{ الحق من ربك فلا تكن من الممترين }
أيها المسلم الصادق: لقد كثر القيل والقال في أمور ديننا الحنيف؛ فأصبح يتكلم فيه الجاهل والعالم.. يتكلم فيه الكاذب والصادق.. يتكلم فيه العدو والحبيب.
لقد كثرت الفرق التي تتحدث عن الإسلام، وادعت كلُّ فرقةٍ لنفسها أنها هي الوحيدة التي تمتلك فهم هذا الدين وحقيقته.. وراحت تكفر غيرَها، وتدعي أنَّها هي التي ستدخل الجنة، مقتدية في ذلك باليهود والنصارى؛ قال تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَٰرَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ} [البقرة: 111].
وعن أبي سعيد رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ ؛ قلنا: يا رسول الله؛ اليهودُ والنَّصارى؟ قال: فَمَن» ؟! (رواه الشيخان).
وثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة"، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي"» . وفي بعض الروايات: " «هي الجماعة» "؛ (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم) .
والذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو الإسلام، فأي فرقة تسمي نفسها باسم غير اسم (الإسلام)، فعملهم ضلال غير مقبول، وعلى المسلم الابتعاد بنفسه عن ذلك؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
أيُّها المسلم؛ لا تكن في حيرة من أمر دينك باتباع كل ناعق يدعي أنه داعية، فهناك الكثير من الفاشلين والجهلة الذين فشلوا في حياتهم الدراسية والعلمية والحياتية، ولهم تطلعات للشهرة والرفعة وتحصيل المال، فالتقطهم أعداء الله من اليهود وأصحاب المصالح الدنيوية، ليكونوا لهم أبواقَ فسادٍ وإفسادٍ في الأرض باسم الدين، هؤلاء الأدعياء رغم فشلهم العلمي، إلا أنهم يمتلكون بعض القدرات الخاصة في النفاق والمكر السيء، والقدرة على التلون وتلبيس الحق بالباطل، والقدرة الكلامية المنمقة التي يخدعون بها بسطاء الناس، ولكن الله وضَّح لك أيها المسلم كيف تعرفهم فقال: {وَلَتَعْرِفنهم فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 30].
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159].
هنا يقول لك ربك كما قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [آل عمران: 60].
فالحق الذي تتبعه في دينك من ربك، أكرر (في دينك) وليس من أحد من البشر مهما كان شأنه ومقامه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال ربك: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
قال الله – سبحانه -: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَٰذَا ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ۚ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ * أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُون َ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ۖ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ * أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)} (الطور: 32 - 43).
أيها المسلم؛ لا تكن في حيرة من أمر دينك فقد وضح الله لك الحق الذي تتبعه دون اتباع لهؤلاء الذين جندهم اليهود لشق صف المسلمين وتفريقهم. فقال تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [آل عمران: 60].
فإلى الله وحده تتجه بالعبادة، ومن الله وحده تتلقى المنهج والشريعة والنظام، وعلى الله وحده تتوكل ومنه وحده تخاف.. وتحققها له، بالمنهج الرباني.
وما أجدرنا نحن اليوم أن نستمع إلى هذا التحذير؛ {فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلْمُمْتَرِينَ} ونحن - في بلاهة منقطعة النظير - نروح نستقي من هؤلاء المتبعين لليهود والنصارى في أمر ديننا، ونتلقى عنهم ديننا، ونسمع لما يدسونه من شكوك في دعوتهم لقرآننا وحديث نبينا، وسيرة أوائلنا.
إن هذا القرآن كلام الله... للأمة المسلمة، وهو كتاب الله الخالد الذي خاطب فيه الأمة بما تعمله وما تحذره... والكفار هم الكفار.. والدين هو الدين!
إن ارتضاء الله الإسلام دينا لهذه الأمة، ليقتضي منها ابتداء أن تدرك قيمة هذا الاختيار، ثم تحرص على الاستقامة على هذا الدين قدر الطاقة، وإلا فما أنكد وما أحمق من يهمل ما رضيه الله له، ليختار لنفسه غير ما اختاره الله!
وإنها - إذن - لجريمة نكدة؛ لا تذهب بغير عقوبة، ولا يترك صاحبها يمضي ناجيًا أبدًا وقد رفض ما ارتضاه له الله... وقد يمهل الله الذين لم يتخذوا الإسلام دينا لهم، إلى حين... أما الذين عرفوا هذا الدين ثم تركوه أو رفضوه أو حرفوه... واتخذوا لأنفسهم مناهج في الحياة غير المنهج الذي ارتضاه لهم الله، فلن يتركهم الله أبدًا ولن يمهلهم أبدا، حتى يذوقوا وبال أمرهم وهم مستحقون لذلك!
______________________________ __________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى