تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الدرة الجامعة في تأويل آية المائدة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    15

    افتراضي الدرة الجامعة في تأويل آية المائدة

    الدرةالجامعة في تأويل آية المائدة
    قال تعالى:(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك همالكافرون).

    اختلف المفسرين في تأويل هذه الآية الى أقوال عديدة و قد ذكر الامام الطبري عند تفسير هذه الآية خمسأقوال للسلف و كذلك الامام ابن القيم ذكر ست أقوال عند حديثة عن هذه الآية و سوفأذكر كلام ابن القيم النفيس في الختام.
    وقال بن الجوزي رحمه الله فيزاد المسير ج: 2 ص: 366 ( فأما قوله ومن لم يحكم بماأنزل الله فأولئك هم الكافرون وقوله تعالى بعدها فأولئك هم الظالمون فأولئك همالفاسقون فاختلف العلماء فيمن نزلت على خمسة أقوال أحدها أنها نزلت في اليهود خاصةرواه عبيد بن عبد الله عن ابن عباس وبه قال قتادة والثاني أنها نزلت في المسلمينروى سعيد بن جبير عن ابن عباس نحو هذا المعنى والثالث أنها عامة في اليهود وفي هذهالأمة قاله ابن مسعود والحسن والنخعي والسدي والرابع أنها نزلت في اليهود والنصارىقاله أبو مجلز والخامس أن الأولى في المسلمين والثانية في اليهود والثالثة فيالنصارى قاله الشعبي...
    وفي المراد بالكفر المذكور في الآية الأولىقولان : أحدهما : أنه الكفر بالله تعالى. والثاني : أنه الكفر بذلك الحكم وليسبكفر ينقل عن الملة. ) ا.هـ
    و أبدأ بذكر كلام اقوال أهل التفسير فيتأويل هذه الآية و قد حصرتها في ثمانية أقوال:-

    1- القول الأول أن الكفر المراد في الآية هو الكفر الأكبر و لكن الآيةخاصة على أهل الكتاب و لا تشمل المسلمين
    و هو قول بعض التابعين كأبي مجلز و عكرمة والضحاك و الشعبي و أبو صالح وهو اختيار النحاس و القرطبي هو ترجيح شيخ المفسرين الطبري قال-رحمه الله- في«جامع البيان» (6/166-167): «وأولى هذهالأقوال عندي بالصواب: قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب، لأن ماقبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيون بها، وهذه الآيات سياق الخبرعنهم، فكونها خبراً عنهم أولى.)و نسب هذا القول خطأً الى بعضالصحابة و التابعين كالبراء بن عازبوحذيفة بن اليمان وابن عباس والحسنالبصري و هم لا يقولون به و لم يرد عن أحدٍ من الصحابة أنه قال إن الآية ليست فيالمسلمين، وإنما غاية ماورد عن بعضهم قوله: إنها نزلت في أهل الكتاب، وهذا ليستخصيصاً وليس قصراً للنص العام على هذا السبب.
    قال ابن تيميةأيضا: [إن الصحابة يقولون نزلت الآية في كذا ولايختلفون في أن نصّها يتعدى إلى غيرسبب نزولها طالما يتناوله لفظها](مجموع الفتاوى) 31/ 28 - 29.
    بل بعضهم صرحإنها نزلت في أهل الكتاب و هي واجبة على المسلمين (كما قال الحسن البصري ).
    و روىالطبري في تفسيره 6/ 253بإسناده عن أبي البختري قال: [سأل رجلٌ حذيفة عنهؤلاء الآيات (وَمَن لَّمْيَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) قال: فقيل ذلك في بني إسرائيل؟ قال: نِعْمالإخوة لكم بنو إسرائيل، إن كانت لهم كل مُرَّةٍ، ولكم كل حُلوةٍ، كلاّ واللهلتسلكنّ طريقهم قدر الشِراك] .و هذا القول أيتخصيص الآية بأهل الكتاب أو باليهود قول ضعيف مرجوح اذ أن العبرة بعمومم اللفظ لابخصوص السبب و صيغة هذه الآية عامة لأنهامصدَّرة بمَنْ الشرطية (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ).
    قال ابن تيمية رحمه الله في (مجموع الفتاوى) 15/ 82.ه[ولفظ (مَن)أبلغ صيغ العموم لاسيما إذا كانت شرطاً أواستفهاماً، كقوله (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَذَرَّة ٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍشَرّاً يَرَهُ) الزلزلة: ٧ - ٨ وقوله (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُعَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) فاطر: ٨]
    قال الرازيفي تفسيره ( وهذا ضعيف لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوصالسبب .)
    قال ابن القيم في (مدارج السالكين) 1/ 365 منتقدا هذا القول[ومنهم من تأوّلها على أهل الكتاب، وهو قول قتادة والضحاك وغيرهما، وهو بعيد، وهوخلاف ظاهر اللفظ، فلا يُصار إليه].
    قال القاسمي في تفسيرهمحاسن التأويل 6/ 215[وكذا ماأخرجه أبو داود عن ابن عباس: أنها في اليهود - خاصة قريظة والنضير -لاينافي تناولها لغيرهم، لأن الاعتبار بعموم اللفظ لابخصوص السبب، وكلمة (مَن) وقعت في معرضالشرط فتكون للعموم]) .

    2- القول الثاني أن الكفر المراد في الآية ليس الكفر الأكبر المخرج منالملة:-

    و قد نُسِب هذاالقول إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما و الى طاوس الذي روي أنه قال [ليس بكفرينقل عن الملة]. و كذلك روي عطاء بن أبي رباح أنه قال فيها [كفر دون كفر].
    يقول أبو حيان ناصرا هذا القول: "وإلى أنَّهَا عامة فياليهود وغيرهم ذهب ابن مسعود وإبراهيم وعطاء وجماعة، ولكن كفر دون كفر، وظلم دونظلم، وفسق دون فسق، يعني: أن كفر المسلم ليس مثل كفر الكافر، وكذلك ظلمه وفسقه، لايخرجه ذلك عن الملة..."البحر المحيط: (3/492).
    جاء فيتفسير الجلالين عن هذه الآية ([ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون] به)

    و هذا القول ضعيف مرجوح لعدة اعتبارات:-
    الأول دلالة اللغة العربية: وذلك لأن الكفر في الآية جاءبصيغة الإسم المعرف بأل – (الْكَافِرُونَ) - الدال على حصول كمال المعنى، بما يعني أنه الكفرالأكبر كما أن الكفر لم يرد في القرآن إلا بما يعني الكفر الأكبر و الواجب حملمعنى اللفظ على معهود استعمال الشارع, كما أن العلماء متفقون أن الكفر اذا أطلقولم يرد نص يقيد معناه فالمراد به الكفر الأكبر قهذاالقول تخصيص لنص عام بلا دليل .
    قال ابن تيمية [اللفظ إذا تكرر ذِكره في الكتاب، ودار مرة بعد مرة على وجه واحد، وكانالمراد به غير مفهومه ومقتضاه عند الإطلاق ولم يُبَيَّن ذلك كان تدليساً وتلبيسايجب أن يُصان كلام الله عنه](مجموع الفتاوى) 6/ 471
    قال ابن حجر رحمه الله [عُرف الشارعإذا أطلق الشرك إنما يريد به مايقابل التوحيد، وقد تكرر هذا اللفظ في الكتابوالأحاديث حيث لايُراد به إلا ذلك](فتح الباري) 1/ 65.
    الثانيان الكفر جاء في الآية بصيغة اسم الفاعل وليس بصيغة الفعل و اذا جاء لفظ"الكفر" جاز دخول جميع أنواع الكفر فيه ، وإذا أطلق اسم الفاعل"الكافر" لم يكن إلا للكفر الناقل عن الملة ؛ لأن اسم الفاعل لا يشتقإلا من الفعل الكامل .
    و قد ذكر هذا التفريق الحافظ ابن رجب فيكتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري 1/131 ، وقال إنه اختيار ابن قتيبة ، وحكم عليهبأنه قول حسن ، لولا ما تأوله ابن عباس وغيره في الكفر في هذه الآية .
    الثالث أن هذا القول لم يرد عن أحد من الصحابى الا ابن عباس رضي الله عنه و هو لا يصح عنه فمقولة[وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله].ليست من قول ابن عباس على التحقيق ، وإنما قول ابن طاوس أُدرج - في رواية سفيان عنمعمر - على ابن عباس.
    وبيان ذلك أن الطبري رحمه الله روي من طريق سفيان بن عيينة عن معمر بن راشد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس [ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هي به كفر، وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله، أه. ورواه الطبري من طريق عبدالرزاق عن معمر عنابن طاوس عن أبيه قال: سُئل ابن عباس عن قوله (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُالْكَافِرُو نَ) قال: هي به كفر، قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله].
    وقد ظهر من الرواية الثانية- رواية عبدالرزاق وهي التي اقتصر ابن كثير على إيرادها - أن كلمة [وليس كمن كفربالله] هي من كلام ابن طاوس لا ابن عباس، وعلى هذا فلا يصح نسبة هذا القول لابن عباس.

    أمامقولة[ليس بالكفر الذي تذهبون إليه...كفر دون كفر] المنسوبة لابن عباس فهي ضعيفة من جهة الرواية، والعلة فيه: هشام بن حجير فقد اتفق جهابذة الحديث على تضعيفهوبالتالي فالأثر ضعيف.قال البرقوي- بعدما ذكر لفظ الحاكم للأثر – [هشام بن حجير ضعّفه الأئمة الثقات ولم يتابعه علىهذه الرواية أحد. قال أحمد بن حنبل: هشام ليس بالقوي، وقال: مَكْيٌّ ضعيف الحديث،وهذا طعن من جهة الرواية. وضعَّفه يحيى بن سعيد القطان وضَرَب على حديثه، وضعّفهعلي بن المديني، وذكره العُقيلي في الضعفاء، وكذا ابن عَدِيّ وهشامصالحٌ في دينه، لذا قال ابن شبرمة: ليس بمكة مثله، وقال ابن معين: صالح فهذا فيالدين أو العبادة بدليل أن ابن معين نفسه قد قال فيه: ضعيف جدا. وقالالحافظ ابن حجر: صدوق له أوهام. قلت: فلعل هذا من أوهامه لأن مثل هذا القول مرويّثابت عن ابن طاوس، فلعله وَهَم فنسبه إلى ابن عباس.وقال علي بنالمديني: زعم سفيان قال: كان هشام بن حجير كتب كُتُبَه على غير مايكتب الناس، أياقتداراً عليه، فاضطربت عليه]. من «معرفة الرجال» 203/ 2

    الرابع
    أننا لو سلمنا بثبوت هذا القول عن ابن عباس رضي اللهعنه فانه قد ثبت أن له مخالفي من الصجابة رضي الله عنه كعبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب وعلي بن أبيطالب رضي الله عنهم. و من التابعين من خالف طاووس و عطاء كالحسن البصري وسعيد بنجبير وإبراهيم النخعي والسدي .


    الخامس
    أن صورة سبب النزول قطعية الدخول في النص، ونقل السيوطيالإجماع على ذلك(الاتقان، 1/ 28) و قال الزركشي :-(فإنمحلَّالسبب لايجوزإخراجهبالاجتهادبالإجماعكماحكاهالقاضي أبوبكرفيمختصرالتقريب؛لأن دخولالسبب قطعي ) البرهان ١/١١٧.

    و الآية نزلت في بيان كفرأهل الكتاب في تركهم الحكم بما أنزل الله

    وقد نص ابن الزبير الغرناطي في كتابه ملاك التأويل 1/398 على إجماع المفسرين على تناول الوعيد الوارد في الآيةلليهود

    و قال الجصاص (وأجمعالمفسرون على أن هذا الوعيد يتناول اليهود بسبب مخالفتهم حكم الله تعالى في واقعةالرجم)

    فكيف يكون الكفر المراد فيالآية هو الكفر الأصغر و سبب مزول الآية في بيان كفر اليهود.

    قال أبوحيان الأندلسي في تفسيره - منتقداً قول من قالإنه كفر أصغر – [وقيل المراد كفر النعمة، وضُعِّفَ بأن الكفر إذا أطلق انصرف إلىالكفر في الدين، وقال ابن الأنباري: فعل فعلاً يضاهي أفعال الكفار، وضُعِّف بأنهعدول عن الظاهر](تفسير البحر المحيط) 3/ 493.

    قال الرازي في تفسيره مضعفا هذا القول(وهو أيضاً ضعيف؛ لأنلفظ الكفر إذا أطلق انصرف إلى الكفر في الدين)


    3-
    القول الثالث وهو تأويلالآية على ترك الحكم جحودا به .فمعنىالآية عندهم أن من ترك الحكم بما أنزل الله جاحدا له كان من الكافرين.

    نسبه الطبري في تفسيره (6/ 257) هذا القولالى ابن عباس.
    وقال البغوي :- وقال عكرمة معناه : ومن لميحكم بما أنزل الله جاحدا به فقد كفر ، ومن أقرّ به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق
    و نسبه القرطبي خطأ الى ابن مسعود والحسن البصري فقال [وقال ابن مسعود والحسن: هي عامة في كلمن لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار، أي معتقداً ذلك ومستحلاًله].(تفسير القرطبي) 6/ 190
    فجملة (أيمعتقداً ذلك ومستحلاً له) هي من كلام القرطبي ليست من كلام ابن مسعود والحسن رضيالله عنهما.و الثابت عنهما خلاف ذلك كما سأبين بعد قليل.
    و هو اختيار الرازي و الجصاص يقول الجصاص في أحكام القرآن: (2/439) ناصرا هذا القول : "المراد: جحود حكمالله، أو الحكم بغيره مع الإخبار بأنه حكم الله، فهذا كفر يخرج عن الملة، وفاعلهمرتد إن كان قبل ذلك مسلمًا.وعلى هذا تأوله منقال: إنَّهَا نزلت في بني إسرائيل، وجرت فينا يعنون: أن من جحد حكم الله، أو حكمبغير حكم الله، ثم قال: إن هذا حكم الله؛ فهو كافر، كما كفرت بنو إسرائيل حينفعلوا ذلك".اهـ.

    و هذا القول مرجوح لأن الجاحد كافر سواءحكم أو لم يحكم كما أن الآية علقت الكفر على الترك فلا يخصص بلا دليل قال بن القيم رحمه الله في مدارج السالكين 1/336: ((ومنهم من تأول الآية على ترك الحكم بماأنزل الله جاحدا له وهو قول عكرمة وهو تأويل مرجوح فإن نفس جحوده كفر سواء حكم أولم يحكم )) .


    4-
    القول الرابع وهو أن الترك هنا هو ترك الحكم بجميع ما أنزل الله بما فيذلك الحكم بالتوحيد والإسلام .

    و هو قول ضعيف جدا لا يحتاج أن نقف عنده
    قال ابن القيم رحمه اللهمنتقدا هذا القول في مدارج السالكين 1/336:(( ومنهم من تأولها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله قال ويدخل في ذلك الحكمبالتوحيد والإسلام وهذا تأويل عبد العزيز الكناني وهو أيضا بعيد إذ الوعيد على نفيالحكم بالمنزل وهو يتناول تعطيل الحكم بجميعه وببعضه)) .
    قال الرازي :( وهذا أيضاً ضعيف ؛ لأنه لو كانت هذه الآية وعيداً مخصوصاً بمن خالف حكم اللهتعالى في كل ما أنزل الله تعالى لم يتناول هذا الوعيد اليهود بسبب مخالفتهم حكمالله في الرجم . وأجمع المفسرون على أن هذا الوعيد يتناول اليهود بسبب مخالفتهمحكم الله تعالى في واقعة الرجم ؛ فيدل على سقوط هذا الجواب .)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    15

    افتراضي رد: الدرة الجامعة في تأويل آية المائدة

    5- القول الخامس وهو تأويل الآية على تبديل الشرع فمعنى الآية على هذا أنمن –سواء كان من أهل الكتاب أو غيرهم-ترك الحكم بما أنزل الله فتركه و حكم بشرعغيره كالشرائع المنسوخة و عادات الآباء و القوانين الوضعية و لو في مسألة واحدة كان من الكافرين الخارجين عن الملة .
    فترك الحكم بماأنزل الله الذي علقت الآية عليه الكفر ليس مطلق الترك بل الترك المطلق و لو لحكم واحد من أحكام الشريعة.

    و مما يقوي هذاالقول أن سبب نزول الآية متحقق فيه هذا المناط اذ استبدل اليهود حكم الرجم بالتحميم و لم ينسبوا حكمهم الى الله و لم يستحلوا الزنا
    و سبب نزول هذه الآية ما روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال: مر على رسول الله صلى الله عليه وسلمبيهودي محمم مجلود، فدعاهم فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقالوا: نعم،فدعا رجلا من علمائهم فقال: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حدالزاني في كتابكم؟ فقال: لا والله، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك. نجد حد الزانيفي كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذناالضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا حتى نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع،فاجتمعن ا على التحميم والجلد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أول منأحيا أمرك إذ أماتوه، قال: فأمر به فرجم، قال: فأنزل الله عز وجل (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فيالكفر) إلى قوله (يقولون إنأوتيتم هذا فخذوه (أي: يقولون: ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلدفخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، إلى قوله(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)
    فهذا الحديث فيه:
    1- أن رجلاً وامرأة مناليهود قد أحدثا جميعاً؛ يعني: زنيا.
    2- أن العقوبة التي شرعهاالله فيمن يأتي هذا الفعل منهم هي الرجم.
    3- أن آية الرجم موجودةفي كتابهم لم تُمح ولم تغير ولم تبدل.
    4-أن اليهود لم يستحلواالزنى بل هو باقٍ على تحريمه عندهم. و لم يجحدوا حكم الرجم بل هو باقي في الكتابعندهم قال ابن كثير في تفسيره مبينا هذا ((....ثم قال تعالى منكرا عليهم آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الزائغةفي تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم الذي يزعمون أنهم مأمورن بالتمسكبه أبدا ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدملزومه لهم....))
    5- أن اليهود قد أحدثوالهم عقوبة مغايرة لما حكم الله به من الرجم، وهي التحميم: أي تسويد الوجه،والتجبية: أي: إركابه دابة بحيث يكون وجهه إلى قفا الدابة, وقفاه إلى وجهها.
    6- أنهذه العقوبة المحدثة صارت تشريعاً عامَّاً بديلاً عما شرعه الله منالعقوبة.
    7- أن اليهود كتموا حكمالله و كذبوا على الله عندما سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم الله ثم أقر أحدهم بالحق و لكنهم لم يجحدوا حكم اللهقبل ذلك. و لكن هذه الآيات لم تتحدث على كتمان اليهود لحكم الله بل علقت الكفر على حكمهم بغير ما أنزل الله أي تبديلهم حكم الله بأن تركوا الحكم بماانزل الله) الرجم(في أشرافهم و جعلواالجلد والتحميم مكان الرجم.

    قال إسماعيل القاضي في «أحكام القرآن» (ظاهر الآيات يدل عىأن من فعل مثل مافعلوا - يعني اليهود - واخترع حُكماً يُخالف به حكم الله، وجعلهديناً يُعمل به، فقد لزمه مثل مالزمهم من الوعيد المذكور، حاكما كان أو غيره)(محاسن التأويل) للقاسمي، 6/ 215 - 216، ط دار الفكر1398هـ.

    قال الإمام أبو السعود رحمه الله فيتفسيره (( ….حيث علق فيه الحكم بالكفر بمجرد ترك الحكمبما أنزل الله تعالى فكيف وقد انضم إليه الحكم بخلافه لا سيما مع مباشرة ما نهواعنه من تحريفه ووضع غيره موضعه وادعاء أنه من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا )) ا.هـ

    6- ومنهم من تأولها على الحكم بمخالفة النص تعمدا من غير جهل به ولا خطأ في التأويل وعلى هذا القول فكل من تعمد أن حكم بخلاف حكم الله مجاهرا بذلك سواء كان في قضيةمعينة أو كان حكما عاما كان كافرا بهذا الفعل و روي هذا القول عن ثلاث من الصجابة هم عبدالله بن مسعود و عمر بن بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم و روي عن بعض التابعين و المفسرين كمسروق و سعيد بن جبير والحسن والسدي و أبي وائل شقيق بن سلمة رضي الله عن الجميع.
    - عن ابن مسعود: (الرشوةفي الحكم كفر، وهو بين الناس سحت)، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. (انظرالمعجم الكبير: ج9/ص226، مجمع الزوائد: ج4/ص199، 200سنن سعيد بنمنصور: ج4. )
    - قال الألوسي رحمه الله: وأخرج ابن المنذر عن مسروق قال: قلت لعمر بن الخطابرضي الله تعالى عنه: أرأيت الرشوة في الحكم أمن السحت هي؟ قال: لا ولكن كفر، إنماالسحت أن يكون للرجل عند السلطان جاه ومنزلة، ويكون للآخر إلى السلطان حاجة فلايقضي حاجته حتى يهدي إليه هدية.هذا الأثر رواه أسلم بن سهل الواسطي عن بشر بنمحمد بن أبان بن مسلم حدثنا أسلم ثنا محمد بن عبد الله بن سعيد ثنا بشر بن محمد بنأبان بن مسلم الواسطي ثنا حماد بن سلمة عن أبان بن أبي عياش عن مسلم بن أبي عمرانعن مسروق قال: قلت لعمر بن الخطاب أرأيت الرشوة في الحكم هو السحت؟ قال: لا ولكن الكفران، السحت أن يكون للرجل ثم السلطان منزلة ويكون للآخر إليه حاجة فيهدي له ليقضي حاجته (راجع تاريخ واسط لأسلم بن سهل الرزاز الواسطي ج1/181).

    - وأخرج عبد بن حميد عن علي كرم الله تعالىوجهه أنه سُئِل عن السحت فقال: الرشا، فقيل له في الحكم قال: ذاك الكفر.

    - وروى سعيد بن منصور فيقوله تعالى (سماعون للكذب أكالون للسحت) قال: حدثنا سعيد قال نا خلف بن خليفة قالنا منصور بن زاذان عن الحكم عن أبي وائل عن مسروققال: إذا قبل القاضي الهدية أكل السحت، وإذا قبل الرشوة بلغت به الكفر.- وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: قال الله تعالى (أكالون للسحت) قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسيره: هو الرشوة، وقال:إذا قبل القاضي الرشوة بلغت به إلى الكفر. اهالمغني مع الشرح الكبير، ج1 / 437 - 438، راجع أحكامالقرآن لأبي بكر الجصاص ج4/85: 87
    - و قال السدي: ومن لم يحكم بما أنزل الله يقول: ومن لم يحكمبما أنزلت فتركه عمدا وجار وهو يعلم فهو من الكافرين. اه تفسير الطبري، ج 6 / 257.
    - كما نقل القاسمي في تفسيره [ونقل في «اللباب» عن ابن مسعود والحسن والنخعي:أن هذه الآيات الثلاث عامة في اليهود وفي هذه الأمة، فكل من ارتشى وبدّل الحكم،فحكم بغير حُكم الله فقد كَفَر وظَلَم وفَسَق، وإليه ذهب السدّي، لأنه ظاهرالخطاب. ثم قال: وقيل: هذا فيمن عَلمَ نص حكم الله ثم ردّه عياناً عمداً وحكمبغيره، وأما من خفي عليه النص أو أخطأ في التأويل فلا يدخل في هذا الوعيد، انتهى] من (محاسن التأويل)للقاسمي 6/ 215.
    - قال البغوي في تفسير هذه الآية (وقال العلماء : هذا إذا رد نص حكم اللهعيانا عمدا ، فأما من خفي عليه أو أخطأ في تأويل فلا .)- وقال ابن القيم - في هذه الآية – [ومنهم من تأوّلها على الحكم بمخالفةالنصّ، تعمداً من غير جهل ولاخطأ في التأويل، حكاه البغوي عن العلماء عموماً] (مدارج السالكين) 1/365.
    - وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهالله : )) والطواغيت كثيرة، ورؤوسهم خمسة: الآول...الثاني : الحاكم الجائرالمغيرلأح كام الله،والدليل قوله تعالى: ﴿ألم ترى الى الذين يزعمون أنهمءامنوا بما أنزل اليك و ما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت و قدأمروا أن يكفروا به و يريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا )
    الثالث : الذي يحكم بغيرما أنزل الله،والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَنْلمْ يحكم بما أنزل الله فأولئك همالكافرون﴾) الواجبات المتحتمات المعرفةعلى كل مسلم ومسلمة1-9
    فسمى الشيخ القاضيي الجائر طاغوتا و هذا تكفير له.
    - وقال ابن القيم رحمه الله ((......ومنهم منجعله كفرا ينقل عن الملة)) ا.هـ مدارج السالكين 1/336وهذا القول و ان قال به بعض المتقدمين من الصحابة و التابعين الا أن الذي يظهر ليأن الإجماع انعقد بعد ذلك على خلافه أو على الأقل قال جمهور الأهل السنة بخلافه كما قال ابن عبد البر (وأجمع العلماء على أنالجور في الحكم من الكبائر لمن تعمد ذلك عالمًا به، رويت في ذلك آثار شديدة عنالسلف) التمهيد: 5/74-75 و الله أعلم .



    7- و منهم من تأول ان الآية تشمل الكفرين و ذلك بحسب حال الحاكم :-
    وهو قول ابن القيم رحمه الله: (قال ابن عباس ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعله فهو به كفر وليس كمن كفربالله واليوم الآخر وكذلك قال طاووس وقال عطاء هو كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسقدون فسق. ومنهم من تأول الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحدا له وهو قول عكرمةوهو تأويل مرجوح فإن نفس جحوده كفر سواء حكم أو لم يحكم. ومنهم من تأولها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله قال ويدخل في ذلك الحكمبالتوحيد والإسلام وهذا تأويل عبد العزيز الكناني وهو أيضا بعيد إذ الوعيد على نفيالحكم بالمنزل وهو يتناول تعطيل الحكم بجميعه وببعضه ومنهم من تأولها على الحكم بمخالفة النص تعمدا من غير جهل به ولا خطأ فيالتأويل حكاه البغوي عن العلماء عموما ومنهم من تأولها على أهل الكتاب وهو قولقتادة والضحاك وغيرهما وهو بعيد وهو خلاف ظاهر اللفظ فلا يصار إليه ومنهم من جعلهكفرا ينقل عن الملة.والصحيح : أن الحكم بغير ما أنزل اللهيتناول الكفرين : الأصغر والأكبر ، بحسب حال الحاكم . فإنه إن اعتقد وجوب الحكمبما أنزل الله في هذه الواقعة ، وعدل عنه عصياناً ، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة؛ فهذا كفر أصغر . وإن اعتقد أنه غير واجب ، وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله؛ فهذا كفر أكبر. وإن جهله وأخطأه ؛ فهذا مخطئ ، له حكم المخطئين .) ا.هـ مدارج السالكين 1/336

    والراجح أن هذا القول هو قول ابن عباس رضي الله عنه فمقولة كفر دون كفر ان صحت عنه اذ هي ثابتة عن عامة أصحابه هي فتوى في حكام زمانه و ليست تأويل للآية اذ كيف يأول الآية بالكفر الأصغر و هو الذي روى انسبب نزولها هو حكم اليهود بالأحكام الموضوعة من عندهم فكيف يخرج سبب النزول منمناط الآية.و مما يدل على ذلك ان بعض الروايات جائتبأن رجل سئل ابن عباس (فمن فعل ذلك كفر؟) لا شك أن السائل يعني ترك الحكم في القضية المعينة و ليس في حكم عام . و فيرواية أنه رضي الله عنه قال (إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ، إنه ليس كفراًينقل عن الملة) فدل ذلك أنه يرد على قوم معينون يذهبون الى أنه الكفر الأكبر فيحالة معينة و في حاكم معين.أما ما روي من اشتراطه الجحودفي الآية كقوله (من جحد ما أنزل الله فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالمفاسق) .فهو خاص بالجور في القضاء أيفي الحكم بغير ما أنزل الله في القضايا المعينة و ليس في تبديل الشريعة
    و الدليل على ذلك ما روي ابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم بأسانيد صحيحة عن ابن عباس قوله: [إن ناساً من المشركين كانوايجادلون المسلمين في مسألة الذبح وتحريم الميتة فيقولون: تأكلون مما قتلتمولاتأكلون مما قتل الله؟، يعنون الميتة، فقال تعالى (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)] تفسير ابن كثير) 2/ 169.

    فهذا نص عن ابن عباس في أن من اتبع التشريع المخالف - ولو في قضية واحدة وهي تحليل الميتة هنا -أنه مشرك، وذاك - أي مارواه عنه النسائي - نص في أن تبديل الشريعة كفر أكبر.


    8- و منهم من حرف لفظة الحكم لتشمل كل المعاصي فكل من عصى اللهعندهم فقد حكم بغير ما انزل الله في نفسه و هذا هو قول الخوارج و المعتزلة لينصرواقولهم الباطل بتكفير أصحاب الكبائر . وهو قول بعضالمعاصرين ليلزموا أهل السنة بعدم تكفير المبدل و الحاكم بالقوانين الوضعية و انكفره كفر أصغر .
    وقال أبوحيان الْندلسي رحمهالله: )) واحتجت الخوارج بهذه الآية على أن كل من عصى الله فهو كافر، وقالوا: هي نص في كل من حكم بغيرماأنزل الله فهو كافر،وكل من أذنب فقد حكم بغير ما أنزالله فوجب أن يكون كافرا (( تفسيرالبحرالمحي ط3 – 505

    وقالالفخرالرازي رحمهالله: ))قال تالخوارج كل من عصى الله فهو كافر،وقال جمهور الآئمة ليس الآمركذلك،أماال خوارج فقد احتجوا بهذه الآْية وقالوا إنها نص في أن كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر،وكل من أذنب فقد حكم بغيرما أنزل الله، فوجب أن يكون كافرا (( ا.ه (تفسيرالرازي12- 6)

    و هو قول ساقط لا يقول به من أهل السنة أحد و لكن الغريب أن بعض المعاصرين تمسكوا بهذا القول ليلزموا أهل السنة بعدمتكفير الحاكم بالقانون الوضعي و يستشهدون ببعض النقولات للسلف في ذلك.
    و سبب انحراف أهل هذا القول أنهم لم يفهموالمراد بالحكم في هذه الآية أن الحكم المراد في الآية باتفاق الصحابة هو فضالخصومات و النزاعات بين الناس سواء كان ذلك الأموال أو الأعراض أو الأنفس أوالحدود أو الشجاجات و لم يقل أحد ان الزاني أو السارق أو الكاذب حاكم بغير ما أنزلالله الا ما كان من الخوارج و المعتزلة .

    قال الشيخ الصادق بن عبد الله في كتابه التشريع فتنة العصر رادا هذه الشبهة (( ان لفظ الحكم فيما يتعلق بالحاكمية والتشريع لا يطلق الا على أحد معنيين اما على بيان توصيف المسألة من جهة الأحكامالتكليفي ة والنسبة للمسائل الشرعية أو بمعنى فض الخصومات و المزاعات فلا يجوزاطلاق لفظ الحكم على غير ذلك كفاعل المعصية مثلا اذ ليس احد من السلف في القرونالمفضلة اطلع اسم الحكم او الحاكم على صاحب المعصية الا ما كان من بعض الخوارج وبناء على ذلك وقع هؤلاء في تكفير عصاة الموحدين ممن لم تبلغ معصيتهم حد الكفر اوالشرك او النفاق الأكبر و اليك الأدلة :-قال تعالى) ما كان لبشر ان يؤتيه الله الكتاب و الحكم و النبوة ثم يقول للناسكونوا عبادا لي من دون الله و لكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب و بماكنتم تدرسون(و قال)قل اني على بينة منربي و كذبتم به ما عندي ما تستعجلون به ان الحكم الا لله يقص الحق و هو خيرالفاصلين (و قال)يا داوود انا جعلناكخليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذينيضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يون الحساب(........و في الصحيحين ........(اذا حكم الحاكمفاجتهد ثم أصاب فله أجران و اذا حكم فاجتهد هم أخطأ فله أجر)و في سنن أبي داوود.....فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال(ان الله هو الحكم و اليه الحكم فلم تكنىأبا الحكم) )) انتهى كلام الشيخ الصادق

    و يتمسك هؤلاء بنقولات للسلف حاصلها أنهلم يتمسك أحد من أهل السنة بظاهر الآية و الجواب أن كثير من الصحابة و التابعين والمفسرين تمسكوا بظاهر الآية وهو أن الآية عامة في أهل الكتاب و من فعل فعلهم ممنينتسب للمسلمين و أن الكفر المراد في الآية هو الكفر الأكبر و أن مناط الكفر في الآية هو ترك الحكم بما أنزل الله.وهؤلاء على قولين
    القول الأول أن الترك المراد هو مطلق الترك فالآية تشمل الحاكم الجائر في قضية معينة لشهوة أو رشوة أو قرابة و هو قول عبد الله بن مسعود و عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب ومسروق و سعيد بن جبير و الحسن والسدي وأبو وائل شقيق بن سلمة رضوان الله عليهم جميعا كما أثبتنا سابقا.
    والقول الثاني أن الترك المراد في الآية هو مطلق الترك لتحكيم حكم من الأحكام التي أنزلها الله كتعطيل الحكم بحد الرجم أوبقطع يد السارق أو بتحريم الربا و ابطاله و هو الترك الوارد في سبب نزول الآية .

    أما ما يستشهد به هؤلاء من أقوال العلماء في الانكار على من أخذ بظاهر الآية فهو نوعين :-
    - النوع الأول هو رد على الخوارج بالاستشهاد بهذه الآية على تكفير أهل المعاصي التي هي دون الكفر كالزنى و السرقة.و هذا لا نقول به و لا يقول به أحد من أهل السنة اذ أن الحكم المراد في الآية هو باتفاق الصحابة هو فض الخصومات و النزاعات بين الناس سواء كان ذلك الأموال أو الأعراض أو الأنفس أو الحدود أو الشجاجات .
    أما القول أن كل من عصى الله فقد حكم بغير ماأنزل الله فهذا لم يقل به أحد من القرون الأولى الا الخوارج و المعتزلة.
    فمن هذا قول ابن عبد البر: "وقد ضلت جماعةمن أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب فاحتجوا بِهَذه الآثار ومثلها فيتكفير المذنبين، واحتجوا من كتاب الله بآيات ليست على ظاهرها مثل قوله تعالى وَمَنْلَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ("ا لتمهيد: (17/16).
    وقول لقرطبي: "قوله تعالى: )وَمَنْلَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ(. يحتج بظاهره من يكفربالذنوب -وهم الخوارج!- ولا حجة لهم فيه".
    و قول أبو حيان :"واحتجت الخوارج بِهَذه الآية على أن كل من عصى الله تعالى فهو كافر، وقالوا:هي نص في كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر"البحر المحيط: (3/493).

    أما النوع الثاني من هذه الأقوال هو ما أورده أهل العلم في باب الرد على الخوارج في تكفيرهم أئمة الجور و الظلم
    كقول الآجري: "ومما يتبع الحرورية من المتشابه قولالله u: )وَمَنْلَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ(. ويقرءون معها: )ثُمَّالَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ( [الأنعام:1]. فإذا رأوا الإمام يحكم بغير الحق قالوا: قد كفر، ومنكفر عدل بربه، فقد أشرك، فهؤلاء الأئمة مشركون"الشريعة: (1/342).

    وقول القاضي أبو يعلى: "واحتج -يعني: أحدالخوارج- بقوله تعالى: )وَمَنْلَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ(. وظاهر هذا يوجب إكفارأئمة الجور، وهذا قولنا -يعني: قول الخوراج-. "مسائل الإيمان: (340- 341).

    ونقل القرطبي عن القشيري قوله:"ومذهب الخوارج أن من ارتشى وحكم بغير حكم الله فهو كافر! ، وعزي هذا إلى الحسن والسدي "الجامع لأحكام القرآن: (6/191).

    وقول الجصاص: "وقد تأولت الخوارج هذهالآية على تكفير من ترك الحكم بما أنزل الله من غير جحود"أحكام القرآن: (2/534).
    وقول السمعاني في تفسيره
    (2/42).: "واعلم أن الخوارجيستدلون بِهَذه الآية، ويقولون: من لَمْ يحكم بما أنزل الله فهو كافر، وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم"

    نقول ان تكفير الظلمة من الأمراء و الملوك والولاة والشرط لمجرد ظلمهم دون تلبسهم بناقض من نواقض الاسلام هو قول باطل ولا تشمله الآية و لا يقول أحد من أهل السنة بتكفيرهم حيث أن معنى الحكم في هذا الباب كما بينا لا يخرج عن معنيين الأول فض الخصومات و النزاعات و الثاني تبديل أحكام الشريعة بغيرها و جعل هذا حكم عام يحكم به بين الناس.
    أما تكفير أهل الجور من القضاة في القضايا المعينة دون تبديل الشرائع فهذا كان يقول بهبعض الصحابة و التابعين ثم انعقذ اجماع أهل السنة على خلافه و لذلك يصف المتأخرين من المعلماء هذا القول أنه قول الخوارج.


    بيان سبب خلاف السلف و ترجيح أقوى هذه الأقوال:-
    أولا السلف رضوان الله عليهم رغم خلافهم في تأويل هذه الآيةلكنهم لم يختلفوا على تكفير الجاحد و على رد قول الخوارج في التكفير بالمعاصي مطلقا و على تكفير المستبدل الذي يستبدل الشريعة بغيرها سواء كانت شرائع منسوخة أوقوانين و ضعية أو عادات الآباء.
    و سبب هذا الخلاف بين السلف أن ظاهر الآية يتناول ( ترك الحكم ) بما شرع الله في القضايا المعينة أي الجور في القضاء و هذه الصورة هي التي اختلف فيه السلف و نحى من لا يكفربهذه الصورة و هم جمهور أهل السنة الى تأويل الآية الى الكفر الأصغر أو الى الجحودو غيرها من الأقوال كما بينا سابقا- وترك الحكم بما أنزل الله يختلف عن الحكم" بغير" ما أنزل الله والتي حكي الإجماع على كفر فاعلها ابن كثير و ابنتيمية وغيرهم.
    - - - - -
    و قد بينا أن أحد هذه الأقوال هو قول باطل لا يقول به أحدمن أهل السنة و باقي الأقوال هي أقوال مرجوحة باستثناء قولين
    الأول أن مقصود الآية أن ترك حكما من أحكام الشريعة فعطله وقضى بين الناس بغيره كان كافرا خارجا من الملة و هو القول الخامس .
    الثاني أن من حكم بين الناس فترك الحكم بحكم الله عامدا كان بفعله هذا كافرا و لكن الكفر يشمل الكفري نالأكبر في حالةالحاكم الجاحد لحكم الله أو المستحل لفعله أو الحاكم المعطل للشريعة الحاكمبغيرها. و الكفر الأصغر في حالى الحاكم الجائر المتحايل علىالشريعة (( كالذي يأتيه سارق قد تحققت فيهشروط الحد ثم يدعي القاضي كذبا أن السارق سيرق ليأكل فيسقط الحد لسقوط أحد شروطه وهذا ليس كالحاكم الذي تثبت عنده شروط الحد و لكن الشريعة غير محكمة عنده بل الحاكم عنده قانون وضعي مضاد للشريعة )).

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •