الحمد لله ؛ والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
قال لي بعضهم : ما تقول في قول الله تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران191
قال :
أليس يدل على الذكر الجماعي من وجه أنه أسند إلى الفعل واو الجماعة ، وجمع الحال ليعبر عن مجموع لا عن حال انفراد .
فقلت له :
سلمنا بأنه أسند واو الجمع القاضية بالمجموع ، ولكن فعل المضارع الذي أسند بواو الجماعة لا يلزم أن يكون على الوجه الذي ذكرتموه ، وعندئذ يكون قد اشتبه وجهان في تأويل الآية ، أولهما : أنه وصف حالهم جماعة ، وثانيهما : وصف حالهم أشتاتًا ؛ ألا ترى أنك لو ذكرت الله وزيدا ومحمداً وعليًا صَدَقَ الوصف عليكم بأنكم تذكرون الله مع انفصال أشخاصكم ؟؟
فقال لي :
فيجوز عند احتمال الآية للأمرين العمل بكل واحد منهما قطعاً للامتثال .
فقلت له :
إنما يجوز العمل بكلا الاحتمالين إذا كان اللفظ مقتض لعموم لم يظهر بوجه تخصيصه ، وليس البحث هنا في العام ؛ لأن يذكرون من قبيل المطلق العاري عن قيد الوحدة ، فيصدق بصورة واحدة على سبيل البدل لجواز تقييده بأحد الاحتمالين ، فيبقى احتمال ذكرهم أشتاتا مقدماً على حال اجتماعهم لأنه ناقل عنه ؛ والأول راجح كما هي القاعدة .
تقرير آخر :
لما كان اللفظ محتملا لمعنين ، وكلا المعنيين مختلفين = صار لفظاً مجملاً :
واللفظ المجمل غير جائز العمل به قبل البيان ، فقصدنا تبيين المجمل من السنة ، فاستقرأنا ذكره صلى الله عليه وسلم فوجدناه لا يكون على الحال الذي زعمت انتزاعه من الآية ، ورأيناه ثابتاً على حال الانفراد لا يتعداه إلى غيره ، علمت - من ذلك هداك الله - خطأ استدلالك وخبل أقوالك فخارت مبتدعاتك وحارت سهامك فأصابت عين احتمالك .. والله الموفق