تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 4 الأولىالأولى 1234
النتائج 61 إلى 74 من 74

الموضوع: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

  1. #61

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    وهكذا يقول حذاقهم في تحديد أمور كثيرة قد حدها غيرهم يقولون لا يمكن تحديدها تحديد تعريف لماهياتها بل تحديد تنبيه وتمييز كما قال ابن سينا في الشفاء قال:
    "فنقول: إن الموجود والشيء والضروري معانيها ترتسم في النفس إرتساما أوليا ليس ذلك الارتسام مما يحتاج أن يجلب بأشياء هو أعرف منها.
    فإنه كما أنه في باب التصديق مباديء أولية يقع التصديق بها لذاتها ويكون التصديق لغيرها بسببها وإذا لم يخطر بالبال أو يفهم اللفظ الدال عليها لم يمكن التوصل إلى معرفة ما يعرف بها وإذا لم يكن التعريف الذي يحاول إخطارها بالبال أو يفهم ما يدل عليها من الألفاظ محاولا لإفادة علم ما ليس في الغريزة بل منبها على تفهيم ما يريده القائل أو يذهب إليه وربما كان ذلك بأشياء هي في أنفسها أخفى من المراد تعريفه لكنها لعلة ما وعبارة ما صارت أعرف.
    كذلك في التصورات أشياء هي مباديء للتصور هي متصورات لذاتها وإذا أريد أن يدل عليها لم يكن ذلك في الحقيقة تعريفا لمجهول بل تنبيها وإخطارا بالبال باسم العلامة وربما كانت في نفسها أخفى منه لكنها لعلة ما وحال ما تكون أظهر دلالة فإذا استعملت تلك العلامة نبهت النفس على إخطار ذلك المعنى بالبال من حيث أنه هو المراد لا غيره من غير أن تكون العلامة بالحقيقة معلمة إياه.
    ولو كان كل تصور يحتاج إلى أن يسبقه تصور قبله لذهب الأمر إلى غير النهاية أو لدار وأولى الأشياء بأن تكون متصورة لأنفسها الأشياء العامة للأمور كلها كالموجود والشيء والواحد وغيره ولهذا ليس يمكن أن يبين شيء منها ببيان لا دور فيه ألبتة أو ببيان وشيء أعرف منها.
    أقول: في هذا النقل ابن سينا يقول: هناك أشياء متصورة بذاتها مستغنية عن التعريف، ومع هذا قد تعرف بتعريف ما، ولكن هذا التعريف ليس هو الذي صورها في نفس المستمع بل هي متصورة بنفسها ومع هذا لعلة ما قد يكون جلب هذا التعريف للمستمع منبها له على إخطار ذلك المعنى في البال مع أن ذلك التعريف المستجلب قد يكون أخفى وأغمض في النفس من المعرَّف كتعريف الموجود والشيء والواحد فكل الناس تتصورها بداهة.

  2. #62

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    وكذلك قول من قال: إن الشيء هو الذي يصح عنه الخبر. فإن يصح أخفى من الشيء، والخبر أخفى من الشيء، فكيف يكون هذا تعريفا للشيء! وإنما تعرف الصحة ويعرف الخبر بعد أن يستعمل في بيان كل واحد منهما أنه شيء أو أنه أمر أو أنه ما أو أنه الذي وجميع ذلك كالمرادفات لاسم الشيء فكيف يصح أن يعرف الشيء تعريفا حقيقيا بما لا يعرف إلا به، نعم ربما كان في ذلك وأمثاله تنبيه ما، وأما بالحقيقة فانك إذا قلت أن الشيء هو ما يصح أن يخبر عنه تكون كأنك قلت أن الشيء هو الشيء الذي يصح عنه الخبر لأن معنى ما والذي والشيء معنى واحد فتكون قد أخذت الشيء في حد الشيء، على أننا لا ننكر أن يقع بهذا وما أشبهه مع فساد مأخذه تنبيه بوجه ما على الشيء ونقول أن معنى الموجود ومعنى الشيء متصوران في الأنفس وهما معنيان والموجود والمثبت والمحصل أسماء مترادفة على معنى واحد ولا شك أن معناها قد حصل في نفس من يقرأ هذا الكتاب.
    أقول: من حدّ الشيء بقوله: هو الذي يصح عنه الخبر. فقد عرفه بالأخفى، و"الذي" بمعنى الشيء كأنك قلت هو: الشيء الذي يصح عنه الخبر. وهذا دور. ومع هذا قد فيه تنبيه وإخطار للمعنى في نفس مستمع التعريف، وإلا فالشيء والموجود معنيان متصوران في الأنفس بالبداهة.

  3. #63

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    وكذلك قال في حد الواحد والكثير قال:
    "فصل في تحقيق الواحد والكثير وإبانة أن العدد عرض"
    والذي يصعب علينا تحقيقه ماهية الواحد وذلك أنا إذا قلنا أن الواحد الذي لا ينقسم فقد قلنا أن الواحد الذي لا يتكثر ضرورة فأخذنا في بيان الواحد الكثرة وأما الكثرة فمن الضرورة أن تحد بالواحد لأن الواحد مبدأ الكثرة ومنه وجودها وماهيتها.
    ثم أي حد حددنا به الكثرة استعملنا فيه الواحد بالضرورة فمن ذلك ما نقول أن الكثرة هو المجتمع من وحدات فقد أخذنا الوحدة في حد الكثرة ثم عملنا شيئا آخر وهو أنا أخذنا المجمتع في حدها والمجتمع يشبه أن يكون هو الكثرة نفسها وإذا قلنا من الوحدات أو الوحدان أو الآحاد فقد أوردنا بدل لفظ الجمع هذا اللفظ ولا يفهم معناه ولا يعرف إلا بالكثرة وإذا قلنا أن الكثرة هي التي تعد بالواحد فنكون قد أخذنا في حد الكثرة الوحدة ونكون أيضا أخذنا في حدها العدد والتقدير وذلك إنما يفهم بالكثرة أيضا.
    فما أغنى علينا أن نقول في هذا الباب شيئا يعتد به لكنه يشبه أن تكون الكثرة أيضا أعرف عند تخيلنا ويشبه أن تكون الوحدة والكثرة من الأمور التي يتصورها بديا فذكر الكثرة نتخيلها أولا والوحدة نعقلها من غير مبدأ لتصورها ثم إن كان ولابد فخيالي ثم تعريفنا الكثرة بالوحدة تعريفا عقليا وهنالك نأخذ الوحدة متصورة بذاتها ومن أوائل التصور يكون تعريفنا الوحدة بالكثرة تنبيها يستعمل فيه المذهب الخيالي النومي إلى معقول عندنا لا يتصور حاضرا في الذهن.
    فإذا قالوا إن الوحدة هي الشيء الذي ليست فيه كثرة دلوا على أن المراد بهذه اللفظة الشيء المعقول عندنا بديا الذي يقابل هذا الآخر وليس هو فينبه عليه بسلب هذا عنه.
    خلاصته: أنهم يقولون الواحد هو: الذي لا ينقسم. وهذا كأنهم قالوا إن الواحد: الذي لا يتكثر. فأخذنا في بيان الواحد الكثرة. ثم أي حد حددنا به الكثرة استعملنا فيه الواحد بالضرورة فمن ذلك ما نقول إن الكثرة هو: المجتمع من وحدات. وهذا دور.
    والجواب أن تعقل الوحدة أمر بديهي مستغن عن التعريف وإن كان منتزعا من الصور الكثيرة الخيالية، ثم نتعقل الكثرة بالواحد فلا دور. والقصد أن ذلك التعريف تنبيهي.

  4. #64

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    والعجب ممن يحدد العدد ويقول أن العدد كثرة مؤلفة من وحدة أو آحاد والكثرة نفس العدد ليس كالجنس للعدد وحقيقة الكثرة أنها مؤلفة من وحدات فقولهم أن الكثرة مؤلفة من وحدات كقولهم أن الكثرة كثرة فإن الكثرة ليس إلا اسما للمؤلف من الوحدات.
    إن قال قائل: إن الكثرة قد تؤلف من أشياء غير الوحدات مثل الناس والدواب فنقول أنه هذه كما أن الأشياء ليست كثرات بل أشياء موضوعة للكثرة وكما أن تلك الأشياء وحدان لا وحدات فكذلك هي كثيرة لا كثرة.
    والذين يحسبون أنهم إذا قالوا أن العدد كمية منفصلة ذات ترتيب فقد تخلصوا من هذا فما تخلصوا فان الكمية تحوج تصورها للنفس إلى أن تعرف بالجزء أو القسمة أو المساوة أما الجزء والقسمة فانما يمكن تصورهما بالكثرة وأما المساوة فإن الكمية أعرف منها عند العقل الصريح لأن المساواة من الأعراض الخاصة بالكمية التي يجب أن توخذ في حدها الكمية فيقال إن المساوة هي اتحاد في الكمية والترتيب الذي أخذ في حد العدد أيضا هو ما لا يفهم إلا بعد فهم العدد.
    فيجب أن يعلم أن هذه كلها تنبيهات مثل التنبيهات بالأمثلة والأسماء المترادفة فإن هذه المعاني متصورة كلها أو بعضها لذواتها وإنما يدل عليها بهذه الأشياء لينبه عليها وتميز فقط.
    أقول: ومن هذا الباب تعريفهم العدد بقولهم: كثرة مؤلفة من وحدات. والكثرة نفس العدد فكأنه قال العدد: عدد مؤلف من وحدات.
    ومنها تعريفهم له بأنه: كمية منفصلة ذات ترتيب.
    والكمية المنفصلة هي نفس العدد. فما صنعوا شيئا.
    فالصواب أن ذلك كله من باب التنبيه وليس تعريفا حقيقيا.

  5. #65

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    قلت: فهذا الكلام الذي ذكره ابن سينا هنا قد تلقوه عنه بالقبول كما يذكر مثل ذلك أبو حامد والرازي والسهروردي وغيرهم.
    فيقال: هذا الذي ذكروه في حدود هذه الأمور هو موجود في سائر ما يرومون بيانه بحدودهم عند التدبر والتأمل لكن منها ما هو بين لكل أحد كالأمور العامة ومنها ما هو بين لبعض الناس كما يعرف أهل الصناعات والمقالات أمورا لا يعرفها غيرهم فحدودها بالنسبة إلى هؤلاء كحدود تلك الأمور التي يعم علمها بالنسبة إلى العموم
    وأما الأمور التي تخفى فمجرد الحدود لا تفيد تعريف حقيقتها بعينها وإنما تفيد تمييزها ونوعا من التعريف الشبهي.
    أقول: هنا يقول الشيخ للمناطقة: هذا الذي ذكروه في حدود هذه الأمور هو موجود في سائر ما يرومون بيانه بحدودهم عند التدبر والتأمل. لكنه ينقسم إلى قسمين: الأول: ما هو بين لكل الناس كالأمور العامة كتعريف الموجود والشيء.
    ومنها ما هو بين لبعض الناس دون البعض كما يعرف أهل الصناعات مفردات عملهم من الاكتساب والسعي والممارسة لا من الحدود، فحدود تلك الأشياء إذا جلبت من الكتب وقدمت لهم لم تكن إلا تنبيها وإخطارا للمعنى وإلا فهم قد تصوروه بدون الحدود. وأما الأمور الخفية التي لا سابق معرفة بها فيمكن حدها حدا تشبيهيا كما مضى في مثال الخمر.

  6. #66

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    وهذا يتبين بتقرير قاعدة في ذلك فنقول: المقول في جواب ما هو المطلوب تعريفه بالحد هو جواب لقول سائل قال: ما كذا كما يقول ما الخمر؟ أو ما الإنسان؟ أو ما الثلج؟.
    فهذا الاسم المستفهم عنه المذكور في السؤال إما أن يكون السائل غير عالم بمسماه وإما أن يكون عالما بمسماه.
    فالأول كالسائل عن اسم في غير لغته، أو عن اسم غريب في لغته، أو عن اسم معروف في لغته لكن مقصوده تحديد مسماه.
    مثل العربي إذا سأل عن معاني الأسماء الأعجمية، والعجمي إذا سأل عن معاني الأسماء العربية، وبعض الأعاجم إذا سأل بعضا عن معاني الأسماء التي تكون في لغة المسئول دون السائل وهذا هو الترجمة.
    فالمترجم لا بد أن يعرف اللغتين التي يترجمها والتي يترجم بها وإذا عرف أن المعنى الذي يقصد بهذا الاسم في هذه اللغة هو المعنى الذي يقصد به في اللغة الأخرى ترجمه كما يترجم اسم الخبز والماء والأكل والشرب والسماء والأرض والليل والنهار والشمس والقمر ونحو ذلك من أسماء الأعيان والأجناس وما تضمنته من الأشخاص سواء كانت مسمياتها أعيانا أو معاني.
    والترجمة تكون للمفردات وللكلام المؤلف التام وإن كان كثير من الترجمة لا يأتي بحقيقة المعنى التي في تلك اللغة بل بما يقاربه لأن تلك المعاني قد لا تكون لها في اللغة الأخرى ألفاظ تطابقها على الحقيقة لا سيما لغة العرب فان ترجمتها في الغالب تقريب.
    ومن هذا الباب ذكر غريب القرآن والحديث وغيرهما بل وتفسير القرآن وغيره من سائر أنواع الكلام وهو في أول درجاته من هذا الباب فان المقصود ذكر مراد المتكلم بتلك الأسماء أو بذلك الكلام.
    وهذا الحد هم متفقون على أنه من الحدود اللفظية مع أن هذا هو الذي يحتاج إليه في إقراء العلوم المصنفة بل في قراءة جميع الكتب بل في جميع أنواع المخاطبات بتلك فان من قرأ كتب النحو والطب أو غيرهما لا بد أن يعرف مراد أصحابها بتلك الأسماء ويعرف مرادهم بالكلام المؤلف وكذلك من قرأ كتب الفقه والكلام والفلسفة وغير ذلك.
    أقول: كلام الشيخ واضح وقد تقدم بيانه وهنا يقول الشيخ إن الحدود اللفظية هي التي يحتاج إليها في إقراء العلوم وفي التفسير والحديث وغيره بل في جميع الكتب، مع أن المناطقة يستهينون بهذه الحدود اللفظية.

  7. #67

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    وهذه الحدود معرفتها من الدين في كل لفظ هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قد تكون معرفتها فرض عين وقد تكون فرض كفاية ولهذا ذم الله تعالى من لم يعرف هذه الحدود بقوله تعالى: الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله. والذي أنزله على رسوله فيه ما قد يكون الاسم غريبا بالنسبة إلى المستمع كلفظ ضيزى وقسورة وعسعس وأمثال ذلك.
    وقد يكون مشهورا لكن لا يعلم حده بل يعلم معناه على سبيل الإجمال
    كاسم الصلاة والزكاة والصيام والحج فان هذه وإن كان جمهور المخاطبين يعلمون معناها على سبيل الإجمال فلا يعلمون مسماها على سبيل التحديد الجامع المانع إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي التي يقال لها الأسماء الشرعية.
    كما إذا قيل صلاة الجنازة وسجدة السهو وسجود الشكر والطواف هل تدخل في مسمى الصلاة في قوله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم " فقيل هل كل ذلك صلاة تجب فيها الطهارة وهل لا تجب الطهارة لمثل ذلك فهل تجب لما تحريمه التكبير وتحليله التسليم وهي كصلاة الجنازة وسجد السهو دون الطواف سجود التلاوة.
    وكذلك اسم الخمر والربا والميسر ونحو ذلك يعلم أشياء من مسمياتها ومنها ما لا يعلم إلا ببيان آخر فانه قد يكون الشيء داخلا في اسم الربا والميسر والإنسان لا يعلم ذلك إلا بدليل يدل على ذلك شرعي أو غيره.
    ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن حد الغيبة فقال: "ذكرك أخاك بما يكره فقال له: أرأيت أن كان في أخي ما أقول فقال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
    وكذلك قوله لما قال: "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر "
    فقال رجل: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا أفمن الكبر ذلك؟ فقال: "لا الكبر بطر الحق وغمط الناس ".
    وكذلك لما قيل له ما الإسلام وما الإيمان وما الإحسان ولما سئل عن أشياء أهي من الخمر وغير ذلك.
    بالجملة فالحاجة إلى معرفة هذه الحدود ماسة لكل أمة وفي كل لغة فان معرفتها من ضرورة التخاطب الذي هو النطق الذي لا بد منه لبني آدم.
    أقول: معرفة معاني الألفاظ الواردة في القرآن والسنة والتي قد تخفى واجبة إما وجوبا كفائيا أو عينيا. وقد يكون بيانها بلغة العرب كالعسعس والضيزى، وقد يكون بيانها من قبل الشارع كالصلاة والزكاة والربا، وقد يكون معرفتها من جهة أخرى لا من جهة المعنى الإجمالي بل من جهة تحديد أفرادها وتمييز بعضها عن بعض كمعرفة ما يدخل في الربا وما لا يدخل وما لا يدخل في الخمر المحرمة وما لا يدخل وما يعد من الكبر وما لا يعد.

  8. #68

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    وهذا الذي يقال له حد بحسب الاسم والمقول في جواب ما هو من هذا النوع وقد يكون اسما مرادفا وقد يكون مكافيا غير مرادف بحيث يدل على الذات مع صفة أخرى كما إذا قال: ما الصراط المستقيم؟ فقال: هو الإسلام واتباع القرآن أو طاعة الله ورسوله والعلم النافع والعمل الصالح وما الصارم فقيل هو المهند وما أشبه ذلك.
    وقد يكون الجواب بالمثال كما إذا سئل عن لفظ الخبز ورأى رغيفا فقال: هذا فان معرفة الشخص يعرف منه النوع.
    وإذا سئل عن المقتصد والسابق والظالم فقال: المقتصد الذي يصلي الفريضة في وقتها ولا يزيد والظالم الذي يؤخرها عن الوقت والسابق الذي يصليها في أول الوقت ويزيد عليها النوافل الراتبة ونحو ذلك من التفسير الذي هو تمثيل يفيد تعريف المسمى بالمثال لإخطاره بالبال لا لأن السائل لم يكن يعرف المصلي في أول الوقت وفي أثنائه والمؤخر عن الوقت لكن لم يكن يعرف أن هذه الثلاثة أمثلة الظالم والمقتصد والسابق فإذا عرف ذلك قاس به ما يماثله من المقتصر على الواجب والزائد عليه والناقص عنه.
    ثم إن معرفة حدود هذه الأسماء في الغالب تحصل بغير سؤال لمن يباشر المتخاطبين بتلك اللغة أو يقرأ كتبهم فان معرفة معاني اللغات تقع كذلك.
    وهذه الحدود قد يظن بعض الناس أنها حدود لغوية يكفي في معرفتها العلم باللغة والكتب المصنفة في اللغة وكتب الترجمة وليس كذلك على الإطلاق.
    بل الأسماء المذكورة في الكتاب والسنة ثلاثة أصناف:
    - منها ما يعرف حده باللغة كالشمس والقمر والكوكب ونحو ذلك.
    - ومنها مالا يعرف إلا بالشرع كأسماء الواجبات الشرعية والمحرمات الشرعية كالصلاة والحج والربا والميسر.
    - ومنها ما يعرف بالعرف العادي وهو عرف الخطاب باللفظ كاسم النكاح والبيع والقبض وغير ذلك.
    هذا في معرفة حدود ها التي هي مسمياتها على العموم.
    أقول: الحد اللفظي يقع بأمور منها:
    المرادف مثل الليث والأسد.
    المكافئ مثل الإسلام والصراط المستقيم فهما متغايران مفهوما متحدان مصداقا.
    المثال نحو الاسم كالرجل.
    وهذه الحدود ليست لغوية فقط بل قد تكون شرعية أو عرفية عامة أو خاصة.

  9. #69

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    وأما معرفة دخول الأعيان الموجودة في هذه الأسماء والألفاظ فهذا قد يكون ظاهرا وقد يكون خفيا يحتاج إلى اجتهاد وهذا هو التأويل في لفظ الشارع الذي يتفاضل الفقهاء وغيرهم فيه فإنهم قد اشتركوا في حفظ الألفاظ الشرعية بما فيها من الأسماء أو حفظ كلام الفقهاء أو النحاة أو الأطباء وغيرهم ثم يتفاضلون بأن يسبق أحدهم إلى أن يعرف أن هذا المعنى الموجود هو المراد أو مراد هذا الاسم كما يسبق الفقيه الفاضل إلى حادثة فينزل عليها كلام الشارع أو كلام الفقهاء وكذلك الطبيب يسبق إلى مرض لشخص معين فينزل عليه كلام الأطباء إذ الكتب والكلام المنقول عن الأنبياء والعلماء إنما هو مطلق بذكر الأشياء لصفاتها وعلاماتها فلا بد يعرف أن هذا المعين هو ذاك.
    وإذا كان خفيا فقد يسميه بعض الناس تحقيق المناط فإن الشارع قد ناط الحكم بوصف كما ناط قبول الشهادة بكونه ذا عدل، وكما ناط العشرة المأمور بها بكونها بالمعروف، وكما ناط النفقة الواجبة بالمعروف، وكما ناط الاستقبال في الصلاة بالتوجه شطر المسجد الحرام، يبقى النظر في هذا المعين هل هو شطر المسجد الحرام وهل هذا الشخص ذو عدل وهل هذه النفقة نفقة بالمعروف وأمثال ذلك لابد فيه من نظر خاص لا يعلم ذلك بمجرد الاسم.
    وقد يكون الاجتهاد في دخول بعض الأنواع في مسمى ذلك الاسم كدخول الأشربة المسكرة من غير العنب والنخل في مسمى الخمر ودخول الشطرنج والنرد ونحوهما في مسمى الميسر ودخول السبق بغير محلل في سباق الخيل ورمي النشاب في ذلك ودخول الرمل ونحوه في الصعيد الذي في قوله تعالى: فتيمموا صعيدا طيبا. ودخول من خرج منه مني فاسد في قوله: وإن كنتم جنبا فاطهروا. ودخول الساعد في قوله: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه. ودخول البياض الذي بين العذار والأذن في قوله: فاغسلوا وجوهكم. ودخول الماء المتغير بالطهارات أو ما أوقعت به نجاسة ولم تغيره في قوله: فلم تجدوا ماء. ودخول المائع الذي لم يغيره ما مات فيه من الطيبات أو الخبائث ودخول سارق الأموال الرطبة في قوله: والسارق والسارقة. ودخول النباش في ذلك ودخول الحلفة بما يلزم لله في مسمى الإيمان ودخول بنات البنات والجدات في قوله: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم .
    ومثل هذا الاجتهاد متفق عليه بين المسلمين ممن يثبت القياس ومن ينفيه فإن بعض الجهال يظن أن من نفى القياس يكفيه في معرفة مراد الشارع مجرد العلم باللغة وهذا غلط عظيم جدا.
    ولهذا قال ابن عباس: "التفسير على أربعة أوجه:
    - تفسير تعرفه العرب من كلامها.
    - وتفسير لا يعذر أحد بجهالته.
    - وتفسير يعلمه العلماء.
    - وتفسير لا يعلمه إلا الله".
    والتفسير الذي يعلمه العلماء فيتضمن الأنواع التي لا تعلم بمجرد اللغة كالأسماء الشرعية ويتضمن أعيان المسميات وأنواعها التي يفتقر دخولها في المسمى إلى اجتهاد العلماء.
    أقول: يتكلم الشيخ عن الفرق بين الحد والتأويل.
    فالحد كلام مطلق يتكلم عن وصف كلي لحقيقة الشيء.
    والتأويل هو تنزيل هذا الكلام المطلق على الأعيان ومعرفة ما ينطبق عليه الوصف فيدخل فيه وما لا ينطبق فيخرج منه.
    وقد يكون دخول الأعيان في المحدود ظاهرا وقد يكون خفيا يحتاج إلى اجتهاد من العلماء وقد أسهب الشيخ بذكر أمثلة كثيرة لذلك.

  10. #70

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    فصل: ثم إن هذا الاسم المسئول عنه الذي لا يعلم السائل معناه إذا أجيب عنه بما يقال
    في جواب ما هو ينقسم حال السائل فيه إلى نوعين:
    أحدهما: أن يكون قد تصور المعنى بغير ذلك اللفظ ولكن لم يعرف أنه يعنى بذلك اللفظ فهذا لا يفتقر إلا إلى ترجمة اللفظ كالمعاني المشهورة عند الناس من الأعيان والصفات والأفعال كالخبز والماء والأكل والشرب والبياض والسواد والطول والقصر والحركة والسكون ونحو ذلك.
    والثاني: أن يكون غير متصور المعنى كما أنه غير عالم بدلالة اللفظ عليه وهذا يحتاج إلى شيئين إلى ترجمة اللفظ وإلى تصور المعنى إلى حد الاسم والمسمى.
    وهذا مثل من يسأل عن لفظ الثلج وهو لم يره قط أو يسأل عن اسم نوع من الفاكهة أو الحيوان الذي لم يره أو لم يكن في بلاده أو يسأل عن اسم المسجد والصلاة والحج وكان حديث عهد بالإسلام لم يتصور هذه المعاني أو يسأل عن اسم نوع من الأطعمة والأشربة التي لا يعرفها أو اسم نوع من أنواع الثياب والمساكن التي لا يعرفها.
    وبالجملة فكل ما لا يعرفه الشخص من الأعيان والأفعال والصور إذا سمع اسمه أما في كلام الشارع أو كلام العلماء أو كلام بعض الناس فانه إذا كان ذلك المعنى هو لم يتصوره ولا له في لغته لفظ فهنا لا يمكن تعريفه إياه بمجرد ترجمة اللفظ بل الطريق في تعريفه إياه أما التعيين وأما الصفة.
    وأما التعيين فانه بحضور الشيء المسمى ليراه أن كان مما يرى أو يذوقه أو يلمسه ونحو ذلك بحيث يعرف المسمى كما عرفه المتكلمون بذلك الاسم.
    فإذا رأى الثلج وذاقه ورأى الفاكهة أو الطبيخ أو الحلوى وذاقه أو رأى الحيوان الذي لم يألفه أو رأى العبادات أو الأعمال التي لم يكن يعرفها فحينئذ يتصورها ويتصور اسمها كما تصورها أهل اللغة وهم على قسمين منهم من علم ذلك بالمشاهدة ولم يذق حقيقته ومنهم من يكون قد ذاقه.
    وأما الطريق الثاني وهو أن يوصف له ذلك والوصف قد يقوم مقام العيان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها".
    ولهذا جاز عند جمهور العلماء بيع الأعيان الغائبة ب الصفة.
    هذا مع أن الموصوف شخص وأما وصف الأنواع فأسهل.
    ولهذا التعريف ب الوصف هو التعريف ب الحد فانه لا بد أن يذكر من الصفات ما يميز الموصوف والمحدود من غيره بحيث يجمع أفراده وأجزاءه ويمنع أن يدخل فيه ما ليس منه وهي في الحقيقة تعريف بالقياس والتمثيل إذ الشيء لا يتصوره إلا بنفسه أو بنظيرة.
    وبيان ذلك أنه يذكر من الصفات المشتركة بينه وبين غيره ما يكون مميزا لنوعه فكل صفة من تلك الصفات إنما تدل على القدر المشترك بينه وبين غيره من النوع مثلا والقدر المشترك إنما يفيد المعرفة للعين بالمثال لا يفيد معرفة العين المختصة إذ الدال على ما به الاشتراك لا يدل على ما به الامتياز لكن يكون مجموع الصفات مميزا له تمييز تمثيل لا تمييز تعيين فان غير نوعه لا تجمع له تلك الصفات وهو نفسه لا يميز إلا بما يخصه.
    أقول: سبق تقرير ذلك وبيانه وقلنا: إن كان عالما بالمسمى ويجهل الاسم فأمره هين يبدل لفظ بلفظ كمن لا يعرف ما المقصود بالليث فيقال له: الأسد. وإن كان جاهلا بالاسم والمسمى فهذا له أحد سبيلين:
    التعيين. بأن يطلع عليه بحسه كأن يرى الفاكهة الأجنبية التي سمع اسمها ولم يعرفها ويذوقها. فيستغني عن الحد.
    الحد الوصفي بأن يذكر حد تلك الفاكهة فيشبهه له بما يعرفه. وهذا أضعف من الأول.

  11. #71

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    قال الشيخ: فالحد يفيد الدلالة عليه لا تعريف عينه بمنزلة من يقال له فلان في هذه الدار يدل عليه قبل أن يراه وهو قد يصور المشترك بينه وبين غيره بدون هذه الدلالة.
    ومن تدبر هذا تبين له أن الحدود المصورة للمحدود لمن لا يعرفه إنما هي مؤلفة من الصفات المشتركة لا يدخل فيها وصف مختص به إذ المختص وإن كان لا بد منه في الحد المميز فهو لم يتصوره وأنها لا تفيد تعريف عينه فضلا عن تصوير ما يتنبه له وإنما يفيد تعريفه بطريق التمثيل المقارب إذ لو عرف المثل المطابق لعرف حقيقة.
    ثم قد يكون المخصص صفة واحدة وقد يكون الاختصاص بمجموع الصفتين.
    ولو عرف المستمع الوصف الذي يخصه كان قد تصوره بعينه فيكون هو من القسم الأول الذي يترجم له اللفظ فقط.
    مثال ذلك أنه إذا سمع لفظ الخمر وهو لا يعرف اللفظ ولا مسماه فيقال له هو الشراب المسكر ولفظ الشراب جنس ل الخمر يدخل فيه الخمر وغيرها من الأشربة وهذا واضح وكذلك لفظ المسكر الذي يظن أنه فصل مختص ب الخمر وهو في الحقيقة جنس فيه يشترك الشراب وغيره فان لفظ المسكر ومعناه لا يختص ب الشراب بل قد يكون ب طعام وقد يحصل السكر بغير طعام وشراب فحينئذ فلا فرق بين أن يقول هو المسكر من الأشربة أو ما اجتمع فيه الشرب والسكر أو يقول الشراب المسكر إنما هو كما يقول ثوب خز وباب حديد ورجل طويل أو قصير فان الرجل أعم من الطويل والطويل اعم من الرجل ولكن باجتماع هذين يتميز.
    وكذلك قولهم في حد الإنسان هو الحيوان الناطق فلما نقضوا عليهم ب الملك زاد المتآخرون المائت وهي زيادة فاسدة فان كونه مائتا ليس بوصف ذاتي له إذ يمكن تصور الإنسان مع عدم خطور موته بالبال بل ولا
    هو صفة لازمة فضلا عن أن تكون ذاتية فان الإنسان في الآخرة هو إنسان كامل وهو حي أبدا.
    وهب أن من الناس من يشك في ذلك أو يكذب به أليس هو مما يمكن تصوره في العقل فإذا قدر الإنسان على الحال الذي أخبرت به الرسل عليهم السلام أليس هو إنسانا كاملا وهو غير مائت.
    ثم يقال أيضا والملك يموت عند كثير من المسلمين واليهود والنصارى أو أكثرهم وهب أنه لا يموت كما قالته طائفة من أهل الملل وغيرهم كما يقوله من يقوله ولكن ليس ذلك معلوما للمخاطب بالحد لا سيما والنفس الناطقة من جنس ما يسمونه الملائكة وهي العقول والنفوس الفلكية عندهم فظهر ضعف ما يذكره الفارابي وأبو حامد وغيرهما من هذا الاحتراز.
    ولكن يقال اسم الحيوان عندهم مختص ب النامي المتغذي وهذا يخرج الملك فالحيوان يخرج الملك وحينئذ فالناطق اعم من الإنسان إذ قد يكون إنسانا وغير إنسان كما أن الحيوان أعم منه.
    وهب أنا نقبل فصلهم بالمائت فنقول المائت أيضا ليس مختصا بالإنسان بل هو من الصفات التي يشترك فيها الحيوان.
    فقد تبين أن كل صفة من هذه الصفات الحيوان والناطق والمائت ليس منها واحد مختص بنوع الإنسان فبطل قولهم أن الفصل لا يكون إلا بالصفات المختصة بالنوع فضلا عن كونها ذاتية وإنما يحصل التمييز بذكر المجموع أما الوصفين وأما الثلاثة.
    أقول: ذكر الشيخ هنا عدة أمور:
    أولا: أن الحد يفيد الدلالة على المحدود بحيث يتميز عن غيره ولا يتصوره مشتركا مع غيره ولا يفيد الدلالة على العين.
    ثانيا: أن الصفة المختصة سواء أكانت فصلا أم خاصة لو عرفت لعرف المحدود نفسه فلا حاجة به إلى الحد كمن يعرف السكر فهو قد عرف الخمر بعينه، فإن لم يعرفه فلا ينفعه إن يقال له هو شراب مسكر.
    ثالثا: الطريقة الصحيحة هي في ذكر أوصاف لا تختص بالموصوف منفردة ولكن يحصل باجتماعها تخصيص وتمييز للموصوف كما لو قيل في تعريف الإنسان: حيوان ماش على قدمين، منتصب البشرة تماما، بادي البشرة. فإنه سيحصل منها مجتمعة خاصة تميز الإنسان عن غيره.
    وذكر الشيخ مثالا لتعريف الإنسان بإنه حيوان ناطق وزيادة بعضهم المائت لإخراج الملك وأنها زيادة فاسدة لأن الموت ليس ذاتيا للإنسان على اصطلاحم بل هو غير لازم أصلا لأن الإنسان في الآخرة لا يموت.
    وأن الصواب أن يجعل الحيوان والناطق وصفين عامين أي يكون بينهما عموم وخصوص وجهي فالحيوان وهو النامي المتغذي يشمل الإنسان ويشمل غيره كالأسد، والناطق كذلك أعم من الحيوان يشمل الإنسان وغيره كالملك.

  12. #72

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    قال: هذا إذا جعل الفصل مصورا للمحدود في نفس من لم يتصوره.
    وأما إذا جعل الفصل مميزا له عن غيره فلا ريب أنه يكون بالصفات المختصة.
    والمقصود أنه من تصور المحدود بنفسه فلا بد أن يتصور ما يختصه ويميزه عن غيره وهذا لا يحتاج في تصوره إلى حد ولكن يترجم له الاسم الدال عليه ويميز له المسمى عن غيره لكن الحد يكون منبها له على الحقيقة كما ينبهه الاسم إذا كان عارفا بمسماه.
    وأما من لم يكن متصورا له فلا يمكن أن يذكر له صفة واحدة تختص بالمحدود فلا يمكن تعريفه إياه لا ب فصل ولا خاصة سواء ذكر الجنس والعرض العام أو لم يذكر لأن الصفة التي تختص المحدود لا تتصور بدون تصور المحدود إذ لا وجود لها بدونه والعقل إنما يجرد الكليات إذا تصور بعض جزئياتها فمن لم يتصور الشيء الموجود كيف يتصور جنسه ونوعه.
    ولكن يتصور ب التثميل والتشبيه ويتصور القدر المشترك بين تلك الصفة الخاصة وبين نظيرها من الصفات والقدر المشترك ليس هو فصلا ولا خاصة ولكن قد ينتظم من قدر مشترك وقدر مشترك ما يخص المحدود كما في قولك شراب مسكر.
    وعلى هذا فإذا قيل في الفرس أنه حيوان صاهل وفي الحمار أنه حيوان ناهق وفي البعير أنه حيوان راغ وفي الثور أنه حيوان خائر وفي الشاة أنها حيوان ثاغ وفي الظبي أنه حيوان باغم وأمثال ذلك فهذه الأصوات مختصة بهذه الأنواع لكن لا تفيد تعريف هذه الحيوانات لمن لم يكن عارفا بها فمن لم يعرف الفرس لا يعرف الصهيل ومن لم يعرف الحمار لا يعرف النهيق أعنى لا يعرف معناه وإن سمع اللفظ فإذا أريد تعريف النهيق قيل له هو صوت الحمار فيلزم الدور إذ يكون قد عرف الحمار ب النهيق والنهيق ب الحمار.
    وهكذا سائر الخواص المميزة للمحدود لا يعرف بها المحدود لمن لم يكن عرفه.
    فتبين أن تعريف الشيء إنما هو بتعريف عينه أو بذكر ما يشبهه فمن عرف عين بالشيء لا يفتقر في معرفته إلى حد ومن لم يعرفه فإنما يعرف به إذا عرف ما يشبهه ولو من بعض الوجوه فيؤلف له من الصفات المشتبهة المشتركة بينه وبين غيره ما يخص المعرف.
    ومن تدبر هذا وجد حقيقته وعلم معرفة الخلق بما أخبروا به من الغيب من الملائكة واليوم الآخر وما في الجنة والنار من أنواع النعيم والعذاب بل عرف أيضا ما يدخل من ذلك في معرفتهم بالله تعالى وصفاته ولم قال كثير من السلف المتشابه هو الوعد والوعيد والمحكم: هو الأمر والنهي، ولم قيل القرآن يعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه وعلم أن تأويل المتشابه الذي هو العلم بكيفية ما أخبرنا به لا يعلمه إلا الله وإن كان العلم بتأويله الذي هو تفسيره ومعناه المراد به يعلمه الراسخون في العلم كما قد بسطناه في غير هذا الموضع.
    هذا كله إذا كان السائل القائل ما هو غير عالم بالمسمى.
    وأما إن كان عالما بالمسمى ودلالة الاسم عليه فلا يحتاج إلى التمييز بين المسمى وغيره ولا إلى تعريفه دلالة الاسم عليه فيكون مطلوبه قدرا زائدا على التمييز بينه وبين غيره وهذا هو الذي يجعلونه مطلوبا للسائل عن المحدود وجوابه هو عندهم المقول في جواب ما هو.
    ومعلوم أن مطلوب هذا قد يكون ذكر خصائص له باطنة لم يطلع عليها وقد يكون مطلوبه بيان علته الفاعلية أو الغائية وقد يكون مطلوبه معرفة ما تركب منه شيء ما وقد يكون مطلوبه معرفة حقيقته التي لا يعلمها المسئول أو علمها ولا عبارة تدل السائل عليها كالسائل عن حقيقة النفس وأمثال ذلك.
    وجواب مثل هذا لا يجب أن يحصل بذكر صفة مشتركة مع الصفات المختصة بل قد لا يحصل إلا بذكر جميع المشتركات وقد يحصل بذكر بعض المختصات وقد يحصل بغير ذلك بحسب غرض السائل ومقصوده.
    أقول: إذا كان السائل لا يعلم حقيقة المسمى فإنما يعرف به إذا عرف ما يشبهه ولو من بعض الوجوه فيؤلف له من الصفات المشتبهة المشتركة بينه وبين غيره ما يخص المعرف.
    وإن كان عالما بالمسمى ولكن يسأل عن شيء محدد فيه يجهله فالجواب يكون بحسب غرض السائل ويذكر له في التعريف خصوص الذي يجهله كأن كان يسأل عن علته الفاعلة أو الغائية أو المادية التي يتركب منها فيجاب بها.

  13. #73

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    الخامس: أن التصورات المفردة يمتنع أن تكون مطلوبة فيمتنع أن تطلب بالحد وذلك لأن الذهن إما أن يكون شاعرا بها وإما أن لا يكون شاعرا بها.
    فإن كان شاعرا بها امتنع طلب الشعور وحصوله لأن تحصيل الحاصل ممتنع وإنما قد يطلب دوام الشعور وتكرره أو قوته.
    وإن لم يكن شاعرا بها امتنع من النفس طلب ما لا تشعر به فإن الطلب والقصد مسبوق بالشعور.
    فإن قيل فالإنسان يطلب تصور الملك والجن والروح وأشياء كثيرة وهو لا يشعر بها. قيل: هو قد سمع هذه الأسماء فهو يطلب تصور مسماها كما يطلب من سمع ألفاظا لا يفهم معانيها تصور معانيها سواء كانت المعاني متصورة له قبل ذلك أو لم تكن، وهو إذا تصور مسمى هذه الأسماء فلا بد أن يعلم أنها مسماة بهذا الاسم إذ لو تصور حقيقة ولم يكن ذلك الاسم فيها لم يكن تصور مطلوبه، فهنا المتصور ذات وأنها مسماة بكذا. من جنس ما يرى الثلج من لم يكن يعرفه فيراه ويعلم أن اسمه الثلج وهذا ليس تصورا للمعنى فقط بل للمعنى ولاسمه وهذا لا ريب أن يكون مطلوبا ولكن هذا لا يوجب أن يكون المعنى المفرد مطلوبا فإن المطلوب هنا تصديق وفيه أمر لغوي.
    وأيضا فإن المطلوب هنا لا يحصل بمجرد الحد بل لا بد من تعريف المحدود بالإشارة إليه أو غير ذلك مما لا يكتفى فيه بمجرد اللفظ.
    أقول: هذه الحجة هذبها الشيخ من كلام الرازي في المحصل.
    والخلاصة هي: أن التصورات للمعاني المفردة يمتنع أن تكون مطلوبة؛ لأن الشخص الذي يطلبها إما أن يكون شاعرا بها فحينئذ يمتنع الطلب لأن تحصيل الحاصل محال، وإما أن لا يكون شاعرا بها فحينئذ يمتنع الطلب أيضا لأنه مسبوق بالشعور.
    فإن قيل: كيف يكون هذا ألا ترى أن الإنسان يطلب تصور الأشياء المجهولة فيقول ما الملك ما الجن ما الكهرباء ما كذا وما كذا؟ فكيف تزعمون أن ذلك ليس بمطلوب؟
    قلنا: هو قد سمع هذه الأسماء ويطلب تصور مسماها فيقول: ما كذا؟، وهو إذا تصور مسماها بعد ذلك فلا بد أن يعلم أنها مسماة بهذا الاسم إذ لو تصور حقيقة ولم يكن ذلك الاسم فيها لم يكن تصور مطلوبه، فهنا المتصور ذات وأنها مسماة بكذا. وهذا ليس تصورا للمعنى فقط بل للمعنى ولاسمه وهذا لا ريب أن يكون مطلوبا وإلا كان مكابرة ولكن هذا لا يوجب أن يكون المعنى المفرد مطلوبا فإن المطلوب هنا تصديق لا تصور فظهر أن التصورات المفردة لا تطلب.
    وأيضا فإن المطلوب هنا لا يحصل بمجرد الحد؛ بل لا بد من تعريف المحدود بالإشارة إليه أو غير ذلك مما لا يكتفى فيه بمجرد اللفظ. من جنس من يقول ما هو الثلج؟ ثم يرى الثلج ويقال له هذا هو.

  14. #74

    افتراضي رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

    فإن قيل: جعلتم امتناع الطلب لازما للنقيضين، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان وإذا عدم اللازم عدم الملزوم فإذا كان امتناع الطلب وهو اللازم معدوما لزم عدم النقيضين وعدم النقيضين محال.
    قيل هذا الامتناع لازم على تقدير هذا النقيض أو تقدير هذا النقيض فأيهما كان ثابتا في نفس الأمر كان الامتناع لازما له يلزم به في نفس الأمر وليس في هذا جمع بين النقيضين ولا رفع للنقيضين وهذا يقوي المقصود فإن هذا الامتناع إذا لزم من انتفائه المحال لم يكن منتفيا بل يكون هذا الامتناع ثابتا وهو المطلوب وإذا كان عدم هذا الامتناع مستلزما للنقيضين كان محالا فيكون نقيضه وهو ثبوت هذا الامتناع حقا فيكون امتناع الطلب للتصورات المفردة ثابتا وهو المراد.
    وإذا لم تكن التصورات المفردة مطلوبة فإما أن تكون حاصلة للإنسان فلا تحصل بالحد فلا يفيد الحد التصوير، وإما أن تكون حاصلة فمجرد حصول الحد لا يوجب تصور المسميات لمن لا يعرفها ومتى كان له شعور بها لم يحتج إلى الحد في ذلك الشعور إلا من جنس ما يحتاج إلى الاسم.
    والمقصود هو التسوية بين فائدة الحدود وفائدة الاسم لكن الحد إذا تعددت فيه الألفاظ كان كتعداد الأسماء سواء كانت مشتقة أو غير مشتقة.
    أقول: القصد بهذا الكلام أمران:
    الأول: دفع إشكال مفاده أنكم قلتم: التصورات المفردة يمتنع أن تكون مطلوبة لأنها إما أن يكون مشعورا بها وإما أن لا يكون مشعورا بها. فجعلتم امتناع التصورات المفردة لازما للنقيضين، وإذا عدم اللازم عدم الملزوم كالزوجية لازمة للأربعة، وإذا عدمت الزوجية عدمت الأربعة قطعا، فإذا عدم امتناع الطلب لزم عدم النقيضين، وعدم النقيضين محال لأن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان.
    قلنا: هذا الامتناع لازم على تقدير هذا النقيض أو تقدير هذا النقيض فأيهما كان ثابتا في نفس الأمر كان الامتناع لازما له يلزم به في نفس الأمر وليس في هذا جمع بين النقيضين ولا رفع للنقيضين.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •