرج في الموافقة في تكبيرات العيد وأيام التشريق، وأنه لا يلزم تحري مخالفة الغير تحرجا من الاتفاق إلا إذا كان الأمر مصحوبا بتطريب أو تنغيم أو ترعيد أو تمطيط أو ما شابه فهذا من الاتفاق وإن زعم فاعله أنه لا يقصده.
والحمد لله رب العالمين.