باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعـــــد :
توطئــة بــين يــدي الأدلــة.
** إذا قلنا : أن هناك أسبابا ساهمت في نفور الكثير من لفظة التدين أو الالتزام
ثم ذهبنا نفنّد تلكم الأسباب بطريقة علمية متجردة سنخلص إلـــى :
- إن هناك أسبابًا خارجة عن طوق كل منا ، توسل بها بعضهم ؛ لينفر الناس - وخاصة عامة المسلمين- عن كل ما يمت للشرع بصلة ؛ لحاجة في نفوسهم المبغضة و المتغيظة على الإسلام وأهلــه .
-كما و أن هناك أسبابا يجب على كل منصف منا أن يقر بأن له كفل في وجودهـا - إلا من رحم ربي-
، والحق أن هذا الكفل والنصيب ، يحدث منا بلا عمد - أكاد أجزم بذلك - فلا أحد منا يريد أن ينفّر الخلق من شرع الله ، إلا إنه وبطريقة إما مباشرة أو غير مباشرة ساهم
أو يساهم في رسوخ تلكم الصورة القاتمة ، والواقع الذي يُكلم القلوب المحبة لشرع الله .
(( إذن ))
* لما كان الله يحاسب الخلق على ما اكتسبوا من الإثم بأيديهم ، فلا تزر وازرة وزر أخرى عنده ؛ لأنه سبحانه جلّ في علاه عدل يحب العدل .
** ولما كان الأمر الإلهي جاء يحض كل منا على الحرص على نجاة النفس -أولا- قبل الأهل و باقي الخلق :
(( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا
يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )) سورة : التحريم : آية (6) .
*** أصبح الحريّ بأمثالنا كالواجب المتحتم علينا هو : الحرص على تقديم العمل بما ينفعنا في المقام الأول ، وعدم الانشغال بما خرج عن طوقنا ، و ما لا تناله أيدينا ، عمّا نطيقه وتناله أيدينا - فقط- إن رغبنا ووجهنا إرادتنا إلى إصلاحه بشيء من مخالفة الهوى ، و مجاهدة النفس ومراقبتها ؛ لنضع أنفسنا موضع التهمة تقية وتحسبا أن يكون لنا كفل - قل أو كثر- في قيام مثل هذا الواقع المرّ.
* إلا أن التنصل من تحمل المسئولية ، وإلصاق تبعات سيء الأحوال بغيرنا ؛ من باب حب سلام النفس العاجلة وإيثارها على سلامة الآخرة - كالعادة غالبًا- ؛ طريق سهل ممهد ليس فيه شديد مشقة ، ولاكبير عناء في مجاهدة النفس و مخالفة الهوى ..!! فتجد بعضنا يسارع فيدفع عنه تلك الدعوى متعللا بالأسباب الخارجة عن الطوق
متناسيا أو متغافلا عن نصيبه في قيام هذه الصورة القاتمة .
**** والسؤال :- أي السبيلين نسلك ؟!
ولتسهل لنا الإجابة عن ذلكم السؤال الصعب ؛ نعرض فيما يلي أنموذجين مما صح
عن السلف - رضي الله عنهم -:
- قال الإمام مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الحسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أنه قال : {{لما نزلت هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ...) إلى آخر الآية ، جلس ثابت بن قيس في بيته وقال أنا من أهل النار واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال يا أبا عمرو ما شأن ثابت اشتكى قال سعد إنه لجاري وما علمت له بشكوى قال فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ثابت أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا من أهل النار فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من أهل الجنة .}}
صحيح مسلم / رقم : (170)/كتاب الإيمان / ج1 / باب : [ مخافة المؤمن أن يحبط عمله ]
- قال الإمام البخاري : حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا وكيع أخبرنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال :-
{{ كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد بني تميم أشار أحدهما بالأقرع بن حابس التميمي الحنظلي أخي بني مجاشع وأشار الآخر بغيره فقال أبو بكر لعمر : إنما أردت خلافي فقال عمر : ما أردت خلافك ، فارتفعت أصواتهما عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت
( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ...) إلى قوله : (..عظيم)
قال ابن أبي مليكة : قال ابن الزبير : فكان عمر بعد- ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر- إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه }}صحيح البخاري / رقم : 6758 / ج11/ كتاب : الاعتصام بالكتاب والسنة / باب :
ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين .
* قال ابن حجر في الفتح :
[ قوله ( حدّثه كأخي السرار )
أما " السرار " فبكسر السين المهملة وتخفيف الراء أي الكلام السر ومنه المساررة , وأما قوله " كأخي " فقال ابن الأثير معنى قوله " كأخي السرار " كصاحب السرار قاله الخطابي ونقل عن ثعلب أن المعنى كالسرار , ولفظ " أخي " صلة , قال والمعنى كالمناجى سرا انتهى ...
وقوله " لا يسمعه حتى يستفهمه " تأكيد لمعنى قوله كأخي السرار أي يخفض صوته ويبالغ حتى يحتاج إلى استفهامه عن بعض كلامه ..] انتهى بتصرف .
الشاهد :-
** تأملوا معي فعل الصحابيين الجليلين - رضوان الله عليهما - مع ملاحظة أن أحدًا لم يخصّ أو يُوجه لأي منهما خطابًا بتهمة ما تلميحا بله تصريحا:-
- فلم يسارع ثابت قائلا - مثلا- ماذا يفعل وقد خلق الله صوته رفيعا هكذا ؟!
- ولم يسارع عمر قائلا - مثلا - إن أبا بكر الصديق هو المتسبب في انفعاله وارتفاع صوته ؟!
** واترك لكم التأمل مت سبق .
يتبع .