-بسم الله الرحمن الرحيم----------[المتن] قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:هذه أمور خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية من الكتابيين والأميين مما لا غنى للمسلم عن معرفتها:
فالضدُّ يظهر حسنَه الضدُّ ...........وبضدها تتبين الأشياء------- فأهم ما فيها وأشدها خطرا عدم إيمان القلب بما جاء الرسول، فإن انضاف إلى ذلك استحسان ما عليه الجاهلية تمت الخسارة، كما قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾[العنكبوت:52]
(المسألة الأولى) أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله وعبادته يريدون شفاعتهم عند الله، بظنهم أن الله يحب ذلك، وأنّ الصالحين يحبونهم كما قال تعالى ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾[يونس:18]، وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]. وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله ، فأتى بالإخلاص، وأخبر أنه دين الله، الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا الخالص، وأخبر أنّ من فعل ما استحسنوا فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار.
وهذه هي المسألة التي تفرق الناس لأجلها بين مسلم وكافر، وعندها وقعت العداوة ولأجلها شرع الجهاد، كما قال تعالى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾[الأنفال:39].
[الشرح]
ذكر المسألة الأولى من هذه المسائل ألا وهي أن أهل الجاهلية كانوا يتعبدون بإشراك الصالحين في عبادتهم ، في العبادة والدعاء يرجون شفاعتهم لظنهم أن الصالحين يحبون ذلك وأن الله جل وعلا يحب ذلك.
وهذه المسألة هي زبدة الرسالة؛ رسالة النبي صلى الله عليه وسلم مسألة الإخلاص في الدين، والعبادة فأهل الجاهلية كانوا يتعبدون الله جل وعلا بإشراكهم الصالحين في عبادة الله. ---- هذه المسألة هي أعظم المسائل التي خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية، فإن الله جل وعلا أمره بالإخلاص، وأن يأمر الناس بالإخلاص، فقال جل وعلا آمرا نبيه﴿قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي(----14فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾[الزمر:14-15] وقال جل وعلا ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾[البينة:5]، وقال جل وعلا ﴿قُلْ [إِنِّي] أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ(11)----وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الزمر:11-12]، وهكذا في آيات كثيرة يأمر الله جل وعلا بإخلاص الدين له،ونبذ الشرك، والتوجه إليه وحده دونما سواه، ---خالفوا ذلك فأشركوا.
ما معنى الشرك؟ أنهم جعلوا لله جل وعلا ندا في العبادة، وهذا هو الشرك الأكبر، والنِدّ هو الشبيه والنظير كما قال حسان في هجائه، قال:
أتهجوه ولستَ له بندٍّ فشركما لخيركما الفداء
يعني لست له بمثيل ولا نظير، فمن جعل أحدا مع الله مثيلا ونظيرا لله في العبادة والتوجه فقد سواه بالله جل وعلا، وقد أشرك بذلك الشرك الذي حكم الله جل وعلا به على المشركين بأنهم من أهل النار وأنهم حُرِّمَت عليهم الجنة.قال جل وعلا مخبرا عن احتجاج المشركين وقولهم لآلهتهم في النار، قال جل وعلا في سورة الشعراء ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(97)إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الشعراء:97-98]، فأخبروا عن أنفسهم أنهم سووا آلهتهم برب العالمين، وهذه التسوية تسوية في محبة العبادة، تسوية في العبادة؛ لأنهم توجهوا إلى الله وتوجهوا إلى غيره، عبدوا الله وعبدوا غيره، صرفوا بعض أنواع العبادة لله وصرفوا بعضا آخرا لغير الله، فهذا معنى التسوية وهو معنى اتخاذ النِّد، أنهم جعلوا لله عبادة وجعلوا لغيره عبادة أيضا، ولهذا استنكف المشركون لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة التوحيد لا إله إلا الله، ما ذا قالوا؟ ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾[ص:5]. ------------------- هذه المسألة ذكرها الشيخ أول مسألة لعظم شأنها، وهي الزبدة لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم بإخلاص الدين له، وبتوحيده جل وعلا وعدم الإشراك به، ونبذ الشرك الذي كان يفعله أهل الجاهلية. قال رحمه الله: إن من فعل ذلك فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله حرم عليه الجنة ومأواه النار كما قال جل وعلا مخبرا عن قول عيسى بن مريم عليه السلام ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ [رَبِّي] وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾[المائدة:72]. إذن هذه المسألة هي أعظم المسائل، إذا كانت هي أعظم المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية فكون الدعوة تُجعل مركِّزة عليها معتنية بها أتم العناية يكون ذلك من وِراثة دعوة المصطفي صلى الله عليه وسلم لأنْ هذه المسألة من أعظم المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية، فإذا كانت كذلك فغيرها من المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية هي دونها في المرتبة، فعليه يكون ورثة الأنبياء، ورثة النبي صلى الله عليه وسلم، من ورثوا عنه العلم النافع إنما يدعون أول ما يدعون ويهتمون أكثر ما يهتمون به بهذه المسألة العظيمة وهي أن ينقذوا الناس من النار وأن يجعلوهم ممن يرجى له الجنة، وذلك بنهيهم عن الشرك وبتوضيح مسألة التوحيد أتم إيضاح ومعنى الشهادة لله جل وعلا بالوحدانية وما فيها من النفي والإثبات ومعنى الكفر بالطاغوت ونحو ذلك من أصول التوحيد.إذا كان كذلك، فتعلم أن من توجه في دعوته بغير الاهتمام بهذه المسألة العظيمة فإنما اهتم بأمر لم يكن اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم به أولا، ولهذا جاء في حديث معاذ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له «إنك تأتي أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله» كما في صحيح البخاري في كتاب التوحيد، أو في الرواية المشهورة«إلى أن شعادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» أو«إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله». فهذه المسألة هي أعظم المسائل، وعليها يجب أن تكون الدعوة مركزة مهتما بها؛ لأنها هي التي بها يتفرق الناس إلى مسلم وكافر، وأما غيرها من المسائل فهو دونها بكثير.قال الشيخ رحمه الله: من أجل هذه المسألة تفرق الناس إلى مسلم وكافر وهذا يعني أن من أشرك بالله جل وعلا صالحا أو غير صالح فإنه كافر بالله، كافر، لا نتوان عن إطلاق الشرك عليه، ولا إطلاق الكفر عليه؛ لأنه ما دام أنه مشرك بالله جل وعلا، فعل الشرك، فإنه يطلق عليه أنه مشرك كافر، لكن الشرك الذي يُطلق عليه لا تستباح به أمواله ولا يستباح به دمه، بل ذلك موقوف على البيان، موقوف على الدعوة، لابد من البيان والدعوة قبل الاستباحة، لكن الحكم عليه، يُحكم عليه بأنه مشرك وتُرتَّب عليه أحكام الكفار في الدنيا، ولكن لا يشهد عليه بأحكام الكفار في الآخرة؛ يعني بأنه من أهل النار حتى نعلم أنه رد الحجة الرسالية بعد بيانها له بعد أن أقامها عليه أهل العلم، أو أنه قاتل تحت راية الكفر.[ منتقى ومختصر من شرح مسائل الجاهلية]