(مقتطفات من كتاب شرح الفتوى الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -أم علي طويلبة علم)* من القواعد المقررة في هذا الباب - أننا نقول في باب الصفات:
نأخذ بظاهر ما دلت عليه النصوص، ونثبت ظاهر ما دلت النصوص، وهذا الظاهر ما دل عليه اللسان العربي في هذا النص.
يدلنا على ذلك - قطعية معلومة بلا نزاع، وهي: أن النبي عليه الصلاة والسلام يأتيه الناس المختلفون في ذكائهم، وفهمهم، وفي علمهم، وإدراكهم، يأتونه من خارج المدينة، ومن خارج مكة، ويأتون ويسألونه، ويتلو عليهم القرآن، ويتكلم عليهم بحديثه عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك علم صفات الله جل وعلا.
ثم لم يتبع ذلك عليه الصلاة والسلام بكلام يدل على أن ظاهر تلك الألفاظ غير مراد، أو أن اللغة التي نفهم بها ما دلت عليه تلك الكلمات في باب الصفات ألا نأخذ بها، وهذه قطعية، يأتيه الجميع، فيتلو عليهم القرآن، ويتلو عليهم ما أنزل الله جل وعلا، ويخبرهم بالسنة، وفي ذلك صفات الله، ولم يعقب ذلك بشيء يصرفها عن ظاهرها.
فدل ذلك على أمر هام، وهو ظهور المعنى، وأن صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه ليس بجائز؛ لأنه ما علمهم -ولا في مسألة- أن يصرفوا الألفاظ في الصفات، ولا في الغيبيات عن ظاهرها المتبادر منها.
وإذا قلنا الظاهر فإنه يقابله التأويل ، وإذا قلنا الحقيقة فإنه يقابل ذلك المجاز، والمجاز غير التأويل، والظاهر غير الحقيقة.------------------------------------------------------ قال ابن تيمية:"ثم كلام سائر الأئمة مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر".
( إما نص وإما ظاهر) النص يراد به ما لا يحتمل غيره، (نص ظاهر) هذه الألفاظ الأصوليين في بحثهم في الاستدلال، الركن الثالث من الأصول الاستدلال.
والنص: ما لا يحتمل غيره؛ يعني: لا يتطرق للكلام احتمال أن يراد غير المعنى المفهوم.
الظاهر: ما يحتمل بمرجوحية، يحتمل، ولكن هذا احتمال ضعيف؛ ولكن الأرجح، الغالب، الأظهر، هو الاحتمال الأول، فيكون في الظاهر ثَمَّ احتمال ظاهر بيّن للمعنى، وثَمَّ احتمال ضعيف، خفي للمعنى.
فهذا هو الفرق بين النص والظاهر، ولهذا تجد أن السلف يستعملون كلمة (ظاهر) كثيرا، أمَرُّوها على ظاهرها، أمروها كما جاءت، الأخذ بدلالة النص والظاهر.
أما قولهم: النصوص، والنص، قد جاء في النص: فيريدون بالنص الكتاب والسنة، وهذا ليس المراد منه الاصطلاح الخاص عند الأصوليين بذلك، وإنما يراد بالنص الدليل من الكتاب والسنة.
فإذن فانتبه للفرق بين هذين الاستعماليين.---------------قوله جل وعلا ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾، هذا ظاهر في إثبات النفس لله جل وعلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله رضا نفسه) وأشباه ذلك.
ومنهم من قال في الآية إن هذه بمعنى الذات لأنه (وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) هذا يعني ما تعلمه أنت ذاتُك.
ومنهم من قال في الآية: إن هذه بمعنى الذات لأن {ولا أعلم ما في نفسك}. هذا يعني: ما تعلمه أنت ذاتك.
لكن بقاء النص على ظاهره، بدون الدخول في تفسير أحد الاحتمالين أولى، فنقول: إن النفس قد يكون المراد بها الذات، وقد يراد به صفة خاصة هي النفس، وقد يكون المراد الاثنين جميعا، وهذا الثالث أولى لأنه ظاهر الكلام لغة، فنقول إذن الأولى أن يقال (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) يعني فيها إثبات صفة النفس للذات. [الشيخ صالح آل الشيخ]