(تأسيس فكرة)
الحرف ينقسم إلى حرف مبنى، وحرف معنى.
وحرف المبنى ليس له دلالة سياقية. أما حرف المعنى فهو المختص بالسياق؛ فهو يؤدي معاني تختلف باختلاف السياقات.
ورغم وجود معلومات أساسية تخص الحروف في ناحية الدلالة، ورغم صيرورة تلك المعلومات بدهيات لغوية -نجد أنها لم توظف التوظيف اللغوي الدلالي التعليمي، ولم تستثمر الاستثمار التربوي الذي يجعل البلاغة وفهم النص وتحليله سليقة.
من هذه المعلومات الأساسية.. تعريف الحرف، وهذا التعريف يواجه المتصفح للمقدمات النحوية عند الحديث على الكلمة وأنواعها؛ إذ نجد العلماء بعدما يفرغون من تعريفهم الاسم والفعل يعرفون الحرف بقولهم: "ما يؤدي معنىً في غيره لا في نفسه".
إذا.. الحرف ابن السياق، والسياق -الذي هو الاستعمال اللغوي- هو الذي يكسب الكلمات والتعبيرات والأساليب دلالاتها المختلفة. ومن هذه المعلومات أيضاً تلك القاعدة التي تقول: "الزيادة في المبنى زيادة في المعنى"؛ وذلك يعني أن الجذر –المادة اللغوية- تحتوي المعنى العام لمجموع هذه الحروف مجتمعة؛ فإذا زاد عليها حرف أدى معنىً يثري المعنى العام رغم تفرعه عليه.
ومن هذه المعلومات.. تقسيم الحرف –كما سبق- إلى حرف مبنى، وحرف معنى؛ فهناك حرف يمثل لبنة صنع وبناء الصيغ اللغوية والقوالب الكلامية –لكل أنواع الكلمة- رغم عدم خضوع الحرف والمبنى للصرف المعني بهذا.
رغم معرفة الجميع بهذه المعلومات، ورغم صيرورتها أبجدية لغوية –لا نجد التوظيف لها. كيف؟ نتصفح كتب البلاغة المعنية بالدلالة فلا نجد لهذه الحروف وجود. لماذا وهي تصلح مدخلاً جيدًا من مداخل تعليم طرق التعبير وتذوق النصوص؟! وتتم المفاجأة عندما نجد للحروف وجودًا دلاليًا في علمي "الصرف – والنحو" رغم عدم اختصاصهما بذلك. ففي "علم الصرف" نجد باب "معاني أحرف الزيادة". وفي بعض كتب النحو نجد "معاني حروف الجر، ومعاني حروف العطف". أما في كتب البلاغة مظنة البحث الدلالي لا نجد شيئًا من ذلك. وعندما نجد حديثًا هذا موضوعه نجده يتخذ عناوين ليس للحروف فيها نصيب؛ ففي باب "الإنشاء" نجد الأساليب الإنشائية المتحققة من خلال حروف المعاني تتعدد معانيها؛ فهناك خروج الاستفهام عن معنى طلب المعلومة إلى معان كثيرة، وهناك أساليب النهي والأمر والنداء والتمني – نجدها تدرس على أنها أساليب ومعانيها لا على أنها معاني سياقية تفيدها هذه الحروف المكونة لهذه الأساليب.
إذاً.. الموضوع غير موجود، وعندما يوجد فإنه يوجد في غير مظان البحث، وعندما يتواجد في غير مظان البحث تنمحي شخصية الحروف. هذا هو الأمر في فروع اللغة العربية؛ لكننا نجد الأمر مختلفًا عند علماء "أصول الفقه" وعلماء الدراسات الفقهية اللغوية؛ إذ نجد عندهم هذه الحروف تكتسب شخصية متكاملة من خلال بيان دورها في استنباط وتأصيل الأحكام. وهذه الكتب ليست محل بحث طالب هذه المعلومة التي تكون أقرب إلى كتب اللغة منها إلى كتب أصول الفقه. ويؤدي هذا إلى فقد أشياء كانت ستساعد في بناء السليقة الجمالية البلاغية لدى متعلمي اللغة العربية ومتذوقيها؛ لو اعتمدنا أنواع الكلمة أساسًا لمباحث بلاغية جديدة.