الفتور ... آفة تصيب العاملين في الدعوة إلى الله


اللجنة العلمية في الفرقان


مِن أخطر الأمراض التي تصيب العاملين في حقل الدعوة إلى الله -تعالى-: (الفتور)، وعندما يُذكر الفتور يتبادر إلى الذهن عند الكثيرين الفتور عن بعض العبادات الشخصية: كالصيام، والقيام، والذكر، وقراءة القرآن، ولكن -في الحقيقة- الأمر أعم من ذلك، فمفهوم الفتور أوسع من ذلك، فيشمل: الفتور في طلب العلم، وفيما يتعلق بالسلوك والتربية، وفيما يتعلق بالدعوة إلى الله، وفي مختلف جوانب الدين.

معنى الفتور لغةً واصطلاحًا

معنى الفتور لغةً: الفتور مصدر فتر، يقال: فتر يفتر فتورًا وفُتارًا، سكن بعد حدة، ولان بعد شدة، والفترة: الانكسار والضعف، وفَتـَـرَ الماءُ: سَكَن حَرُّه، و: جسمه فُتُورًا: لانَت مَفاصِله، وضَعُف. وأصل هذه المادة يَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ في الشَّيء.

معنى الفتور اصطلاحًا: هو الكسل، والتراخي، والتباطؤ بعد الجد، والنشاط والحيوية.

أولًا: ذم الفتور في القرآن الكريم

قال الله -تعالى- عن الملائكة: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} (الأنبياء: 20)، لا يَفْتُـرُونَ: أي لا يلحقهم الفتور والكلال، وقال -تعالى- عن موسى -عليه السلام-: {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} (طه: 42-43) الونى: الفتور والتقصير، وعاتب الله المؤمنين في التثاقل عن واجب الجهاد، والفتور فيه، فقال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} (التوبة: 38)، قال ابن كثير: {أي: إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أي: تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار.

ثانيًا: ذم الفتور في السنة النبوية

عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل، والهرم، والمأثم، والمغرم»، قال ابن بطال: «الاستعاذة من العجز والكسل؛ لأنَّهما يمنعان العبد من أداء حقوق الله، وحقوق نفسه، وأهله، وتضييع النظر في أمر معاده، وأمر دنياه، وقد أمر المؤمن بالاجتهاد في العمل، والإجمال في الطلب، ولا يكون عالةً، ولا عيالًا على غيره، ما متِّع بصحة جوارحه وعقله»، وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «لكلِّ عمل شِرَّة، ولكلِّ شِرَّة فَتْرة، فمن كانت فَتْرته إلى سنَّتي، فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك، فقد هلك» .

أقوال السلف والعلماء في الفتور

قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-: «إنَّ لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض»، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «لا تغالبوا هذا الليل، فإنَّكم لن تطيقوه، فإذا نعس أحدكم فلينصرف إلى فراشه؛ فإنه أسلم له»، وقال ابن القيم: «تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم؛ رُجي له أن يعود خيرًا مما كان».

أقسام الفتور

ينقسم الفتور إلى أقسام عدة ، أهمها:

(1) كسل وفتور عام في جميع الطاعات

- القسم الأول: الكسل والفتور العام في جميع الطاعات، مع كره لها، وعدم رغبة فيها، وهذا حال المنافقين؛ فإنَّهم من أشد الناس كسلًا وفتورًا ونفورًا، قال الله فيهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} (النساء: 142)، وقال: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} (التوبة: 54)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أثقل صلاةٍ على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا»، ولفظ (أثقل) على صيغة (أفعل) يدلُّ على أنَّ غيرهما ثقيل، وليس الثقل مقتصرًا عليهما.

(2) كسل وفتور في بعض الطاعات

- القسم الثاني: كسل وفتور في بعض الطاعات، يصاحبه عدم رغبة فيها دون كره لها، أو ضعف في الرغبة مع وجودها، وهذا حال كثير من فساق المسلمين، وأصحاب الشهوات، وهذان القسمان سببهما مرض في القلب، ويقوى هذا المرض ويضعف بحسب حال صاحبه، فمرض المنافقين أشد من مرض الفساق وأصحاب الشهوات.

(3) كسل وفتور عام سببه بدني لا قلبي

- القسم الثالث: كسل وفتور عام سببه بدني لا قلبي؛ فتجد عنده الرغبة في العبادة، والمحبة للقيام بها، وقد يحزن إذا فاتته، ولكنه مستمر في كسله وفتوره، فقد تمر عليه الليالي وهو يريد قيام الليل، ولكنه لا يفعل مع استيقاظه وانتباهه ويقول: سأختم القرآن في كل شهر، وتمضي عليه الأشهر ولم يتمَّه، ويحب الصوم، لكنه قليلًا ما يفعل، وهذا حال كثير من المسلمين الذين يصابون بهذا الداء، ومنهم أناس صالحون، وآخرون من أصحاب الشهوة والفسق، وقد يؤدي هذا النوع إلى أن يشترك بعض المصابين به مع النوع الثاني، وهو الثقل القلبي في بعض العبادات.

(4) كسل وفتور عارض بين الحين والآخر

كسل وفتور عارض يشعر به الإنسان بين حين وآخر، ولكنه لا يستمر معه، ولا تطول مدته، ولا يوقع في معصية، ولا يخرج عن طاعة، وهذا لا يسلم منه أحد، إلا أنَّ الناس يتفاوتون فيه أيضًا، وسببه غالبًا أمر عارض، كتعب، أو انشغال، أو مرض ونحوها.

أنواع الفتور

هناك مظاهر وأنواع للفتور تمثل قصورًا في العمل الصالح، أو ارتكابا لذنب، ومن هذه الأنواع والمظاهر:

(1) قسوة القلب

قاسي القلب لا يتأثر بالقرآن ولا بالمواعظ حتى يلين قلبه، قال السعدي في قوله -تعالى-: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ} أي: لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي مُعرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشرُّ الكبير، وقال مالك بن دينار: «أربع من علم الشقاوة: قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على الدنيا».

(2) التكاسل عن الطاعة

من مظاهر الفتور التكاسل عن الطاعات، والعبادات، فربما يؤخرها عن وقتها، ولا يؤديها كما ينبغي، ولا سيما التكاسل عن الفرائض، قال -تعالى- عن المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} (النساء: 142) وقال: {وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} (التوبة: 54).

(3) الابتعاد عن الجليس الصالح

من أنواع الفتور أن يُضعِف الشخص علاقته مع إخوانه الصالحين، فيبتعد عنهم ويميل إلى العزلة، أو يصاحب قرناء السوء، قال - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالجماعة، وإيَّاكم والفرقة؛ فإنَّ الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنَّة فليلزم الجماعة».

(4) ضياع الوقت وعدم الإفادة منه

إهدار الوقت بما لا يعود عليه بالنفع، وتقديم غير المهم على المهم، والشعور بالفراغ الروحي، والوقتي، وعدم البركة في الأوقات، وتمضي عليه الأيَّام لا ينجز فيها شيئًا يذكر.

(5) عدم الاستعداد للالتزام بشيء

عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من كل عمل جدِّي؛ خوفًا من أن يعود إلى حياته الأولى، هكذا يسوِّل له شيطانه زخرف القول غرورًا.

(6) الفوضوية في العمل

فلا هدف محدد، ولا عمل متقن، أعماله ارتجالية، يبدأ في هذا العمل ثم يتركه، ويشرع في هذا الأمر ولا يتمه، ويسير في هذا الطريق ثم يتحوَّل عنه، وهكذا دواليك.

(7) خداع النفس بالانشغال وهو فارغ

خداع النفس بالانشغال وهو فارغ، وبالعمل وهو عاطل، ينشغل في جزئيات لا قيمة لها، ولا أثر يذكر، ليس لها أصل في الكتاب أو السنة، وإنما هي أعمال يقنع نفسه بجدواها، ومشاريع وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع.

(8) عدم الشعور بالمسؤولية

ومن مظاهر الفتور عدم استشعار المسؤولية الملقاة على عاتقه، والتساهل والتهاون في الأمانة التي حمَّله الله إياها، فلا تجد لديه الإحساس بعظم هذه الأمانة، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} (الأحزاب: 72) وقد تحدِّثه ساعة ويحدِّثك أخرى، فلا تجد أنَّ همَّ الدعوة يجري في عروقه، أو يؤرق جفونه ويقضُّ مضجعه.

أسباب الفتور

للفتور أسباب عديدة نذكر من أهمها ما يلي:

(1) الغفلة عن ذكر الله

إنَّ الغفلة عن ذكر الله سبب من أسباب الفتور عن الطاعات، والتكاسل عن العبادات؛ لأنَّه إذا نسي ذكر الله كان بعيدًا عنه، قال -تعالى-: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (الحشر: 19)، ودوام الغفلة يعتبر من التمادي في الباطل، وتختلف الغفلة عن السهو والنسيان، قال -تعالى-: {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (يونس: 7-8) .

(2) التشدُّد في العبادة

ينبغي للمؤمن أن يقوم بما يطيقه من العبادة حتى لا يصاب بالملل والفتور، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خذوا من العمل ما تطيقون؛ فإنَّ الله لا يمل حتى تملوا، وأحبُّ الصلاة إلى النَّبي -صلى الله عليه وسلم - ما دووم عليه، وإن قلت».

(3) الاقتداء بالأشخاص والتعلق بهم

فقد يتعلق الفرد بشخص يعده قدوة، وينظر إليه نظر قدوة، فإن زلَّ زلَّ معه، والحي لا تؤمن عليه الفتنة، يقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «من كان منكم مستنًّا، فليستنَّ بمن مات، أولئك أصحاب محمد كانوا خير هذه الأمة، أبرَّها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد كانوا على الهدي المستقيم».

(4) التعلق بالدنيا وزينتها

التعلق بالدنيا وزينتها، والغرور بمستلذاتها، يعد من أعظم أسباب الفتور، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} (لقمان: 33)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من كانت الدنيا همه، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتبه الله له».

(5) قلَّة تذكر الموت والدار الآخرة

قال -تعالى-: {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (يونس: 7-8)، وقد حث النَّبي - صلى الله عليه وسلم - على كثرة ذكر الموت بزيارة القبور ليتعظ ويعتبر، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: زار النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: «استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت»، قال المناوي: «ليس للقلوب ولا سيَّما القاسية أنفع من زيارة القبور، فزيارتها وذكر الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ويذهب الفرح بالدنيا، ويهوِّن المصائب، وزيارة القبور تبلغ في دفع رين القلب، واستحكام دواعي الذنب، ما لا يبلغه غيرها» .

(6) ضعف التربية الإيمانية

يحتاج المسلم إلى تربية طويلة، مؤصلة، شاملة، وبخاصة في الجانب العبادي والعلمي، ولقد ربى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - صحابته خير تربية عرفتها البشرية، ولم يكن هذا بالأمر السهل والهيِّن، بل مكث سنوات طويلة في مكة، وبعد ذلك في المدينة، يتعاهد صحابته، ويربيهم على عينيه - صلى الله عليه وسلم -، وتطلب هذا الأمر جهودًا مضاعفة، وسنوات متوالية، حتى تخرَّج على يديه الكريمتين تلك الصفوة المباركة، التي ما عرف التاريخ ولن يعرف مثلها، سجَّلوا أمجادهم بمداد من نور، واجهوا المشكلات والعقبات، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ذلوا، وما استكانوا، وما ضعفوا، وشباب الأمة اليوم بأمس الحاجة إلى التربية الشاملة المتوازنة، المستمدة من الكتاب والسنة، وعلى هدي سلف الأمة، والحقيقة التي لا يمكن إنكارها، أنَّ هناك ضعفًا ظاهرًا في تربية رجال الأمة وشبابها، بل ونسائها، وأصبح الالتزام مظهرًا عامًّا في داخله دخن عند كثير من الملتزمين، قد لا يثبت عند مواجهة الشدائد والمحن.

علاج الفتور

هناك وسائل كثيرة لعلاج الفتور ومن ذلك ما يلي:

(1) الدعاء بالثبات على الدين

قال -تعالى-: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (غافر: 60)، وكان - صلى الله عليه وسلم - يدعو بالثبات على الدين، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول، يا مقلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلت يا رسول الله: آمنَّا وبك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلبهما كما يشاء».

(2) الرفقة الصالحة

فالمرء على دين خليله، وعليه فلا بد أن يرافق الصالحين، حتى يعينوه على البر والتقوى، قال - صلى الله عليه وسلم -: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، وكما حثَّ على مصاحبة المؤمن فقال: «لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي».

(3) ذكر الله وكثرة الاستغفار

أمر الله -سبحانه وتعالى- عباده بالذكر حتى يفلحوا، فقال -تعالى-: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأنفال: 45)، وأوصى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الأعرابي أن يكون لسانه رطبا بذكر الله، فعن عبد الله بن بسر قال: إنَّ أعرابيًّا قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم -: إنَّ شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأنبئني منها بشيء أتشبث به، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله -عز وجل».

(4) الإكثار من النوافل

الإكثار من النوافل يقرِّب إلى الله -سبحانه وتعالى-، ويورث محبته، وفي الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإنْ سألني لأُعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه» والإكثار من النوافل يعوض ما قد يطرأ من النقص، والتقصير في الفرائض.

(5) الخوف من خاتمة من أصابه الفتور

تجد بعض من يصاب بالفتور ينتكس، وتكون خاتمته سيئة، فعلى المسلم أن يتعظ بهؤلاء، قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} (محمد: 25).

(6) التفكر في يوم القيامة

فالتفكر في اليوم الآخر، وما أعده الله لعباده، الممتثلين لأوامره؛ من النعيم، وما أعدَّه للكفار والعاصين من العذاب، يحرك في قلب صاحبه العزيمة الفاترة، فيقبل على الله بقلبه، ليكون من المنيبين إليه.






أنواع الفتور


- قسوة القلب.

- التكاسل عن الطاعة.

- الابتعاد عن الجليس الصالح.

- ضياع الوقت وعدم الإفادة منه.

- عدم الاستعداد للالتزام بشيء.

- الفوضوية في العمل.

- خداع النفس بالانشغال وهو فارغ.

- عدم الشعور بالمسؤولية.




أسباب الفتور


- الغفلة عن ذكر الله.


- التشدُّد في العبادة.

- الاقتداء بالأشخاص والتعلق بهم.

- التعلق بالدنيا وزينتها.

- قلَّة تذكر الموت والدار الآخرة.

- ضعف التربية الإيمانية.

آثار الفتور


- يدل على ضعف الهمة.

- التثاقل في العبادات.

- التعرض للأزمات النفسيَّة والاجتماعيَّة.

- يؤدي به إلى ترك بعض الفرائض.

- عاقبته تكون سيِّئة إذا لم يتب.

- تأثر من حوله به ولا سيما إذا كان قدوةً لغيره.

- فوات المصالح الدينية والدنيوية.



الوسائل المعينة على علاج الفتور




(1) الدعاء بالثبات على الدين.

(2) الرفقة الصالحة.

(3) ذكر الله وكثرة الاستغفار.

(4) الإكثار من النوافل.

(5) الخوف من خاتمة من أصابه الفتور

(6) التفكر في يوم القيامة.

النجدي: من مظاهر الفتور الانصراف عن طلب العلم الشرعي





بين رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ محمد الحمود النجدي أنَّ من أهم مظاهر الفتور انصراف الشباب عن طلب العلم الشرعي، ومن أهم التي الأسباب أدت إلى ذلك عدم استشعارهم بأهمية العلم، وأنه من أعظم النعم وأعلى المراتب والمنازل عند الله -عز وجل-، وهو ميراث الأنبياء والطريق الموصل إلى جنات النعيم، كما قال الله في كتابه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ}، فجعل شهادة أهل العلم بعد شهادته -سبحانه وتعالى- لنفسه وبعد شهادة ملائكته المقربين، وهذا تشريف لأهل العلم وأي تشريف! فقال -سبحانه وتعالى-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، ولما كان العلم بهذه المكانة فإن تحصيله لا يكون بالسهولة ولا بالراحة والكسل؛ فتحصيل العلم الشرعي يحتاج إلى الجهد والمثابرة والتضحية وبذل الثمين من الوقت وربما المال، فالصبر والمثابرة لابد منهما في هذا الطريق الطويل، وكما قال يحيى بن أبي كثير -رحمه الله-: «لا يستطاع العلم براحة الجسد»، وهذا التعب قد يستمر مع الإنسان ليس هو لمجرد وقت محدود وينتهي؛ لأن طلب العلم باب عظيم يستمر إلى آخر حياة الإنسان، كما قيل لإمام السنة الإمام أحمد -رحمه الله- «إلى متى تطلب هذا الحديث يا أبا عبدالله؟ فقال: «من المحبرة إلى المقبرة»، مع أنه كان إماما كبيرًا في العلم والفقه والحديث وعلل الحديث، لكنه أخبر أنه سيستمر في طلب العلم ولا ينقطع عن طلبه وطلب الفوائد والنكات الفقهية والحديثية والأصولية والعقائدية، لا يترك ذلك إلى أن يموت ويدخل القبر، رغم أنه كان أعلم أهل زمانه بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحفظهم له.

أحد الحلول الناجحة

وأضاف الشيخ النجدي أن الصبر على كل عارض دون طلب العلم أحد الحلول الناجحة، فالعوارض كثيرة: الوظيفة، والزواج، والأولاد، وعمل البيت، كل هذه عوارض تحول بين الإنسان وبين طلب العلم، والإمام الشافعي - رضي الله عنه - يقول: «حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمهم والصبر على كل عارض دون طلبه»، فينبغي للإنسان ألا يترك طلب العلم، وألا يستسلم للفتور وللشواغل من حوله، وعليه أن يسأل الله -تعالى- الإعانة على هذا الباب؛ فلا سهل إلا ما جعله الله سهلا، ومن أنفع الدعاء -كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم - قول العبد: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».




الموصلي: أسباب عزوف الشباب عن طلب العلم الشرعي




من الأسباب التي أدت إلى عزوف الشبان عن العلم الشرعي، عدم اعتنائهم بالطريقة المنهجية في تلقي العلم الشرعي، أما إذا كان العلم عند طالب العلم علمًا منهجيًا راسخا، فإن تعلق طالب العلم به يكون تعلقًا قويًا ثابتًا؛ فالعلم الشرعي عندما يكون راسخًا ثابتًا بأدلته وحقائقه ومسائله، فإن هذا أدعى إلى بقائه والاستمرار عليه والمجاهدة فيه.


اقتران العلم بالعمل

العلم الذي يقترن بالعمل، من أسباب حفظ العلم، ومن أسباب لزوم ثغره والاستقامة عليه، ولهذا عندما يكون العلم عند طالب العلم مجرد مسائل جدلية، أو آراء فقهية، أو أقوالاً علمية، لا يجعلها مقترنة ومتصلة بعملٍ ودعوة،ٍ فإن هذا يفضي أيضًا إلى الانقطاع عنه.

التعامل مع الواقع العلمي

طالب العلم إذا أكثر من الجدل وخاض في الاختلاف، فإن هذا يؤدي إلى قسوة القلب، فالرد على المخالف بالأصول الشرعية وباعتبارات ومقاصد دينية أمر مطلوب شرعًا، لكن عندما يتكلف طالب العلم فيجعل قضايا الاختلاف والردود أصلا في منهجه، وغالبا على طريقته، فإن هذا يؤدي بالنتيجة إلى العزوف عن العلم الشرعي.

سوء استخدام وسائل التواصل

طالب العلم في عبادة، وما يجري اليوم من المبالغة في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، والوقوف عندها كثيرا، وقراءة كل تعليقة، والوقوف عند كل خبر، ومشاهدة كل مقطع، هذا كله من المشوّشات على طالب العلم، ويؤدي هذا التشويش إلى العزوف عن مصالح العلم، عن الفاضل في العلم، عن الواجب في العلم، فيشتغل في أمور هي من مُلَح العلم، ومن مستحبات العلم وليس من أموره الواجبة، فهذا التعامل الخطأ في التواصل الاجتماعي يفضي بطالب العلم إلى العزوف عن العلم الشرعي.

كثرة الفتن والنوازل

وأخيراً من أسباب العزوف عن طلب العلم، كثرة الفتن والنوازل، ولاسيما عندما لا يجد طالب العلم في نفسه جوابا عليها أو تفسيرا منهجيا لها، وأيضا فإن كثرة المباحات والتوسع في الحياة الدنيا، وفي المطاعم والمشارب والمراكب، كل هذا أيضا يؤدي بطالب العلم إلى العزوف عن العلم الشرعي.

نصائح مهمة


أمام هذه الأسباب التي صارت اليوم تحديات، أنصح نفسي وكل طالب علم بالأمور الآتية:

- أولا: الاعتناء بجانب العبادة، والالتزام بأسباب زيادة الإيمان والتقوى.

- ثانيا: ملازمة تلاوة القرآن وتدبر آياته والوقوف مع كلياته ومقاصده.

- ثالثا: التزام المنهج العلمي في البحث، والابتعاد عن الجدل والمنازعات.

- رابعًا: طالب العلم يحتاج أن ينظم وقته، ويحدد أولوياته، ويعمل فيما يَصْلُح له؛ لأن عدم تنظيم الأولويات، وعدم تنظيم الوقت، والاشتغال بما ليس بمقدور الإنسان، قد يُفضي به إلى تضييع الأوقات وتشتيت الأذهان.

- خامساً: يجب على طالب العلم أن يُكثر من الدعاء ويطلب الاهتداء، ويستعين بربه على السير في العلم والدعوة.