بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
موضوع الخطبة: إلا تنصروه فقد نصره الله. الخطيب: الظريفي.
04 محرم الحرام 1432 هـ 10 / 12 / 2010 م
الحمد لله الذي جعل الهجرة تنبيها وتذكيرا، يستنهض بها همم المتقاعسين وكان للمهاجرين وليا ونصيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله خلق الزمان فقدره تقديرا، وأشهد أن سيدنا محمدا أرسله الله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم يحدد مصير الناس جنة أو سعيرا.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون! هانحن قد وضعنا أرجلنا على عتبة العام الهجري الجديد، وقد حزم العام الماضي حقائبه وانصرف، حاملا معه ملفات العباد بما لهم وبما عليهم، فطوبى لمن رفع ملفه في سلك أصحاب اليمين، وويل لمن وضع ملفه في سلك أصحاب الشمال.
– أيها الإخوة المؤمنون!- أول شيء نتذكره في بداية كل عام هجري جديد، هو هجرة النبيr من مكة إلى المدينة، ليس لأن الهجرة وقعت في شهر محرم كما يعتقد البعض، بل لأن شهر محرم هو بداية عام هجري جديد.
أما الهجرة فإنما وقعت في شهر ربيع الأول.
نتذكر الهجرة التي اتخذها الله تعالى وسيلة يذكر بها الناسين، وينبه بها الغافلين، ورسالة يستنهض بها همم المتقاعسين، ويوقظ بها عزائم المتهاونين على مر العصور والأزمان.وهل تدرون كيف كانت الهجرة كذلك؟
لقد ذكر الله تعالى الهجرة في سورة الأنفال فقال:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
وذكرها سبحانه أيضا في سورة التوبة فقال:﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
أيها الإخوة المؤمنون! إن هاتين الآيتين الكريمتين لم تنزلا أثناء الهجرة، ولا بعدها مباشرة.
أما آية سورة الأنفال فقد نزلت بعد خمس سنوات من الهجرة، حين حاصر رسول الله r بجيوشه يهود بني قريظة في المدينة، وأرسل إليهم وهم محاصرون الصحابي الجليل أبا لبابة، لما له معهم من علاقة قرابة وأسرة، وعلاقة مال وتجارة. ولكنه t في لحظة ضعف، وتحت ضغط روابط القرابة والمال، كشف لهم عن أسرار رسول الله r وأهدافه، فلما تبن له أن ما فعله خيانة لله ورسوله، ندم أشد الندم، فربط نفسه بسارية في المسجد النبوي لازالت إلى الآن تسمى بسارية التوبة أو سارية أبي لبابة، وحلف ألا يفك أحد وثاقه حتى يتوب الله عليه، فنزلت هذه الآية الكريمة توبيخا له على خيانته لله ورسوله،
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ إلى أن قال سبحانه:﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ فذكرته الآية الكريمة بأنه لو خان النبي r فإن الله قد نصره في الهجرة وحيدا.
أما آية سورة التوبة:﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ فقد نزلت بعد تسع سنوات من الهجرة، عندما دعا النبي r أصحابه لمحاربة الروم في غزوة تبوك، تلك الغزوة التي جاءت في فصل الحرارة والصيف، وفي سنة الجفاف والقحط، مع بعد المسافة والمشقة، فتخلف من أجل ذلك بعض الصحابة، فنزلت هذه الآية الكريمة توبيخا لهم على تقاعسهم عن الاستجابة لنداء النبي r، تذكرهم بالهجرة وبأن الله تعالى ليس في حاجة لجهادهم إن أراد أن ينصر نبيهr.
أيها الإخوة المؤمنون! لقد ذكر الله تعالى إذا الهجرة في معرض تذكير الناس كلما تأخروا عن نصرة الإسلام، وكلما ظهرت منهم بوادر الخيانة والخدلان، بأن الله سينصر نبيه بهم أو بغيرهم، بل بجنود من ملائكة الرحمن لا ترى، كما وقع في غزوة بدر، لما أرسل الله الملائكة تقاتل في صفوف المسلمين.
فالهجرة إذا هي أعظم وسيلة تذكر الناسين، وتنبيه الغافلين،
فما أحوج الأمة اليوم للتذكير بالهجرة، وقد تقاعس أفرادها عن نصرة الإسلام في كثير من المجالات، وخذلوا إخوانهم المضطهدين في كثير من الساحات، وتغافلوا نسيانا أو تهاونا عن سيطرة الصهيونية على جميع المستويات، تستنزف الأرواح والأعراض والثروات، كأني بالآية الكريمة اليوم تخاطبنا؛
إلا تنصروا نبيكم في دينه وفي أنفسكم بالاقتداء والإتباع، إلا تنصروا نبيكم في أسركم بحسن التربية والأدب، إلا تنصروا نبيكم في أموالكم بالحلال الطيب، إلا تنصروا نبيكم في نسائكم بالعفاف والحجاب، إلا تنصروا نبيكم في مجتمعكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا تنصروا نبيكم في إعلامكم بالصدق والأمانة، إلا تنصروا نبيكم في أحكامكم بالقسط والعدل، فقد نصره الله في الهجرة وحيدا. فالله تعالى ليس في حاجة لنصرنا وجهادنا إذا خذلنا نبينا r، بل نحن في حاجة لذلك! ﴿عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾. ويقول الله تعالى:﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ ويقول سبحانه:﴿وَلَيَنْ صُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
صدق الله العظيم.
ولنا عودة في الأسابيع المقبلة إلى أحداث الهجرة وما فيها من عبر؟ أما خطبتنا الثانية فسنخصصها للحديث عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة.
أقول....