بيان اختلاف الخلق في لذاتهم :
« انظر إلى الصبي في أول حركته وتميزه ، فإنه تظهر فيه : غريزة بها يستلذ اللعب ، حتى يكون ذلك عنده ألذ من سائر الأشياء .
ثم يظهر فيه بعد ذلك : استلذاذ اللهو ، ولبس الثياب الملونة ، وركوب الدواب الفارهة ، فيستخف معه اللعب ، بل يستهجنه .
ثم يظهر فيه بعد ذلك : لذة الزينة بالنساء والمنزل والخدم ، فيحتقر ما سواها لها .
ثم تظهر فيه بعد ذلك : لذة الجاه والرياسة ، والتكاثر من المال ، والتفاخر بالأعوان والأتباع والأولاد .
وهذه آخر لذات الدنيا ، وإلى هذه المراتب أشار سبحانه وتعالى بقوله : ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ) الآية [الحديد 20] .
ثم بعد ذلك فقد تظهر : لذة العلم بالله تعالى ، والقرب منه ، والمحبة له ، والقيام بوظائف عبادته ، وترويح الروح بمناجاته ، فيستحقر معها جميع اللذات السابقة ، ويتعجب من المنهمكين فيها .
وكما أن طالب الجاه والمال يضحك من لذة الصبي باللعب بالجوز مثلاً ، كذلك صاحب المعرفة والمحبة يضحك من لذة طالب الجاه والمال . » أهـ
الكشكول (2/220) لبهاء الدين العاملي (ت1031هـ )
قال ناقل هذا الكلام :
ولو حصل للعبد من اللذات والسرور والفرح بغير الله ما حصل لم يدم له ذلك ، بل ربما تنقل العبد في الدنيا بين فرحها وهمومها وأحزانها
ويتنعم بهذا في حال وبهذا في حال وكثيراً ما يكون ذلك الذي يتنعم به هو أعظم أسباب ألمه ومضرته ، أما لذة القرب والطاعة ومعرفة الله فلذة لا يعقبها إلا الفرح والسرور وانشراح الصدور .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الوابل الصيب ص (96) :
«والاقبال على الله تعالى ، والإنابة إليه ، والرضاء به وعنه ، وامتلاء القلب من محبته ، واللهج بذكره ، والفرح والسرور بمعرفته : ثواب عاجل ، وجنة ، وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة .
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ـ قدس الله روحه ـ يقول : أن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة » أهـ