حكم جماع الحائض:
عُلِم أن الراجح أن الزوج يحلُّ له من امرأته الحائض كل شيء إلا النكاح ، وإذا فعل وجامعها وقت الحيض في قُبُلها ، فهو آثم مرتكب لكبيرةٍ ، إن استحلها يكفر ، ففي قوله - تعالى -: ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222] تنصيصٌ على حرمة الجماع في أول الحيض وآخره ، ولكن هل عليه كفَّارة أم لا ؟
اختلف العلماء على قولين :
القول الأول : عليه التوبة والاستغفار، وألا يعود إلى هذا الفعل الشنيع، وهو قول جمهور العلماء خلافًا للإمام أحمد .
القول الثاني : عليه كفارة ، واستدلوا بما روي عن ابن عباس في الذي يجامع امرأته وهي حائض أنه قال: (يتصدق بدينار أو نصف دينار) . ضعيف: أبو داود 264، والنسائي 291، وابن ماجه 640، وفيه اضطراب في سنده ومتنه.
أما السند فقد روي مرفوعًا وموقوفًا ، ومرسلًا ومعضلًا ، وقد رجَع شعبة عن رفعه ، قال عبدالرحمن بن مهدي : قيل لشعبة : إنك كنت ترفعه ؟ قال : إني كنت مجنونًا فصححت .
وأما المتن ، فروي بأكثر من لفظ ، منها : (بدينار أو نصف دينار) ، على الشك ، ومرة بلفظ : (يتصدق بدينار ، فإن لم يجد فبنصف دينار) ، ومرة بلفظ : (يتصدق بخمسي دينار) ، ومرة بلفظ : (يتصدق بنصف دينار) ، ومرة بلفظ : (إذا كان دمًا أحمر فدينار ، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينار) ، ومرة بلفظ : (إن كان دمًا عبيطًا، فليتصدق بدينار ، وإن كان صفرة فنصف دينار) ؛ انظر: تنقيح التحقيق لابن عبدالهادي 1/398، وقد أطال النَّفَس فيه ابن الملقن في البدر المنير 3/75 – 101 ، وذكر وجه الاختلاف في السند والمتن ، ومَن صحَّحه ومَن ضعَّفه ، ثم مال إلى صحته - رحمه الله - والحديث ضعَّفه الشافعي ، وابن المنذر ، وابن عبدالبر ، والنووي ، وابن الصلاح ، وصححه الحاكم ، وابن القطان ، وابن دقيق العيد ، وابن حجر ، والألباني .
وقال بعضهم : إذا جامع في أول الحيض تصدق بدينار ، وإذا كان في آخر الحيض تصدق بنصف دينار .
قلت (أبو البراء) : والراجح وما تميل إليه النفس القولُ الأول ؛ لعدم صحة حديث ابن عباس ، وللبراءة الأصلية ، قال الخطابي : (وقال أكثر العلماء : لا شيء عليه ، ويستغفر الله ، وزعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس ، ولا يصح متصلًا مرفوعًا ، والذِّمَم بريئة ، إلا أن تقوم الحجة بشغلها) . معالم السنن 1/173.
وقال ابن رشد:
(فمَن صحَّ عنده شيء من هذه الأحاديث سار إلى العمل بها ، ومَن لم يصح عنده شيء منها - وهم الجمهور - عمِل على الأصل الذي هو سقوط الحكم حتى يثبت بدليل) . بداية المجتهد 1/65.
فائدة :
على القول بوجوب الكفارة فهي على الرجل ، وأما المرأة فإن كانت مطاوعة للرجل، فعليها كفارة كالرجل . الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 1/352.