السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته
الحمدلله
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِين َ . رواه أبوداود وصححه الألباني
( " مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ " ) : قَامَ بِهِ ، أَيْ أَتَى بِهِ ، يَعْنِي : مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي صَلَاتِهِ عَلَى التَّدَبُّرِ وَالتَّأَنِّي كَذَا قِيلَ ، وَفِي الْأَزْهَارِ يُحْتَمُلُ مَنْ قَامَ وَقَرَأَ وَإِنْ لَمْ يُصِلِّ ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ ، أَيْ : أَخَذَهَا بِقُوَّةٍ وَعَزْمٍ ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ ، أَيْ يَقْرَؤُهَا فِي رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ . اهـ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَقَلُّ مَرَاتِبِ الصَّلَاةِ ، وَهِيَ تَحْصُلُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ، وَهِيَ سَبْعُ آيَاتٍ وَثَلَاثُ آيَاتٍ بَعْدَهَا ، فَتِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ . ( " لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ " ) ، أَيْ : لَمْ يُثْبَتِ اسْمُهُ فِي صَحِيفَةِ الْغَافِلِينَ .
( " وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ " ) ، أَيِ الْمُوَاظِبِينَ عَلَى الطَّاعَةِ أَوِ الْمُطَوِّلِينِ الْقِيَامَ فِي الْعِبَادَةِ . وَالْقُنُوتُ : الطَّاعَةُ وَالْقِيَامُ ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ ، أَيْ : مِنَ الَّذِينَ قَامُوا بِأَمْرِ اللَّهِ وَلَزِمُوا طَاعَتَهُ وَخَضَعُوا لَهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَلَا شَكَّ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لَهَا مَزَايَا وَفَضَائِلُ ، وَأَعْلَاهَا أَنْ تَكُونَ فِي الصَّلَاةِ ، لَا سِيَّمَا فِي اللَّيْلِ ، قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ) وَمِنْ ثَمَّ أَوْرَدَ مُحْيِي السُّنَّةِ الْحَدِيثَ فِي بَابِ صَلَاةِ اللَّيْلِ ، وَحَاصِلُ كَلَامِ الطِّيبِيِّ أَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ لَا بِصَلَاةٍ وَلَا بِلَيْلٍ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِهِ ، وَيَدُلَّ عَلَيْهِ جَزَاءُ الشَّرْطِيَّةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ : " لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ " ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ فِي مَحَلِّ الْأَكْمَلِ ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ : فَتَفْسِيرِي ( قَامَ يُصَلِّي ) فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلِاسْتِعْمَال ِ الشَّرْعِيِّ . فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ لَا يُعْرُفُ فِي الشَّرْعِ تَفْسِيرُ ( قَامَ يُصَلِّي ) وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَفَاتَهُ أَنَّ الْحَدِيثَ مَسُوقٌ فِي بَابِ صَلَاةِ اللَّيْلِ . فَغَرِيبٌ ؛ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوُرُودِ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ ، وَبَيْنَ إِيرَادِ غَيْرِهِ فِيهِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَهَذَا التَّفْسِيرُ يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ قِرَاءَتِهَا وَلَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ قِرَاءَتُهُ ذَلِكَ فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ - فَمَرْدُودٌ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ مَعْلُومٍ ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ قَيْدٍ ، وَإِنْ كَانَ الْقَيْدُ يُفِيدُ زِيَادَةَ الْفَضِيلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
( " وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ " ) : قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : مِنَ الْمُلْكِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ أَلْفُ آيَةٍ . ( " كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِين َ " ) ، أَيْ : مِنَ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الْأَجْرِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقَنَاطِيرِ ، وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ . يَعْنِي مِنَ الَّذِينَ بَلَغُوا فِي حِيَازَةِ الْمَثُوبَاتِ مَبْلَغَ الْمُقَنْطِرِين َ فِي حِيَازَةِ الْأَمْوَالِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : لَا نَجِدُ الْعَرَبَ تَعْرِفُ وَزْنَ الْقِنْطَارِ ، وَمَا نُقِلَ عَنِ الْعَرَبِ الْمِقْدَارُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، قِيلَ : أَرْبَعَةُ آلَافِ دِينَارٍ ، فَإِذَا قَالُوا : قَنَاطِيرُ مُقَنْطَرَةٌ فَهِيَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ ، وَقِيلَ الْقِنْطَارُ : مِلْءُ جِلْدِ الثَّوْرِ ذَهَبًا ، وَقِيلَ : هُوَ جُمْلَةٌ كَثِيرَةٌ مَجْهُولَةٌ مِنَ الْمَالِ . قَالَهُ الطِّيبِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ : هُوَ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ .
وَقَالَ مِيرَكُ : وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : " الْقِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ أُوقِيَّةً ، وَالْأُوقِيَّةُ خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ نَقَلَهُ الْمُنْذِرِيُّ [وضعفه الألباني] . وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ : الْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ ، وَالْأُوقِيَّةُ خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، كَذَا رَوَاهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ ، وَأَقُولُ : وَرُوِيَ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ وَلَفْظُهُ : " مَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ أَصْبَحَ لَهُ قِنْطَارٌ ، وَالْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ ، وَالْوُقِيَّةُ خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَخَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ " . أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ . ( رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ) وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَمَنْ قَامَ بِمِائَتَيْ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِين َ ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَوْلُهُ : مِنَ الْمُقَنْطِرِين َ ، أَيْ : مِمَّنْ كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنَ الْأَجْرِ ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ .
الشيخ ملا علي القاري رحمه الله تعالى
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح » كتاب الصلاة » باب صلاة الليل
والله أعلم