تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِين َ!

  1. #1

    Question اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِين َ!

    [ليست أيام حجٍّ، ولا مشروعية خاصة للعُمْرة في رجب على ما يظهر من أقوال الأئمة المحقِّقين.. فَلِمَ تتحدَّث إذًا عن دعوةٍ نبويةٍ للمحلِّقين؟
    لهذا العنوان قصة تاريخية، وأخرَى من يومياتِي الطَّريفة!
    أما التاريخية، فهي ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: «اللَّهُمَّ اغْفِر للمحلِّقينَ». قالوا: يا رسولَ الله، وللمُقصِّرينَ. قال: «اللَّهُمَّ اغْفِر للمحلِّقينَ». قالوا: يا رسولَ الله، وللمقصِّرينَ. قال: «اللَّهُمَّ اغْفِر للمحلِّقينَ». قالوا: يا رسولَ الله، وللمقصرينَ. قال: «وللمقصرين».

    أما الواقعية اليومية، فتتعلَّق بأحد صبيانِي الذي اقترح عليَّ وهو يضحك أن أحلق شعر أخيه الذي طال، وحين سألته عن السبب أجاب بأنَّ الرسول دعا للصُّلْعان (حسب تعبيره) ثلاث مرات، وللمُقصِّرينَ مرة واحدة!
    ولم يدرِ بخَلَده أن الأمر النبوي متعلِّق بسياقٍ خاصٍّ في شعائر الحج أو العمرة.
    ولم يدر في خَلَده أنه أوحى لي بفكرةٍ بسيطةٍ عميقة تتعلَّق بالخطاب الشرعي والتَّنْزِيل الواقعي.
    النص عام في الحثِّ على الحَلْق، والدعاء للمحلِّقين، ولكن مجال النص وميدانه هو في شعيرة الحج أو العمرة، وليس في ميدان الحياة كلها.
    ولذا لم يكن قولًا معتبرًا أن الحلق مستحب في غير الشعيرة، ولذا جاء في الأثر: «لا تُوضع النواصي إلا في حجٍّ أو عمرة».
    هذا من الفقه العظيم..
    وهنا يَرِد السؤال:
    وميدان الحياة كلها إذًا هل هو خارج سلطة الدِّين والنصِّ؟
    والجواب: إن توسيع عمل نصٍّ من نصوص التعبُّد ليشمل الحياة من شأنه أن يقلِّص سلطة نصوص أخرى ويحدَّ من اتِّساعها.
    فالرؤية الشمولية للشريعة مَبْنِيّة على العدل بين النصوص، وإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه.
    هذا أولًا.
    فما لا يشمله نصٌّ، ينتقل إلى نص آخر يُلائِمه، وهذا داخل في عموم قوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18]. فهذا أحسن في سياقه ومناسبته، وغيره أحسن منه في مناسبة أخرى.
    وثانيًا: فما لا تَسَعُه سلطة النصوص من أمور الحياة الدنيا، فهو باقٍ على أصل الإذن والإباحة والرخصة، ولا يلزم أن نتطلَّب نصوصًا لكل تفاصيل الشأن اليومي.
    وإن شِئْت فاعتبر أن أصل الإباحة والبراءة وسقوط التبعة، وهو أحد الأحكام الشرعية الخمسة ويشمل كل ما لم يَرِد فيه نص بخصوصه، ولا تشمله قاعدة كُلِّيّة بالمنع أو الإيجاب.
    حين نتحدَّث عن الإدارة كعلم، أو عن فن الإلقاء، أو التدريب، أو البناء والمعمار، أو الصناعة، أو الزراعة، أو التقنية البحتة، أو مسائل الحياة المحضة العادية كما يسميها الفقهاء بـ«العادات»، فليس من التديُّن الصحيح أن نُصِرَّ على تطلُّب أحكام لم ترد في الشريعة بخصوصها.
    والرسالات والوحي هي لبيان ما يجهله الناس ولا سبيل لهم إلى معرفته إلا بالوحي، كمسائل الألوهية والآخرة والتعبُّدات، ويلحق بها ما نصَّت الشريعة على حكمه، وإن لم يظهر للناس تعليله بشكل جَلِيٍّ.
    أما أمور الحياة، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلمُ بأمر دنياكم». رواه مسلم.
    وكان الحديث بشأن تلقيح النخل، وأن الفلاح يعرف ذلك بِخِبْرته، فلا يحتاج إلى البحث عن دليل لحكم التلقيح، وهل هو مفيد أم غير مفيد؛ لأن ذلك معروف بتجربة الحياة البسيطة.
    من عظمة الشريعة وأسباب خلودها، أنَّها أحكمت أمور العبادات إحكامًا قويًّا؛ لئلا يتدخل الناس في اقتراح عبادات جديدة أو إضافة أعمال لم تُشرَع، مما يترتب عليه مزيد مشقة على الناس، ومزيد اختلاف بينهم، عبادة خاصة لرأس السنة، وأخرى للإسراء والمعراج، وثالثة...
    فكان هذا من التيسير.
    ومن عظمتها أنها وسَّعت في أمور الحياة الدنيا وعوائدها، وجعلت الأصل فيها الإذن والإباحة والسماح، لينطلق الإبداع البشري، ويتحرَّر العقل من الأغلال التي تعوقه عن الابتكار والنظر والتأمل في الملكوت واستنباط النواميس والسنن، واكتشاف أسباب التسخير.
    نجح الغرب في الثانية؛ فانطلق يرتاد آفاق الفضاء ويكتشف الكون، ويضع النظريات ويخضعها للدرس والاحتمال، حتى حقَّق هذا الإنجاز البشري غير المسبوق في مجالات الحضارة والإبداع والتصنيع، ولا يزال العلم يَلْهَث طلبًا للمزيد.
    وأخفق العالم الإسلامي، وصار الكثير من رجاله يكتفون بالحديث عن إنجازات تاريخية للأسلاف، وابتكارات وفتوحٍ جرت على أيدي علماء أو قادة أو مُبْدِعين، وكأننا نعتقد أن الإسلام وروحه الفاعلة كانت تؤثِّر في الماضي، أما الحاضر فلا.. ولذا لا نسأل أنفسنا عن سرِّ تخلُّفِنا عن ركب الحضارة، وربما كان بعض المسلمين يردِّدون: «لهم الدنيا ولنا الآخرة». وينسون أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأن الدين لم يأتِ ليتحدث عما تحت الأرض (القبر) وما فوق السماء (الألوهية والملائكة والآخرة) فقط، بل جاء لينظِّم الدنيا!
    نعم لم يكن الدين تعليمات تفصيلية تعوق الناس عن التجربة أو تعطِّل عقولهم، بل كان حفزًا ودعوة إلى العمل والنظر والتأمُّل: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101]. {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثـية:13].
    عليَّ كداعية أن أقتبس من نصوص الشريعة روحًا تحمل الناس على العمل والتفكير والنظر والإبداع، واعتبار ذلك كله صدقة على النفس وعلى الناس، وسُنَّةً حسنةً لك أجرها وأجر من عمل بها.
    وليس عليَّ أن أتقحَّم وضع النصوص في غير موضعها، أو تكلف البحث عن مسائل لم ترد بها الشريعة، بل دلّت النصوص على أنها من مصالح الحياة وميادينها الفسيحة.
    ليس ثَمَّ حرج أن يَسْرُدَ متحدِّث عن فن الإلقاء مثلًا.. قصة نبوية أو نموذجًا تاريخيًّا أو مثالًا عربيًّا، فليست التجارب حكرًا على المدارس الغربية، وفَرْقٌ بين هذا وبين إدراج بعض القضايا ضمن دائرة الأحكام الصِّرْفة.
    ربما أولع البعض بما يسمونه: «التأصيل» فظنوا أن منه البحث عن دلالاتٍ لمسائل الحياة العادية التي سلَّط الله عليها الإنسان بالعقل والتجربة والبحث العلمي الصِّرف، والذي أراه أن نكتفي بالقيم العامة كالعدل والأخلاق والإحسان والعمل والتي من شأنها أن تحفزنا إلى استثمار طاقاتنا في مصالح دنيانا وبذلك نتساوى مع غيرنا، ونضيف الإحساس بالاحتساب ورجاء الثواب، على كل عمل نافع للفرد والمجتمع والأمة والإنسانية يقوم به مسلم أو يشارك فيه.
    السياق إذًا مهم في تحديد ميدان عمل النص، ومن العدل أَلَّا نجور على النصوص ونلغي ميدانها، وأَلَّا نتجاهل نصوصًا أخرَى أو قواعد شرعية بسبب توسيعنا لمفهوم نص خاصٍّ وعزله عن سياقه الصحيح.
    رجعت إلى طفلي مبتسمًا وأنا أردِّد:
    كلمتُك العابرة المازحة أنقذتنِي من حيرتي فيما أكتب هذا الأسبوع وأنا قادم من سفر ومتهيِّئ لسفر آخر جديد، فهل تُراني كتبتُ ما يفيد؟
    د. سلمان بن فهد العودة

  2. #2

    افتراضي رد: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِين َ!

    نظريا يمكن توصيف المقل بالجيّد وأنه يفتح آفاقا جديدة لترشيد الصحوة وتوجيه أبنائها لكنّ السياق الزمني والواقع الدعوي يجعلنا نتحفظ من مباركة مثل هذا القول المجمل الذي يمكن لأيّ طرف أن يسوقه لصالحه عند التطبيق وأقصد هنا التيار العصراني ممثلا بمدرسة التيسير المعاصر .. هذا رأيي والله أعلم
    قال الشيخ العلامة حمود بن عبدالله التويجرى - رحمه الله - :" الألبانى علم على السنة والطعن فيه طعن فى السنة "

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •