تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: مناقشة بعض الأحاديث في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    167

    افتراضي مناقشة بعض الأحاديث في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى من والاه ... أما بعد :
    أطلعت على كتاب بعنوان (مستدرك التعليل على إرواء الغليل) فعزمت على مناقشة دعوى المؤلف من خلال دراسة الأحاديث الثلاث الأول من مستدركه على الإرواء, وتبيّن عدم الدقة والميل عن الإنصاف, فالشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله يخطأ ويصيب في أحكامه رغم إمامته في هذا الفن

    الحديث الأول :


    حديث فضل يوم الجمعة


    عن الحسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ . فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ عَلَيْكَ صَلَاتُنَا وَقَدْ أَرِمْتَ يَعْنِي وَقَدْ بَلِيتَ . قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ " .

    قال الدكتور الخليل في مستدركه : خلاصة رأي الشيخ الألباني (( الحديث صحيح , وصححه : الحاكم , والذهبي , والنووي , وابن القيم , وله أربعة شواهد , وأعله بعض المتقدمين بما لا يقدح )).انتهى
    الاستدراك :
    قال الدكتور الخليل : ((الحديث ضعيف , وله علة ذكرها الأئمة كالحافظ البخاري , وأبي حاتم , وأبي زرعة وغيرهم , إلا أن الشيخ الألباني لم يعط علة الحديث حقها من الدراسة , مع أن الذين أعلُّوه بها حفاظ أثبات , واكتفى بالإحالة على ما كتبه ابن القيم , وقال مع ذلك : أعلَّه بعض المتقدمين بما لا يقدح )).انتهى

    العلة :
    قال الدكتور الخليل : ((أن الحسين الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ( الثقة ) , بل سمع من عبد الرحمن بن يزيد ( الضعيف ) , وإنما غلط حسين الجعفي في اسم الجد)). انتهى

    حجة المستدرك : احتج وفقه الله بما نقله عن بعض الأئمة وفي احتجاجه به نظر يأتي تفصيله وبيان غلطه :
    1- الإمام البخاري رحمه الله :
    - قال البخاري في التاريخ الكبير [1]: " عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمى الشامي عن مكحول، سمع منه الوليد بن مسلم، عنده مناكير، ويقال هو الذى روى عنه أهل الكوفة أبو أسامة و حسين فقالوا : عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر " .اهـ
    - قال البخاري في التاريخ الصغير [2]: " وأما أهل الكوفة فرووا عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وهو بن يزيد بن تميم , ليس بابن جابر وابن تميم منكر الحديث ".اهـ
    - قال الترمذي في العلل الكبير [3]: " قال محمد : أهل الكوفة يروون عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أحاديث مناكير , وإنما أرادوا عندي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وهو منكر الحديث , وهو بأحاديثه أشبه منه بأحاديث عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر ".اهـ
    2- الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله :
    - قال أبو حاتم كما نقله ابنه رحمهما الله في كتابه العلل [4]: " عَبد الرحمن ابن يزيد بن جابر : لا أعلمُ أحداً من أهل العراق يُحدِّثُ عنه ، والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة ، وحُسين الجُعفي ، واحدٌ ، وهو عَبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، لأن أبا أسامة روى عن عَبد الرحمن ابن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أُمامة ، خمسة أحاديث أو ستة ، أحاديث منكرة ، لا يحتمل أن يُحدِّث عَبد الرحمن بن يزيد بن جابر مثله ، ولا أعلمُ أحدًا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئًا .
    وأمّا حُسينٌ الجُعفِيُّ : فإِنّهُ روى عن عَبدِ الرّحمنِ بنِ يزِيد بنِ جابِرٍ ، عن أبِي الأشعثِ ، عن أوسِ بنِ أوسٍ ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي يومِ الجُمُعةِ ، أنّهُ قال : أفضلُ الأيّامِ : يومُ الجُمُعةِ ، فِيهِ الصّعقةُ ، وفِيهِ النّفخةُ وفِيهِ كذا وهُو حدِيثٌ مُنكرٌ ، لا أعلمُ أحدًا رواهُ غير حُسينٍ الجُعفِيِّ وأمّا عبدُ الرّحمنِ بنُ يزِيد بنِ تمِيمٍ فهُو ضعِيفُ الحدِيثِ ، وعبدُ الرّحمن بنُ يزِيد بنِ جابِرٍ ثِقةٌ ".اهـ
    3- الخطيب البغدادي رحمه الله :
    - قال الخطيب في تاريخ بغداد[5] : " روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم , عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر , ووهموا في ذلك , فالحمل عليهم في تلك الأحاديث , ولم يكن غير ابن تميم الذي إليه أشار عمرو بن علي , وأما ابن جابر فليس في حديثه منكر والله اعلم " .اهـ
    4- ذكر المستدرك هذه العلة عن أبي زرعة الرازي , وأبي داود , وابن حبان , وموسى بن هارون وأحال على شرح علل الترمذي لابن رجب وتاريخ بغداد للخطيب .

    يقول أبو طارق عفا الله عنه :
    الصواب أن الحديث صحيح وقد اجتمعت فيه شروط الحديث الصحيح : العدالة والضبط في رجاله , والإتصال مع انتفاء الشذوذ والعلة عن مقاله وإسناده ,وما زعم من علة قد أجاب عنها حفاظ أثبات بحجة وبرهان لا يسع الناظر إلا قبولها خلا أهل التقليد وإن ادعوا التحقيق .

    واستدراك المستدرك وما احتج به من كلام الأئمة يجاب عنه من أوجه :

    - الوجه الأول : يظهر للناظر في كلام الإمامين البخاري وأبي زرعة أنه مبني على ظن غالب لم يجزما به , وعلى قرائن ترددت بين الظن والظن الغالب , لذلك تراهما قد قيداه قدس الله روحهما بذكر كلٌ منهما الفاظ تفيد عدم الجزم كـ (عندي) و (يقال) و (لا أعلم) , وقد وجد من خالفهم من الأئمة , فلا يجوز حمل المخالف على مجرد إجتهاد لا جزم فيه .
    [FONT=Simplified Arabic][COLOR=black]قال البخاري : " أهل الكوفة يروون عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أحاديث مناكير , وإنما أرادوا عندي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم " .
    وقال أيضاً : " ويقال هو الذى روى عنه أهل الكوفة " .انتهى
    قال أبو حاتم : " يقال هو الذي روى عنه أبو اسامة وحسين الجعفي وقالا هو ابن يزيد بن جابر وغلطا في نسبه " .اهـ
    وقال أبو حاتم : " لا أعلمُ أحدًا من أهل العراق يُحدِّثُ عنه ، والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة ، وحُسين الجُعفي ، واحدٌ ، وهو عَبد الرحمن بن يزيد بن تميم " .انتهى
    وأما الخطيب البغدادي فإنه أطلق العبارة , في معرض دفاعه عن ابن جابر لمّا ضعّفه الفلاس , فقال ( روى الكوفيون ) ثم قيدها بأبي أسامة عندما قال (حدثت عن دعلج بن احمد قال : قال موسى بن هارون : روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر , وكان ذاك وهماً منه رحمه الله , هو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر , وانما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم , فظن انه ابن جابر وابن جابر ثقة وابن تميم ضعيف).اهـ
    وقد جزم السخاوي [6] أن الخطيب جنح إلى ثبوت سماع الجعفي من ابن جابر . وأما ما ذكره المستدرك عن أبي زرعة وأبي داود وابن حبان وموسى بن هارون , موهماً بأنهم قائلون بها وأن حسيناً الجعفي لم يسمع من ابن جابر وإنما سمع من ابن تميم , فما هذا إلا تشبع بما لم يعط , لأنه لم يقف على نص كلام أبي زرعة , وإنما اعتمد في ذلك على ما نقله عن الحافظ ابن رجب في شرح العلل , ولا يكفيه ذلك , فالموطن موطن حجج وبراهين , ولا تنفع فيه النقول المجرده عما يثبتها .
    فإن قبلنا منه نقله عن الحافظ ابن رجب لسعة إطلاعه , ولكن هذا النقل مردود بقرينة أن من ذكرهم ابن رجب رحمه الله مع أبي زرعة مثل أبي دواد وموسى بن هارون , لا يفيد كلامهم إلا نقد رواية أبي أسامة فقط , ولم يذكروا الحسين الجعفي بل ولا هم ممن أطلقوا في تعبيرهم ونسبوا الخطأ لأهل الكوفة فتأمل .
    قال أبو عبيد الآجري : سئل أبو داود سليمان بن الأشعث عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فقال : هو السلمي متروك الحديث , حدث عنه أبو أسامة وغلط في اسمه.اهـ
    وقال موسى بن هارون : روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر , وكان ذاك وهماً منه رحمه الله , هو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر , وانما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم , فظن انه ابن جابر وابن جابر ثقة وابن تميم ضعيف.اهـ
    وأما ابن حبان البستي فقد أخرج حديث الحسين الجعفي عن ابن جابر في صحيحه وصححه , فبطلت الدعوى بيقين .
    فليس في كلام الأئمة رحمهم الله , ما يجعل المستدرك يلزم الشيخ الألباني رحمه الله ويوجب عليه أن يصير إلى ترجيحهم بعدم سماع الحسين الجعفي من ابن جابر , فجزمهم بنفي سماع أبي أسامة من ابن جابر , لا يلزم منه نفي سماع الحسين الجعفي من ابن جابر .
    قال ابن عبد الهادي رحمه الله : " وما ذكره أبو حاتم الرازي في العلل يدل على تضعيف رواية أبي أسامة عن ابن جابر , لا على ضعف رواية الجعفي عنه ، فإنه قال : والذي عندي أن الذي يروي عنه ابو أسامة وحسين الجعفي واحد ، ثم ذكر ما يدل على أن الذي روى عنه أبو أسامة فقط هو ابن تميم ، فذكر أمراً عاماً ، واستدل بدليل خاص ".اهـ
    وقد وافق كثير من الحفاظ , البخاريَ وأبا حاتم في جزمهم بنفي سماع أبي أسامة من ابن جابر , ومع ذلك أثبتوا سماع الجعفي من ابن جابر كما ذهب إليه الشيخ الألباني , فدل على عدم التلازم .

    قال العجلي رحمه الله : " حدثنا أبو مسلم حدثني أبي قال سمع حسين بن على الجعفي من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حديثين حديث أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني وحديث آخر في الجمعة ".اهـ
    وقال الدارقطني رحمه الله : " حسين الجعفي ، روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، و أبو أسامة يروى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، فغلط في اسم جده ".اهـ
    وقال ابن عبد الهادي رحمه الله : " وهذا الذي قاله الحافظ أبو الحسن - الدارقطني - هو أقرب وأشبه بالصواب ، وهو أن الجعفي روى عن ابن جابر ولم يرو عن ابن تميم ، والذي يروي عن ابن تميم ويغلط في اسم جده هو أبو أسامة كما قاله الأكثرون " .اهـ
    وقال ابن القيم رحمه الله : " وأما رواية حسين الجعفي ، عن ابن جابر ، فقد ذكره شيخنا - يقصد المزي - في التهذيب ، وقال : روى عنه حسين بن علي الجعفي ، و أبو أسامة حماد بن أسامة إن كان محفوظاً . فجزم برواية حسين عن ابن جابر وشك في رواية حماد ".اهـ
    فما وجه التثريب من المستدرك بقوله " إلا أن الشيخ الألباني لم يعط علة الحديث حقها من الدراسة , مع أن الذين أعلُّوه بها حفاظ أثبات " ؟!!
    [RIGHT][SIZE=4]والواضح لمن تأمل أن المستدرك هو الذي لم يعط الحديث حقه من الدراسة , أو أنه يقصد أن الذين نفوا هذه العلة ليسوا بحفاظ أثبات

    - الوجه الثاني : قال عبد الرحمن بن أبي حاتم [7]: حدثني أبي قال : سألت محمد بن عبد الرحمن ابن أخي حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فقال : قدم الكوفة وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم ويزيد بن يزيد بن جابر , ثم قدم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر , والذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر هو ابن تميم.اهـ


    يقول مقيده عفا الله عنه : في هذا النقل دليل على أن الذي غلط هو أبو أسامة فقط , وفيه أيضاً صحة سماع الحسين الجعفي من ابن جابر , فهذا ابن أخي الحسين الجعفي يخبر بقدوم ابن جابر للكوفة بعد قدوم ابن تميم , ولم يذكر عن عمه شيء من الوهم في رواية ابن جابر كما ذكره عن أبي أسامة جازماً به عنه .
    بل أن من نُقل عنه بيان هذا الغلط , تجده يذكر أبا أسامة فقط ولا يذكر معه الحسين الجعفي فتبين الفرق .

    قال الفسوي : قال ابن نمير: وهو - أي أبو أسامة - الذي يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ونرى إنه ليس بابن جابر المعروف ، ذُكر لي أنه رجل يسمى بابن جابر ، فدخل فيه ، وإنما هو انسان يسمى بابن جابر. قال يعقوب : صدق هو ابن تميم . اهـ
    وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق : وذكر أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الأصبهاني أنه سأل أبا حاتم - الرزاي - عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي يعد في الشاميين ؟ فقال : ضعيف الحديث وغلط فيه أبو أسامة.اهـ
    وقال النسائي[8] : عبد الرحمن بن يزيد بن تميم متروك الحديث شامي روى عنه أبو أسامة وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر .اهـ
    ويقول ابن عساكر في ترجمة خالد بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر[9] : فإن أبا أسامة حماد بن أسامة روى عن والد الأول عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وكان قد قدم عليهم الكوفة فكان يقول في نسبه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يهم في ذلك وابنه خالد هذا أراه سكن الكوفة يروي عنه أهلها ولا أعرف للشاميين عنه رواية فوهم عبيد بن يعيش في تسمية جده جابراً كما وهم أبو أسامة.اهـ

    - الوجه الثالث : أن بعض روايات أبي أسامة عن ابن جابر المنكرة , قد وجد بعضها مروية عن ابن تميم من طرق وبحذافيرها[10] , وهذا لن تجده في روايتي الحسين الجعفي عن ابن جابر فتأمل .
    قال أبو حاتم الرازي : أن أبا أسامة روى عن عَبد الرحمن ابن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أُمامة ، خمسة أحاديث أو ستة ، أحاديث منكرة . اهـ

    تنبيه وإيقاظ : قول أبي حاتم الرزاي هذا يقتضي حصر مناكير أبي أسامة عن ابن جابر في روايات خمسة أو ستة , بل وقد خصصها في روايته عن القاسم عن أبي أمامة , وهذا من جليل علم هذا الإمام وقوة حفظه , لذلك فقد وقفت لأبي أسامة على روايات مستقيمة عن ابن جابر , وقد توبع عليها من الثقات عن ابن جابر , وابن جابر يرويها عن شيوخه الذين لم يشاركه فيهم ابن تميم , فإما أن يكون أبا أسامة قد سمع من الاثنين وصيرها كلها عن ابن جابر غافلاً عن الغلط , وإما أنه دلس[11] بعض رواياته عن ابن المبارك عن ابن جابر بعد أن التقى بابن تميم والله أعلم .
    قال أبو بكر بن أبي داود : ابن يزيد ابن تميم , قدم فاراً مع القدرية , وكان من أهل دمشق , وقد سمع أبو أسامة من ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر , وجميعا يحدثان عن مكحول , وابن جابر أيضا دمشقي , فلما قدم هذا قال أنا عبد الرحمن بن يزيد الدمشقي , وحدث عن مكحول , ظن أبو أسامة أنه ابن جابر الذي روى عنه ابن المبارك.اهـ
    وقال الفسوي : وكأني رأيت ابن نمير يتهم أبا أسامة إنه علم ذلك وعرف ولكن تغافل عن ذلك.اهـ

    - الوجه الرابع : استدلال المستدرك بقول أبي حاتم رحمه الله (( لا أعلمُ أحداً من أهل العراق يُحدِّثُ عنه )) أي عن ابن جابر .
    فأقول : لا نزاع في سعة حفظ الإمام الحافظ أبي حاتم الرزاي , ولكن الإحاطة بجميع المرويات ليست لبشر , وثانيًا يجب التفريق بين نفي الأمر وبين نفي علمه بالأمر, فلا ينبغي الاستدراك على إمام حافظ بعدم العلم عند إمام حافظ , وهذا ما فعله المستدرك , دون أن يكلف نفسه البحث , وقد يسر الله لنا في هذه الأزمان وسائل لولاها بعد فضل الله لما حق لنا أن نزاحم الأئمة في هذا العلم الشريف , فالله المستعان .
    وقد وقفت بفضل من الله على روايات لأهل العراق عن ابن جابر :
    1- رواية وهيب بن خالد البصري , كما عند أبي يعلى في مسنده (1020) وابن ماجه في سننه (1564) .

    2- رواية جعفر بن عون الكوفي , كما عند الحاكم في المستدرك (2163) , ومن طريقه البيهقي في الشعب (11212) .

    3- ذكر الحافظ المزي أن يونس بن بكير الشيباني الكوفي روى عن ابن جابر , ولكني لم أقف على روايته .

    4- رواية عيسى بن يونس[12] بن أبي اسحاق السبيعي الكوفي , كما عند عبد الرزاق في المصنف (19433) , وأبو دواد في سننه (1215 ) , النسائي في سننه (3578) و (4420).

    - الوجه الخامس : تنبه رعاك الله إلى أن قول أبي حاتم (( وأمّا حُسينٌ الجُعفِيُّ : فإِنّهُ روى عن عَبدِ الرّحمنِ بنِ يزِيد بنِ جابِر.... وهُو حدِيثٌ مُنكرٌ )) لا يماثل قوله في أحاديث أبي أسامة وهو قوله (( لأن أبا أسامة روى عن عَبد الرحمن ابن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أُمامة ، خمسة أحاديث أو ستة ، أحاديث منكرة )) .

    واعلم أرشدك الله للصواب بأن أبا حاتم يعني بالنكارة في حديث الجعفي عن ابن جابر مطلق التفرد بالرواية , لا كما يظن الظان من أنه يعني به الساقط المردود الذي لا يحتج به ألبتة , كما وصف أبو حاتم بذلك أحاديث أبي أسامة التي غلط فيها .

    ويبين ذلك قول أبي حاتم عن رواية الحسين الجعفي (( لا أعلمُ أحدًا رواهُ غير حُسينٍ الجُعفِيِّ )) وأما في روايات أبي أسامة فقد قال أبو حاتم (( لا يحتمل أن يُحدِّث عَبد الرحمن بن يزيد بن جابر مثله ، ولا أعلمُ أحدًا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئًا )) .

    فإن انتقاد أبي حاتم لرواية أبي أسامة , مسلط على نكارة المروي عنه عن ابن جابر , فهو ينفي أن يروي ابن جابر الثقة الضابط مثل هذه المتون المنكرة, مع عدم وجودها عنه من طريق أهل الشام , بل ومع وجود بعضها مروية عن ابن تميم الضعيف عن أهل الشام .

    قال الفسوي : قال لي ابن نمير: أما ترى روايته لا تشبه شيئاً من حديثه الصحاح الذي روى عنه أهل الشام وأصحابه الثقات.اهـ


    وأما كلام أبي حاتم في رواية الحسين الجعفي فتفيد نفي المتابع لحسين الجعفي في هذه الرواية فقط , لإثبات غرابة الإسناد بالتفرد به عن ابن جابر , حتى تُضم هذه القرينة مع الشك في سماع الحسين الجعفي من ابن جابر فيقوى الإحتمال بغلط الحسين الجعفي , وهذا متجه لو أن الحسين الجعفي تفرد بالرواية الأخرى عن ابن جابر في حديث " من غسّل واغتسل " , والتي توبع فيها الحسين الجعفي عن ابن جابر , من كلٌ من عبد الله بن المبارك والوليد بن مسلم ومتابعتهما تامة , وتابعه الأوزاعي متابعة ناقصة , وقد تابع جماعة من الحفاظ ابن جابر على روايته عن أبي الأشعث الصنعاني وهي متابعات تامة وهم : أبو قلابة ويحيى بن الحارث وحسان بن عطية وسليمان بن موسى ومحمد بن سعيد , وتابع عُبَادةَ بن نُسَيّ أبا الأشعث الصنعاني في روايته عن أوس بن أوس رضي الله عنه متابعة تامة , فالحديث صحيح لا مطعن فيه , وثبوت هذا الحديث يدل على صحة سماع الحسين الجعفي في الرواية الأولى عن ابن جابر وأنها محفوظة , فإن ثبت هذا فحيئذ يُنظر في تفرد الحسين الجعفي بالحديث الأول , ولا يسمى التفرد علة بإطلاق عند أهل الحديث وإنما هو قرينة على الإعلال .
    ومن المعلوم عند علماء الحديث أن بعض الأئمة كيحيى القطان وأحمد والرازيين وغيرهم يطلقون النكارة على الحديث الفرد , ولو كان المتفرد به ثقة , حتى يروى الحديث من طريق أخر , أو يشتهر المتن , أو تحفه قرائن أخرى , فتزول عنه بذلك النكارة عندهم , ولا تلازم بين إطلاقهم النكارة بهذا المعنى وبين التصحيح والتضعيف , بل قد يطلقون النكارة على أحاديث وهي مخرجة في الصحيحين [13].
    وحديث الباب من هذا الجنس , فرجاله من رجال الصحيحين إلا أبو الأشعث فمن رجال مسلم , فتفرد من هذه حالهم مقبول , وقد حكى الإمام مسلم أنه باتفاق أهل العلم بالحديث وأقره ابن رجب رحمهما الله .
    قال الإمام مسلم رحمه الله : " حكم أهل العلم والذي تعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث ، أن يكون قد شارك الثقات من أهل الحفظ في بعض ما رووا ، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم ، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه قبلت زيادته " .اهـ
    قال الحافظ ابن رجب معلقاً على كلام مسلم رحمهما الله : " فصرح بأن الثقة إذا أمعن في موافقة الثقات في حديثهم ، ثم تفرد عنهم بحديث قبل ما تفرد به ، وحكاه عن أهل العلم ".اهـ
    قلت : وفي هذا المحكي عن أهل العلم واتفاقهم عليه , أبلغ رد على من زعم بأن التفرد يكون علة قادحة مطلقاً وإن كان المتفرد من الثقات , كما أوهم المستدرك هنا وجعل تفرد الحسين الجعفي من الحجج على ضعف هذا الحديث والله المستعان .

    - الوجه السادس : بنى المستدرك استدراكه على التهمة بوهم الحسين الجعفي : قال ابن القيم رحمه الله : " وقولهم : إنه ظن أنه ابن جابر وإنما هو ابن تميم ، فغلط في اسم جده بعيد ، فإنه لم يكن يشتبه على حسين هذا بهذا ، مع نقده وعلمه ".اهـ
    وصدق ابن القيم رحمه الله , فإذا رجعنا لترجمة الحسين الجعفي تجد فيها الأوصاف التالية : ثقة , حافظ , متقن , صحيح الكتاب , قارئ للقرآن رأس فيه .
    وهو : الحسين بن علي بن الوليد الجعفي المقريء : من رجال الصحيحين , وقد روى عنه حديث الباب هذا جماعة من الحفاظ منهم الإمام أحمد وإسحاق بن منصور وأبوكريب وعبد الرزاق الصنعاني والحسن الحلواني وأبوبكر بن أبي شيبة وغيرهم.

    قال الإمام أحمد : ما رأيت أفضل من الحسين الجعفي .

    قال سفيان الثوري : ذاك راهب جعفى .

    قال يحيى بن يحيى النيسابورى : إن بقى أحدا من الأبدال فحسين الجعفى .
    قال أبو داود : سمعت قتيبة يقول : قيل لسفيان بن عيينة : قدم حسين الجعفى ، فوثب قائما ، فقيل له ; فقال : قدم أفضل رجل يكون قط .
    قال موسى بن داود : كنت عند سفيان بن عيينة فجاء حسين الجعفى ، فقام سفيان فقبل يده .
    قال ابن معين : ثقة .
    قال أحمد بن عبد الله العجلى : ثقة ، و كان يقرىء القرآن رأس فيه ، و كان رجلا صالحاً ، لم أر رجلاً قط أفضل منه ...وكان صحيح الكتاب .
    قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي قال : ما رأيت أتقن من الحسين الجعفي , ورأيت في مجلسه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وخلفاً المخرمي بالكوفة .
    قال الذهبي : الحافظ , المقرئ , الزاهد , القدوة .
    قال الحافظ ابن حجر : ثقة عابد.





    - الوجه السابع : عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يروي عن أبي الأشعث الصنعاني ويعد في مشايخه , وأما عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فلا يعرف له رواية عن أبي الأشعث , ولم أجد أحداً عده في مشايخه.
    وقد حققت ثبوت الاتصال لرواية ابن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني, بعد أن حُكي الانقطاع عن بعض أهل العلم, وتجده في ملحق خاص بعنوان(فصل : بيان اتصال رواية ابن جابر عن أبي الأشعث) حررت فيه هذا المحكي, وتوصلت إلى ثبوت سماع ابن جابر من أبي الأشعث بقرائن قاطعة وروايات صحيحة ولله الحمد والمنة.

    وأخيرًا لا يُسلّم للمستدرك بأن عبارة الشيخ الألباني رحمه الله في قوله (( أعله بعض المتقدمين بما لا يقدح )) فيها تنقص لمن ضعّف الحديث , وإنما هي إخبار عما توصل له بعد البحث والتنقيب , فوجب عليه الصدع بما يدين الله به , وما وصل إليه اجتهاده ومثله أهل لهذا رحمه الله ورفع درجته, فلو نظرت أخي المبارك لبعض عبارات الحفاظ في عين هذا الحديث لعلمت أن هذا أمرٌ سائغ لبيان الحق والصواب وما آل إليه الاجتهاد مع حفظ مقام من خالفهم من الحفاظ .

    يقول الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله : فعلى هذا يكون الحديث الذي رواه حسين الجعفي ، عن ابن جابر ، عن أبي الأشعث ، عن أوس حديثاً صحيحاً ، لأن رواته كلهم مشهورون بالصدق والأمانة والثقة والعدالة ، ولذلك صححه جماعة من الحفاظ كأبي حاتم بن حبان ، والحافظ عبد الغني المقدسي ، وابن دحية وغيرهم ، ولم يأت من تكلم فيه وعلله بحجة بينه .اهـ

    وقال المباركفوري في المرقاة : هذا الحديث من رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر لا من رواية عبد الرحمن بن يزيد بن تميم .... فالحق أن الحديث صحيح، ومن قال أنه ضعيف أو منكر، فكأنه اشتبه الأمر عليه لظنه أن الحديث من رواية ابن تميم. وقال ابن دحية: أنه صحيح بنقل العدل عن العدل، ومن قال: إنه منكر أو غريب لعله خفية به، فقد استروح؛ لأن الدارقطني ردها .اهـ

    فعلى هذا يكون قد صحح هذا الحديث جمعٌ من الحفاظ كالحاكم والذهبي والنووي وابن القيم وقد ذكرهم المستدرك , ولكنه أغفل ذكر الحافظ الدارقطني والحافظ عبد الغني المقدسي
    وأزيد على من ذكرهم ابن دحية وابن عبد الهادي والمباركفوري رحم الله الجميع متقدمهم ومتأخرهم .والله الموفق


    وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .

    وكتبه / أبو طارق علي بن عمر النهدي .

    غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات .

    وفرغ منه ليلة التاسع من شهر الله المحرم لعام تسعة وعشرين واربعمائه والف للهجرة .

    ________________________
    [1] (5/365) ط الفاروق الحديثة .
    [2] (2/109) ط دار المعرفة .
    [3] ص 421 ط الدار العثمانية .
    [4] كتاب العلل لابن أبي حاتم برقم (565) .
    [5] تاريخ بغداد ( 10/212 ) .
    [6] القول البديع (ص 331) ط عوامة .
    [7] الجرح والتعديل برقم (1423) .
    [8] تاريخ دمشق (36/47) .
    [9] جزم ابن عساكر أن خالداً هذا هو ابن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وليس لابن جابر ابن يسمى خالد .
    [10] مثال ذلك الحديث القدسي " هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة " رواه أبو المغيرة عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن أسماعيل بن عبيد الله عن أبي صالح الأشعري عن أبي هريرة مرفوعاً عند الطبراني في الأوسط ( 10) والبيهقي في الكبرى (6383) وهذا الصواب إسناداً .
    وقد رواه أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أسماعيل بن عبيد الله عن أبي صالح الأشعري عن أبي هريرة مرفوعاً عند الإمام أحمد (9676) وإسحاق بن راهويه (371) وابن ماجه (3470) والطبراني في مسند الشاميين (561) وغلط فيه أبو أسامة فرواه عن ابن جابر وهو عن ابن تميم .. وذكر ذلك الدارقطني في العلل عند السؤال رقم (1987) وضعّف الرواية وقال أن الصحيح أنها من قول كعب الأحبار وليست مرفوعة , وقد خرجها البيهقي في الكبرى (6384) عن كعب مقطوعاً , وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة مرفوعًا برقم 557 وهو لا يصح مرفوعًا.
    قال ابن رجب في شرح العلل (2/680) : ومما روى أبو أسامة عن ابن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله عن أبي صالح الأشعري عن أبي هريرة حديث : (( الحمى حظ المؤمن من النار )) ورواه من الشاميين أبو المغيرة عن ابن تميم عن إسماعيل بهذا الإسناد ، فقوي بذلك أن أبا أسامة إنما رواه عن ابن تميم .اهـ
    قلت : وهو كما قال الحافظ ابن رجب , إلا أنه دخل عليه متن حديثاً أخرًا وهو قوله : " الحمى حظ المؤمن من النار " وهذا عند الطبراني في الأوسط (7540) من حديث أنس رضي الله عنه , وعند ابن أبي الدنيا في المرض والكفارات (157) من حديث عثمان رضي الله عنه , والإسنادان ضعيفان .
    [11] في التقريب للحافظ : أبو أسامة مشهور بكنيته ثقة ثبت ربما دلس .انتهى المقصود
    [12] ذُكر في ترجمة عيسى بن يونس أنه سكن ناحية الشام بالحدث و هى ثغر من الثغور , وقد يكون لقي ابن جابر في الشام , ولكن جاء ما ينفي ذلك من طريق الإمام البخاري قائلاً : حدثني إبراهيم بن موسى قال : سمعت عيسى بن يونس أثنى على سعيد بن عبد العزيز , ولم يكن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر من جلسائه .[انظر التعديل والتجريح للباجي 2/979]
    [13] انظر شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي ( 1/452-453 ) ط عتر .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    32

    افتراضي رد: مناقشة الحديث الأول في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

    جزاك الله خيرا

  3. #3

    افتراضي رد: مناقشة الحديث الأول في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

    هناك رد ماتع سيصدر قريبا وهو للشيخ أحمد بن ابراهيم بن ابى العينين-مصر على هذا الكتاب خاصة وعلى مؤله بشكل عام......والشيخ احمد-حظه الله-يلزمه لتحرير الرد كتاب بلوغ المرام-قسم الطهارة وهو من تعليق د/أحمد الخليل واخوه.
    طبعة دار المسلم-الرياض عام 1418 على ما أذكر ......واهيب بمحبى العلامة الألبانى توفير هذا الكتاب بى دى ا لو امكن لانه غير متوافر بالشبكة-على قدر بحثى-وراسلت د/أحمد على موقعه وأفادنى أنه ليس لديه نسخة من الكتاب بمكتبته..!!
    فقد أشاد الدكتور أحمد الخليل بالألبانى أيما اشاده ونقل أحكامه على هامش الكتاب.وجزاكم الله خيرا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,589

    افتراضي رد: مناقشة الحديث الأول في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

    بارك الله فيكم
    وهو الصواب ان شا الله
    ينبغى لمن اراد تتبع اقوال العلماء ان يكون ملما بجميع الجوانب ليكتمل المراد والله من وراء القصد نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح وقد صححه جمع غير الى ذكرهم الدكتور فى التعليل
    والمعصوم من عصمه الله

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    167

    افتراضي رد: مناقشة الحديث الأول في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

    أحسن الله إليكم .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    456

    افتراضي رد: مناقشة الحديث الأول في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

    (هذا المعرِّف يمثِّل كلمة المشرفين فيما يتَّخذ من قرارات أويكتب به من ردود)

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    167

    افتراضي مناقشة الحديث الثاني في مستدرك التعليل على إرواء الغليل.

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحديث الثاني



    النهي عن الوضوء بفضل طهور المرأة


    عَنْ أَبِي حَاجِبٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ .

    قال المستدرك : خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله : الحديث صحيح , وأعله بعض الأئمة بما لا يقدح .
    الاستدراك : الحديث ضعيف , ضعَّفه البخاري , والبيهقي , وابن عبد البر , وابن مندة .

    قال مقيده عفا الله عنه : الحديث صحيح يروى من طريق أبي حاجب سوادة بن عاصم العنزي عن الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه مرفوعاً من طريقين :
    الأول : عن عاصم الأحول من طريقين :
    أ - شعبة بن الحجاج وعنه كل من :
    أبو دواد الطيالسي[1] , ووهب بن جرير[2] , وعبد الصمد بن عبد الوارث[3] , والربيع الأشناني[4].
    ب - قيس بن الربيع[5] : وعنه محمد بن يوسف الفريابي[6] وعاصم بن علي[7].

    الثاني : عن سليمان التيمي من طرق ستة وهي :
    أ - شعبة بن الحجاج[8] , ب - محمد بن جعفر[9] , جـ- سفيان بن عيينة[10] , د - يزيد بن زريع[11] , هـ - هُشيم بن بشير[12] , و – حماد بن سلمة[13.


    ويجدر بي التنبيه على أن الشيخ الألباني رحمه الله , قد أقر بوجود العلل التي أعل بها بعض الأئمة هذا الحديث , ولكنه وجدها غير قادحة , وهذا بعكس دندنة المستدرك بأن الشيخ الألباني لا يلتفت إلى العلل في تصحيحه وتضعيفه .
    وكما هو معلوم أن العلل إذا وجدت في الحديث , فإما أن تكون قادحة أو غير قادحة , ولا يلزم من وجود الإعلال صحته على الدوام إلا عند المقلدين .
    لذلك تجد الإمام الترمذي رحمه الله قد نقل لنا في علله الكبير , إعلال شيخه أمير المؤمنين في الحديث أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وتضعيفه لهذا الحديث , ومع ذلك تجد التلميذ يخالف إعلال شيخه ويُحسن الحديث !!
    يقول الحافظ مغلطاي في شرحه للحديث : ولولا ظهور ترجيح لما جاز له - أي للترمذي - الإقدام على خلافه - أي على مخالفة البخاري - ، أو يحمل على أنه لم يصح صحة المجمع عليه من الأحاديث ، إذ الصحة تتفاوت عنده وعند غيره ، أو يكون قوله صحيحاً لا يتبع الحسن .اهـ

    ما علل به المستدرك الحديث وبنى عليها استدراكه :
    1- الحديث يدور على أبي حاجب , وقد ضعَّفه بعضهم : وذكر فيه تعديل الراوي ولم يظفر بجرح له إلا ما تعلق به من كلام ابن حبان في قوله عن أبي حاجب : " ربما أخطا " .


    2- تفرد عاصم الأحول : ذكر فيه سؤال الميموني للإمام أحمد بقوله : " حديث الحكم بن عمرو يسنده أحد غير عاصم ؟ قال الإمام أحمد : لا .

    3- الاضطراب فيه عن شعبة : وذكر فيه قول الإمام أحمد للميموني : " يضطربون فيه عن شعبة " واحتج بعدم وجود ذكر للحديث في كتاب غندر , ثم نقل قول ابن المبارك : " إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم " .

    4- مخالفة الأحاديث الصحيحة : وذكر فيه أقوال بعض الأئمة كالبيهقي وابن عبد البر والخطابي والقرطبي .

    5- الوقف : ذكر فيه كلاماً للدارقطني في السنن , لفظه : " أبو حاجب اسمه سوادة بن عاصم واختلف عنه فرواه عمران بن حدير وغزوان بن حجير السدوسي عنه موقوفاً من قول الحكم غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه و سلم " .
    ونقل عن الإمام أحمد قوله : " حديث الحكم قد روي أيضاً غير مرفوع " .

    الجواب عما تقدم من استدراك :
    1 - حال أبي حاجب : هو سوادة بن عاصم العنزي بصري ثقة قاله ابن معين والنسائي وابن شاهين والذهبي , وقال : ابن حجر صدوق , وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما اخطأ , وقال أبو حاتم الرازي : شيخ .
    ويظهر مما تقدم أن الراوي ثقة , ولا يقدح فيه تحفظ أبو حاتم الرازي ولا غمز أبو حاتم البستي , فهما من أهل المبالغة في التدقيق والتمحيص حال التعديل , فلا مستمسك للمستدرك في قولهما , لعدم وجود الجرح المطلق منهما ولا من غيرهما .

    2- تفرد عاصم الأحول : لم يتفرد عاصم بهذا الحديث بل تابعه سليمان التيمي فرواه عن أبي حاجب وقال عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
    ولا يضر إبهام الصحابي , وقد ورد في روايات أخرى قوله ( عن رجل من غفار صحب النبي صلى الله عليه وسلم ) , فهذه متابعة تامة تنفي دعوى التفرد .

    3- الاضطراب على شعبة : دعوى الاضطراب في اللفظ بين قولهم ( سؤر المرأة ) وقولهم ( فضل وضوء المرأة ) أو ( فضل المرأة ) يظهر وهاءها بأن تعرف أن التغاير في الألفاظ وقع في غير روايات شعبة , لأن شعبة بن الحجاج قد روى هذا الحديث من طريقين , فرواه عن عاصم الأحول وجاء عنه اللفظين ( سؤر المرأة ) و ( فضل المرأة ) وتابعه قيس بن الربيع بمتابعة تامة عن عاصم بلفظ ( سؤر المرأة ) , وروى شعبة الحديث عن سليمان التيمي[14] وتابعه كل من : يزيد بن زريع[15] وهشيم[16] وحماد بن سلمة كلهم عن التيمي عن أبي حاجب عن الحكم مرفوعاً بلفظ ( فضل المرأة ) , وتابعهم سفيان عن التيمي بلفظ ( سؤر المرأة ) , فانتفت دعوى الاضطراب على شعبة , بل حتى هذا التغاير لا يفيد اضطراباً لأن المعنى متحد .
    قال الترمذي : وقال محمد بن بشار في حديثه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة ولم يشك فيه محمد بن بشار .
    قال البيهقي : ورواه محمود بن غيلان عن أبي داود الطيالسي هكذا إلا أنه قال أو قال بسؤرها.

    وقال مغلطاي في شرحه على ابن ماجه عند كلامه على حديث الباب : ويجاب عن الاضطراب بأن معنى ما روي يرجع إلى شيء واحد وهو البقية , إذ الرواية بالمعنى جائزة ، فقول من روى فضل طهور المرأة وسؤر المرأة واحد , يريد بذلك البقية ، وقد جاء مصرحًا به في كتاب الطبراني الكبير بفضل المرأة وإذا كان كذلك فلا خلاف.انتهى

    وأما احتجاج المستدرك بأن الحديث ليس في كتاب غُندر ؟
    واستشهاده بقول ابن المبارك " إذا اختلف الناس في حديث شعبة ...الخ " .
    يقول الحافظ مغلطاي : وكونه ليس في كتاب غندر ليس قادحاً أيضاً ؛ لأنّ ابن جعفر لم يدع الإِحاطة بجميع حديث شعبة .اهـ
    قال مقيده عفا الله عنه : بل الحديث قد رواه غُندر عن سليمان التيمي كما أخرجه الإمام أحمد في المسند ولعله سقط على النساخ اسم شعبة لأن غُندر ليس له أن يدرك سليمان التيمي والحديث قد روي عن شعبة عن سليمان التيمي من غير غُندر .
    أما استشهاده بقول ابن المبارك فإنه مدفوع , لأنهم لم يختلفوا على شعبة اختلافًا تُعل به الرواية فكلهم رووه عنه مرفوعاً , وأما اختلاف اللفظ فقد سبق بيانه وأنه غير قادح , بل ولا يختص برواية أصحاب شعبة فقط.

    4- دعوى مخالفة الأحاديث الصحيحة : صنيع أهل العلم ممن نقل عنهم المستدرك نقولات ليدلل بها على مخالفة حديث الباب للأحاديث الصحيحة , يفيد أن هذا الحديث صحيح ؟!
    وذلك لأن المستدرك وفقه الله استكثر بالنقول دون تدبر , فجل من نقل عنهم , تناولوا البحث من جهة الترجيح وألفاظهم دالة على ذلك , وكما هو معلوم عند أهل الفن , أن الترجيح فرع عن التصحيح , فلولا أن الحديث ثابت عندهم لما تكلفوا الترجيح بينه وبين باقي الأحاديث الصحيحة , وإليك أيها الفطن بعض كلامهم الذي نقله المستدرك سدده الله :
    - قال البيهقي : والأحاديث التي ذكرناها في الرخصة أصح .
    - قال الخطابي : وإسناد حديث عائشة في الإباحة أجود من إسناد خبر النهي .
    - قال القرطبي : ولا شك في أن هذه الأحاديث أصح وأشهر .

    5- دعوى الإعلال بالوقف : كما تقدم ذكره أن المستدرك نقل عن الإمامين أحمد والدارقطني ما يفيد أن الحديث قد روي موقوفاً , وقد نقض المستدرك ما بناه !!
    فقال سدده الله : فإن قيل إن الذين رووا هذا الحديث مرفوعاً أوثق من الذين وقفوه , فرواه مرفوعاً : عاصم الأحول , وسليمان التيمي ؟
    ثم أتى بجواب ضعيف ومضطرب حاصله : أن القرائن التي علل بها قد تم نقضها فيما تقدم دلت عنده على إمكانية ترجيح رواية الأقل توثيقاً ؟!!
    ثم كأنه وفقه المولى ظهر له ضعف هذا المنحى , فاضطرب وقام بنقضه فبرأ أولئك الثقات , ورمى بالخطأ على أبي حاجب متهماً أياه بانه هو الرافع الواقف !!!
    وإليك أيها الفطن الرواية الموقوفة ليتبين لك حقيقة حالها وقد أخرجها ابن أبي شيبة في المصنف (357) فقال : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ ، عَنْ سَوَادَةَ بْنِ عَاصِمٍ ، قَالَ : انْتَهَيْتُ إلَى الْحَكَمِ الْغِفَارِيِّ وَهُوَ بِالْمِرْبَدِ ، وَهُوَ يَنْهَاهُمْ عَنْ فَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ ، فَقُلْتُ : أَلاَ حَبَّذَا صُفْرَةُ ذِرَاعَيْهَا ! أَلاَ حَبَّذَا كَذَا ! فَأَخَذَ شَيْئًا فَرَمَاهُ بِهِ ، وَقَالَ : لَكَ وَلأَصْحَابِك .
    أقول : فلا يقال أن أبا حاجب اضطرب في الحديث فرواه مرة موقوفاً ومرة مرفوعاً , وإنما الواضح أن الرواية الموقوفة هي في مقام الفتوى ولم تكن في مقام الرواية كما هو ظاهر من حال الصحابي راوي الحديث , فقول أبي حاجب (( وهو ينهاهم عن فضل طهور المرأة )) ظاهر في الإفتاء , لاسيما وقد استرسل أبو حاجب في السؤال حتى رماهم الصحابي المفتي بشيء ليكفهم عن السؤال , والله أعلم.
    يقول ابن التركماني : والراوي يفتى بالشيء ثم يرويه غير مرة أخرى ولهذا أخرج أبو حاتم ابن حبان هذا الحديث في صحيحه مرفوعاً .انتهى

    الخلاصة : الحديث صححه ابن ماجه وابن حبان , وحسنه الترمذي , واحتج به الإمام أحمد كما نقل عنه أصحابه[17] , وإسحاق بن راهويه[18] .والله أعلم
    وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .

    وكتبه / أبو طارق علي بن عمر النهدي
    في الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول لعام ثلاثين واربعمائه والف للهجرة .



    [1] رواه أبو دواد الطيالسي كما في مسنده (1252) , وعنه الإمام أحمد في المسند (20676) , والنسائي في سننه (343) من طريق عمرو بن علي , وعند صاحبي السنن أبو دواد (82) وابن ماجه (373) كلاهما من طريق محمد بن بشار , ومن نفس الطريق عند الترمذي في الجامع (64) مقروناً بمحمود بن غيلان .

    [2] رواه عنه الإمام أحمد في المسند (17896) , وابراهيم بن مرزوق عند البيهقي في الكبرى (873) .

    [3] رواه عنه الإمام أحمد في المسند (17898) .

    [4] كما عند الطبراني في الكبير (3156) .

    [5] الأسدي أبو محمد الكوفي صدوق تغير بآخره , وثقه شعبة وأبو الوليد الطيالسي ومعاذ بن معاذ وابن عيينة وكانوا يثنون عليه , ولينه جماعة لمناكير وقعت في روايته وقيل : أن ابنه أدخلها عليه , قال ابن عدى : عامة روايته مستقيمة .

    [6] أخرجه الطحاوي في شرح معاني الأثار (77) والطبراني في الكبير (3155) .

    [7] عند الطبراني في الكبير (3155) والقاسم بن سلام في الطهور (175) .

    [8] أخرجه البيهقي في الكبرى (874) , وذكره الدارقطني في سننه (8) .

    [9] أخرجه الإمام أحمد في المسند (20674) وفيه نظر وكأن في الإسناد سقط, لأن غندر (ت293هـ) ليس له أن يدرك سليمان التيمي (ت143هـ), والذي يظهر بأن غندر إنما يرويه عن شعبة والله أعلم.

    [10] أخرجه الترمذي في الجامع (63) , والطبراني في الكبير (3157) .

    [11] أخرجه الطبراني في الكبير (3154) , والبيهقي في الكبرى (875) .

    [12] ذكره البيهقي في الكبرى (875) .

    [13] أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني برقم (2922) .

    [14] وهي عند البيهقي في سننه الكبرى (874) والدارقطني في سننه (8).

    [15] وهي عند الطبراني في معجمه الكبير (3154) .

    [16] البيهقي في سننه الكبرى ج1/ص192 ح875

    [17]قال المجد ابن تيمية حاكياً صنيع الإمام أحمد ومن ذهب مذهبه كابن راهويه : وحملوا حديث ميمونة على أنها لم تخل به جمعاً بينه وبين حديث الحكم .انتهى
    وقال ابن التركماني : ذكر الحافظ أبو بكر الاثرم صاحب ابن حنبل الاحاديث من الطرفين ثم قال ما ملخصه : الذى يعمل به أنه لا بأس أن يتوضيا أو يغتسلا جميعاً من إناء واحد يتنازعانه على حديث عائشة وميمونة وغيرهما ولا يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة على حديث الحكم بن عمرو .انتهى
    قال ابراهيم ابن مفلح في المبدع شرح المقنع(1/23) : واحتج به أحمد في رواية الأثرم . انتهى
    قلت : وقد تتابع على ذلك فقهاء الحنابلة في كتب الفقه الحنبلي [ انظر المغني والشرح الكبير والروض المربع وغيرها - باب المياه ] .

    [18] قال البغوي في شرح السنة (2/28) : وكره بعضهم الوضوء بفضل طهور المرأة ، وهو قول أحمد وإسحاق ، واحتجوا بما روي عن الحكم بن عمرو الغفاري أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة . انتهى

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    167

    افتراضي رد: مناقشة بعض الأحاديث في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحديث الثالث
    حديث : " إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُجْنِبُ " .

    عن سماك بن حرب عَنْ عِكْرِمَةَ مولى ابن عباس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى جَفْنَةٍ فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى كُنْتُ جُنُبًا . فَقَالَ : " إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُجْنِبُ " .
    قال المستدرك :
    خلاصة رأي الشيخ الألباني رحمه الله : الحديث صحيح , وله شاهد من حديث أم هانئ .
    الاستدراك :
    الحديث ضعيف , ضعَّفه الإمام أحمد , وله علة ذكرها بعض الأئمة .اهـ من مستدرك التعليل

    مناقشة المستدرك والجواب عن علله :
    · اضطراب رواية سماك عن عكرمة وأن الأصل فيها الاضطراب :
    قرر المستدرك سدده الله أن أهل العلم يختلفون في سماك من حيث التوثيق والتجريح, على ثلاثة أقوال : التضعيف مطلقًا, أو التوثيق مطلقًا, أو التفصيل.
    ثم رجّح أنه ثقة في غير عكرمة, وأما في عكرمة فالأصل أن روايته مضطربة مطلقًا, ولو كان الراوي عنه : شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري !
    وفي هذا العرض نظر, فإن سماكًا الأصل فيه أنه ثقة, ولم يُختلف فيه من هذه الجهة.
    قال العجلي : جائز الحديث, لم يترك حديثه أحد, ولم يرغب عنه أحد . انتهى
    وأحتج به الإمام مسلم في الصحيح, وقال أبو حاتم الرازي : صدوق ثقة .
    ولذلك قال يعقوب بن شيبة في قول ابن المبارك عن سماك (ضعيف الحديث) : والذي قاله ابن المبارك إنما يُرى أنه فيمن سمع منه بآخرة. انتهى
    وقد نقل المستدرك سدده الله تنصيص يعقوب بن شيبة على تصحيح رواية عكرمة إذا جاءت عن شعبة وسفيان مطلقًا, وزاد الدارقطني رواية أبي الأحوص أيضًا كما جاء في سؤالات السلمي للدراقطني (166) : سماك بن حرب إذا حدث عنه شعبة والثوري وأبو الأحوص، فأحاديثهم عنه سليمة، وما كان عن شريك بن عبد الله وحفص بن جميع ونظرائهم، ففي بعضها نكارة. انتهى
    ومع ذلك رد الدكتور الخليل عفا الله عنه في استدركه كلام الحفاظ ! وبلا حجة, وقرر أن الأصل في رواية سماك عن عكرمة الضعف مطلقًا, وأن الحمل في ذلك على سماك مطلقًا, وفيه نظر, فحتى الإمام أحمد وهو قد نص على اضطراب سماك في حديث الباب إلا أنه قد نُقل عنه في رواية قوله : (( عمرو بن أبي عمرو كل شئ يرويه عن عكرمة مضطرب وكذا كل من يروي عن عكرمة سماك وغيره )) . قيل له : (( فترى هذا من عكرمة أو منهم ؟ قال : (( ما أحسبه إلا من قبل عكرمة )) . ذكرها ابن رجب في شرح العلل.
    فالواجب جريًا على الانصاف, فرض الاحتمالات كلها, والنظر فيمن يكون سبب الاضطراب, ولا تهمل باقي طبقات الاسناد, فيُنظر في الاختلاف بين أصحاب سماك, وأصحاب أصحابه, دون ضرب روايات الحفاظ بعضها في بعض, فنتهم البريء ونبرئ المتهم.
    يقول الحافظ ابن حبان : "وعائذ بالله من هذين الخصلتين : أن نجرح العدل من غير علم، أو نعدل المجروح من غير يقين ".اهـ[1]

    · دعوى علة الإرسال :
    لحديث الباب سبعة طرق - فيما وقفت عليه – يروى بها الحديث عن سماك, خمس منها بالوصل وإثنان بالإرسال, ومنهج الدكتور في شرح هذه العلة خلاف طريقة أئمة العلل, وذلك بأن أفرد الكلام حول طريق واحد من الطرق السبعة عند محاولة ترجيحه بين الوصل والإرسال, متجاهلًا النظر في باقي الطرق, وقد استهل سدده الله شرح هذه العلة بذكر أن من روواه عن شعبة مرسلاً أكثر كذا, بل ووصفهم بأجلاء, أصحابه, والصحيح أن غندرًا فقط من رواه مرسلاً !
    ولعل منشأ الخطأ هو من قراءته لعبارة الحافظ ابن عبد البر التي نقلها الدكتور ونصها ((أجلّ أصحاب شعبة يروونه عنه)) فظن أنهم جماعة, والذي يظهر لي أن العبارة كأنها ((أجلّ أصحاب شعبة يرويه عنه)) والله أعلم.
    والحاصل أن شعبة بن الحجاج اُختلف عليه, فرواه محمد بن جعفر ( غُندر ) مرسلاً, ورواه محمد بن بكر البرساني مسنداً .
    وقد اتكأ الدكتور الخليل سدده الله على القول المشهور لابن المبارك : (إن الناس إذا اختلفوا في حديث شعبة, فالحكم بينهم كتاب غندر).
    وهذه العبارة يغلط من يظنها على إطلاقها, وأن رواية غندر مقدمة على غيره في شعبة مطلقًا, والصواب : أن لا , لأن غندرًا ليس بحافظ, وإنما قُدّم في شعبة, للملازمة الطويلة فهو ربيبه, وقد لازمه لعشرين سنة, وقد كان لا يكتفي بالسماع بل يعرض عليه بعد السماع, ويكرر ذلك, حتى قال الإمام أحمد : ولا أظن هذا كان منه إلا من بلادته. انتهى

    يقول الفسوي : وسمعت بعض أصحاب الحديث يقول لسليمان بن حرب: قال عبد الرحمن بن مهدي في حديث لشعبة اختلفوا فيه: كيف قال غندر ؟ قال سليمان: يا مغفل كان عبد الرحمن أنكد من أن يقول هذا إنما قال كيف في كتاب غندر. قال سليمان: إن غندراً كان يقول: سمعت حديث شعبة وقرأ عليه. قال سليمان: كان حديث كتابه صحيحاً فأما هو فكان كأنه أومأ به كان لا يعقل هذا الأمر.

    وقال الذهبي في غندر: وأما في غير شعبة، فيكتب حديثه، ولا يحتج به.

    فنستفيد من ذلك أن المقدم هي رواية غندر من كتابه عند اختلاف أصحاب شعبة فيما بينهم على شعبة, وأما إذا لم يُعرف أن الرواية من الكتاب, أو أن من الثقات من خالف شعبة في نفس الخبر, فلا يصح جعل غندرا حكمًا في هذه الحالة, وهذا صنيع الحفاظ فهم يردون رواية غندر عن شعبة ويرجحون غيرها, ولا يجعلون غندرًا مقدمًا دائمًا, خصوصًا إذا روي الخبر عن غير شعبة من الحفاظ الأثبات كسفيان الثوري وأمثاله .

    - جاء في العلل للدارقطني برقم (435) - وسُئِل عن حديث عاصم عن علي أنه كان يقول في دبر الصلاة ثم نورك ربنا فهديت فلك الحمد الحديث في دعاء طويل.
    فقال : يرويه الثوري وشعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق.
    واختُلِفَ عن شعبة فرواه غندر عن شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قوله ولم يذكر عليًا .
    وخالفه أبو الوليد عن شعبة فذكر فيه عليًا, كما قال الثوري وإسرائيل، وهُو الصَّحيح . انتهى

    فانظر كيف رجّح الناقد الحافظ الدارقطني, بين أصحاب شعبة, بموافقة الثقات الثوري وإسرائيل, ولم يقل: [غندر أوثق الناس في شعبة فلم يبق في ظني مجال للشك وقد أخطأ من خالفه] !! , متجاهلًا باقي روايات الحفاظ الأثبات الذين لم يختلف عليهم أصحابهم !!

    ونزيد البصير بصيرة بأمثلة تؤكد على ما تقدم بيانه :
    - جاء في معرفة العلل للإمام أحمد برقم (1868) : وقال وكيع : عن شعبة بإسناده وقال: شعب [أي بدل (شعث) بحسب رواية غندر] خالف غندرًا وهو الصواب يعني شعب. انتهى
    - وبرقم (1918) قال عبد الله : قال أبي في حديث شعبة، عن ابن أبي نجيح، عن محمد بن إسماعيل، كذا قال غندر .... قال أبي: وهذا خطأ إنما هو إسماعيل بن محمد . انتهى
    - وبرقم (4795) : أخطأ فيه غندر، قال: عن عبد الله وخالفوه ليس هو عن عبد الله، يعني مرسلاً .انتهى
    - وبرقم (4806) قال عبد الله : سمعتُ أَبي يقول: أخطأ غندر في حديث سعيد، عن قتادة، عن سليمان بن يسار، كذا قال غندر ..... وخالفه ابن علية، قال: سليمان اليشكري، وهو الصواب، وليس هو سليمان بن يسار. انتهى
    - وبرقم (5163) قال عبد الله : قال أبي: غندر لم يسند من شعبة حديث عمرو بن مرة، عن الحسن بن مسلم، أن جارية تمرط شعرها، نقص من إسناده، يعني عائشة . انتهى
    يعني : أرسله غندر ولم يوصله .

    الخلاصة أن الترجيح بين طرق روايات شعبة لا يستقيم أن يكون بمعزل عن باقي الطرق المروي بها هذا الحديث عن باقي الثقات الأثبات, فليس هذا من صنيع الأئمة النقاد, فهم يسبرون الطرق كلها عن صاحب المخرج ثم يرجحون ما اتفق عليه الحفاظ, فإذا اختلفوا قدموا الأوثق فالأوثق, فإن كانوا أكفاء, فيذهبون إلى رواية الأكثر, فإن تساوى الطرفان, قُدِّم الناقص على الزائد, فلله درهم وعلى الله أجرهم.
    لذلك لا ينبغي إفراد النظر للترجيح بين صاحبي شعبة (غندر, ومحمد بن بكر) دون معرفة الطرق المتفقة في رواية هذا الحديث, كما فعل الدكتور الخليل سدده الله مخالفًا لطريقة الحفاظ النقاد .

    لذلك أقول : قد روي حديث الباب عن عدد من أصحاب سماك بن حرب موصولًا بدون اختلاف من أصحابهم وهم :
    1. سفيان الثوري موصولًا ولم يُختلف عليه[2], فرواه عنه جماعة من الثقات وهم : عبدالرزاق الصنعاني, وعبد الله بن المبارك, وكيع بن الجراح, وعبيد الله بن موسى, وأبو أحمد الزبيري , وعبد الله بن الوليد .
    2. أبو الأحوص سلام بن سليم موصولًا ولم يُختلف عليه, فرواه عنه جماعة من الثقات هم : قتيبة بن سعيد, ومسدد بن مسرهد, وأبو بكر بن أبي شيبة, وعثمان بن أبي شيبة .
    3. شريك بن عبد الله النخعي القاضي موصولًا, ولكنه جعله من مسند ميمونة رضي الله عنها[3], ولم يُختلف عليه, فرواه عنه جماعة ثقات وهم : أبو غسان مالك بن إسماعيل, ومحمد بن سعيد الأصبهاني, وإسحاق بن منصور السلولي, وحجاج بن محمد المصيصي, وأبو داود الطيالسي, وهاشم بن القاسم, ويحيى بن أبي بكير, وعلي بن الجعد, وعصمة بن سليمان الخزاز .
    4. أسباط بن نصر الهمداني موصولًا .
    5. يزيد بن عطاء اليشكري موصولًا .

    وأما الاختلاف فوقع في روايتي كل من :
    1. شعبة بن الحجاج موصولًا من طريق محمد بن بكر البرساني, ومرسلًا من طريق محمد بن جعفر المشهور بغندر. .
    2. حماد بن سلمة موصولًا من طريق يحيى بن إسحاق السليحيني, ومرسلًا من طريق أبي دواد الطيالسي ومحمد بن كثير وحجاج بن المنهال.

    فلا أدري لماذا تجاهل الدكتور الخمسة الطرق الموصولة بلا خلاف, عند ترجيحه الإرسال على الوصل, وبأي منهج علمي تم له ذلك ؟
    فكان ينبغي عليه سلوك الجادة في الترجيح, كما تقدم بيانه, بأن يسبر الطرق كلها عن صاحب المخرج, ثم يرجح ما اتفق عليه الحفاظ, فإذا اختلفوا قدم الأوثق فالأوثق, فإن كانوا أكفاء, فالترجيح برواية الأكثر, فإن تساوى الطرفان, عندئذ قد يُرجّح الناقص على الزائد .
    والحق أن الاختلاف في روايتي شعبة وحماد بن سلمة, لا يقدح في ترجيح الوصل على الإرسال, نظرًا لما تقدم بيانه عن غندر, ولأن خلاف حماد بن سلمة لمن هو أوثق منه, مطروح عند الحفاظ[4].
    فكيف إذا روي الوصل عنهما أيضًا من طرق صحيحة, فلا يختلف الحفاظ في هذه الحالة على ترجيح رواية الأكثر والله أعلم.

    جاء في العلل لابن أبي حاتم برقم (1288) - وسألتُ أبِي عَن حدِيثٍ؛ رواهُ غُندرٌ مُحمّدُ بنُ جعفرٍ، عن شُعبة، عن علقمة بنِ مرثدٍ، عن سُليمان بنِ رزِينٍ، عن سالِمِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عُمر، عن سعِيدِ بنِ المُسيِّبِ، عنِ ابنِ عُمر، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الّذِي تكُونُ لهُ المرأةُ، فيُطلِّقُها، ثُمّ يتزوّجُها رجُلٌ، فطلّقها قبل أن يدخُل بِها، فترجِعُ إِلى زوجِها الأوّلِ، قال : لا، حتّى تذُوق العُسيلة.
    قال أبِي : قد زاد عِندِي فِي هذا الإِسنادِ رِجالا لم يذكُرهُمُ الثّورِيُّ، وليست هذِهِ الزِّيادةُ بِمحفُوظةٍ .
    قال أبُو مُحمّدٍ : حدّثنا أحمدُ بنُ سِنانٍ قال : حدّثنا عبدُ الرّحمنِ بنُ مهدِيٍّ، عن سُفيان، عن علقمة، عن رزِينٍ الأحمرِيِّ، عنِ ابنِ عُمر، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
    وسمِعتُ أبا زُرعة، وسُئِل : عن هذينِ الحدِيثينِ.
    فقال : الثّورِيُّ أحفظُ. انتهى

    وهذا المثال يؤيد ما تقدم بيانه, وأن العبرة بالترجيح بين روايات الثقات الأثبات, كشعبة وسفيان وأبي الأحوص, لا كما فعله الدكتور سدده الله, فحصر الترجيح بين صاحبي شعبة, وأهمل روايات الثقات الأثبات المتواطئة على الوصل, والمؤيدة بغيرها من المختلف عنهم أو غيرهم ممن هو حسن الحديث أو جائز الاعتبار بحديثه كيزيد بن عطاء اليشكري وأسباط بن نصر وشريك القاضي

    · دعوى مخالفة الأحاديث الصحيحة :
    من عجيب صنيع الدكتور الخليل وفقه الله, زعمه أن حديث الباب مخالف للأحاديث الصحيحة, وبنفس التعليل علل حديث الحكم بن عمرو الذي فيه النهي عن فضل وضوء المرأة وقال عند تضعّيفه : بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة !!
    وأما صنيع أهل العلم ممن ذهبوا للترجيح, فإنهم يرجحون أحد الحديثين بحسب ما يظهر لهم, والترجيح فرع عن التصحيح.
    ومنهم من ذهب لنسخ[5] حديث الحكم الناهي عن فضل طهور المرأة, ودليل نسخه حديث الباب وقول ميمونة رضي الله عنها : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى كُنْتُ جُنُبًا ), وأما من جمع بينهما فصحح الحديثين, وأما الدكتور سدده الله فقد ضعّف الحديثين إثباتًا لما يظنه مذهب أئمة النقد, فوقع في التناقض, ومن المعلوم أن الإمام أحمد في مسألة (( حكم فضل طهور المرأة )) ذهب إلى الجمع بين أحاديث النهي وأحاديث الإباحة في المشهور عنه بما معناه : أن النهي يتعين إذا ما خلت المرأة بالماء, وأما الإباحة فحال اغتسال الزوجين سويًا, فوجّه الدكتور وفقه الله ذلك بأن حجة الإمام أحمد في النهي ما روي موقوفًا عن بعض الصحابة رضي الله عنهم, كما هو معروف من أصول مذهبه ؟!

    وهذا التوجيه باطل لأمور منها :
    - الأول : قد يحتج الإمام رحمه الله بالموقوف استقلالاً, ولكنه رحمه الله لا يمكن أن يُعارض عنده المرفوع بالموقوف, فلو لم يثبت عنده حديث النهي لذهب للإباحة مطلقاً, ولكنه فصّل في الحكم فجمع بين حديث الإباحة وحديث النهي, وفسر حديث النهي بما ورد موقوفاً عن الصحابة ولا يقال أنه استفاد النهي من الموقوف فتنبه للفرق .

    - الثاني : فهم أصحاب الإمام مقدم على توجيه الدكتور سدده الله.
    قال المجد ابن تيمية حاكياً صنيع الإمام أحمد ومن ذهب مذهبه : "وحملوا حديث ميمونة على أنها لم تخل به جمعاً بينه وبين حديث الحكم ".انتهى
    وقال ابن التركماني : ذكر الحافظ أبو بكر الاثرم صاحب ابن حنبل الاحاديث من الطرفين ثم قال ما ملخصه : الذى يعمل به أنه لا بأس ان يتوضيا أو يغتسلا جميعاً من إناء واحد يتنازعانه على حديث عائشة وميمونة وغيرهما, ولا يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة على حديث الحكم بن عمرو .انتهى
    قال ابن مفلح صاحب المبدع : واحتج به أحمد في رواية الأثرم وخصصناه بالخلوة لقول - الصحابي - عبد الله بن سرجس .. انتهى المقصود
    وأما جزم الدكتور سدده الله بأن الإمام أحمد ضعّف حديث الباب مستدلاً بما ورد عن الإمام حول حديث سماك ومن ذلك قوله " لم يجيء لحديث سماك غيره , والمعروف أنهما اغتسلا جميعاً " ومن ذلك قوله " هذا فيه اختلاف شديد " .
    أقول : لا يفيد ما تقدم الصراحة في التضعيف, وقد أثبت الاصحاب رواية عن الإمام أحمد تفيد احتجاجه بحديث الباب, وهي الرواية الموافقة لقول الجمهور[6], ووجه اختيارها ذهابه لنسخ حديث النهي, وممن ذكرها من الحنابلة :
    1- عبد الرحمن بن قدامة في الشرح الكبير (1/22) فقال : وفيه رواية أخرى أنه يجوز للرجل أن يتطهر به لما روت ميمونة قالت: أجنبت فاغتسلت من جفنة ..الحديث. اهـ المقصود
    2- ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية فقال : أن في مذهب أحمد ثلاثة أقوال, أحدها الإباحة مطلقاً .
    3- ذكرها ابن مفلح في الفروع (كتاب الطهارة – القسم الثاني من المياة) وقال : وعنه يرفع "و" بلا كراهة كاستعمالهما معاً .اهـ

    · دعوى الخطأ المنهجي في الاعتبار بالشواهد :
    رد الدكتور الشاهد الذي أورده الشيخ الألباني رحمه الله, وزعم بأنه لا يصلح لتقوية حديث الباب, معللًا بقوله ((وهذا من الأخطاء التي تعتبر بها الشواهد , فتأمل)) وزاد بأن الشاهد المذكور من شواهد ضعف الحديث لا صحته ؟!!
    وأنا استغرب هذا الصنيع من الدكتور عفا الله عنه, فهو للأسف لا يعلم أن جمهور أهل العلم على أن اغتسال الزوجين سوياً, هو هو اغتسال أحدهما بفضل الأخر .

    يقول الإمام الشَّافِعِيُّ رحمه الله (الأم 1/21) : وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِفَضْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اغْتَسَلَ وَعَائِشَةَ من إنَاءٍ وَاحِدٍ من الْجَنَابَةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ صَاحِبِهِ . اهـ المقصود

    وكذلك فعل ابن القيم رحمه الله عند تعليقه على حديث عائشة رضي الله عنها في الاغتسال سوياً فقال : فيه دليل على أن فضل وضوء المرأة طاهر .اهـ المقصود

    بل واعلم أن للشيخ الألباني رحمه الله فيما فهمه من هذه الأحاديث وأنها تشهد لبعضها سلف, وهو الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله فتجده خرّج في جامعه الصحيح في كتاب الحيض برقم (759) فقال : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِى الشَّعْثَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِى مَيْمُونَةُ :أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِىَ وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى إِنَاءٍ وَاحِدٍ .
    ثم أعقبه بإيراد الحديث نفسه ولكن من طريق أخر وبلفظ أخر برقم (760) فقال : وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ أَكْبَرُ عِلْمِى وَالَّذِى يَخْطُرُ عَلَى بَالِى أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَخْبَرَنِى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ .

    قال ابن سيد الناس رحمه الله [7]: "إن مسلماً لم يخرّج حديث ابن جريج حتى تقدمت عنده طريق سفيان عن عمرو التي لا شك فيها, وإن اختلفت ألفاظ الخبرين فهما واحد على طريقته لا يضره ذلك, فهذا الحديث عند مسلم كالمتابعة, والشاهد له, وصح الحديث عند مسلم بمجموع السندين ... فمسلم رحمه الله ومن جرى مجراه من الحفاظ, يعدهما كليهما حديث ميمونة في غسله عليه السلام وإياها من الجنابة حديثاً واحداً, اختلفت ألفاظه ورواته, يشهد بعضها لبعض ويقوي بعضها بعضاً" .انتهى

    إذن فالإمام مسلم رحمه الله أخرج الحديثين بلفظين مختلفين, والدلالة عنده واحدة, ومما يؤكد استقامة هذا الفهم وأن الحديثين بمعنى واحد أنك تجد أبا نعيم في مستخرجه على صحيح الإمام مسلم (726) زاد عند روايته لحديث ابن جريج, قول عمرو بن دينار : ((وذلك أني سألته - المسئول أبو الشعثاء - عن الجنبين يغتسلان جميعاً ؟)) , فحدثه أبو الشعثاء بالحديث بلفظ : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل وضوء ميمونة " .
    فيُعلم من هذا أن أبا الشعثاء يرى اتحاد المعنى, فكان مرة يرويه بهذا اللفظ ومرة باللفظ الأخر, ولا يرى بينهما اختلافًا, والقاعدة تقول : أن الراوي أدرى بمرويه , والله الموفق .

    فإن علمت هذا, وفهمت ما تقدم, تتعجب من المجازفة وعدم الانصاف, والتعدي على الأئمة المتمثل في قول الدكتور عفا الله عنه : ((وهذا من الأخطاء التي تعتبر بها الشواهد)) فدخل في قوله هذا, الإمام مسلم ومن جرى مجراه من الحفاظ والله المستعان .

    الخلاصة : أن الراجح صحة الحديث وقد صححه من الحفاظ الترمذي وابن خزيمة وابن حجر ووافقهم الشيخ ناصر الدين الألباني, والله أعلم بالصواب.
    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.

    وكتبه / أبو طارق علي بن عمر النهدي
    وانتهى منه في الرابع من شهر ربيع الثاني من العام الثلاثين وأربعمائة والف من الهجرة النبوية, وحرره وزاد فيه ونقص في الثالث عشر من شهر رجب من العام الثاني والثلاثين وأربعمائة والف للهجرة .




    ---------------------------------------
    [1] المجروحين ترجمة عبد الله بن المؤمل المخزومي برقم (559) .
    [2] قرر الدكتور في مستدركه أن الرواة عن سفيان الثوري لم يتفقوا على الرواية المسندة, بحجة أن الإمام أحمد قال : ((حدثنا به وكيع في المصنف عن سفيان عن سماك عن عكرمة ثم جعله بَعدُ عن ابن عباس)), وليس بشيء للمتأمل فإن الواجب اعتماده عن وكيع الرواية المسندة الموافقة لروايات الثقات كـابن المبارك, عبد الرزاق, وعبيد الله بن موسى, وأبي أحمد الزبيري, من أصحاب الثوري, فالواضح أن وكيعًا رواه مسنداً لعلم استجد عنده أو للخروج عن الشذوذ, وعلى كلتا الحالتين لا يجوز التعلق بروايته المرسلة في نقض إجماع أصحاب الثوري على الوصل.
    [3] ولا أثر لهذا الاختلاف كما قرره أهل العلم, فابن عباس رضي الله عنهما لا يطّلع على ذلك إلا بإخبار خالته ميمونة رضي الله عنها له .
    [4] قال البيهقي : ساء حفظه في آخر عمره, فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه . انتهى
    [5] قال البغوي في شرح السنة (2/28) : حديث الحكم بن عمرو , إن ثبت فمنسوخ . انتهى
    [6] قال النووي في المجموع : بهذا قال مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء .... وروي عن احمد كمذهبنا . انتهى المقصود
    [7] النفح الشذي (2/61-63) .

  9. #9

    افتراضي رد: مناقشة بعض الأحاديث في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ...
    لم أقرأ موضوعك كاملا لضيق الوقت ، وأسأل الله لك السداد.
    لكني اهتبلت الفرصة للسؤال عن كتاب الشيخ ابن أبي العينين في مناقشة صاحب "مستدرك التعليل" ، فالرجاء الإفادة بأخبار هذا الكتاب .

  10. #10

    افتراضي رد: مناقشة بعض الأحاديث في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

    الكتاب قرب على الصدور أخى الفاضل.....وعند صدوره قريبا سأخبركم باذن الله تعالى

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    161

    افتراضي رد: مناقشة بعض الأحاديث في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

    صدر العام الماضي 1431 كتاب :
    رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل
    وهو ردٌ على كتاب (مستدرك التعليل)
    تأليف:
    أبي عبدالرحمن عبدالله بن صالح العبيلان
    دار اللؤلؤة - بيروت، والدار الأثرية - عمان.
    الكتاب مجلد واحد فيه (380) صفحة تقريباً.
    فتدبر القرآن إن رُمْت الهدى ::: فالعلم تحت تدبر القرآن
    ابن القيم

  12. #12

    افتراضي رد: مناقشة بعض الأحاديث في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

    الأخوان الكريمان (محمد عبد الغني) ، و (النجدي)
    بورك فيكما ...
    وإن ظهرت للكتابين نسخ الكترونية أو نسخ بي.دي .اف ... فلا تبخلوا بها علينا .

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    167

    افتراضي رد: مناقشة بعض الأحاديث في مستدرك التعليل على إرواء الغليل

    أحسن الله إليكم .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •