كتب إسماعيل العبودي:
في الغرف المغلقة، يُصنع الرأي العام، عن طريق رجال لم يرهم الإعلام قط، يكتبون كل ليلة ماذا يجب أن يقول الإعلام غداً، ومن الذي سوف يتلو نشرة الأخبار التي يجب على جميع الشعب أن يؤمن بها ويصدقها. إنها شكل من صنع رأي عام كاذب قد ينهار في طرفة عين.
الأدهى من ذلك حينما يراد أن يصنع رأي عام عالمي عن طريق وزارة الحقيقة التي تخبر فقط عما جري ويجري في عالم المسكوت عنه. إنه أنموذج دولة اورويل المجيدة.
إن هذه الدولة تملك كل مصادر المعرفة والتأثير، إنها دولة الايدولوجيا، إن لم تكن غابت فهي إلى الأفول في عالم العوالم المفتوحة. لكن مازال هناك سؤال جوهري ينتظر النقاش، وهو:من المخول التحدث بالشأن العام والحديث باسم الجماهير والشعب، هذا في الشأن العام، فكيف بالشأن الإسلامي، من الذي يستطيع أن يقول أنا المؤثر وأنا القائد؟
إن الدولة الحديثة بتركيبتها تؤثر في الناشطين في الشأن العام وبطريقة عملهم، فهناك شرطة، ومخابرات، وقضاء وجسم بيروقراطي متشعب ومسيطر على التعليم ومؤثر في الإعلام.
ومن سمات هذه الدولة الأساسية، مبدأ المواطنة، والذي يضمن حقوقا متساوية للناس ويلزمهم بواجبات متساوية أيضا، وليس هناك أحد فوق القانون على الأقل من الناحية النظرية.
في مجتمع اعتاد على سلطة معينة، قد يثير مشاكل كثيرة،ربما تتسبب في إعاقة بناء مجتمع متجانس، فهل يحق لكل إنسان أن يتحدث بما يؤمن به ولو خالف الأغلبية أو جزءا من مفاهيم الإسلام.
وإذا استعنا باللغة الأصولية: من له حق الاجتهاد وإبداء الرأي في الشأن العام؟ متى يعتبرالخلاف ولا ينكر على المجتهد فيما رآه من قول؟ وهل من خالف الإجماع يناصح ويستتاب حتى يرجع؟ هل يستطيع أحد أن يطلب بوقف المفتي السفيه لحفظ عقول الناس، وهل من الممكن لجم وتحذير العوام عن السماع لبعض الكلام المخالف لما نعتقده؟ هذه في المباحث الفقهية فما بالك بالقضايا الفكرية المصيرية، والتي تؤثر في كل مناحي حياة الناس اليومية.
في عصر انفجار الثورات العربية، وبعد أن تخلص القرار العربي من قيوده وأصبح شأناً عاماً، ستثار خلافات، كل يريد أن يسحب مستقبل المجتمعات إلى ما يعتقد أنه الحق والأفضل.
في بيئة تدافعية ولحظة انفراج، سيتقاتل الفرقاء ليثبتوا مدى صوابية ما يعتقدون بكل أساليب الإقناع، قد يكون منها أساليب التخويف. قد نسمع إما أنا أو الفوضى وما أُريكم إلا ما أرى .
في بيئة مكفول فيها حرية التعبير، ربما تتهدد المجتمع رغبات ونزوات فئات معينة، وقد بدأت بوادرها في البلاد المحررة. كل سيضع على كاهله إنقاذ مجتمعه من عدوه الذي سيدمر البلاد والعباد.
وفي حمأة الصراع قد تنسى مصلحة المجتمع ويقدم عليها مصلحة الفئة أو التيار. من الممكن أن تحاول تيارات إسقاط مناوئيها بشتى السبل المشروعة وغير المشروعة.هذه الصراعات قد تكونبوابةالدخول للدولة الفاشلة، والنماذج أبلغ من التعبير.
لم يصنع أحد تركيبة المجتمعات، إنما هي صنيعة نفسها بكل تنوعها وتاريخها وتناقضاتها، والمجتمع لا يشبه إلا نفسه في لحظة تاريخية واحدة قد تتبدل.
من الصعوبة بمكان أن تنظر ماذا يجب أن يكون شكل المجتمع وعلاقاته مع بعضه البعض، مهما امتلك الإنسان من أدوات التأثير لا يستطيع أن يكون الأوحد، ولن يمتلك روح المجتمع ليشكله تبعا لهواه.
ومحاولة السيطرة على المجتمع سوف تأتي بهجمة مرتدة من القوى الأخرى. وقد يكون العمل والاتفاق على قواعد أخلاقية ملزمة لجميع الأطراف، هي الضامن الوحيد للوصول إلى مجتمع متناسق، قادر على تصحيح أخطائه.