يجب على الصائم أن يجتنب أمورا أمره الشارع الحكيم باجتنابها والبعد عنها، وتتلخص في ما يأتي:ـ
أـ قول الزور:ـ
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :"من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". رواه البخاري [1903].
وقد نقل الحافظ في الفتح (4/147) عن ابن المنير قوله في تفسير هذا الحديث: هو كناية عن عدم القبول، كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به: لا حاجة لي بكذا وكذا. فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول الصوم السالم منه.
ثم قال الحافظ: وقال ابن العربي: مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه، ومعناه: أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه،
وقال البيضاوي: ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لم ينظر الله إليه نظر القبول، فقوله:"ليس لله حاجة". مجاز عن عدم القبول فنفى السبب وأراد المسبب والله أعلم"أهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في بيان معنى الحديث:
" أي لم يرد الله منا بالصوم أن نترك الطعام أو الشراب؛ لأنه لو كان هذا مراد الله لكان يقتضي أن الله يريد أن يعذبنا، والله تعالى يقول: " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ". [النساء: 147] وإنما يريد منا ـ عزّ وجل ـ أن نتقي الله لقوله تعالى:" لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".
قال ابن الأثير في النهاية (2/318) عن الزور: هو الكذب والباطل والتهمة"أهـ.
ب ـ اللغـو والرفث والجهل والسباب والشتام:ـ
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:"...وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب ـ وفي رواية: ولا يجهل ـ فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم". رواه البخاري ومسلم.
ـ وعنه رضي الله عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابَّك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم". رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
واللغو: هو المطِّرح من القول وما لا يعني.
والرفث: قال الأزهري: كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة.
والسخب: هو الصخب أي شدة الصوت وارتفاعه، والمقصود من ذلك ما كان على وجه التسخط ودَلَّ على الضجر.
فليحذر المسلم من ارتكاب هذه المحذورات التي بسببها يخسر الأجر ويفوته الثواب، ويجب على كل صائم أن يجعل نصب عينيه ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:" رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر". رواه ابن ماجه والنسائي في الكبرى،
ورواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط البخاري ولفظهما: رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورُبَّ قائم حظه من قيامه السهر".
تنبيهات:ـ
1/ وأما ما جاء عن أنس رضي الله عنه مرفوعا:" خمس تفطر الصائم وتنقض الوضوء: الكذب والغيبة والنميمة والنظر بالشهوة واليمين الفاجرة". فهو حديث موضوع بيانه في السلسلة لضعيفة رقم (1708).
2/ وكذلك ما رواه أحمد عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "أن امرأتين صامتا، وأن رجلا قال: يا رسول الله، إن ها هنا امرأتين قد صامتا وإنهما كادتا أن تموتا من العطش. فأعرض عنه أو سكت، ثم عاد، وأراه قال بالهاجرة قال: يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا أن تموتا، قال: أدعهما. قال: فجاءتا. قال: فجيء بقدح أو عس فقال لإحداهما:"قيئي". فقاءت قيحا أو دما وصديدا ولحما، حتى قائت نصف القدح، ثم قال للأخرى:"قيئي". فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملأت القدح، ثم قال:" إن هاتين صامتا عمّا أحلّ الله، وأفطرتا على ما حرّم الله عز وجل عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلان لحوم الناس". فهو حديث ضعيف بيانه في السلسلة الضعيفة (519).
3/ وكذلك ما جاء عند ابن عدي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا:" الصائم في عبادة، ما لم يغتب". فهو حديث منكر بيانه في السلسلة الضعيفة (1829).
(التمام في بيان أحكام الصيام)