بقلم الموحد السلفى
الأصول التي ينطلق منها الطرف الأول والذي يقرر من خلالها عدم العذر بالجهل في التوحيد وأصل الدين على تفصيل يأتي بيانه إن شاء الله ...
ومن أهمها :
الأصل الأول : حقيقة الإيمان الكفر..
-فالإيمان والكفر متقابلان إذا زال احدهما خلفه الآخر ، ولا يجتمع أصل الإيمان وأصل الكفر قط ، كما لا يرتفع أصل الإيمان واصل الكفر قط كما قال سبحانه :"هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " فهما لا يجتمعان ولا يرتفعان في آن واحد ، ولكن قد تجتمع شعبة من شعب الكفر مع أصل الإيمان إذ أن الكفر أصل ذو شعب ، كما قد تجتمع شعبة من شعب الإيمان مع أصل الكفر فالإيمان أيضا أصل ذو شعب ... وهذا من أعظم أصول أهل السنة والجماعة ...
وعندما نتكلم عن الإيمان الذي يقابله الكفر فإننا لا نتكلم عن الإيمان الكامل أو الواجب ، بل نتكلم عن أصله وحقيقته وهو توحيد الله
هذه الحقيقة التي خلق الله الخلق لأجلها وفطرهم عليها وأرسل إليهم رسله وانزل كتبه ليعبد الله وحده لا شريك له، و يعبد بما شرع على ألسنة رسله صلوات الله وسلامه عليهم ....
قال سبحانه :" وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون"
وقال سبحانه:" ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"
والكفر في اللغة هو الستر والتغطية
- وفي الاصطلاح فهو : " ضد الإيمان"
قال شيخ الإسلام :
( والكفر عدم الإيمان باتفاق المسلمين سواء " اعتقد نقيضه وتكلم به" أو " لم يعتقد شيئا ولم يتكلم" ولا فرق في ذلك ) مجموع الفتاوى ( 20 / 86 )
ومعنى قوله أن الكفر عدم الإيمان ،أن من لم يأت بالإيمان فقد كفر...
وهو على ضربين :-
- ضرب لم يأت به ولم يحققه وهذا هو الكافر الأصلي ..
- وضرب أتى بالإيمان ثم ارتكب بعد ذلك بما ينقضه من المكفرات القولية أو العملية ..
فكل من لم يأت بالإيمان أو يحققه سواء من لم يأت به أصلا أو أتى به ثم نقضه فقد لابس الكفر قطعا .. وسواء كان كفره أصليا أو طارئا....
قال ابن القيم : ( والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، والإيمان بالله وبرسوله وإتباعه فيما جاء به ، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم ، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل ..)
فما لم يأت العبد بالإيمان فليس بمسلم سواء اعتقد نقيضه وتكلم به" أو " لم يعتقد شيئا ولم يتكلم" ولا فرق في ذلك...
وكل ما يحيد بالمكلف عن تحقيق هذا فليس بعذر في كون صاحبه ليس بمسلم .. سواء كان جاهلا أو غير ذلك ، وإن كان قد يعذر لعدم البلاغ في لحوق العذاب به ...
قال شيخ الإسلام : "... وفى السنن عن عوف بن مالك قال قال رسول الله أتاني آت من عند ربى فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة وهى لمن مات لا يشرك بالله شيئا وفى لفظ قال ومن لقي الله لا يشرك به شيئا فهو في شفاعتي وهذا الأصل وهو التوحيد هو أصل الدين الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين دينا غيره وبه أرسل الله الرسل وأنزل الكتب كما قال تعالى واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون..."
هذا هو الأصل الأول الذي ينطلق منه من لا يعذر بالجهل على تفصيل يأتي بعد ذلك...
وخلاصته أن حقيقة الإيمان التي قررها الشارع سبحانه منتفية في حق المشرك الذي أشرك بربه ، فإذا ثبت الكفر والشرك فقد انتفى عنه الإيمان ضرورة ..
فمن يثبت له الإيمان بعد ذلك فإنما يثبته بغير موجب أو يثبته على غير قواعد أهل السنة والجماعة ..
الأصل الثاني :
- النصوص الواردة في المسالة ..
لا يوجد نص صريح في كتاب الله أو سنة رسول الله أو إجماع للأمة يدل على العذر بالجهل في التوحيد وأصل الدين فضلا عن عموم العذر بالجهل في كل مسائل الشريعة ...
ولاشك أنه مع تقرير الأصل السابق لا يمكن أن يكون ثمة نص أو نصوص من الكتاب والسنة تثبت الإسلام لمن يشرك بالله الشرك الأكبر المخرج من الملة ...
فيمتنع أن توجد نصوص تقرر اجتماع الإسلام والكفر، والشرك والتوحيد في رجل واحد في آن واحد ... هذا لا يكون قط في شرع الله ...
الأصل الثالث :
وهي اختلاف الجهل كعذر عن غيره من الأعذار الأخرى كالخطأ والنسيان والإكراه..
فالجهل في حد ذاته لا يمنع من قيام حقيقة الكفر في نفس العبد ، ولا يحول دون تلازم الظاهر بالباطن ، فالذي يشرك بربه ما أشرك في عبادته إلا وقد سبق ذلك الشرك شرك آخر في ربوبيته وأسماءه وصفاته ، فلا يستغيث بغير الله في مالا يقدر عليه إلا الله إلا ويعتقد في المستغاث قدرة لا تكون إلا لله وعلما لا تكون إلا لله وصفات لا تكون إلا لله وهكذا في كل نوع شرك يشرك بالله فيه ....وهذا لا فرق فيه بين العالم والجاهل ...
والذي يسب الله جاهلا أن حكم هذا العمل كفر، هو كمن يسبه عالما أن حكم هذا العمل كفر.. فكلاهما زال عنه عمل القلب وهو تعظيم الرب ،إلا أن العالم يزيد كفره عن كفر الجاهل بما يوجب له تغليظ العقوبة ..
فالكفر يزيد في دركاته كما أن الإيمان يزيد في درجاته ...
قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ" آل عمران
وقال سبحانه : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً " النساء
والمشرك الجاهل تقوم في نفسه من حقائق العبودية لغير الله كما تقوم في العالم تماما وكما كانت قائمة في أهلها قبل مبعث جميع الرسل ، وإن كان لا يتصور عالما يشرك بالله إلا على وجه يتأول فيه هذا الشرك بنوع من الجهل كما ذكر سبحانه عنهم : "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى"
-وهذا بخلاف بقية الأعذار كالخطأ والنسيان والإكراه ،فلا تقوم بها حقيقة الكفر في نفس العبد ولا يتلازم الظاهر بالباطن مع وجوده هذه الأعذار ضرورة انتفاء القصد والإرادة والاختيار ..
- بل شرط كونها عذرا لصاحبها أن يطمئن قلبه بالإيمان ولا ينشرح بالكفر صدره ومع ذلك فالأدلة على ثبوت وعموم هذه الأعذار صريحة وقاطعة بخلاف الجهل ...
- ولذلك لا يمكن أن يقال عن الجاهل الذي يشرك بربه أنه وحد الله في العبادة ،أو أنه أخلص العبادة لله .. أو يقال هذا موحد ... هذا لا يتأتى عقلا(إلا على مذهب أهل التثليث ) فضلا عن تقريره شرعا ..
فالشرك نقض لحقيقة الدين وأصل الرسالة ،فلا ينفع مع هذا كون فاعله جاهل أو غيره ... وبيان هذا واجب متحتم على كل موحد ... وبيان غيره تغرير بالجاهل وتغيب لحقيقة الدين التي أرسل الله لها جميع رسله وأنزل جميع كتبه ...
هذه هي الأصول الهامة التي تعد منطلقا فيما أرى ، وثمة أصول أخرى ذات علاقة بالموضوع جائت ردا على أصول وأدلة الطرف الآخر منها :
- أنه لا تلازم بين أحكام الكفر والإيمان في الدنيا وأحكام الثواب والعذاب في الآخرة ..
- أنه لا فرق بين الكافر الأصلي وبين الكافر الطارئ في أن كلاهما لم يأتي بحقيقة الإيمان ..
- ثبوت وصف الشرك قبل قيام الحجة الرسالية وعدم تأثير الجهل على ذلك ...
- تقرير أن الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل ،فمن يشرك بالله فقد نقض ركن العمل ولا يثبت له الإسلام بالقول دون العمل إلا على منهج المرجئة ...
- تقرير أن قصد الكفر غير معتبر في التكفير والدليل على ذلك إجماع الأمة على كفر الهازل مع عدم قصده للكفر قطعا ...