6781 - ( من غسل ميتاً فكتم عليه ؛ غفرالله له أربعين كبيرة... ).
شاذ بلفظ: " كبيرة".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" ( 1/ 293 - 294/ 929 ): حدثنا هارون بن ملول البصري: ثنا عبد الله بن يزيد المقرىء: ثنا سعيد بن أبي أيوب عن شرحبيل بن شريك عن علي بن رباح قال: سمعت أبا رافع يقول:... فذكره مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة، وعليه جرى بعض الحفاظ، فقال المنذري في " الترغيب " ( 4/ 170/ 1 )، وتبعه الهيثمي في " المجمع " ( 3/ 21 ): " رواه الطبراني في " الكبير "، ورواته محتج بهم في ( الصحيح ) ".
فأقول: هو كما قالا باستثثناء شيخ الطبراني، وهذه غالب عادتهم أنهم يغضون النظر عن شيوخ الطبراني إلا ما ندر ؛ حتى ولو كان ممن تكلم فيه أو جُهل، أو غير ذلك ؛ كالشذوذ أو المخالفة، وهذا هو العلة هنا، فقد رواه جماعة من الثقات بلفظ " مرة" مكان "كبيرة ". فمنهم: عبد الصمد بن الفضل، وعبد الله بن أحمد بن أبي ميسرة، عند الحاكم ( 1/ 4 35، 362 )، ومن طريقه البيهقي في" الشعب " ( 7/ 9/ 9265 )، وعباس بن عبد الله الترقفي عنده في " السنن ) " ( 3/ 395 )، والمقدمي وأبو صالح سعيد بن عبد الله سيامرد - ولم أعرفه - كلهم قالوا: " مرة "مخالفين ( هارون بن ملول ) في قوله: " كبيرة "! وهذا من أوضح الأمثلة للحديث الشاذ وأقواها - كما لا يخفى على العارفين بهذا الفن الشريف -.
على أن ( هارون ) هذا لم أجد من وثقه من المتقدمين، مثل الدارقطني وأمثاله من أئمة الجرح والتعديل، وإنما وثقه ابن الجوزي فقال:
" كان من عقلاء الناس، ثقة في الحديث ".
كما نقله الشيخ الأنصاري في كتابه القيم " بلغة القاصي والداني " ( ص 336 )، فإذا ثبتت ثقته ؛ فيكون حديثه شاذاً، وإلا ؛ كان منكراً. والله سبحانه وتعالى أعلم.
( تنبيه ): لقد اختلط على بعض الحفاظ المتأخرين وغيرهم ؛ هذا اللفظ الشاذ باللفظ المحفوظ في تخريج الحديث، فعزوا الأول إلى من روى الآخر، وهاك البيان:
1 - الحافظ الزيلعي، فإنه ساق الحديث في " نصب الراية " ( 2/ 256 ) من رواية البيهقي في " المعرفة " عن شيخه الحاكم، بإسناده عن عبد الصمد بن الفضل عن عبد الله ين يزيد بإسناده المتقدم عن أبي رافع مرفوعاً بلفظ: " كبيرة ". وقال:
"ورواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا هارون بن ملول المصري: ثنا عبد الله بن يزيد المقري به سنداً ومتناً. ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: على شرط مسلم ". فأنت ترى أنه جعل لفظ الحاكم والبيهقي لفظاً واحداً هو: " كبيرة "! وهذا خلاف ما تقدم: أن روايتهما من طريق عبد الصمد بن الفضل هي بلفظ الجماعة المحفوظ:
"مرة".
وهكذا عزاه الإمام النووي في " الجموع " ( 5/ 186 ) للحاكم في " المستدرك "، وأقره على التصحيح.
وما عزاه الزيلعي لـ " معرفة البيهقي "، فهو وهم آخر، لا أدري هو منه أو من كاتب نسخته من " المعرفة "، فقد تقدمت روايته في " الشعب " من طريق شيخه عن عبد الصمد بن الفضل بلفظ: " مرة ". وكذلك وجدته فى نسخة مخطوطة عندي من " المعرفة " ( 2/ 139/ 2 )، مما يؤكد الوهم المذكور.
2 - الحافظ العسقلاني ؛ فإنه ذكر في " الدراية في تخريج أحاديث الهداية " الطرف الأول من الحديث باللفظ الشاذ، وقال:
"إسناده قوي، أخرجه الحا كم والطبراني والبيهقي".
ومن الواضح أنه تلخيص لتخريج الزيلعي، لم يرجع إلى الأصول الثلاثة التي ذكرها. ليتبين له الفرق بين اللفظين!
3 - المعلق أو المعلقون على" نصب الراية " ؛ فإنهم شايعوا الأصل، بل ودعموه بنقل تقوية الحافظ لإسناده، دون أن ينتبهوا للفرق والشذوذ.
4 - الحافظ السيوطي، وابن عرّاق الكناني - كما يأتي قريباً - والمعلقان عليه. 5 - وأخيراً، المعلقون الثلاثة على " الترغيب " ( 4/ 232 ) ؛ فإنهم قالوا في تخريجهم
" حسن، قال الهيثمي... " فذكروا قوله: " رجاله رجال الصحيح، - كما تقدم -، وتصحيح الحاكم والذهبي، دون أن يفرقوا أيضاً!! وأنى لهم العلم الذي يمكنهم من ذلك ؟!
هذا، وفي مقابل هؤلاء أبو الفرج ابن الجوزي، فقد ساق في " موضوعاته " ( 2/ 85 ) حديثاً لأبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
" من غسل ميتاً فستر عليه، وأدى الأمانة ؛ غفر له أربعين مرة... " الحديث.
وأعله بيوسف بن عطية، وقول ابن حبان:
" يقلب الأخبار، ويلزق المتون الموضوعة بالأسانيد الصحيحة".
فكان عليه أن يشير إلى حديث أبي رافع هذا المحفوظ ؛ حتى لا يتوهم القارئ أنه لا يوجد في الباب ما يغني عن حديت أبي هريرة هذا الواهي. ولذلك فقد أحسن السيوطي في " اللآلي " ( 2/ 8 - 9 ) في تعقبه إياه بحديث أبي رافع هذا، وتبعه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " ( 2/ 69 - 70 ) برواية البيهقي المتقدمة من طريق الترقفي، ولكنهما لم يحسنا بسكوتهما عن بيان صحة إسناده، وأساءا بذكرمتنه بلفظ: " كبيرة. "! مع لفظه في حديث أبي هريرة المشهود له بلفظ: " مرة " - كما نقلته آنفاً -، ولكنه تحرف عندهما إلى " كبيرة " ا!
وأقر ذلك كله المعلقان الأزهريان ( عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الله محمد الصديق الغماري ) الذي وصف نفسه تحت اسمه: " من علماء الأزهر والقرويين، ومتخصص في علم الحديث والإسناد " ا!
الكتاب : سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة
المؤلف : محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني