فمطلب ما الذي بحسب الاسم متقدم على كل مطلب. وأما مطلب "ما" الذي بحسب تحقق الأمر في نفسه فمتأخر عن مطلب هل البسيط. فإن الذي يطلب ما ذات الحركة؟ وما الزمان؟ فإنما يطلب مائية أمر موجود عنده، وأما إن طلب أحد هل حركة؟ أو هل زمان؟ أو هل خلأ؟ أو هل إله موجود؟ فيجب أن يكون فهم أولا ما تدل عليه هذه الأسامي؛ فإنه يمكن أن يعلم ما يدل عليه الاسم ولا يعلم هل ذلك المدلول عليه موجود أو غير موجود، وإن كان الحد إنما هو بالحقيقة للموجود، ولكن لا يوقف في أول الأمر أن هذا القول حد بحسب الاسم أو بحسب الذات إلا بعد أن يعرف أن الذات موجودة؛ ولذلك يوضع في التعاليم حدود أشياء يبرهن على وجودها من بعد، كالمثلث والمربع وأشكال أخرى حدّت في أول كتاب "أسطقسات الهندسة" فكان حدا بحسب شرح الاسم. ثم أثبت وجودها من بعد، فصار الحد ليس بحسب الاسم فقط بل بحسب الذات بل صار حدًا بالحقيقة.
أقول: يريد أن يتكلم على ترتيب تلك الأسئلة؛ فأولها ما الشارحة التي يسأل بها عن معنى اللفظ، ثم هل البسيطة التي يسأل بها عن وجود الشيء، ثم ما الحقيقية التي يسأل بها عن ماهية الشيء، ثم هل المركبة التي يسأل بها عن ثبوت صفة لشيء موجود، ثم لمَ التي يسأل بها عن دليل الاعتقاد، ثم لمَ التي يسأل بها عن يسأل بها عن علة الشيء.
ثم ذكر سبب ذلك التقديم وهو أن ما الشارحة تتقدم لأنها للسؤال عن معنى الاسم وتصور المعنى ضروري قبل السؤال عن وجوده من عدمه فإنه لو قيل: هل العنقاء موجود؟ فلا بد أولا أن يكون قد فهم معنى العنقاء. وكذا إذا قيل ما الإنسان؟ سائلا عن ماهيته فلا بد أن يكون قد علم أنه موجود فإن الماهية لا تكون إلا للحقائق الموجودة؛ فلذا تقدم هل البسيطة على ما الحقيقية.
وذكر أمرا وهو الفرق بين حد الشيء بحسب الاسم وحده بحسب الماهية، فقد يبين في العلوم والرياضيات حدود أسماء كالمثلث والمربع والزمان قبل إثبات وجودها فتكون حدودا اسمية ثم إذا أقيم البرهان على وجودها صارت تلك الحدود الاسمية المشتملة على الجنس والفصل حدودا حقيقية، وهذا الأمر كان قد نقله ابن تيمية من قبل عن الغزالي في بدايات المقام الثاني.