أَفْضَلُ الْأَنْسَاكِ: التَّمَتُّعُ

يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
قَالَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-: [وَأَفْضَلُ الْأَنْسَاكِ: التَّمَتُّعُ، وَصِفَتُهُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغُ مِنْهَا، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ فِي عَامِهِ، وَعَلَى الْأُفُقِيِّ دَمٌ، وَإِنْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ: أَحْرَمَتْ بِهِ وَصَارَتْ قَارِنَةً].



هُنَا تَكَلَّمَ -رَحِمَهُ الله- عَنِ الْأَنْسَاكِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْسَاكَ ثَلَاثَةٌ:
أحَدَهُا: التَّمَتُّعُ.
وَالثَّانِي: الْإِفْرَادُ.
وَالثَّالِثُ: الْقِرَانُ.

وَالْمُسْلِمُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهَا؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ الله عَنْهَا- قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، قَالَتْ: وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ، وَأَهَلَّ مَعَهُ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ[1].

وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا؛ فَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ -رَحِمَهُ الله-: "وَأَجْمَعَ *أَهْلُ *الْعِلْمِ *عَلَى *جَوَازِ *الْإِحْرَامِ بِأَيِّ الْأَنْسَاكِ الثَّلَاثَةِ شَاءَ"[2].

وَلَكِنْ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَفْضَلِ هَذِهِ الْأَنْسَاكِ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَرَأْيُ أَهْلِ الْحَدِيثِ[3]؛ لِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا وَسَعَوْا أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، إِلَّا مَنْ سَاقَ هَدْيًا، وَثَبَتَ عَلَى إِحْرَامِهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ وَتَأَسَّفَ بِقَوْلِهِ: «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ»[4]، وَأَحَادِيثُ التَّمَتُّعِ كَثِيرَةٌ وَمُتَوَاتِرَةٌ . وَاللهُ أَعْلَمُ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ أَفْضَلَ أَنْوَاعِ النُّسُكِ الْقِرَانُ، وَقَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ[5]؛ وَاسْتَدَلُّوا: بِأَنَّهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَّ قَارَنًا، وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَّ قَارِنًا كَثِيرَةٌ، مِنْ أَصْرَحِهَا: مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ الله عَنْهُما- أَنَّهُ قَرَنَ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: «صَنَعْتُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: مَا أُرَى شَأْنَهُمَا إِلَّا وَاحِدًا، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي؛ فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعْيًا وَاحِدًا، حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا»[6]. وَمِنْهَا أَيْضًا: مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ[7]. وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، وَقدْ ذَكَرَهَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ، وَالشَّنْقِيطِي ُّ فِي أَضْوَاءِ الْبَيَانِ[8]، وَغَيْرُهُمْ، وَهِيَ: تَدُلُّ دَلَالَةً صَرِيحَةً عَلَى أَنَّهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَّ قَارِنًا؛ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: "لَا أَشُكُّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ قَارِنًا *وَالْمُتْعَةُ *أَحَبُّ *إلَيَّ"[9]؛ لِأَنَّهُ آخِرُ مَا أَمَرَ بِهِ النّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ أَفْضَلَ أَنْوَاعِ النُّسُكِ الْإِفْرَادُ، وَهُوَ: مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَالشَّافِعيِّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ[10]؛ وَحُجَّتُهُمْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ جَاءَتْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أَنَّهُ أَفْرَدَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاع،ِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَلَفْظُ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالحَجِّ»[11]، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَلَا يَحْتَمِلُ لَفْظُ عَائِشَةَ هَذَا: غَيْرَ إِفْرَادِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ مَعَهُ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ.

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِأَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ عَلَى غَيْرِهِ: أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ يَفْعَلُونَهُ بَعْدَهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُمْ أَفْضَلُ النَّاسِ وَأَخْشَاهُمْ وَأَتْقَاهُمْ وَأَشَدُّهُمُ اتِّبَاعًا لِرَسُول ِاللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَقَدْ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالنَّاسِ مُفْرِدًا، وَحَجَّ الْفَارُوقُ الْمُلْهَمُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَشْرَ سِنِينَ بِالنَّاسِ مُفْرِدًا، وَحَجَّ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِهِمْ مُدَّةً مِنْ خِلَافَتِهِ مُفْرِدًا[12].

قَالَ أَبُو الْعَبَّاُس-فَارِسُ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ الله-: "فَالتحقيق فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ يَتَنَوَّعُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْحَاجِّ؛ فَإِنْ كَانَ يُسَافِرُ سَفْرَةً لِلْعُمْرَةِ، وَلِلْحَجِّ سَفْرَةً أُخْرَى، أَوْ يُسَافِرُ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَعْتَمِرُ وَيُقِيمُ بِهَا حَتَّى يَحُجَّ؛ فَهَذَا الْإِفْرَادُ لَهُ أَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ لَيْسَ مَسْنُونًا؛ بَلْ مَكْرُوهٌ، وَإِذَا فَعَلَهُ فَهَلْ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ؟ فِيهِ نِزَاعٌ. وَأَمَّا إذَا فَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ غَالِبُ النَّاسِ، وَهُوَ: أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَقْدَمَ مَكَّةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ: وَهُنَّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ؛ فَهَذَا إنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ *فَالتَّحَلُّلُ *مِنْ *إحْرَامِهِ *بِعُمْرَةٍ *أَفْضَلُ"[13].

الْفَرْعُ الثَّانِي: صِفَةُ الْأَنْسَاكِ الثَّلَاثَةِ.
أَوَّلًا: صِفَةُ التَّمَتُّعِ، وَهَذِهِ قَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَصِفَتُهُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ).


أَيْ: وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فيِ عَامِهِ مِنْ مَكَّةَ، أَوْ قُرْبَهَا، أَوْ بَعِيدًا عَنْهَا[14]؛ فَلَا يَكُونُ الْحَجُّ تَمَتُّعًا إِلَّا إِذَا جَمَعَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.

الثَّانِي: أَنْ يَتَحَلَّلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِهَا؛ فَإِذَا فَرَغَ يُحِلُّ ثُمَّ يَتَمَتَّعُ بِمَا شَاءَ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَغَ مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ: لَكَانَ قَارِنًا.

الثَّالِثُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ مِنْ مَكَّةَ، أَوْ مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنْهَا، وَيَقُولُ عِنْدَ إِحْرَامِهِ: (لَبَّيْكَ عَمْرَةً مُتَمَتِّعًا بِهَا إِلَى الْحَجِّ). وَهَذَا الشَّرْطُ أَيْضًا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ: كَوْنُهُ يَحُجُّ فِي عَامِهِ اتِّفَاقًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ﴾[البقرة: 196]، وَظَاهِرُهُ الْعُمومُ، وَجَزَمَ بِعَدَمِ التَّقْيِيدِ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ[15].

ثَانِيًا: صِفَةُ الْإِفْرَادِ، وَقَدْ بَيَّنَهَا الْعَلَّامَةُ الْبَهُوتِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فيِ الرَّوْضِ الْمُرَبَّعِ؛ فَقَالَ: "*الْإِفْرادُ أَنْ *يُحْرِمَ *بِحَجٍّ، ثُمَّ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ"[16].

أَيْ: ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْحَجِّ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ[17]، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَدْيِهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَأَيْضًا: الَّذِينَ حَجُّوا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ فِيهِمْ مَنِ اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ إِلَّا عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَهِيَ: مَعْذُورَةٌ.

وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ؛ لَاسِيَمَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ -رَضِيَ الله عَنْهُمْ- جَمِيعًا، وَالَّذِينَ اسْتَحَبُّوا الْإِفْرَادَ مِنْهُمْ إِنَّمَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يَحُجَّ فِي سَفْرَةٍ، وَيَعْتَمِرَ فيِ سَفْرَةٍ أُخْرَى، كَمَا قَرَّرَ ذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ الله- فِي مَنْسَكِهِ[18].

ثَالِثًا: صِفَة ُالْقِرَانِ، وَهَذِهِ قَدْ بَيَّنَهَا الْعَلَّامَةُ الْبَهُوتِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي الرَّوْضِ الْمُرَبَّعِ؛ فَقَالَ: "الْقِرَانُ: أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا، أَوْ بِهَا ثُمَّ يُدْخِلُهُ عَلَيْهَا قَبْلَ شُرُوْعٍ فِي طَوَافِهَا، وَمَنْ أَحْرَمَ بِهِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ إِحْرَامُهُ بِهَا"[19].

فَالشَّارِحُ -رَحِمَهُ الله- ذَكَرَ لِلْقِرَانِ ثَلَاثَ صُوَرٍ:
الصُّورَةُ الْأُولَى: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ جَمِيعًا يَنْوِيهِمَا مَعًا، وَيَطُوفُ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، وَيَسْعَى لَهُمَا سَعْيًا وَاحِدًا؛ وَدَلِيلُ هَذِهِ الصُّورَةِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَرْفُوعًا: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي؛ فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ»[20].

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ الْحَجَّ عَلَيْهَا وَيَنْوِيهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ.

الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، وَقَدْ بَيَّن -رَحِمَهُ الله- عَدَمَ صِحَّةِ الْإِحْرَامِ فِي هَذِهِ الْحَالِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: عَدَمُ صِحَّةِ إِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَالْأَصَحُّ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ[21].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْقَدِيمُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ[22]؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[23].

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُقْنِعِ: "وَمَنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَفْسَخَ إِذَا طَافَ وَسَعَى، وَيَجْعَلَهَا عُمْرَةً؛ لِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ؛ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَاقَ مَعَهُ هَدْيًا فَيَكُونُ عَلَى إِحْرَامِهِ"، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا أَنْ يَفْسَخَ إِذَا طَافَ وَسَعَى، وَيَجْعَلَهَا عُمْرَةً، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ مِنَ الْمُفْرَدَاتِ[24].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُالْفَسْخ ُ، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِأَهْل ِالْعِلْمِ[25].

وَالَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْحَنَابِلَةَ أَسْعَدُ بِالدَّلِيلِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

فَائِدَةٌأُخْرَى: عَمَلُ الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ وَاحِدٌ؛ لَكِنْ يَجِبُ الْهَدْيُ عَلَى الْقَارِنِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُفْرِدِ، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ[26].

الْفَرْعُ الثَّالِثُ: أَحْكَامُ الْأُفُقِيِّ أَوِ الْآفَاقِيِّ، وَهَذِهِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَعَلَى الْأُفُقِيِّ دَمٌ).


وَالْكَلَامُ عَنْهُ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: تَحْدِيدُ الْأُفُقِيِّ أَوِ الْآفَاقِيِّ.
قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ الْأُفُقِيِّ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: مَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ مِنَ الْحَرَمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، وَالشَّافِعِيِّ ةِ[27].

الْقَوْلُ الْثَّانِي: مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمَوَاقِيتِ[28].

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَلْ عَلَى الْأُفُقِيِّ هَدْيٌ إِذَا تَمَتَّعَ؟
مَقْصُودُ الْمُؤَلِّفِ -رَحِمَهُ الله-: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأُفُقِيِّ إِذَا أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا، أَوْ قَارِنًا: هَدْيٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّفَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي ﴾[البقرة: 196]. بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرَمِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ: فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾[البقرة: 196]؛ فَالْمُرَادُ بِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: أَهْلُ الْحَرَمِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَهِيَ: (85) كـم تَقْرِيبًا.

فَالَّذِي يَبْعُدُ مَسْكَنُهُ مِنْ مَكَّةَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، وَأَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا: لَزِمَهُ هَدْيٌ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَانٍ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ: فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا سَبَقَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ[29].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيًا، وَهَذَا وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعيَّةِ[30].

مَلْحُوظَةٌ مُهِمَّةٌ: يَبْدَأُ تَقْدِيرُ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إِذَا فَارَقَ بُنْيَانَ مَكَّةَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: حُكْمُ دَمِ الْمُتْعَةِ علَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ لَا يَجِبُ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ في أَنَّ *دَمَ *الْمُتْعَةِ *لَا *يَجِبُ عَلَى حَاضِرِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ"[31].

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْمُرَادُ بِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ دَاخِلُونَ فِي ذَلِكَ؛ كَمَا قَالَ الطَّبَرِيُّ -رَحِمَهُ الله-: "اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ... بَعْدَ إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ مَعْنِيُّونَ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا مُتْعَةَ لَهُمْ"، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ الله-: "وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى *أَنَّ *أَهْلَ *مَكَّةَ، *وَمَا *اتَّصَلَ *بِهَا *مِنْ *حَاضِرِيهِ"[32]. وَخِلَافُهُمْ فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْحِلِّ؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ هُمْ الْمُقِيمُونَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهَوَ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ كَانَ مِنْ جَوَانِبِ الْحَرَمِ عَلَى مَسَافَةٍ لَا يُقْصَرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةُ[33].

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَذِي طِوَى، وَمَا كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ مَكَّةَ[34].

الْقَوْلُ الرَّابِعُ: هُمْ أَهْلُ الْمَوَاقِيْتِ فَمَنْ دُونَهَا إِلَى مَكَّةَ[35].

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: حُكْمُ التَّمَتُّعِ لِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
الَذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ -رَحِمَهُ الله-: أَنَّ الْمَكِّيَّ وَحَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَهُ أَنْ يَتَمَتَّعَ، لَكِنْ إِنْ تَمَتَّعَ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَكِّيَّ وَمَنْ كَانَ حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَهُ أَنْ يَتَمَتَّعَ وَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ، وَهَذَا قْوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ[36].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَكِّيَّ وَمَنْ كَانَ حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: لَا يَتَمَتَّعُ، وِإِنْ تَمَتَّعَ فَمَكْرُوهٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ[37]، وَهُوَ عَكْسُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَمَامًا، فَهُمْ لَا يَرَوْنَ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَتَمَتَّعُوا، وَإِنْ تَمَّتَعُوا: فَعَلَيْهِمْ دَمٌ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لَهُمْ؛ بَلْ يُشْرَعُ لَهُمْ أَنْ يَتَمَتَّعُوا، وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ.

وَالْأَقْرَبُ -وَاللهُ أَعْلَمُ- مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾[البقرة: 196]؛ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ ﴾ هَذَا عَامٌّ يَشْمَلُ الْمَكِّيَّ وَغَيْرَ الْمَكِّيِّ، وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾[البقرة: 196]، تَعُودُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ؛ فَيَكُونُ الْمُرَادُ: إِيجَابُ الدَّمِ؛ فَإِذَا كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

الْفَرْعُ الرَّاِبعُ: أَحْكَامٌ تَخُصُّ الْحَائِضَ. وَهَذِهِ قَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ وَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ: أَحْرَمَتْ بِهِ، وَصَارَتْ قَارِنَةً).


إِذَا طَرَأَ الْحَيْضُ عَلَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ فَلَا تَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ:
الْحَالُ الْأُولَى: أَنْ يُمْكِنَهَا أَنْ تُؤَدِّيَ الْعُمْرَةَ قَبْلَ أَيَّامِ الْحَجِّ، مِثَالُ ذَلِكَ: امْرَأَةٌ أَحْرَمَتْ فِي شَهْرِ ذِي الْقِعْدَةِ وَجَاءَهَا الْحَيْضُ وَحَيْضُهَا ثَمَانَيَةُ أَيَّامٍ؛ فَسَيَكُونُ عِنْدَهَا مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا أَنْ تَتَطَهَّرَ ثُمَّ تُؤَدِّيَ الْعُمْرَةَ قَبْلَ أَنْ تَتَلَبَّسَ بِالْحَجِّ، وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَهَا أَنْ تَنْوِيَ العْمُرْةَ، لَكِنْ تَمْتَنِعُ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ؛ فَإِذَا طَهُرَتْ تَغْتَسِلُ وَتُؤَدِّي عُمْرَتَهَا ثُمَّ تَتَحَلَّلُ.

الْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يُمْكِنَهَا أَنْ تُؤَدِّيَ الْعُمْرَةَ قَبْلَ أَيَّامِ الْحَجِّ؛ لِضِيقِ الْوَقْتِ؛ مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ تَكُونَ عَادَةُ الْمَرْأَةِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى الْحَجِّ سِوَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ؛ فَحِينَئِذٍ لاَ يُمْكِنُهَا أَنْ تُؤَدِّيَ عُمْرَتَهَا قَبْلَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ ضَيِّقٌ؛ فَتَنْقَلِبُ قَارِنَةً لِلضَّرُورَةِ؛ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَقَالَ: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي»[38]؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً: قَوْلُهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا فِي آخِرِ الْحَجِّ: «يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ»[39].

وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُفْرِدَةً: فَحِينَئِذٍ تَذْهَبُ إِلَى عَرَفَاتٍ، وَتُتِمُّ مَنَاسِكَ الْحَجِّ، إِلَّا أَنَّهَا لَا تَطُوفُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ حَتَّى تَطْهُرَ.

تَكْمِيلٌ:
وَمِثْلُ الْحَائِضِ: مَنْ حَصَلَ لَهُ عَارِضٌ وَخَشِيَ فَوَاتَ الْحَجِّ؛ فَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ، وَيَصِيرُ قَارِنًا.

[1] أخرجه البخاري (317)، ومسلم (1211).

[2] المغني (3/ 260).

[3] ينظر: المغني، لابن قدامة (3/ 261)، والحاوي الكبير (4/ 44).

[4] أخرجه البخاري (1785)، ومسلم (1216).

[5] ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (2/ 508).

[6] أخرجه البخاري (4185)، ومسلم (1230).

[7] تقدم تخريجه.

[8] ينظر: زاد المعاد (2/ 143)، وأضواء البيان (5/ 202).

[9] مجموع الفتاوى (26/ 283).

[10] ينظر: النوادر والزيادات (2/ 364)، والمجموع، للنووي (7/ 151).

[11] أخرجه البخاري (1562)، ومسلم (1211).

[12] ينظر: سنن الترمذي (2/ 175)، شرح السنة، للبغوي (7/ 75).
وأخرج أحمد (2664): أنهم تمتعوا، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ، وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ، وَعُمَرُ حَتَّى مَاتَ، وَعُثْمَانُ حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَهَى عَنْهَا مُعَاوِيَةُ".

[13] مجموع الفتاوى (26/ 101).

[14] عمدة الأحكام (ص: 160).

[15]ينظر: حاشية ابن قاسم على الروض (3/ 560)، وانظر: الإنصاف (8/ 165).

[16]الروض المربع (2/ 78).

[17] ينظر: الشرح الكبير، للشيخ الدردير (2/ 28)، وحاشية الجمل (2/ 489)، والروض المربع (2/ 78).

[18] مناسك الحج، لابن تيمية (ص: 25).

[19] الروض المربع (2/ 78).

[20] أخرجه البخاري (1534).

[21] ينظر: البحر الرائق (2/384)، وإرشاد السالك (2/ 498)، والمجموع للنووي (7/173)، والإنصاف، للمرداوي (8/167).

[22] ينظر: البحر الرائق (2/ 384)، والمجموع، للنووي (7/ 173)، والإنصاف، للمرداوي (8/ 167).

[23] أخرجه مسلم (1241).

[24] ينظر: المغني، لابن قدامة (3/ 359).

[25] ينظر: حاشية ابن عابدين (2/ 502)، والبيان والتحصيل (4/ 58)، والبيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 88).

[26] ينظر: الأم، للشافعي (2/ 237)، والمغني، لابن قدامة (3/ 409، 411).

[27]ينظر: اللباب في الفقه الشافعي (ص: 197)، والروض المربع (2/ 78).

[28]ينظر: البناية شرح الهداية (4/ 161).

[29] ينظر: المجموع، للنووي (7/ 176)، والفروع، لابن مفلح (5/ 353).

[30] ينظر: المجموع، للنووي (7/ 176).

[31]المغني (5/ 355).

[32] تفسير القرطبي (2/ 404).

[33] ينظر: الحاوي الكبير (4/ 62)، والكافي في فقه الإمام أحمد (1/ 480).

[34] ينظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 98).

[35] ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (2/ 503).

[36] ينظر: الذخيرة، للقرافي (3/ 291)، والمجموع، للنووي (7/ 169)، والمغني، لابن قدامة (3/ 415).

[37] ينظر: تحفة الفقهاء (1/ 411، 412). وقد نقل الإجماع على ذلك، قال الطبري: "بعد إجماع جميعهم على أن أهل الحرم معنيون به، وأنه لا متعة لهم". تفسير الطبري (3/ 110).

[38] أخرجه البخاري (305)، ومسلم (1211).

[39] أخرجه مسلم (1211).