سلوك المسلم أثناء الصوم


د. محمود فتوح محمد سعدات





إن الله سبحانه وتعالى لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يفرض عبادة من العبادات أو طاعة من الطاعات إلا لغاية نبيلة وهدف جليل، يَصُب في مصلحة العبد، ومصلحة الناس من حوله. والشعائر الدينية في الإسلام لا تقتصر على الجوانب الظاهرة والمادية منها، بل تتعداها إلى مقاصد وغايات معنوية وروحية سامية، إذا تركها المسلم، أَفرغ العبادة من جوهرها، وحوَّلها إلى طقس عشوائي لا معنى ولا قيمة له، فالصيام مثلاً، ليس مجرد طقس يمتنع فيه الفرد عن شهوتَي البطن والفرج من طلوع الشمس إلى غروبها، بل هو أيضا مناسبة يلتزم فيها المسلم بالسلوكيات الحسنة والمعاملات الطيبة، ويمتنع فيها عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كي يَحْسُن صومه ويَثْبُتَ أجره. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالعَطَشُ)، فالغاية من الصيام تتعدى الإحساس المادي بالجوع والعطش وغيرهما، إلى الإدراك الروحي لنعم الله وأفضاله، والإحساس المعنوي بآلام الآخرين ومعاناتهم، وهمومهم ومشاكلهم.



سلوك المسلم أثناء الصوم:

ينبغي على المسلم الصائم أن يتحلى بمجموعة من السلوكيات الحميدة لان الصيام بمثابة ورشة تدريب في الأخلاق الحميدة السلوكيات الراقية، إذا استغلها المسلم كما يجب، استقامت شخصيته وانسجمت مع ذاتها ودينها ومحيطها في وحدة متآلفة، لا مكان للتصنع والرياء فيها. ليشكل المسلم بذلك، نموذجا يحتذي به في التوفيق بين العبادة، لذا يجب على المسلم أن يتحلى بمجموعة من السلوكيات الحميدة، ومنها:

يجب على المسلم الصائم أن يبتعد أثناء الصوم عن اللغو في القول، والفُحش في الكلام، ويتجنّب الرفث والفسق، فلا يُضَيِّع وقته في مجالس السوء والنميمة، ولا تضعف نفسه أمام شهوات الحياة المادية والمعنوية، ولا يدفعه سوء أدب الآخرين معه واستفزازهم له بالقول والعمل، إلى التفوه بالكلام الفاحش معهم والتلفظ بالعبارات البذيئة تجاههم، وبذلك يتحقق المقصد السامي للصوم، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (لَيْسَ الصّيامُ منَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفَث، فَإنْ سَابَّكَ أحدٌ أوْ جَهِلَ عَليْكَ فَقُلْ: إنّي صَائِمٌ إنِّي صائِمٌ).



ينبغي على المسلم الصائم ألا يتأثر أثناء الصوم بانقطاعه عن الأكل والشرب والشهوات الأخرى، فلا تضعف همته ولا تخفت عزيمته، فتراه هادئ النفس مطمئن البال، متحكما في أعصابه، كاتما لغضبه، كاظما لغيظه، فلا يصرخ في وجوه الناس ولا يخاصمهم، ولا يرفع صوته في وجوههم ولا يتوعدهم بغض النظر عن الأسباب والظروف، تماشيا مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ).



يجب على المسلم الصائم أن يسعى بكل ما أوتي من قوة، إلى ممارسة عبادة الصوم بجوانبها المادية والروحية معاً، وجعلها بمثابة تدريب سنوي لتحسين أخلاقه والرقي بسلوكه في مختلف جوانب الحياة، بالشكل الذي يتلاءم مع الحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا لَعَّانٍ، وَلَا فَاحِشِ وَلَا بَذِيء). فالمؤمن الحق في رمضان - وفي غير رمضان - لا يطعن في الناس وأعراضهم، ولا يلقي باللعنات هنا وهناك، ولا تصدر عنه الفواحش والبذاءة وغيرها من السلوكيات المشينة والتصرفات الدنيئة.



ينبغي على المسلم الصائم أن يترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب، والإقلاع عنها وعدم العودة إليها، فقد قال الله تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].



يجب على المسلم الصائم ألا يتحدث إلا بالصدق، ولا ينطق إلا بالخير، ولا ينقاد للممارسات المنبوذة كالكذب، والدجل، والخداع، وخيانة الأمانة، وشهادة الزور وغيرها، كي لا تنتفي معاني السلوك البنَّاء من ممارسته لعبادة الصوم، وعندئذ فلا حاجة لله بصيامه. فقد جاء في الحديث الشريف عن نبينا الكريم قوله: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ). أي من صام ولم يترك الكذب والعمل به فلا قيمة لصيامه.



يجب على المسلم الصائم فتح صفحة بيضاء مشرقة مع كل من:

أ*- الله سبحانه وتعالى بالتوبة الصادقة.

ب*- الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر.

ج- مع الوالدين والأقارب، والأرحام والزوجة والأولاد بالبر والصلة.

د- مع المجتمع الذي تعيش فيه حتى تكون عبداً صالحاً ونافعاً قال صلى الله عليه وسلم: ""أفضل الناس أنفعهم للناس".



النيات المطلوبة من المسلم الصائم:

توجد العديد من النيات المطلوبة من المسلم الصائم والتي تقوي سلوكه أثناء الصوم، منها:

نية قراءة القرآن الكريم وختمه مع التدبر.

نية التوبة الصادقة من جميع الذنوب السالفة.

نية أن يكون هذا الصوم بداية انطلاقة للخير والعمل الصالح المستمر.

نية كسب أكبر قدر ممكن من الحسنات إثناء الصوم وخاصة شهر رمضان الذي فيه تضاعف الأجور والثواب.

نية تصحيح السلوك والخلق والمعاملة الحسنة لجميع الناس.

نية وضع برنامج ملئ بالعبادة والطاعة والجدية بالالتزام به.

نية الذهاب إلى بيت الله الحرام لتأدية العمرة لمن استطاع وقدره الله على ذلك.

نية العمل لهذا الدين ونشره بين الناس مستغلاً روحانية الصوم وأثاره.



وصايا عامة تقوى سلوك المسلم أثناء الصوم:

توجد مجموعة من الوصايا التي تقوى سلوك المسلم أثناء الصوم، وهى:

احرص أثناء الصوم على إعداد برنامجا لنفسك ولأهلك ولأحبابك في رمضان من قراءة القرآن إلى قيام الليل وإفطار الصائمين، وإقبال على الطاعة والصدقة والذكر والعمرة والاعتكاف.



احرص أثناء الصوم على الاستفادة منه فهو موسم روحي تجني فيه صفاء القلاب وإذكاء القريحة وإنقاذ البصيرة وسمو الغاية.



احرص أثناء الصوم على الاستفادة منه فهو علاج صحي يخلص جسمك من الترسبات وينشط عصاراتك الهضمية ويريح جهازك الهضمي، وينشط قلبك ويقيك مرض السمنة وتجلط الدم، ويجدد أنسجة جسمك ويطرد المواد الضارة والزائدة ويقيك مرض السكر وتصلب الشرايين، ويحافظ على توازن الطاقة في جسمك واللازمة للجهاز الهضمي، فلا تخش الجوع والعطش. وتؤكد الأبحاث الطبية أن صوم ثلاثة أيام في السنة يصفي وينقي الدم ويطرد السموم أكثر من أي شيء آخر.



احرص أثناء الصوم على غض بصرك عن المحرمات.



احرص أثناء الصوم على حفظ لسانك من المهلكات.



احرص أثناء الصوم على حفظ سمعك عن الاستماع إلى المكروهات.



احرص أثناء الصوم على الاستفادة منه فهو علاج نفسي يبعث في النفس الهدوء والطمأنينة والسكينة ويبعد عنه القلق والخوف والاضطراب.



احرص أثناء الصوم على اغتنام وقت سحرك بالصلاة والذكر والدعاء وتلاوة القرآن، ولا تضيعه بأشياء لاهية



احرص أثناء الصوم على فعل الخيرات وإخلاص النيات لا بالتردد على الأسواق لتلبية الحاجات.



احرص أثناء الصوم على القيام بالطاعات لا باللهو والسهر ومتابعة الأفلام والمسلسلات.



احرص أثناء الصوم على التوبة والإنابة لا بالغفلة والعصيان.



احرص أثناء الصوم على الاستفادة من الصوم وخاصة صوم شهر رمضان الذي يعد نفحة من نفحات الله تعالى أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فأقبل عليه بالطاعة والعبادة، وابعد نفسك فيه عن الإثم والمعصية.



احرص أثناء الصوم على تعبئة القوى النفسية والخلقية والروحية التي يحتاجها كل فرد في المجتمع، فتزود فيه بخير زاد الدنيا والآخرة.



احرص أثناء الصوم على الاستفادة منه فهو دورة تدريبية تجدد في نفوس المسلمين الخلق النبيل والإيثار الجميل والصبر الكريم.



احرص أثناء الصوم على الاستفادة منه فهو رحلة روحية مباركة، ومدرسة صحية مثلى، يعين الجسم على التخلص من سمومه، ويمنحه الحمية الصحية، إلى جانب الفوائد الأخلاقية والروحية كالصبر والاحتمال وكسر الشهوة وصفاء القلب والانشغال بالعبادة.



احرص أثناء الصوم على الاستفادة منه فهو مدرسة إيمانية فاحرص على تخرجك منها بشهادة المتقين الفائزين بالجنان والمعتقين من النيران.



احرص أثناء الصوم على الاستفادة منه فهو محطة روحية، تقف عندها للتزود في شهر لوقود سنة كاملة فتقوى فيها عزائمك وتشحذ فيها هممك.



احرص أثناء الصوم على السحور ففي السحور بركة.



احرص أثناء الصوم على أداء عمرة في رمضان فإنها تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم.



احرص أثناء الصوم على أن تسأل الله تعالى في كل ليلة أن يتقبل منك صيامك وقيامك فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.



احرص أثناء الصوم على الاستفادة منه فصومك بإيمان واحتساب يغفر كل ما تقدم من ذنبك.



احرص أثناء الصوم على كف بقية جوارحك عن الآثام ولا شبهات.



احرص أثناء الصوم على تعجيل في الإفطار عند التأكد من دخول الوقت استجابة لقوله صلى الله عله وسلم (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الإفطار).



احرص أثناء الصوم على الدعاء عند الإفطار، وتذكر قول الحبيب - صلى الله عليه وسلم (اللهم إني لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت وعليك توكلت).



احرص أثناء الصوم على الاعتدال في طعامك وشرابك ولا تكن مسرفا فالإسراف في ذلك سلوك غذائي خاطئ يورث النتائج الصحية السيئة كالإصابة بالتخمة والمشاكل الصحية.



احرص أثناء الصوم على وجبة غذائية متوازنة تكفل لك الراحة والصحة والعافية.




احرص أثناء الصوم على الإسراع في إفطار إخوانك الصائمين إذ أنه من فطر صائماً كان له مثل أجره دون أن ينقص من أجر الصائم شيئاً.



احرص أثناء الصوم على عدم إيذاء الآخرين بأطفالك في صلاة التراويح أو الفريضة.



احرص أثناء الصوم على الاستفادة من ليلة القدر فهي تساوي 83 عاماً، وأربعة أشهر من عمرك، فأضف إلى أعمالك حسنات كثيرة في ساعات قليلة تنال الرحمات وتسكن الجنات.