من كلام شيخ الاسلام....هل يجوز الثناء على الله ودعاؤه بالشعر؟، وما دلت عليه الأدلة الشرعية في إنشاد الشعر وإنشاؤه واستماعه.
قال رحمه الله في الرد على البكري (ص298-304/ ط. المنهاج):
و يجوز مدح الله و الثناء عليه بالنظم و كذلك دعاؤه كما قال الأسود ابن سريع للنبي صلى الله عليه و سلم لما نظم شعرا في مدح الله تعالى فقال: إني حمدت ربي بمحامد؛ فقال: "إن ربك يحب الحمد"؛ فلم ينكر عليه ذلك، لكن روي أنه قال ولم يستنشده، وروي أنه استنشده؛ كما روى الإمام أحمد في مسنده عن الأسود بن سريع قال قلت: يا رسول الله إني مدحت الله بمدحة و مدحتك بأخرى فقال النبي صلى الله عليه و سلم: "هات و أبدأ بمدحة الله تعالى"، و لكن ثبت عنه أنه كان يستنشد الشريد بن السويد الثقفي شعر أمية ابن أبي الصلت وهو يقول:" هيه هيه"
وذلك مثل قوله:
.مجدوا الله فهو للمجد أهل ... ربنا في السماء أمسى كبيرا ...
بالبناء الأعلى الذي سبق النا ... س و سوى فوق السماء سريرا
شرجعا ما يناله بصر العين ... ترى دونه الملائك صورا ...
وقوله:
..زحل وثور تحت رجل يمينه ... و النسر للأخرى ليث مرصد
و غير ذلك
و منه قول النبي صلى الله عليه و سلم: "إن أخا لكم لا يقول الرفث" يعني ابن رواحة.
و ذلك كقوله الذي أنشده للنبي صلى الله عليه و سلم:
..شهدت بأن وعد الله حق ... و أن النار مثوى الكافرينا ...
..و أن العرش فوق الماء طاف ..وفوق العرش رب العالمينا ...
...و تحمله ملائكة شداد ... ملائكة الإله مسومينا ...
وقوله"
... و فينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الفجر ساطع ...
... يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
... أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أن ما قال واقع ...
ومن ذلك: ما كان النبي صلى الله عليه و سلم و الصحابة رضي الله عنهم يتمثلون:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا ...
... فأنزلن سكينة علينا ... و ثبت الأقدام إن لا قينا ...
.. إن الأولى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا ...
و هذا النظم فيه دعاء الله تعالى بقوله:
فأنزلن سكينة علينا ... و ثبت الأقدام إن لاقينا ...
و مثل هذا البيت قوله:
اللهم ويقال فيه: لا هُمَ إن العيش كما في قول عبد المطلب:
..لا هُمَ إن المرء يمنع رحله ... و حلِاله فامنع حِلالك
و منه قول النبي صلى الله عليه و سلم:
.. إن تغفر الله تغفر جما ... و إي عبد لك ما ألما
و منه قول الصحابة رضي الله عنهم:
..اللهم إن العيش عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار و المهاجره ...
و كان النبي صلى الله عليه و سلم يتمثل به لكن روي أنه قال: "فأغفر للمهاجرين و الأنصار"
وهذا دعاء في الشعر، وقد أقر الصحابة على قولهم فدل على جوازه، و إن كان هو صلى الله عليه و سلم لا يقول الشعر فذلك من خصائصه كما قال تعالى: (و ما علمناه الشعر و ما ينبغي له)؛ فهو صلى الله عليه و سلم لم يكن ينظم الشعرن ولكن هل تمثل به أو لم يتمثل بشعر؟؛ فيه نزاع ليس هذا موضعه.
وليس كل الشعر مذموما، بل منه ما هو مباح ممدوح كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: "إن من الشعر لحكمة"
و قد قال تعالى: (و الشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون و أنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و ذكروا الله كثيرا و انتصروا من بعد ما ظلموا و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)؛ فقد استثنى الله تعالى ممن ذمه من الشعراء من ذكره فدل ذلك على أنه ليس كل الشعراء مذمومين،
وقد ثبت في الصحيح أنه كان ينصب لحسان بن ثابت منبرا و يأمره بهجاء المشركين ويقول: "اللهم أيده بروح القدس" وفي رواية: " إن روح القدس معك ما نافحت عن رسوله"، وقد سمع شعر خزاعة لما قدموا عليه حين عدت بنو بكر على خزاعة و أنشدوه القصيدة المعروفة التي فيها:
... إن قريشا اخلفوك الموعدا ... و نقضوا ميثاقك المؤكدا ...
إلى آخرها.
و كذلك سمع قصيدة كعب بن زهير المشهورة التي أولها: بانت سعاد.
إلى غير ذلك من الأدلة الشرعية التي تدل على أن من الشعر ما يجوز إنشاده و إنشاؤه و استماعه.