كتب ابن حميدس الصقلي الى ابي الصلت الاندلسي

ولو أن من عظمي يراعي ومن دمي
مدادي ومن جلدي الى مجده طِرْسي

وخاطبت بالعلياء لفظـاً مـنـقّـحـاً
وخطّطت بالظلماء أجنحة الشمـس

لكان حقيراً في عـظـيم الـذي لـه
من الحقّ في نفس الجلال فدع نفسي

ومالكة نفسي ملكت بهـا الـمـنـى
وقد شرّدت عني التوحّش بـالأُنـس

وقابلت منها كل مـعـنـى بـعـدّه
يلوّح نفس الوهم في دُهْمة النِّقْـس

كأني فـي روض أنـزّه نـاظـري
جليل معانـيه يدقّ عـن الـحـسِّ

مقَلْت بعيني منه خـطّ ابـن مُـقـلة
وفضّ على سمعي الفصاحة من قُسِّ

وخِفت عليه عين سحـر تـصـيبـه
فصيّرت تعويذي له آية الكُـرسـي



فأجابه أبو الصلت:

ولم تهد نجوى الروح منه الى الأسـى
ولكن نفخت الرّوح في ساكن الرمس

وما روْضة بالحَزْن جِيدَتْ بـواكـف
من المُزْن محجوب به حاجب الشمس

سرى زَجِل الأكناف حتّى تحـلّـبـتْ
مدامعه بالرِّيِّ في تُرْبهـا الـيَبْـس

تمرّ بهـا ريح الـجـنـوب عـلـيلة
فتبعث أنفاس الحياة الى الـنـفـس

بأبدع مـن خـطّ ولـفـظ تـداعـيا
بدا الحسن في تلك اليراعةِ والطِّرس

كأني مـن مِـيمـاتِـه مـتـرشّـف
حروف شفاه عاطرات اللّمى لُعْـسِ

بعثتَ به أُنسي وقـد كـان غـارِبـاً
فلا غرو أن أسميتُه باعِـثَ الأُنـس

وها إنّنـي عـارضـتـه فـي رَويّةٍ
كملتمس نَيْل الكواكب بـالـلّـمـس