المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي
ألا يعارض هذا النفي المطلق ما ذكره أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد:(سياق ما يدل من كتاب الله عز وجل وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن وجوب معرفة الله تعالى وصفاته بالسمع لا بالعقل)
فما الجواب عن نسبة اللالكائي والسمعاني رأي الأشعرية إلى أهل السنة والجماعة؟
بارك الله فيك اخى الكريم ابو محمد المأربى - لا تعارض - كلام الامام اللالكائي رحمه الله قاله فى سياق آخر غير ما نتكلم فيه-يتضح فى النقول التالية ان شاء الله ---قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا تحسبن أن العقول لو تركت وعلومها التي تستفيدها بمجرد النظر، عرفت الله معرفة مفصلة بصفاته وأسمائه على وجه اليقين .------وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: واعلم أن عامة مسائل أصول الدين الكبار مما يعلم بالعقل . أما مسائل العقيدة التفصيلية مما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته ورسوله وأنبيائه، وما يجب لهم وما يستحيل، فما كانت العقول لتدركها لولا مجيء الوحي.
قال أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني: ولأن العقل لا مجال له في إدراك الدين بكماله، وبالعلم يدرك بكماله - ويقصد بالعلم الوحي.
قال السفاريني رحمه الله: لو كانت العقول مستقلة بمعرفة الحق وأحكامه، لكانت الحجة قائمة على الناس قبل بعث الرسل وإنزال الكتب، واللازم باطل بالنص: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء: 15]، فكذا الملزوم .
العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح؛ فالأول خلق الله تعالى والثاني أمره، ولا يتخالفان؛ لأن مصدرهما واحد وهو الحق سبحانه: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف: 54].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وليس في الكتاب والسنة وإجماع الأمة شيء يخالف العقل الصريح؛ لأن ما خالف العقل الصريح باطل، وليس في الكتاب والسنة والإجماع باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعض الناس، أو يفهمون منها معنى باطلاً، فالآفة منهم لا من الكتاب والسنة) ---------------------العقل لا يدرك كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أخبر عنه؛ فمداركه ليست شاملة. من أجل ذا قال الإمام أحمد بن حنبل (ت 240 هـ): (ليس في السنة قياس، ولا يضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول) . وقد عقب عليه ابن تيمية (ت 728 هـ) بقوله: (هذا قوله، وقول سائر أئمة المسلمين؛ فإنهم متفقون على أن ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تدركه كل الناس بعقولهم، ولو أدركوه بعقولهم لاستغنوا عن الرسول) ، والله عز وجل يقول: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا . والعلوم من حيث إدراك العقل لها تنقسم إلى ثلاثة أقسام : 1 - (قسم ضروري لا يمكن التشكيك فيه كعلم الإنسان بوجوده، وعلمه بأن الاثنين أكثر من الواحد، وأن الضدين لا يجتمعان،...) . 2 - (وقسم نظري يمكن العلم به، ويمكن أن لا يعلم به؛ وهي النظريات. وذلك الممكنات التي تعلم بواسطة، لا بأنفسها. إلا أن يعلم بها . 3 - (وقسم لا يعلمه البتة، إلا أن يعلم به، أو يجعل له طريق إلى العلم به. وذلك كعلم المغيبات عنه، ........ما في الجنة أو النار على التفصيل. فعلمه بما لم يجعل له عليه دليل غير ممكن) . ويدخل في هذا القسم الأخير أغلب مسائل الاعتقاد؛ فلا تعلم إلا عن طريق الخبر؛ إذ لا يمكن للعقول أن تستقل بمعرفة هذه المسائل، لولا مجيء الوحي بها، وبأدلتها العقلية. وما على العقل إلا فهمها وتدبرها. (وأيضا فإن كثيرا من مسائل الاعتقاد - بعد معرفتها، والعلم بها عند العقول - لا تدرك العقول حقيقتها وكيفياتها) . ومن الأمثلة على ذلك: 1 - الروح، التي ليست من مدارك العقل؛ لذلك لما سألت يهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها، لم يبين لهم ماهيتها، بل قال: هي من أمر ربي: فقد أخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما أن اليهود مروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متكئ على عسيب، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فسألوه. فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليهم شيئا، حتى نزل عليه الوحي: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا . فهذه الروح التي توجد في والتي توصف بصفات متعددة، منها: الوجود، والحياة، والقدرة، والسمع، والبصر، والصعود، والنزول، وغير ذلك. وهى مخلوقة، ومع ذلك فالعقول قاصرة عن معرفة كيفيتها، وتحديدها؛ لأنهم لم يشاهدوا لها نظيرا، كما قال ابن تيمية : (والناس لما لم يشهدوا لها نظيرا، عسر عليهم التعبير عن حقيقتها) . 2 - أما عن صفات الله عز وجل، فللعقل دور في تفهم معانيها؛ لأنا (بعقولنا نعتبر الغائب بالشاهد، فتبقى في أذهاننا قضايا عامه كلية، ثم إذا خوطبنا بوصف ما غاب عنا، لم نفهم ما قيل لنا إلا بمعرفة المشهود لنا) . وأما حقيقة الصفات وكيفياتها: فلا يدركها العقل، مع أنه لا يحيلها؛ إذ كيف يدرك ما يفتقر إلى تصوره. ونحن لا نعلم كيفية صفات ربنا عز وجل؛ (إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، وهو فرع له، وتابع له. فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه، وبصره، وتكليمه، واستوائه، وأنت لا تعلم كيفية ذاته ! وإذا كنت تقر بأن له ذاتا حقيقية ثابتة في نفس الأمر، مستوجبة لصفات الكمال، لا يماثلها شيء؛ فسمعه، وبصره، وكلامه، ونزوله، واستواؤه ثابت في نفس الأمر، وهو متصف بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمع المخلوقين، وبصرهم، وكلامهم، ونزولهم، واستواؤهم ). لذلك لما جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه؛ إمام دار الهجرة، فقال له: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى
كيف استوى؟ أطرق الإمام مالك برأسه، وعلته الرحضاء ،ثم رفع رأسه، وقال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى
كما وصف نفسه، فلا يقال: كيف؟ و " كيف " عنه مرفوع، وقال للسائل: أنت صاحب بدعة، وطلب من أصحابه أن يخرجوه من مجلسه
فسبب إنكار الإمام مالك - رحمه الله - على السائل، كونه أراد أن يخوض بعقله، ما ليس في متناول عقله؛ وهو إدراك كيفية الصفة؛ لأن الرب جل جلاله لا يحيط به علما أحد من خلقه. 3 - وكذلك ما أخبر الله سبحانه وتعالى عنه من أمور الآخرة؛ كالجنة ونعيمها، والنار وجحيمها، وغير ذلك من المغيبات، ليست من مدارك العقل، ولا في متناوله، مع أن العقل يقر بها، ولا يحيلها. ولنأخذ على ذلك مثالا بنعيم الجنة؛ فالله سبحانه وتعالى أخبرنا عما في الجنة من المخلوقات؛ " من أصناف المطاعم، والمشارب، والمناكح، والمساكن؛ فأخبرنا أن فيها لبنا، وعسلا، وخمرا، وماء، ولحما، وفاكهة، وحريرا، وذهبا، وفضة، وحورا، وقصورا، وقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء " . أما الكيفية فمختلفة، ولا طاقة للعقل في إدراك كيفية هذا النعيم المقيم، الذي أعده الله للمتقين، مع أن وجوده لا يتعارض معه بحال. ونحن إذا تدبرنا عامة ما جاء في أمر الدين؛ من ذكر صفات الله عز وجل، وما تعبد الناس باعتقاده، وكذلك ما ظهر بين المسلمين وتداولوه بينهم، ونقلوه عن سلفهم، إلى أن أسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ذكر عذاب القبر، وسؤال الملكين، والحوض، والميزان، والصراط، وصفات الجنة، وصفات النار، وتخليد الفريقين فيهما، أمور لا تدرك حقائقها بعقولنا، وإنما ورد الأمر بقبولها والإيمان بها. فإذا سمعنا شيئا من أمور الدين، وعقلناه، وفهمناه، فلله الحمد في ذلك والشكر، ومنه التوفيق. وما لم يمكنا إدراكه وفهمه، ولم تبلغه عقولنا، آمنا به وصدقنا... " . وهذا راجع إلى أن نصوص الكتاب والسنة لا تتعارض مع العقل الصريح يقول ابن تيمية (ت 728 هـ): (فيأخذ المسلمون جميع دينهم، من الاعتقادات، والعبادات، وغير ذلك - من كتاب الله، وسنة رسوله، وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها. وليس ذلك مخالفا للعقل الصريح؛ فإن ما خالف العقل الصريح فهو باطل. وليس في الكتاب والسنة والإجماع باطل. ولكن فيه ألفاظا قد لا يفهمها بعض الناس، أو يفهمون منها معنى باطلا، فالآفة منهم، لا من الكتاب والسنة) . وإذا كان كذلك، فإن العقل مطالب بالتسليم للنص الشرعي الصريح، ولو لم يفهمه، أو يدرك الحكمة التي فيه؛ لأن الشارع نص على كل ما يعصم من المهالك نصا قاطعا للعذر، فلا حجة لأحد بعد بيانه، . فما أخبرنا عنه الله عز وجل في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - آمنا به وصدقناه، وما سكت عنه من أمر الغيب، ويدخل في ذلك ذات الله سبحانه وتعالى، وأسماؤه، وصفاته، لم نشغل عقولنا في البحث عن كيفيته، أو تكلف ما لا يقدر عليه؛ لأن عقول البشر لا تستقل بمعرفة أصول الدين على سبيل التفصيل، لعجزها وقصورها، ولو كانت تستقل بمعرفة ذلك، لما أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب - قال الإمام أحمد بن حنبل (ت 240 هـ): (ليس في السنة قياس، ولا يضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول) . وقد عقب عليه ابن تيمية (ت 728 هـ) بقوله: (هذا قوله، وقول سائر أئمة المسلمين؛ فإنهم متفقون على أن ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تدركه كل الناس بعقولهم، ولو أدركوه بعقولهم لاستغنوا عن الرسول) ، والله عز وجل يقول: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا . والعلوم من حيث إدراك العقل----يقول شيخ الاسلام بن تيمة (.. الله سبحانه فوق مخلوقاته، عال عليها؛ قد فطر الله على ذلك العجائز، والأعراب، والصبيان في الكتاب، كما فطرهم على الإقرار بالخالق تعالى... والرسل بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتحويل الفطرة وتغييرها) [مجلة البحوث الاسلامية] يتضح مما سبق مقصود الامام اللالكائى رحمه الله