أولاً : ترجمة الشيخ أبي الحسن بن عراق:
هو: سعد الدين علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق. ولد الشيخ محمد الفقيه المقرىء الشامي الحجازي الشافعي.
ولد كما ذكره والده في السفينة العراقية سنة (907) سبع وتسعمائة بساحل بيروت, وحفظ القرآن العظيم وهو ابن خمس سنين في سنتين.
ولازم والده في قراءة ختمة كل جمعة ست سنين, فعادت بركة الله عليه, وحفِظ كتباً عديدة في فنون شتى.
وأخذ القراءات عن تلميذ أبيه الشيخ أحمد بن عبد الوهاب خطيب قرية "مجدل مغوش", وعن غيره.
وكان ذا قدم راسخة في الفقه, والحديث, والقراءات ، ومشاركة جيدة في غيرها, وله اشتغال في الفرائض, والحساب, والميقات, وقوَّة في نظم الأشعار الفائقة, واقتدار على نقد الشعر.
وكان ذا سكينة ووقار، لكنه أصمّ صمماً فاحشاً.
ووليَ خطابة المسجد النبوي, ودخل دمشق, وحلب في رحلته إلى الرُّوم.
قال ابن طولون: وعرض له الصمم في البلاد الرُّومية.
قال: وذكر لي أنه عمل شرحاً على صحيح مسلم, كصنيع القسطلاني على صحيح البخاري. وشرع في شرح على العباب في فقه الشافعية. وله كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة.
قال: وسافر من دمشق في عوده من الرُّوم لزيارة بيت المقدس يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين, ثم انصرف إلى مصر.
وذكر أنه أشهر شرب القهوة بدمشق فكثُرت من يومئذ حوانيتها.
قال: ومن العجيب أنَّ والده كان يُنكرها, وخرّب بيتها بمكة.
كما ذكر أنه في مدّة إقامته بدمشق كان يزور قبر ابن عربي الصوفي صاحب عقيدة الحلول والاتحاد!!! ويبيت عندَه!!! والله المستعان
وتوفي بالمدينة المنورة, سنة ( 963 ), وهو خطيبها وإمامها.
مراجع الترجمة: "شذرات الذهب" لابن العماد - "النور السافر" للعيدروس .
ثانياً : منهج ابن عراق في كتاب " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة ".
اسم الكتاب: كما سمّاه به مؤلفه: " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة ".
تمهيد:
كتاب تنزيه الشريعة, هو أجمع كتاب في الأحاديث والآثار الموضوعة, لخّص فيه مؤلفه ما في "موضوعات" ابن الجوزي, وما زاد عليها السيوطي في "اللآلئ", وذيلها لهُ, و"النكت البديعات" فيما تعقّبه السيوطي على الموضوعات لابن الجوزي, وما زاده ابن عراق عليه, مما تناقض فيه السيوطي.
ورتّب كتابه كترتيب ابن الجوزي والسيوطي.
وما وقف عليه مما لم يذكره السيوطي, وما في "العلل المتناهية" لابن الجوزي, وتلخيصها للذهبي, وتلخيص "الأباطيل والمناكير" للجورقاني, وما في أحاديث "الكشاف", وما في تخريج الرافعي, و"المطالب العالية", و"تسديد القوس", و"زهر الفردوس", و"لسان الميزان", كلّها للحافظ ابن حجر.
ثم ما في "الإحياء" للعراقي, و"الأمالي" له, و"تلخيص الموضوعات" لابن درباس, وغيرها.
مقدّمة المؤلف :
قدّم ابن عراق لكتابه بمقدمة نافعة, وضّح من خلالها طريقته, وبيّم منهجه, وما اشتمل عليه كتابه من فوائد, ثم سرد أسماء الوضاعين والكذابين, ومن كان يسرق الحديث ويقلب الأخبار.
لخّص كلّ ذلك من "ميزان الاعتدال" للذهبي, و"المغني" وذيله له أيضاً.
ومن "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر, و"الكشف الحثيث عمّن رُميَ بوضع الحديث" للبرهان الحلبي.
وقد بلغ عدد أسماء الوضاعين التي سردها ما يزيد على (2000) .
وجعل كتابه على ثلاثة فصول:
الأول: فيما حكم ابن الجوزي بوضعه, ولم يخالَف فيه.
الثاني: فيما حكم بوضعه وتُعقّب فيه.
الثالث: فيما زاده السيوطي على ابن الجوزي.
وذكر في الفصلين الأخيرين؛ علّة الحديث التي لم يذكرها السيوطي في "اللآلئ" أو "الذيل".
وذكر فيهما كثيرا من الآثار الموقوفة؛ يذكر مخرجها والعلة في وضعها.
وقد قام بحذف الأسانيد من الكتاب للتسهيل والاختصار.
ومما جاء في مقدّمته:
".. وبعد :
فإن من المهمات عند أهل العلم والتقى معرفة الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين لتتَّقى, و للإمام الحافظ أبى الفرج ابن الجوزي فيها كتاب جامع, إلا أنّ عليه مؤاخذات ومناقشات في مواضع.
وقد اعتنى شيخ شيوخنا الإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر الأسيوطي بكتاب ابن الجوزي المذكور, فاختصره وتعقّبه في كتاب سماه : ( اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ), ثم عمل ذيلا ذكر فيه أحاديث موضوعة فاتت ابن الجوزي, وأفرد أكثر المواضع المتعقبة بكتاب سماه ( النُّكت البديعات ).
وهذا كتابٌ لخّصتُ فيه هذه المؤلفات بحيث لم يبق لمحصله إلى ما سواه التفات, وبالغتُ في اختصاره وتهذيبه.
وتبعتُ ( اللآلئ ) في تراجمه وترتيبه.
وجعلتُ كل ترجمة غير كتاب المناقب في ثلاثة فصول :
الأول : فيما حكم ابن الجوزي بوضعه, ولم يخالف فيه.
والثاني : فيما حكم بوضعه, وتعقب فيه.
والثالث : فيما زاده الأسيوطي على ابن الجوزي, حيث كانت له في تلك الترجمة زيادة, وقد أخلّ السيوطي في زياداته ببعض تراجم أصله, وأورد في الكتاب الجامع آخر الكتاب ما حقّه أن يُفرد بالترجمة المتروكة ويورد فيها.
فأنا نقلتُ ذلك من الكتاب الجامع, وأوردته في التراجم اللائق بها, في ثالث فصولها.
أما كتاب المناقب ففيه أبواب, وفي كل باب منها الفصول المذكورة.
وحيثُ لم يكن في فصلٍ منها شيءٌ قلتُ: والفصل الفلاني خالٍ.
وجعلتُ أوائل الأحاديث في أوائل السطور تسهيلا للكشف والظَّفَر بالحديث المطلوب.
وإذا كان الحديث مرفوعاً قلتُ: حديث كذا واللفظ المضاف إليه لفظة حديث هو اللفظ المرفوع.
وبعد تخريجه أذكُر صحابيَّه المنسوب إليه بقولي: من حديث فلان, إلا أن يكون في الحديث حكاية مخاطبة منه لمعيَّن, أو مراجعة بينه وبين غيره, أو حكاية مخاطبة جبريل له , والحاكي غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أو حكاية قصة ليست من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - فأضيفُ لفظة حديث إلى اسم الصحابي, أو التابعي الذي نُسب إليه الحديث.
وإذا كان الحديث موقوفاً قلتُ: أثر فلان, وأتبعته لفظه, ثم أعقب كلاً بذكر مخرجه, ثم بيان علته.
وما في زيادات السيوطي مما لم يبين علته, ذكرتُ علته إن لاحَت لي...
وقد جعلتُ لكلٍّ علامةًً للاختصار:
فلابن عدى ( عد ), ولابن حبان ( حب ), وللعقيلي ( عق ), ولأبي الفتح الأزدي ( فت ), ولابن مردويه ( مر ), وللطبراني ( طب ), وللدارقطني ( قط ), وللخطيب( خط ) , ولابن شاهين ( شا ), و لأبي نعيم ( نع ), وللحاكم ( حا ), وللجوزقاني ( قا ), وما كان من غير الكتب المذكورة سميت من رواه إن عرفته, و إلا نسبته لابن الجوزي, ومواد السيوطي, هي مواد أصله, وزاد ( تاريخ ابن عساكر ), و( تاريخ ابن النجار ), و( مسند الفردوس للديلمي ), وتصانيف أبي الشيخ فأعلمت لابن عساكر ( كر ), ولابن النجار ( نجا ), وللديلمي ( مي ), ولأبي الشيخ ( يخ ).
وإذا قلتُ: قال ابن الجوزي أو السيوطي, فلستُ أعني عبارتهما بلفظها, وإنما أعني ملخَّصها ومحصولها.
وإذا قال ابن الجوزي في حديث: لا يصحّ, أو منكر ونحوهما, أوردتُ لفظه في ذلك,
فإن صرّح بكونه موضوعاً, أو باطلاً, أو كذباً؛ أحدٌ ممن بعد ابن الجوزي ذكرتُه.
فإن كان في أوله قلتُ: فمن زيادتي, وإلا فمِن مؤلف السيوطي.
فأما إذا قال ابن الجوزي: موضوعٌ, أو لا أصل له, أو كذب. فلا أذكر ذلك غالباً اختصاراً, ولأن موضوع الكتاب بيان الموضوع, فهو كافٍ في الحكم عليه, بذلك إلا أن يقال ذلك في حديث لم يصرّح بوصف أحد من رواته بكذبٍ, ولا وضعٍ فأذكرهُ.
وراجعتُ حال جمعي لهذا التلخيص: ( موضوعات ابن الجوزي ), و( العلل المتناهية ) له, وتلخيصهما للحافظ الذهبي, و( تلخيص موضوعات الجوزقاني) و( الميزان للذهبي ) أيضا, و( لسان الميزان ) و( تخريج الرافعي ), و( تخريج الكشاف) و ( المطالب العالية ), و( تسديد القوس ), و( زهر الفردوس ) الستة للحافظ ابن حجر, و( تخريج الإحياء ) للحافظ العراقي, و( الأمالي ) له, و( تلخيص الموضوعات ) للعلامة جلال الدين إبراهيم بن عثمان بن إدريس بن درباس, فربما أزيد من هذه الكتب وغيرها, ما يحتاج إليه.
وأميِّز ما أزيده غالبا بقولي في أوله: قلت, وفي آخره: والله أعلم.
وقدَّمتُ قبل الخوض في المقصود فصولاً نافعةً في معرفة مقدار هذا الفن لطالبيه.
وسميته : ( تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة ).
والله المسؤل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم, و أن ينفعني به ومن طالعه بنية صادقة وقلب سليم ".اهـ
•- سار ابن عرّاق على المنهج الذي رسمه في المقدمة, ولم يخلّ بشيء منه.
•- حذف ابن عرّاق أسانيد الأحاديث وساقها معلّقة, يبدأها بذكر طرف الحديث ثم يشير إلى صحابيّه الذي نُسب إليه, أو من انتهى إليه سند الحديث, ثمّ يرمز إلى من أخرجه كلٌّ بحسب رمزِه.
•- غالباً ما يقتصر ابن عرّاق في ذكر علّة الحديث على قول السيوطي, وتارة يزيد على قوله بما يؤيده من أقوال أئمة الحديث, وخاصّة في الأحاديث التي يدفع دعوى الوضع عنها, وتارة يُخالف السيوطي, فيذكر أموراً تُعارض قولَه, وهي تُعتبر انتصاراً لابن الجوزي, كما تدلّ على أنه لم يهدف من تأليفه اختصار كتاب السيوطي فقط.
المرجع : كتاب "تنزيه الشريعة المرفوعة", ومقدّمة التحقيق.
طبعات الكتاب:
طبع بمكتبة القاهرة في مصر سنة 1378هـ بتحقيق: عبد الله الغماري و عبد الوهاب هبد اللطيف .
ثم أعيدت طباعته في دار الكتب العلمية, سنة 1981 م .