الدرس الثالث والعشرون

الاشتغال

الاشتغال هو: أن يتقدمَ اسم، ويتأخر عنه عامل مشغول عن نصبه، بالعمل في ضميره أو مضاف لضميره.
توضيحه: إذا قلنا: ضربتُ زيدًا، فزيدا مفعول به منصوب بضرب، وإذا قلنا: زيدًا ضربتُ، فزيدا مفعول به مقدم منصوب بضرب أيضا، ولكن إذا قلنا: زيدًا ضربْتُهُ، فهنا الفعل ضربَ مشغول عن نصب زيد بالعمل في الضمير الهاء العائد على زيد فلا يمكن أن ينصب زيدا أيضا فما الذي نصبه ؟
الجواب: هو منصوب بفعل محذوف يفسره الفعل الذي قبله والتقدير: ضربتُ زيدًا ضربته، فزيدًا: مفعول به منصوب بفعل محذوف وعلامة نصبه الفتحة. فاتضح أنه لولا الهاء من ضربْتُهُ لتسلط الفعل على الاسم المتقدم ونصبه.
فأركان الاشتغال ثلاثة: مشغول وهو العامل ( ضَرَبَ )، ومشغول به ( الهاء )، ومشغول عنه وهو الاسم المتقدم ( زيد ).
وكذا لو قلنا: زيدًا ضربتُ أخاهُ، فهنا العامل ضَرَبَ اشتغل عن نصب زيد بالعمل في الأخ وهو مضاف إلى ضمير زيد. واعلم أنه يجوز أيضا وجه آخر وهو رفع الاسم المتقدم فنقول: زيدٌ ضَربْتُهُ، وضربتُ أخاهُ، برفع زيد على أنه مبتدأ والجملة في محل رفع خبر.

أحكام الاسم المتقدم على الفعل

ما سبق من جواز نصب الاسم المتقدم على أنه مفعول به لفعل محذوف أو رفعه على أنه مبتدأ هو الأصل في باب الاشتغال ولكن قد يعرض على الجملة ما يجب معه نصب الاسم، أو رفعه من غير جواز وجه ثان على التفصيل الآتي:
أولا: وجوب النصب.
وذلك إذا وقع قبل الاسم المتقدم أداةٌ خاصة بالأفعال كأداة الشرط.
مثل: إنْ زيدًا رأيتَهُ فأَكْرِمْهُ، فزيدا مفعول به لفعل محذوف هو فعل الشرط، ولا يجوز رفعه على الابتداء؛ لأن أداة الشرط لا تدخل على الأسماء.
ثانيا: وجوب الرفع.
وذلك إذا وقع الاسم المتقدم بعد أداة خاصة بالأسماء مثل: إذا الفجائية.
تقول: خرجتُ فإذا زيدٌ يَضْرِبُهُ عمرٌو، فزيد مبتدأ والجملة بعده خبر، ولا يجوز نصبه لأن النصب على تقدير فعل قبله، وإذا الفجائية لا تدخل على الأفعال.
ثالثا: ترجيح النصب، وذلك في ثلاث حالات:
1- أن يقع بعد الاسم المتقدم فعل دال على الطلب كالأمر والنهي والدعاء.
مثل: زيدًا أكرمْهُ، عمرًا لا تطرُدْهُ، اللهُمَّ عبدَكَ ارحمْهُ، فهنا يترجح نصب الاسم المتقدم، لأن الرفع يقتضي أن يكون الاسم المتقدم مبتدأ وأن الجملة بعده خبر، والإخبار بالجملة الطلبية- وإن كان جائزا- قليل؛ لأن الإخبار بها خلاف الأصل لكونها لا تحتمل الصدق والكذب.
2- أن يقترن بالاسم المتقدم أداةٌ الغالب عليها أن تدخل على الأفعال كهمزة الاستفهام.
مثل: أزيدًا رأيتُهُ، فهنا يترجح النصب لأن الغالب في همزة الاستفهام أن تدخل على الأفعال ونصب الاسم المتقدم يقتضي وجود فعل قبله محذوف.
3- أن يكون الاسم المتقدم مقترنا بحرف عطف مسبوق بجملة فعلية.
مثل: ضربتُ زيدًا وعمرًا أكرمتُهُ، فَنَصْبُ عمرو بفعل محذوف يقتضي أن تكون الجملة فعلية، فتكون معطوفة على الجملة الفعلية التي قبلها وهما متناسبتان، والتقدير ضربتُ زيدًا وأكرمتُ عمرًا، وأما رفع عمرو فيقتضي أن تكون الجملة الثانية اسمية معطوفة على جملة فعلية وهما غير متناسبتين.
رابعا: استواء الرفع والنصب بلا رجحان.
وذلك إذا وقع الاسم المتقدم بعد حرف عطف مسبوق بجملة فعليه وقعت خبرا لاسم قبلها.
مثل: زيدٌ قامَ أبوه وخالدٌ أكرمتُهُ، فهنا خالد وقع بعد حرف عطف مسبوق بجملة فعليه وهي قام أبوه وقعت خبرا لمبتدأ قبلها وهو زيد، فيجوز فيه النصب والرفع على السواء. فإذا قلت: وخالدًا أكرمتُهُ، كان منصوبا بفعل محذوف فصارت الجملة فعلية معطوفة على الجملة الفعلية المتقدمة، والتقدير: زيدٌ قامَ أبوه وأكرمتُ خالدًا، فجملة أكرمت خالدا معطوفة على جملة قامَ أبوه.
وإذا قلتَ: وخالدٌ أكرمتًهُ، كانت الجملة اسمية وتكون معطوفة على جملة زيدٌ قامَ أبوهُ، لأنها ككل جملة اسمية لكونها مصدرة باسم.
خامسا: ترجيح الرفع.
وذلك فيما عدا ما تقدم لأن الأصل في الاسم المتقدم الرفع على الابتداء حيث لا مرجح لغيره، ولأن الرفع لا نحتاج معه إلى التقدير بخلاف النصب فهو يحوجنا إلى تقدير فعل. نحو: زيدٌ ضربتُه، وهذا أرجح من: زيدا ضربتُه.

( تعليقات على النص )

بابُ الاشتغالِ: يجوزُ في نحوِ: زيدًا ضربْتُهُ، أوْ ضربْتُ أخاهُ، أو مررْتُ به، رفعُ زيدٍ بالابتداءِ فالجملةُ بعدَهُ خبرٌ، ونصبُهُ بإضمارِ: ضربْتُ، وأَهنْتُ، وجاوزْتُ واجبةَ الحذفِ، فلا موضعَ للجملةِ بعدَهُ. وَيترجَّحُ النصبُ في نحوِ: زيدًا اضربْهُ للطلبِ، ونحوُ ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) مُتَأَوَّلٌ.
وفي نحوِ: ( وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ ) للتناسِبِ، ونحوِ ( أَبَشَرًا مِنَّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ )، وما زيدًا رأيْتُهُ، لغلَبَةِ الفعلِ. ويجبُ في نحوِ: إنْ زيدًا لَقِيتَهُ فأكرِمْهُ، وهَلَّا زيدًا أَكرمْتَهُ، لوجوبِهِ، ويجبُ الرفعُ في نحوِ: خرجتُ فإذا زيدٌ يضرِبُهُ عمرٌو، لامتناعِهِ، ويستوِيانِ في نحوِ:زيدٌ قامَ أبوهُ وعمرٌو أكرمْتُهُ،لِلتّ َكافُؤِ،وليسَ مِنْهُ:( وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ )، وأزيدٌ ذُهِبَ بهِ.

.............................. .............................. .............................. .............................
شرع المصنف يتحدث عن باب جديد من أبواب النحو وهو باب الاشتغال، ومناسبة ذكر هذا الباب في المرفوعات هو أن الاسم المتقدم في نحو: زيد ضربتُه، يجوز فيه الرفع على الابتداء، فناسب ذكره مع المرفوعات ( بابُ الاشتغالِ ) أي هذا باب الاشتغال ولم يحده المصنف ولكن ذكر بعض الأمثلة التي تعين على فهمه فقال: ( يجوزُ في نحوِ: زيدًا ضربْتُهُ ) من كل اسم تأخر عنه فعل مشغول عن نصب ذلك الاسم بنصب ضميره ( أوْ ) زيدًا ( ضربْتُ أخاهُ ) من كل اسم تأخر عنه فعل مشغول عن نصب ذلك الاسم بنصب اسم آخر مضاف إلى ضمير يعود على الاسم المتقدم ( أو مررْتُ به ) هو كالحالة الأولى أعني أن يتقدم اسم يليه فعل مشغول عن نصب ذلك الاسم بنصب ضميره، ولكن ضميره هنا قد جر بالباء، والجار والمجرور في محل نصب مفعول به، فلا فرق بين أن يتعدى الفعل المشغول بنفسه نحو: ضربته، أو يتعدى بواسطة حرف جر نحو: مررتُ به ( رفعُ زيدٍ بالابتداءِ فالجملةُ بعدَهُ خبرٌ ) في الأمثلة الثلاثة، ( ونصبُهُ بإضمارِ ) فعل موافق للفعل المذكور إما في لفظه أو في معناه ( ضربْتُ ) هذا هو المضمر في المثال الأول وهو: زيدًا ضرَبْتُهُ، فزيدًا مفعول به منصوب بفعل محذوف وجوبا تقديره ضربتُ، وضربتُهُ فعل وفاعل ومفعول به، وهذه الجملة مفسِّرة للفعل المحذوف قبل زيد ولهذا لا يكون لها محل من الإعراب؛ لأن الجملة متى ما وقعت مفسرة لا يكون لها محل ( وأَهنْتُ ) هذا هو المضمر في المثال الثاني وهو: زيدًا ضربْتُ أخاهُ، فزيدا مفعول به منصوب بأهنتُ المحذوف، وإنما لم نقدره من اللفظ وهو ضربتُ؛ لأنه سيكون المعنى ضربْتُ زيدًا ضربْتُ أخاهُ وهو خلاف الواقع فإنَّ زيدًا لم يضرب بل المضروب أخوه، فنحتاج إلى تقدير فعل بمعناه، والتقدير: أهنتُ زيدًا ضربتُ أخاهُ لأنك حين تضرب أخا زيد تكون قد أهنت زيدًا بحسب العرف (وجاوزْتُ ) هذا هو المضمر في المثال الثالث ونقدره بمعنى الفعل المذكور لا بلفظه لأنه فعل لازم لا ينصب المفعول به بنفسه، فيكون التقدير: جاوزتُ زيدًا مررتُ بهِ، وتكون هذه الأفعال المقدرة ( واجبةَ الحذفِ ) لأن المذكور عوضٌ من المقدر فلا معنى لأن يجمع بينهما ويقال: ضربْتُ زيدًا ضربْتُهُ ( فلا موضعَ للجملةِ بعدَهُ ) لأنها تفسيرية. ثم أخذ يبين متى يتعين النصب أو الرفع أو يترجح أحدهما أو يستويان فقال: ( وَيترجَّحُ النصبُ ) على الرفع ( في نحوِ: زيدًا اضربْهُ ) أو لا تضربْه مما كان الفعل المشغول فيه ذا طلب، وإنما ترجح النصب ( للطلبِ ) فإن الرفع يقتضي الإخبار بالطلب عن المبتدأ وهو خلاف الأصل، بل قد منعه بعضهم ( ونحوُ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما مُتَأَوَّلٌ ) هذا جواب عن سؤال مقدر وهو: كيف ترجحون النصب وقد جاء القرآن بخلافه في قول الله تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) فقد تقدم اسم وهو السارق وتأخر عنه فعل طلبي وهو اقطعوا مشغول عن نصب السارق بالعمل في اسم مضاف إلى ضمير ذلك الاسم وهو أيديهما، فما هو جوابكم ؟ قلنا: هذا متأول على أن جملة فاقطعوا ليست هي الخبر بل الخبر محذوف تقديره: مِما يُتلى عليكم حكمُ السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، فمما : جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف تقديره كائن، فلا تكون الآية من باب الاشتغال من أصله؛ لأن شرط الاشتغال هو: أن يكون الفعل المشتغل بالضمير بحيث لو لم يشتغل به عمل في الاسم المتقدم، وهنا لا يتأتى لـ فاقطعوا أن يعمل في السارق لأنه ليس اسما منفردا بل هو جزء جملة من مبتدأ وخبر فتأمل ( وفي نحوِ: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ للتناسِبِ ) هذا هو الموضع الثاني مما يترجح فيه النصب وهو أن يكون الاسم المتقدم مقترنا بحرف عطف مسبوق بجملة فعلية كقوله تعالى: ( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ ) فالأنعامَ: مفعول به منصوب بفعل محذوف تقديره: خلقَ الأنعامَ، وإنما ترجح النصب هنا لأنه يكون من باب عطف جملة فعلية على مثلها، والتقدير: خلق الإنسانَ مِن نطفةٍ.. وخلقَ الأنعامَ، ولو رفع الأنعامُ لكان من باب عطف الجملة الاسمية على الفعلية وهما غير متناسبتين ( ونحوِ أَبَشَرًا مِنَّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ، وما زيدًا رأيْتُهُ، لغلَبَةِ الفعلِ ) هذا هو الموضع الثالث مما يترجح فيه النصب وهو أن يكون الاسم المتقدم مسبوقا بأداة يقع بعدها فعل غالبا، مثل همزة الاستفهام كقوله تعالى: ( أَبَشَرًا مِنَّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ) فبشرا: مفعول به منصوب بفعل محذوف والتقدير: أنتبع بشرا منا واحدا، ومثل ما النافية كقولك: ما زيدًا رأيتُهُ، فزيدًا: مفعول به منصوب بفعل محذوف والتقدير: ما رأيتُ زيدًا. ( ويجبُ )النصب ( في نحوِ: إنْ زيدًا لَقِيتَهُ فأكرِمْهُ، وهَلَّا زيدًا أَكرمْتَهُ ) مما وقع فيه الاسم المتقدم بعد أداة مختصة بالفعل، مثل أداة الشرط، تقول: إنْ زيدًا لَقِيتَهُ فأكرِمْهُ، والتقدير: إن لقيت زيدًا، ومثل: أداة التحضيض، تقول: هَلَّا زيدًا أَكرمْتَهُ، والتقدير هَلَّا أكرمتَ زيدا، وقوله ( لوجوبِهِ ) أي لوجوب وقوع الفعل بعد هذه الأدوات. ( ويجبُ الرفعُ في نحوِ: خرجتُ فإذا زيدٌ يضرِبُهُ عمرٌو ) مما وقع فيه الاسم المتقدم بعد أداة مختصة بالأسماء مثل إذا الفجائية فلو نصبنا زيدا في المثال لاقتضى أن يسبقه فعل وهو هنا ممتنع ولهذا قال: ( لامتناعِهِ ) أي لامتناع وقوع الفعل بعد إذا الفجائية. (ويستوِيانِ ) أي النصب والرفع ( في نحوِ: زيدٌ قامَ أبوهُ وعمرٌو أكرمْتُهُ ) مما كان الاسم المتقدم مقترنا بحرف عطف مسبوق بجملة فعلية وقعت خبرا لاسم قبلها فرفع عمرو يقتضي عطف الجملة الاسمية على جملة زيد قامَ أبوه، ونصبه يقتضي عطف الجملة الفعلية على جملة قام أبوه وإنما جاز الوجهان ( لِلتَّكافُؤِ ) الحاصل على كلا التقديرين ( وليسَ مِنْهُ ) أي من باب الاشتغال قوله تعالى (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ) لعدم صحة تسلط العامل فعلوه على ما قبله - كما هو شرط هذا الباب- لاقتضائه فساد المعنى، فإنه لو تسلط لكان التقدير: فعلوا كل شيءٍ في الزبر، وهي صحائف أعمالهم أي أنهم فعلوا كل ما أردوه في صحائف الأعمال كأن كتبوا بها أو مزقوها وهذا باطل لأن المقصود هو أن كل أفعالهم مدونة في الزبر ففعلوه صفة للشيء وخبر كل هو في الزبر (و ) كذا ليس منه ( أزيدٌ ذُهِبَ بهِ) لعدم صحة تسلط العامل ذُهِبَ على ما قبله؛ لأنه فعل لازم مبني للمجهول فلا يمكن أن يعمل النصب في زيد ليكون من باب الاشتغال، بل زيدٌ مبتدأ والجملة بعده خبر.

( تدريب )

أعرب ما يلي:
1- إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.
2- كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتابًا.
3- إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ.