تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الهوى في العلم

  1. #1

    Post الهوى في العلم

    الهوى في العلم

    الهوى في العلم، مَدرَج خفي،بسلطان قوي؛ومرسل في النفس جلي،بمكر خفي،الموفق مَن نجا منه ،وعتق من عبوديته ، وأخلص دينه لله،ولم يتخذ كتاب ربه وسنة رسوله وسيلة لما يهوى،بل يجعل ما يهوى، تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم،قال تعالى :"فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله .."
    ولقد عجبت ممن كتب أو تحدث عن آداب طلب العلم،كيف غفل عن إبراز هذه الآفة( )،وتجلية خطرها ،وبيان منافاتها لأصل العلم وأساسه!؟ مع كثرة النصوص الشرعية والآثار السلفية والنقولات الأدبية ،والمنقولات الحكمية ،حتى أُفرد بالتصنيف عند المحدثين،فألّف فيه ابن أبي الدنيا،وابن الجوزي،وابن عبد الهادي.
    وللهوى معان عدة، ترجع إلى أمرين ،قال ابن فارس :(الهاء والواو والياء، أصل صحيح ،يدل على خُلُوٍّ وسقوط ... ثم قال :وأما هوى النفس ،فمن المعنيين جميعاً؛لأنه خالٍ من كل خير ،ويهوي بصاحبه فيما لاينبغي ...)( )،وفي اللسان (ومتى تُكلِّم بالهوى مطلقاً، لم يكن إلا مذموماً،حتى يخرج بما ينعت معناه،كقولهم:هو حسن ،وهوى موافق للصواب)( )
    هذا ، ولقد رأيت كلاماً نفيساً للعلامة المعلمي ت1386هـ في كتابه "القائد إلى تصحيح العقائد"ص30 ،وهو القسم الرابع من كتابه "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"2/179ــ 200 ؛ بعد عرض للموضوع وبيان خطره، وإيراد أسئلة يمتحن بها طالبُ العلم مداخل الهوى إلى نفسه، قال:(وبالجملة، فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى ،وقد جربت نفسي أنني ربما أنظر في القضية، زاعماً أنه لاهوى لي، فيلوح لي فيها معنى ،فأقرره تقريراً يعجبني ، ثم يلوح لي ما يخدش في ذلك المعنى ؛فأجدني أتبرم بذلك الخادش ،وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه، وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب، وإنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولاً تقريراً أعجبني، صرت أهوى صحته ، هذا مع أنه لم يعلم بذلك أحد من الناس ، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخدش ؟ فكيف لولم يلح لي الخدش، ولكنّ رجلاً آخر اعترض عليّ به ؟ فكيف لوكان المعترض ممن أكرهه ؟! هذا ولم يكلَّف العالم بأن لايكون له هوى،فإن هذا خارج عن الوسع ،وإنما الواجب على العالم أن يفتش نفسه عن هواها حتى يعرفه، ثم يحترز منه ،ويمعن النظر في الحق من حيث هو حق ..... وقد كان من السلف من يبالغ في الإحتراس من هواه حتى يقع في الخطأ من الجانب الآخر ... إلخ
    وتأييداً لكلام المعلمي السابق، في صعوبة التحرز منه،أنقل كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية،مع الأخذ في الإعتبار،العلم الثابت(تعظيم أئمة الإسلام،وإحسان الظن بهم؛ ديانةً لله) ؛مع ما يحصل غالباً في معرِض المناقشة والردود ،مما هو من طبيعة البشر .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(..... وإن كان البيهقي روى هذا،فهذا مما أُنكرعليه ،ورآه أهل العلم لايستوفي الآثار التي لمخالفيه، كما يستوفي الآثار التي له ،وأنه يحتج بآثارٍ، لو احتج بها مخالفوه ؛لأظهر ضعفها، وقدح فيها ؛وإنما أوقعه في هذا ــ مع علمه وورعه ــ ما أوقع أمثاله، ممن يريد أن يجعل آثار النبي صلى الله عليه وسلم موافقةً لقول واحد من العلماء دون آخر؛فمن سلك هذه السبيل،دحضت حججه ،وظهر عليه التعصب بغير حق ،كما يفعل ذلك من يجمع الآثار ،ويتأولها في كثير من المواضع، بتأويلات يَبينُ فسادها ؛لتوافق القول الذي ينصره، كما يفعله صاحب شرح الآثار أبو جعفر ،مع أنه يروي من الآثار أكثر مما يروي البيهقي ، لكن البيهقي ينقي الآثار ، ويميز بين صحيحها وسقيمها أكثر من الطحاوي )( ) رحم الله أئمة الإسلام أجمعين .
    وأمام موضع نظرك الآن،درراً من المنقول ،انتقيتها من عدة مصادر....
    قال شيخ الإسلام:(ومن أحبّ أو أبغض قبل أن يأمره الله ورسوله ،ففيه نوع من التقدم بين يدي الله ورسوله ،ومجرد الحب والبغض هو هوى ،لكن المحرم ،اتباع حبه وبغضه بغير هدى من الله ،ولهذا قال الله لنبيه داوود (ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ...) ا. هـ( ) وقال أيضاً:(قال عمر بن عبد العزيز:لاتكن ممن يتبع الحق إذا وافق هواه،ويخالفه إذا خالف هواه،فإذا أنت لاتثاب على ما اتبعته من الحق ،وتعاقب على ما خالفته.وهو كما قال ـرضي الله عنه ـ ...)( )
    وقال أيضا :(قال أبو عثمان النيسابوري:من أمّر السنة على نفسه قولاً وفعلاً؛ نطق بالحكمة ،ومن أمّر الهوى على نفسه ؛نطق بالبدعة ،قال تعالى :"وإن تطيعوه تهتدوا.."( )
    وقال ابن القيم :(اتباع الهوى يطمس نور العقل،ويعمي بصيرة القلب، ويصد عن اتباع الحق،ويضل عن الطريق المستقيم،فلا تحصل بصيرة العبرة معه ألبته ،والعبد إذا اتبع هواه ؛فسد رأيه ونظره ،فأَرَتْهُ نفسُه الحسنَ في صورة القبيح، والقبيحَ في صورة الحسن ،فالتبس عليه الحق بالباطل ؛فأنّى له الإنتفاع بالتذكرأوبالتفك رأوبالعظة( )وقال أيضاً :(القلب كالمرآة ،والهوى كالصدأ فيها،فإذا خلصت المرآة من الصدأ ،انطبعت فيها صور الحقائق كما هي عليه، وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات ،فيكون علمه وكلامه من باب الخرص والظنون )( ) وقال :(جهاد الهوى إن لم يكن أعظم من جهاد الكفار ،فليس دونه )( ) قال ابن المبارك :قيل لعمر بن عبد العزيز:أي الجهاد أفضل؟قال :جهاد الهوى( )
    وقال ابن تيمية:(والإنسان خُلق ظلوماً جهولاً،فالأصل فيه عدم العلم،وميله إلى ما يهواه من الشر ،فيحتاج دائماً إلى علمٍ مُفصّل يزول به جهله،وعَدْلٍ في محبته وبغضه،ورضاه وغضبه،وفعله وتركه ...)( ) وقال:(ولهذا كان السلف يُسمون أهل الآراء المخالفة للسنة والشريعة،في مسائل الإعتقاد الخبرية ومسائل الأحكام العملية :أهل الأهواء ؛لأن الرأي المخالف للسنة جهلٌ لاعلم ،فصاحبه ممن اتبع هواه بغير علم ....وكل من اتبع هواه ،"اتبعه" بغير علم،إذ لاعلم بذلك إلا بهدى الله...)( ) وقال الكرجي عند قوله تعالى "أرأيت من اتخذ إله هواه..":دليل على أن الهوى أشدُّ شئ ضرراً على الدين.( ) قال بعض الحكماء: اتباع الهوى أوكد أسباب الردى( )
    وقال الشعبي:(إنما سميت الأهواء أهواء ؛لأنها تهوي بصاحبها في النار)( )،قال الأصمعي عن بعض العرب :الهوى هوان،لكن غُلط باسمه( ) وقال أبو عبد الله الواسطي :
    ليس الهوى إلا الهوان ونونه * نقصت كفعل الزور والبهتان( ) وقال آخر :
    إن الهوى هو الهوان جزم اسمه * فإذا لقيت هوى لقيت هوانا.( )
    قال وهب بن منبه في خطبته :(احفظوا مني ثلاثاً:إياكم وهوى متبع،وقرين سوء ،وإعجاب المرء بنفسه)( )، ومن مصالي الشيطان وفخوخه :اتباع الهوى في غير ذات الله.قاله النعمان بن بشير( ) ،قال الثعالبي :من كان لعنان هواه أملك؛ كان لطرق الرشاد أسلك( ).كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري :أما بعد ،فإذا أتاك كتابي فعظني وأوجز. فكتب إليه الحسن :أما بعد ،فأعص هواك، والسلام.( ) وقال بعض الحكماء :إذا اشتبه عليك أمران ،فانظر أقربهما إلى هواك فاجتنبه( ) قال الإمام مالك :لايُؤخذ العلم عن أربعة :وذكر منهم: صاحب هوى( ). قال الشاطبي :المقصد الشرعي من وضع الشريعة ،إخراج المكلف عن داعية هواه،حتى يكون عبداً لله اختياراً ،كما هو عبدٌ لله اضطراراً.. وقال:ومَنْ تتبّع مآلات اتباع الهوى في الشرعيات ؛وجد من المفاسد كثيراً( ). قال ابن حزم :من أفضل نعم الله على العبد، أن يطبعه على العدل وحُبِّه،وعلى الحق وإيثاره( )





    وفي الختام:
    الهوى في طريق العلم والإستقامة ،كالخطاطيف على صراط يوم القيامة ،فناج مُسَلّم،وناج مخدوش،وثالث مكدوس،كل بحسب إخلاصه ومتابعته،فاللهم سلِّم سلِّم.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  2. #2

    افتراضي

    أيها الأخوة ، لم تنزل حواشي المقال أعلاه ، لا أعلم كيف أُنزلها مع المقال؟!

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا على هذا الكلام الرائع، والبحث النفيس

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبراهيم المديهش مشاهدة المشاركة
    هذا ، ولقد رأيت كلاماً نفيساً للعلامة المعلمي ت1386هـ في كتابه "القائد إلى تصحيح العقائد"ص30 ،وهو القسم الرابع من كتابه "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"2/179ــ 200 ؛ بعد عرض للموضوع وبيان خطره، وإيراد أسئلة يمتحن بها طالبُ العلم مداخل الهوى إلى نفسه، قال:(وبالجملة، فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى ،وقد جربت نفسي أنني ربما أنظر في القضية، زاعماً أنه لاهوى لي، فيلوح لي فيها معنى ،فأقرره تقريراً يعجبني ، ثم يلوح لي ما يخدش في ذلك المعنى ؛فأجدني أتبرم بذلك الخادش ،وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه، وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب، وإنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولاً تقريراً أعجبني، صرت أهوى صحته ، هذا مع أنه لم يعلم بذلك أحد من الناس ، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخدش ؟ فكيف لولم يلح لي الخدش، ولكنّ رجلاً آخر اعترض عليّ به ؟ فكيف لوكان المعترض ممن أكرهه ؟! هذا ولم يكلَّف العالم بأن لايكون له هوى،فإن هذا خارج عن الوسع ،وإنما الواجب على العالم أن يفتش نفسه عن هواها حتى يعرفه، ثم يحترز منه ،ويمعن النظر في الحق من حيث هو حق ..... وقد كان من السلف من يبالغ في الإحتراس من هواه حتى يقع في الخطأ من الجانب الآخر ... إلخ
    هذا الكلام من أروع ما قرأت، ورحم الله العلامة المعلمي، فقد كان آية في الفحص عن الدقائق.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبراهيم المديهش مشاهدة المشاركة
    وقال آخر :
    إن الهوى هو الهوان جزم اسمه * فإذا لقيت هوى لقيت هوانا.( )
    صوابه (إن الهوان هو الهوى) ليصح الوزن، والمشهور (سرق اسمه)
    والله أعلم
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبراهيم المديهش مشاهدة المشاركة
    أيها الأخوة ، لم تنزل حواشي المقال أعلاه ، لا أعلم كيف أُنزلها مع المقال؟!
    ضع المقال بحواشيه كمرفق في مشاركة مفردة
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  5. #5

    افتراضي

    شكرا أبا مالك ـ رعاك ربي ،وسدد خطاك ـ

  6. #6

    افتراضي

    ( ) انظر خفاء جهاد النفس على بعض أهل العلم في صيد الخاطرص 83
    ( ) مقاييس اللغة6/15،وينظر:بصائر ذوي التمييز، والمفردات ص849،الأشباه والنظائر للبلخي ص325
    ( ) اللسان 15/372، وانظر تفسير القرطبي 2/25
    ( ) مجموع الفتاوى24/ 154،وانظر:منهاج السنة 8/195،اللسان لابن حجر 1/276 ،وقارن بكتاب
    (الصناعة الحديثية في شرح الآثارللطحاوي) للشرمان ص 34، 41، 47
    ( ) الإستقامة 2/226
    ( ) مجموع الفتاوى 10/480
    ( ) الإستقامه 1/250 ،مدارج السالكين 2/466،المعرفة للحاكم ص108
    ( ) مدارج السالكين 1/449
    ( ) إغاثة اللهفان 1/48
    ( ) روضة المحبين ص478، وانظر :مجموع الفتاوى 10/636،وزاد المعاد 3/6
    ( ) المجالسة للدينوري 5/148
    ( ) جامع الرسائل 1/100
    ( ) جامع الرسائل2/205
    ( ) نكت القرآن 3/510
    ( ) محاضرات الأدباء 1/29
    ( ) الحلية 4/320
    ( ) المجالسة 4/251،
    ( ) الظرف والظرفاء للوشاء ص55
    ( ) محاضرات الراغب 1/30
    ( ) ابن أبي خيثمة في التاريخ ص194، وأبو نعيم في الحلية 4/85
    ( ) البخاري في الأدب المفرد (553)،والخرائطي في اعتلال القلوب 1/49
    ( ) المبهج ص79
    ( ) أخرجه ابن دريد في الفوائد والأخبارص20
    ( ) الخرائطي في اعتلال القلوب 1/47،والمجالسة للدّينَوَري 4/251
    ( ) المعرفة للبسوي1/684،ومن طريقه الخطيب في الكفاية(303)والمر ذي في العلل (185)،وانظر تخريجه في تحقيق الدمياطي للكفاية .
    ( ) الموافقات 2/289، 299 وفيه كلام ماتع
    ( ) الأخلاق والسير ص 113 ،وانظر في علاج الهوى :أدب الدنيا والدين ص38

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    4

    افتراضي رد: الهوى في العلم

    قلت : وأصل ذلك فساد النية

    وإنا لله وإنا إليه راجعون

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •