الدرس الثامن عشر

الحروف التي تعمل عمل ليس

قد تقدم أن الأفعال الناقصة ترفع المبتدأ اسما لها، وتنصب الخبر خبرا لها، وهنالك حروف عملت عمل هذه الأفعال وهي: ما، ولا، ولاتَ الدالة على النفي فقد أجروها مجرى ليس في رفع الاسم ونصب والخبر.
أولا: ما، مثل: ما أنتَ رابحًا، فما: حرف نفي مبني على السكون يعمل عمل ليس، أنت: ضمير في محل رفع اسم ما، رابحا: خبر ما.
قال تعالى: ( وَقُلْنَ حَاشَ لِلهِ مَا هَذَا بَشَرًا )، ولا تعمل هذا العمل إلا بشروط أربعة هي:
1- أن لا يتقدم خبرها على اسمها، فإن تقدم بطل عملها، فلا يقال: ما رابحا أنتَ، وإنما: ما رابحٌ أنتَ، فرابح خبر مقدم، وأنت مبتدأ مؤخر.
2- أن لا يقترن اسمها بـ ( إنْ ) الزائدة، فإن اقترنَ بطل عملها، مثل: ما إنْ أنتَ رابحٌ، برفع رابح على أنه خبر لأنت لاقتران اسمها بأنْ الزائدة وعلامة كونها زائدة صحة المعنى مع حذفها وهي لا تعمل شيئا.
3- أن لا يقترن خبرها بـ إلا، فإن اقترن بطل عملها، مثل: ما أنتَ إلا تاجرٌ برفع تاجر على أنه خبر لأنت.

4- أن لا يتقدم معمول خبرها على اسمها، فإن تقدم بطل عملها، مثل: ما زيدٌ كاتبًا الدرسَ، فما: نافية تعمل عمل ليس، زيدٌ اسمها، كاتبا: خبرها منصوب، الدرسَ: مفعول به لكاتب لأنه اسم فاعل فيعمل عمل الفعل، فالدرسَ معمول لخبر ما، فإذا أردت أن تقدم هذا المعمول على اسم ما فسيلغى عمل ما، مثل: ما الدرسَ زيدٌ كاتبٌ، برفع كاتب على أنه خبر لزيد، والدرسَ مفعول به مقدم لاسم الفاعل.
ثانيا: لا، كقول الشاعر: تَعَزَّ فلا شيءٌ على الأرضِ باقيًا، لا: نافية تعمل عمل ليس، شيءٌ اسمها، على الأرضِ: جار ومجرور، باقيا: خبرها.
ويشترط لعملها أربعة شروط:
1- أن يكون العمل في الشعر دون النثر.
2- أن يكون اسمها وخبرها نكرتين، فلا يصح أن تقول: لا المالُ مأمونًا بيد المسرفِ، لأنك أعملتها مع أن اسمها معرفة.
3- أن لا يتقدم خبرها على اسمها، فلا يصح: لا باقيًا شيءٌ على الأرض لأنك أعملتها مع تقدم خبرها على اسمها.
4- أن لا يقترن خبرها بإلا، فلا يصح: لا سعيٌ إلا مثمرًا، لأنك نصبت الخبر مع اقترانه بإلا.
ثالثا: لاتَ، ويشترط لعملها أن يكون اسمها وخبرها لفظ الحين أو ما بمعناه كالساعة والوقت وأن يحذف أحدهما والغالب هو حذف الاسم وبقاء الخبر، مثل قوله تعالى: ( كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ).
لَاتَ بمعنى ليس، واسمها هو الحينَ محذوف، حينَ: خبرها منصوب وهو مضاف، ومناصٍ مضاف إليه، والمعنى فنادوا وليس الحينُ حينَ مناصٍ أي فرار.

إنَّ وأخواتها

هي ستة أحرف: إنَّ، وأَنَّ، وكَأَنَّ، ولَكِنَّ، ولَيْتَ، ولَعَلَّ. وعملها نصب المبتدأ على أنه اسمها، ورفع الخبر على أنه خبرها.
1- إِنَّ وهي للتوكيد أي توكيد ثبوت الخبر للمبتدأ ورفع الشك عنه، فإذا أردت توكيد: زيدٌ قائمٌ، قلت: إنَّ زيدًا قائمٌ.
2- أَنَّ وهي للتوكيد أيضا ولكن لا تقع في بداية الجملة بل لا بد أن يسبقها شيء مثل: علمتُ أنَّ زيدًا قائمٌ.
وهي مصدرية تؤول مع اسمها وخبرها بمصدر والتقدير: علمتُ قيامَ زيدٍ.
3- كَأَنَّ وهي للتشبيه، تقول: كأَنَّ زيدًا أسدٌ.
4- لَكِنَّ وهي للاستدراك، وهو: تعقيبُ الكلام بما يرفع التوهمُ، فإذا أردتَ الإخبارَ عن زيدِ بأنه شجاع، فقد يتوهم السامع أنه كريم أيضا؛ لأن الغالب أن يكون الشجاع كريما، وبما أنه ليس كذلك فتقول: زيدٌ كريمٌ لكنَّهُ بخيلٌ.
5- لَيْتَ وهي للتمني، وهو: طلب الأمر المحبوب الذي يستحيل أو يبعد حصوله.
مثل قول الشيخ: ليتَ الشبابَ يعودُ، ومثل قول الفقير الآيس: ليتَ لي ألفَ دينارٍ.
6- لَعَلَّ وهي إما للترجي وهو: طلب أمر محبوب لا يصعب حصوله.
مثل: لَعَلَّ اللهَ يَرْحَمُنَا، أو للإشفاق وهو: توقع حصول أمر مكروه. مثل: لعلَّ العدوَّ يباغتنا، أو للتعليل مثل: عِظ الظالمَ لعلَّهُ يرتدِعُ، أي ليرتدع.

كفّ هذه الأحرف عن العمل

إذا اقترنت بهذه الأحرف ( ما ) الزائدة، كفتها عن العمل أي منعتها عن العمل، وزال اختصاصها بالجملة الاسمية.
تقول: إنَّ زيدًا كاتبٌ، وتقول: إنَّما زيدٌ كاتبٌ، إنّما: كافة ومكفوفة ( الكافة هي ما لأنها كفت ومنعت إنَّ من العمل، والمكفوفة عن العمل هي إنَّ )، زيدٌ: مبتدأ مرفوع، قائمٌ خبر مرفوع، فهنا ألغي عمل إنَّ، وتقول: إنَّما يفوزُ الصادقُ، فإنما: كافة ومكفوفة، يفوزُ الصادقُ: فعل مضارع وفاعله، فدخلت على الجملة الفعلية، مع أنها كانت مختصة بالجملة الاسمية.
ويستثنى من ذلك ( ليتَ ) فإنها إذا اقترنت بما تبقى مختصة بالأسماء، لذلك يجوز فيها الإعمال والإهمال.
تقول: ليتَما أخاكَ حاضرٌ ( بالإعمال )، وليتَما أخوكَ حاضرٌ ( بالإهمال ).
أما إذا اقترنت بهذه الأحرف ( ما ) الموصولة فلا تكفها عن العمل.مثل: إنَّ ما في القفصِ بلبلٌ أي إنَّ الذي، فإِنَّ: حرف توكيد ينصب الاسم ويرفع الخبر، ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع اسم إنَّ، في القفص: جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره استقر صلة الموصول، بلبلٌ: خبر إنَّ.
قال تعالى: ( إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ ) أي إن الذي صنعوه، وما إذا كانت اسما موصولا تكتب منفصلة عن إنَّ ولكن رسم القرآن لا يقاس عليه، فإنَّ: حرف توكيد، ما: اسم موصول، صنعوا: فعل وفاعل صلة ، كيدُ خبر إنَّ، ساحرٍ: مضاف إليه.

تخفيف النون

الأحرف ( إنَّ، أَنَّ، كَأَنَّ، لكنَّ ) تنتهي بنون مشددة وقد ورد عن العرب تخفيف النطق بها بحذف النون الثانية المفتوحة منها فتصير ساكنة ولها حينئذ تفصيل إليك بيانه:
1- ( إِنَّ ) إذا خففت جاز إعمالها، وجاز إهمالها، تقول: إنْ زيدًا منطلقٌ، وإنْ زيدٌ لمنطلقٌ، فإذا أهملت وجب اقتران الخبر بلام تسمى لام التوكيد، فإنْ: مخففة من الثقيلة مهملة، زيدٌ: مبتدأ مرفوع، اللام: لام التوكيد، منطلقٌ: خبر مرفوع.
2- ( أَنَّ ) إذا خففت بقيت عاملة وجوبا، ولكن يجب فيها أمور:
الأول: أن يحذف اسمها على أنه ضمير الشأن.
الثاني: أن يكون خبرها جملة لا مفردا.
الثالث: إذا كان خبرها جملة فعلية فعلها متصرفٌ، لم يقصدْ به الدعاءُ، وجب أن يفصل بينها وبين الفعل بقد، أو حرفِ تنفيسٍ، أو حرفِ نفي، أو لوْ.
تقول: علمتُ أَنْ زيدٌ كريمٌ، فهنا أنْ: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف أي أَنْهُ، أي الحال والشأن، زيدٌ: مبتدأ، كريمٌ: خبر، والجملة الاسمية خبر لـ أَنْ، فهنا الخبر جملة اسمية فلا نحتاج لفاصل يفصل بين أن والجملة.
وتقول: علمتُ أَنْ ليسَ للظلمِ بقاءٌ، فأَن: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، ليس: فعل ماض ناقص، للظلم: جار ومجرور خبر مقدم لليس، بقاءٌ اسم ليس مرفوع، والجملة الفعلية خبر أَنْ، وهنا ليس فعل جامد أي لا يأتي منه المضارع والأمر فلم نحتج إلى فاصل يفصل بينه وبين أَنْ.
وتقول: أطالَ اللهُ عمرَكَ وأَنْ هيَّأَ لكَ الخيرَ، فأَنْ: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، وجملة هيَّأَ لك الخيرَ خبرها، فهنا خبر أنْ جملة فعلية فعلها متصرف أي يأتي منه المضارع والأمر ولكن قصد به الدعاء فلم نحتج إلى الفاصل.
أما إذا كان الخبر جملة فعلية فعلها متصرف قصد به الدعاء فلا بد من الفاصل بين أن والجملة الفعلية.
مثال الفصل بقدْ قوله تعالى: ( وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا ) فالأصل هو: ونعلمَ أَنَّهُ قدْ صَدَقْتَنا، ثم خففت أَنَّ فصارت أَنْ وحذف اسمها الضمير.
ومثال الفصل بحرف التنفيس وهو السين وسوف قوله تعالى: ( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ) فالأصل هو: عَلِمَ أَنَّهُ سيكون منكم مرضى، ثم خففت أَنَّ فصارت أَنْ وحذف اسمها الضمير.
ومثال الفصل بحرف النفي قوله تعالى: (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونُ فِتْنَةٌ ) ألَّا= أَنْ + لا، والأصل: وحسبوا أَنَّه لا تكونُ فتنةٌ، وهذا على قراءة رفع تكون وهي قراءة متواترة، وأما على قراءة النصب المشهورة فأن ناصبة للمضارع وليست مخففة.
ومثال الفصل بلو قوله تعالى: ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُم ْ ماءً غَدَقًا ) الأصل: وأنَّهُ لو استقاموا.فأنْ مخففة من الثقيلة في الجميع، واسمها ضمير الشأن محذوف، والجملة الفعلية في محل رفع خبر أَنْ.
3- ( كَأَنَّ ) إذا خففت بقيت عاملة وجوبا ولم تهمل،نحو: كَأَنْ زيدًا أسدٌ،فكأنْ: مخففة من الثقيلة،زيدًا اسمها أسدٌ خبرها.
وصفاتها هي:
الأول: الغالب أن يحذف اسمها على أنه ضمير الشأن، وقد يظهر اسمها.
الثاني: الغالب أن يكون خبرها جملة وقد يكون مفردا.
الثالث: يجب إذا كان خبرها جملة فعلية أن يفصل بينها وبين الفعل بلمْ أو قدْ.
مثال الفصل بلمْ قوله تعالى: ( فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ) جعلنا: فعل وفاعل، ها: مفعول به أول، حَصِيدًا: مفعول به ثان، كأنْ: مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، لم: حرف جزم، تَغْنَ: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة والأصل تَغْنَى، والفاعل مستتر تقديره هي، والجملة خبر كأنْ، بالأمسِ: جار ومجرور.
ومثال الفصل بقد قولنا: كأنْ قدْ طلعَ الفجر، فاسمها ضمير الشأن محذوف أي كأنْهُ والجملة الفعلية خبرها.
فإذا كان خبرها مفردا أو جملة اسمية لم نحتج للفاصل.
مثال المفرد: كأنْ زيدًا أسدٌ.
ومثال الجملة: الأسواقُ في صلاةِ الجمعةِ معطلَّةٌ كأنِ الحياةُ متوقفةٌ، فكأنْ: مخففة من الثقيلة حركت بالكسر لالتقاء الساكنين، واسمها ضمير الشأن محذوف، الحياة متوقفة: جملة من مبتدأ وخبر وهي في محل رفع خبر كأنْ.
4- ( لَكِنَّ ) إذا خففت أهملت وجوبا، مثل: هذا الكتابُ صغيرٌ لكنْ نَفْعُهُ كبيرٌ.
قال تعالى: ( لَكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ) لكنْ: حرف استدراك مهمل لا عمل له وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين، اللهُ: لفظ الجلالة مبتدأ، يشهدُ: فعل مضارع مرفوع والفاعل مستتر تقديره هو، والجملة خبر الله.

( شرح النص )

وما النافيةُ عندَ الحِجازيينَ كليسَ إنْ تقدمَ الاسمُ، ولمْ يُسبقْ بإنْ، ولا بمعمولِ الخبرِ إلا ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا، ولا اقترنَ الخبرُ بإلا نحوُ ( مَا هَذَا بَشَرًا ).
وكذا لا النافيةُ في الشعرِ بشرطِ تنكيرِ معمولَيها نحوُ تَعَزَّ فلا شيءٌ على الأرضِ باقيًا.. ولا وزرٌ مما قضى اللهُ واقيا.ولاتَ ولكنْ في الحينِ، ولا يُجْمَعُ بينَ جُزْأَيْها، والغالبُ حذفُ المرفوعِ نحوُ ( ولاتَ حينَ مناصٍ ).
الثاني: إنَّ وأَنَّ للتوكيدِ، ولكنَّ للاستدراكِ، وكأَنَّ للتشبيهِ أوِ الظنَّ، وليتَ للتمني، ولعلَّ للترجي أو الإشفاقِ أو التعليلِ، فَيَنْصِبْنَ المبتدأَ اسمًا لهنَّ، ويَرفعنَ الخبرَ خبرًا لهُنَّ إنْ لمْ تقترنْ بهنَّ ما الحرفيةُ نحو: ( إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ )، إلا ليتَ فيجوزُ فيها الأمرانِ، كَإنِ المكسورةِ مُخَفَّفَةً.
وأَما لكنْ مخففَةً فتُهملُ، وأَمَّا أَنْ فتَعملُ، ويجبُ في غيرِ الضرورةِ حذفُ اسمِها ضميرِ الشأنِ، وكونُ خبرِها جملةً مفصولةً- إنْ بُدِئَتْ بفعلٍ متصرِّفٍ غيرِ دعاءٍ- بـ قدْ، أوْ تنفيسٍ، أو نفيٍ، أو لوْ.وأَمَّا كأَنْ فتعملُ، وَيقِلُّ ذكرُ اسمِها، ويُفْصَلُ الفعلُ منها بـ لمْ، أو قدْ.

......................... ......................... ......................... ......................... ...................
بعد أن فرغ من ذكر الأفعال الناقصة، بيّن أن هنالك أحرفا تعمل عملها فترفع الاسم وتنصب الخبر فقال: ( وما النافيةُ عندَ الحِجازيينَ كليسَ ) أي أن ما حرف نفي أجري مجرى ليس النافية في العمل، ولكن ليس عند كل العرب بل عند الحجازيين، وأما بنو تميم فيهملونها أي لا يكون لها عمل، يقول أهل الحجاز: ما زيدٌ حاضرًا، ويقول أهل نجد: ما زيدٌ حاضرٌ، وإنما تعمل عند الحجازيين بأربعة شروط هي: ( إنْ تقدمَ الاسمُ ) على الخبر، فإن تقدم الخبر على الاسم أهملت ما نحو ما حاضرٌ زيدٌ ( ولمْ يُسبقْ ) الاسم ( بإنْ ) الزائدة، فإن سبق بها أهملت نحو: ما إنْ زيدٌ حاضرٌ ( ولا بمعمولِ الخبرِ) فإن سبق الاسم بمعمول الخبر أهملت نحو ما الدرسَ زيدٌ كاتبٌ ( إلا ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا ) فلا يضر في عملها فإذا قلنا: زيدٌ حاضرٌ عندَكَ، فعندَ: ظرف مكان منصوب، فما الذي نصبه ؟ الجواب: هو الخبر حاضرٌ، فالظرف معمول له، وإذا قلنا: زيدٌ حاضرٌ في البيتِ، فالجار والمجرور متعلقان بحاضر، وهما يعربان في محل نصب مفعول به غير صريح لحاضر، فإذا علم هذا فالظرف والجار والمجرور إذا تقدما على اسم ما لم يضر عملها نحو ما عندَكَ زيدٌ حاضرًا، وما في الدارِ زيدٌ حاضرًا ( ولا اقترنَ الخبرُ بإلا ) فإن اقترن الخبر بها بطل عمل ما كقوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ، ثم ذكر مثالا لما استجمع الشروط فقال: ( نحوُ ) قوله تعالى: ( مَا هَذَا بَشَرًا ) ثم بدأ بالحرف الثاني فقال: ( وكذا لا النافيةُ ) تعمل عمل ليس ولكن بشرط أن يكون ذلك ( في الشعرِ ) لا في النثر و بعضهم لم يقيد بالشعر ولكن قال ورود إعمالها عن العرب قليل ( بشرطِ تنكيرِ معمولَيها ) الاسم والخبر ( نحوُ ) قول الشاعر: ( تَعَزَّ فلا شيءٌ على الأرضِ باقيًا.. ولا وزرٌ مما قضى اللهُ واقيا ) تعزَّ أي تصبَّرْ، الوزر: الملجأ، والشاهد فيه هو أن حرف النفي لا عمل عملَ ليسَ، وشيء اسمها، وباقيا: خبرها، كما يشترط لها زيادة على هذين الشرطين: أن لا يتقدم خبرها على اسمها، ولا يتقدم معمول خبرها على اسمها إلا الظرف والجار والمجرور، وأن لا يقترن خبرها بإلا ( ولاتَ ) أيضا كليسَ ( ولكنْ في الحينِ ) أي يكون اسمها وخبرها هو الحين أو ما بمعناه نحو الساعة والوقت والزمان ( ولا يُجْمَعُ بينَ جُزْأَيْها ) الاسم والخبر في الجملة بل لا بد أن يحذف أحدهما (والغالبُ حذفُ المرفوعِ ) وهو اسمها وإبقاء خبرها ( نحوُ ) قوله تعالى ( ولاتَ حينَ مناصٍ ) أي ليسَ الحينُ حينَ مناصٍ فاسمها الحين محذوف وحين المنصوب خبرها، ثم شرع يتكلم على إنَّ وأخواتها فقال: ( الثاني ) من العوامل التي تدخل على المبتدأ والخبر ( إنَّ وأَنَّ للتوكيدِ ) نحو إنَّ زيدًا قائمٌ، وعلمتُ أَنَّ زيدًا قائمٌ، ( ولكنَّ للاستدراكِ ) زيدٌ كريمٌ لكنه جبانٌ ( وكأَنَّ للتشبيهِ ) نحو كأنَ زيدًا أسدٌ ( أوِ الظنَّ ) نحو كأنَّ زيدًا عالمٌ ، وهذا المعنى أثبته بعضهم ولم يثبته آخرون ( وليتَ للتمني ) نحو ليتَ الشبابَ يعودُ ( ولعلَّ للترجي ) نحو لعلَّ اللهَ يرحمنا، ( أوِ الإشفاقِ ) نحو لعلَّ العدوَّ قادمٌ ( أوِ التعليلِ) كقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( فَيَنْصِبْنَ المبتدأَ اسمًا لهنَّ، ويَرفعنَ الخبرَ خبرًا لهُنَّ إنْ لمْ تقترنْ بهنَّ ما الحرفيةُ ) فإن اقترنت بهن ما الحرفية الزائدة بطل عملها إلا ليت فيجوز فيها الإعمال والإهمال ( نحو ) قول الله تعالى: ( إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) فإنما كافة ومكفوفة والله، مبتدأ، وإله خبر، وواحد صفة للخبر ( إلا ليتَ فيجوزُ فيها الأمرانِ ) الإعمال والإهمال، تقول: ليتَما أخاكَ حاضرٌ، وليتَما أخوكَ حاضرٌ.واحترز بقوله ما الحرفية عن ما الاسمية فإنها لا تكفهن عن العمل نحو: إنَّ ما في القفصِ بلبلٌ أي إنَّ الذي.ثم أخذ يتكلم على تخفيف النون فقال: ( كَإنِ المكسورةِ مُخَفَّفَةً ) أي يجوز في ليت الوجهان كما جاز في إنْ الوجهان الإعمال والإهمال، مثل: إنْ زيدًا قائمٌ، وإنْ زيدٌ لقائمٌ، وإذا أهملت وجب اقتران خبرها باللام ( وأَما لكنْ مخففَةً فتُهملُ ) ولا يجوز فيها الإعمال وهي حينئذ حرف استدراك لا عمل له نحو زيدٌ ضعيفٌ لكنْ أخوه قويٌّ ( وأَمَّا أَنْ فتَعملُ ) وجوبا نحو علمتُ أَنْ زيدٌ كريمٌ، ( ويجبُ في غيرِ الضرورةِ حذفُ اسمِها ضميرِ الشأنِ ) وأما في ضرورة الشعر حيث يضيق النظم على صاحبه فقد ورد ذكر اسمها مصرحا به كقول شاعرة ترثي أخاها: بِأَنْكَ ربيعٌ وغيثٌ مَرِيعٌ، الغيث المطر وأرادت به هنا الزرع الذي ينبته المطر، المريع: هو الخصب، تريد أن تقول إن أخاها كالربيع والزرع ذي الكلأ الوفير في نفع الخلق، والشاهد فيه أنه ذكر اسمها مصرحا به وهو الكاف، وخبرها ربيعٌ، وهذه ضرورة ( و ) يجب ( كونُ خبرِها جملةً ) لا مفردا كما ورد في البيت السابق فإنه ترتب على تلك الضرورة أعني ذكر اسمها إمكان كون خبرها مفردا( مفصولةً- إنْ بُدِئَتْ بفعلٍ متصرِّفٍ غيرِ دعاءٍ- بـ قدْ، أوْ تنفيسٍ، أو نفيٍ، أو لوْ ) كقوله تعالى: ( وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا ) و ( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ) و (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونُ فِتْنَةٌ ) و ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُم ْ ماءً غَدَقًا ) فإن بدئت بغير فعل بأن بدئت باسم أي كان خبرها جملة اسمية،أو كان خبرها جملة فعلها جامد، أو متصرف ولكنه للدعاء فلا تحتاج للفاصل. ( وأَمَّا كأَنْ فتعملُ ) وجوبا نحو كأنْ زيدًا أسدٌ ( وَيقِلُّ ذكرُ اسمِها ) أي أن اسمها يجوز أن يذكر ولكن على قلة والغالب أن يحذف وأن يكون ضمير الشأن ( ويُفْصَلُ الفعلُ منها بـ لمْ، أو قدْ ) مثال الفصل بلمْ قوله تعالى: ( فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) ومثال الفصل بقد قولنا كأنْ قدْ طلعَ الفجر،فإن كان خبرها اسما مفردا أو جملة اسمية فلا نحتاج للفاصل.

( تدريب )

1- الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ.
2-أنْ ليْسَ للإنسانِ إلا ما سعى.
3- قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ.