الاسم والمسمى مسألة ترد في كتب العقائد ، وهي من المسائل الحادثة التي وقع حولها خلاف كبير ، وجدل كثير . ولم تعرف هذه المسألة إلا بعد انقضاء عصر الصحابة والتابعين حيث استحدث هذا المصطلح ، وأنكر الأئمة على الجهمية قولهم : ( الاسم غير المسمى ) فأصبحت هذه المسألة تعرف ﺑ ( الاسم والمسمى ) ، وأساس الخلاف هو : هل أن أسماء الله تعالى مخلوقة ؟ أم غير مخلوقة ؟ ، ومنشأ هذا الخلاف هو : هل أن كلام الله مخلوق؟ أم غير مخلوق؟.الاسم والمسمى
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى : ( قاعدة في الاسم والمسمى )
( فَصْل في الاسم والمسمى هل هو هو، أو غيره ؟ أو لا يقال : هو هو، ولا يقال : هو غيره ؟ أو هو له ؟ أو يفصل في ذلك ؟ فإن الناس قد تنازعوا في ذلك ، والنزاع اشتهر في ذلك بعد الأئمة ، بعد أحمد وغيره ، والذي كان معروفًا عند أئمة السنة أحمد وغيره : الإنكار على الجهمية الذين يقولون : أسماء الله مخلوقة .
فيقولون : الاسم غير المسمى، وأسماء الله غيره وما كان غيره فهو مخلوق . وهؤلاء هم الذين ذمهم السلف وغلظوا فيهم القول ؛ لأن أسماء الله من كلامه ، وكلام الله غير مخلوق ؛ بل هو المتكلم به ، وهو المسمى لنفسه بما فيه من الأسماء .
والجهمية يقولون : كلامه مخلوق ، وأسماؤه مخلوقة ، وهو نفسه لم يتكلم بكلام يقوم بذاته ، ولا سَمَّى نفسه باسم هو المتكلم به ، بل قد يقولون : إنه تكلم به ، وسمى نفسه بهذه الأسماء ، بمعنى أنه خلقها في غيره ، لا بمعنى أنه نفسه تكلم بها الكلام القائم به ، فالقول في أسمائه هو نوع من القول في كلامه .
والذين وافقوا السلف على أن كلامه غير مخلوق وأسماءه غير مخلوقة ، يقولون : الكلام والأسماء من صفات ذاته ، لكن هل يتكلم بمشيئته وقدرته ، ويسمى نفسه بمشيئته وقدرته ؟ هذا فيه قولان :
النفي : هو قول ابن كُلاَّب ومن وافقه .
والإثبات : قول أئمة أهل الحديث والسنة وكثير من طوائف أهل الكلام ، كالهشامية والكَرّامية وغيرهم ، كما قد بسط هذا في مواضع .
والمقصود هنا أن المعروف عن أئمة السنة إنكارهم على من قال : أسماء الله مخلوقة ، وكان الذين يطلقون القول بأن الاسم غير المسمى هذا مرادهم ؛ فلهذا يُروى عن الشافعي (1)
-------------------------------
(1) الاعتقاد – البيهقي / أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا الحسن بن رشيق إجازة ثنا سعيد بن أحمد بن زكريا اللخمي ثنا يونس بن عبد الأعلى قال سمعت الشافعي يقول إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة .
قلت : قال احمد بن إبراهيم في تحقيقه لكتاب ( الاعتقاد للبيهقي ) : في الأسناد أبو عبد الرحمن السلمي وهو متهم . إ? من ص 64 .
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : سَعِيْدٌ : مصرِيٌّ لاَ أَعْرِفُهُ. إ? من ج 19 / ص19.
والأصمعي (1) وغيرهما أنه قال : إذا سمعت الرجل يقول : الاسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة ، ولم يعرف أيضًا عن أحد من السلف أنه قال : الاسم هو المسمى ، بل هذا قاله كثير من المنتسبين إلى السنة بعد الأئمة ، وأنكره أكثر أهل السنة عليهم . ثم منهم من أمسك عن القول في هذه المسألة نفيا وإثباتًا ؛ إذ كان كل من الإطلاقين بدعة كما ذكره الخلال عن إبراهيم الحربي وغيره ، وكما ذكره أبو جعفر الطبري في الجزء الذي سماه (صريح السنة) (2) ، ذكر مذهب أهل السنة المشهور في القرآن ، والرؤية ، والإيمان والقدر، والصحابة وغير ذلك .
وذكر أن [ مسألة اللفظ ] ليس لأحد من المتقدمين فيها كلام ، كما قال : لم نجد فيها كلامًا عن صحابي مضى ولا عن تابعي قَفَا ، إلا عمن في كلامه الشفاء والغَنَاء ، ومن يقوم لدينا مقام الأئمة الأولى أبو عبد الله أحمد بن حنبل ، فإنه كان يقول : اللفظية جهمية . ويقول : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو جهمي ، ومن قال : غير مخلوق ، فهو مبتدع .
وذكر أن القول في الاسم والمسمى من الحماقات المبتدعة التي لا يعرف فيها قول لأحد من الأئمة، وأن حسب الإنسان أن ينتهي إلى قوله تعالى : { وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } [ الأعراف : 180 ] ، وهذا هو القول بأن الاسم للمسمى ، و هذا الإطلاق اختيار أكثر المنتسبين إلى السنة من أصحاب الإمام أحمد وغيره .
والذين قالوا : الاسم هو المسمى كثير من المنتسبين إلى السنة ، مثل أبي بكر عبدالعزيز، وأبي القاسم الطبري ، واللالَكائي ، وأبي محمد البغوي صاحب [ شرح السنة ] وغيرهم ، وهو أحد قولي أصحاب أبي الحسن الأشعري اختاره أبو بكر بن فُورَك وغيره .
والقول الثاني وهو المشهور عن أبي الحسن : أن الأسماء ثلاثة أقسام : تارة يكون الاسم هو المسمى كإسم الموجود ، وتارة يكون غير المسمى كإسم الخالق ، وتارة لا يكون هو ولا غيره كإسم العليم والقدير .)أ? .(3)
وقال الأشعري : ( واختلفوا في اسم البارئ جل وعز هل هو البارئ أم غيره على اربع مقالات :
فقال قائلون أسماؤه هي هو والى هذا القول يذهب أكثر أصحاب الحديث ،
وقال قائلون من أصحاب ابن كلاب أن أسماء البارئ لا هي البارئ ولا غيره ،
وقال قائلون من أصحابه أسماء البارئ لا يقال هي البارئ ولا يقال هي غيره وامتنعوا من أن يقولوا لا هي البارئ ولا غيره ،
وقال قائلون أسماء البارئ هي غيره وكذلك صفاته وهذا قول المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وكثير من الزيدية . )إ? (4) . والأشعري لم يستوف المذاهب في عرضه المتقدم إذ أن هناك أقوالا أخرى لم يوردها أهمها بأن ( الاسم للمسمى ) وهو ما ذكره أبو جعفر الطبري في الجزء الذي سماه ( صريح السنة ) كما تقدم .
---------------------------------
(1) اعتقاد أهل السنة – اللالكائي / 347 - وأخبرنا علي بن محمد بن إبراهيم الجوهري قال حدثنا الحسين بن إدريس القافلاني قال حدثنا حفص بن عمر السياري قال سمعت أبا سعيد الأصمعي يقول : إذا سمعته يقول الاسم غير المسمى فاحكم أو قال فاشهد عليه بالزندقة لفظهما سواء .إ?
(2) صريح السنة / الطبري – ص 26 - 27 .
(3) مجموع الفتاوى ابن تيمية (6/185) .
(4) مقالات الإسلاميين ( 1/252 ) .
الخلاصة في مسألة الاسم والمسمى
الراجح عند أهل السنة أن يقال : إن الاسم للمسمى ؛ لورود الأدلة بذلك قال الله تبارك وتعالى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } ، ولا يقال الاسم هو المسمى أو غير المسمى إلا ببيان المعنى الحق إذ إنها تحتمل حقا وباطلا .
فهذه ثلاث صور للمسألة :
الأولى : الاسم غير المسمى .
والثانية : الاسم هو المسمى .
والثالثة : الاسم للمسمى .
فأما الصورتان الأوليان فتحتملان حقا وباطلا ، فقول القائل إن الاسم غير المسمى إن أراد أن لفظ الاسم غير الذات وأنه مخلوق ، فهذا معنى باطل لأن أسماء الله تعالى من كلامه وكلامه غير مخلوق فأسماء الله غير مخلوقة .
وإن أراد القائل أن أسماء الله غير ذات الله ، فهذا كلام صحيح عقلا ولغة ، لأن لفظ زيد مثلا غير زيد الآكل الشارب .
وأما الصورة الثانية : أن الاسم عين المسمى ، فأيضا تحتمل حقا وباطلا ، فمن قال إن الاسم عين المسمى وأراد بالاسم الذات وأراد أن ألفاظ أسماء الله مخلوقة ، فهذا معنى باطل كما سبق .
وإن أراد أن الاسم عين المسمى بمعنى الاسم لا ينفك عن المسمى ولم يقل بخلق أسماء الله ، فهو كلام حق .
وأما الصورة الثالثة : وهي أن الاسم للمسمى فهو كلام واضح لا تلبيس فيه ولا تدليس وليس من الكلمات المحدثة بل الكتاب والسنة يدلان عليه ، فقد قال الله تبارك وتعالى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } . فالحاصل أن قول القائل إن الاسم عين المسمى أو غير المسمى إن صدر عن إمام من أئمة السنة فيُحمل على المعنى الحق ، وإن جرى على لسان إمام من أئمة أهل الكلام فيحمل على المعنى الباطل .(1)
--------------------------------
(1) اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث / الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس ، ص 111 - 112باختصار .
وانظر الاعتقاد للبيهقي بتحقيق احمد بن إبراهيم ، هامش الصفحة ( 64 - 68 ) وشرح أصول اعتقاد اهل السنة والجماعة لللالكائي بتحقيق الدكتور احمد بن سعد الغامدي ، هامش الصفحة ( 228 – 229 ) ، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي تحقيق التركي – الأرناؤوط ( 1 / 194 ) ، وشفاء العليل لابن القيم الجوزية ( 2 / 278 ) ، ومصطلحات في كتب العقائد لمحمد إبراهيم الحمد ( ص 79 - 81 ) ؛ فانه مهم .