بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ...
قال الشاعر:
اقرؤوا التاريخ فإن فيه العبر * * * ضل قوم لا يدرون الخبر
على مر التاريخِ الإسلامي ، ومن خلالِ القراءةِ فيه للعبرة نجدُ جلياً وواضحاً أنه متى قامت دولةٌ شيعية بدأت في حربِ إبادةٍ للسنةِ فيها ، وبطرقٍ بشعةٍ لا يفعلها اليهودُ ولا النصارى في حين أن العكس غيرُ صحيحٍ ، ولعلي أكتفي بشاهدين من التاريخِ الإسلامي .
• الشاهد الأول : الدولةُ العبيدية لا الفاطمية كما هو مشتهرٌ ، ونسبتهم إلى البيت النبوي كذبٌ وزور كما أشار إلى ذلك المؤرخون منهم الإمامُ الذهبي في عدةِ مواضع من " السير " .
قال (15/214) : " قَالَ أَبُو شَامَة : كَانَ مِنْهُم ثَلاَثَةٌ بِإِفْرِيْقِيَة َ : المَهْدِيُّ ، وَالقَائِمُ ، وَالمَنْصُوْرُ ، وَأَحَدَ عَشَرَ بِمِصْرَ آخرهُم العَاضد ، ثُمَّ قَالَ : يدَّعُون الشَرَفَ وَنِسْبَتُهم إِلَى مجوسِي أَوْ يهودِي ، حَتَّى اشْتَهَرَ لَهُم ذَلِكَ . وَقِيْلَ : الدَّوْلَة العَلَوِيَّة ، وَالدَّوْلَة الفَاطمِيَة ، وَإِنَّمَا هِيَ الدَّوْلَة اليَهودَّيَة أَوِ المَجُوْسِيَّة المُلْحِدَةُ البَاطنيَّةُ . ثُمَّ قَالَ : ذَكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ الأَكَابِرِ ، وَأَنَّ نَسَبَهُمْ غَيْرُ صَحِيْحٍ . بَلِ المَعْرُوْف أَنَّهُمْ بنو عُبَيْد. وَكَانَ وَالد عُبَيْد مِنْ نسل القَدَّاح المَجُوْسِيّ المُلْحِد. قَالَ : وَقِيْلَ : وَالده يهوديٌّ مِنْ أَهْلِ سَلَمِيَّة، وَعُبَيْد كَانَ اسْمُه سعيداً، فَغيَّره بعُبَيْد اللهِ لَمَّا دَخَلَ إِلَى المَغْرِبِ، وَادَّعَى نَسباً ذكر بُطلاَنه جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الأَنْسَابِ، ثُمَّ ترقَّى، وَتَمَلَّك، وَبنَى المَهديَّة . قَالَ : وَكَانَ زِنْدِيقاً خَبِيْثاً ، وَنشأَتْ ذُرِّيّتهُ عَلَى ذَلِكَ، وَبَقِيَ هَذَا البلاَءُ عَلَى الإِسْلاَم مِنْ أَوَّلِ دولتهِم إِلَى آخرِهَا .
قُلْتُ : وَكَانَتْ دولتُهم مَائَتَي سنَةً وَثَمَانِياً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَقَدْ صَنَّفَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ البَاقِلاَّنِي كتَاب ( كَشْفِ أَسرَار البَاطنيَّة ) فَافتتحه ببُطْلاَنِ انتسَابهِم إِلَى الإِمَام عَلِيٍّ، وَكَذَلِكَ القَاضِي عَبْدُ الجَبَّارِ المُعْتَزِلِيُّ " .ا.هـ.
أما ما فعلتهُ الدولةُ العبيديةُ في أهل السنةِ من قتلٍ لهم في سبيل عدم الترضي عن الصحابة فقال الإمامُ الذهبي في " السير " (15/146) : " قَالَ أَبُو الحَسَنِ القَابِسيُّ، صَاحِبُ (الملخَّص) : إِنَّ الَّذِيْنَ قَتَلَهُم عُبَيْدُ اللهِ، وَبنوهُ أَرْبَعَة آلاَفٍ فِي دَارِ النَّحْرِ فِي العَذَابِ مِنْ عَالِمٍ وَعَابِدٍ ليرُدَّهُمْ عَنِ التَّرَضِّي عَنِ الصَّحَابَةِ ، فَاختَارُوا المَوْتَ.
فَقَالَ سهل الشَّاعِر :
وَأَحَلَّ دَارَ النَّحْرِ فِي أَغْلاَلِهِ * * * مَنْ كَانَ ذَا تَقْوَى وَذَا صلوَاتِ
وقتلوا أيضاً من العلماء ابن البردون الإفريقي المالكي وأبي بكر بن هذيل ، قال الإمامُ الذهبي (14/217) : " وَكَانَ منَاقضاً لِلْعرَاقيِّيْن ، فَدَارت عَلَيْهِ دوَائِر فِي أَيَّامِ عُبَيْد اللهِ ، وضُرِبَ بِالسِّيَاط ، ثُمَّ سَعَوا بِهِ عِنْد دُخُوْل الشِّيْعِيِّ إِلَى القَيْرَوَان ، وَكَانَتِ الشِّيْعَةُ تمِيلُ إِلَى العِرَاقيِّين لموَافقتِهِم لَهُم فِي مَسْأَلَةِ التفْضِيْل وَرخصَة مَذْهَبهم، فرفَعُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الشِّيْعِيّ : أَنَّ ابْنَ البَرْدُوْنَ وَأَبَا بَكْرٍ بنَ هُذَيل يطعنَان فِي دولتِهِم، وَلاَ يفضِّلاَن عَلِيّاً . فَحَبَسَهُمَا، ثُمَّ أَمرَ مُتَوَلِّي القَيْرَوَان أَنْ يضربَ ابْنَ هُذيل خَمْسَ مائَةِ سَوْط، وَيضربَ عُنُق ابْنِ البردُوْنَ، فَغَلِطَ المُتولِّي فَقتلَ ابْنَ هُذيل، وضربَ ابْنَ البردُوْنَ، ثُمَّ قتلَه مِنَ الغَدِ . وَقِيْلَ لاِبْنِ البردُوْنَ لَمَّا جرِّد لِلْقتل : أَترجعُ عَنْ مَذْهَبِك ؟ قَالَ : أَعنِ الإِسْلاَم أَرجِع ؟ ثُمَّ صُلِبا فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَأَمر الشِّيْعِيُّ الخَبِيْثُ أَنْ لاَ يفتَى بِمَذْهَبِ مَالِكٍ " .ا.هـ.
والإمام ابن خيرون المعافري القرطبي ، قال الذهبي (14/218) : " قَالَ بَعْضُهُمْ : كُنْتُ جَالِساً عِنْد ابْن أَبِي خِنْزِير فَدَخَلَ شَيْخٌ ذُو هَيْئَة وَخشوع ، فَبَكَى ابْن أَبِي خِنْزِير وَقَالَ : السُّلْطَان - يَعْنِي : عُبَيْد اللهِ - وَجَّه إِلَيَّ يَأْمرنِي بِدَوْس هَذَا حَتَّى يموت . ثُمَّ بَطَحَهُ ، وَقَفَزَ عَلَيْهِ السُّودَانُ حَتَّى مَاتَ ، لِجِهَادِهِ وَبُغْضِهِ لِعُبَيْدِ اللهِ وَجُنْدِهِ " .ا.هـ.
والإمامُ مُحَمَّدُ بنُ الحُبُلِيِّ قَاضِي مَدِيْنَةَ بَرْقَةَ لأنه خالفهم في الفطر على رؤيةِ الهلالِ لا بالحسابِ ، قال الإمامُ الذهبي (15/375) : " أَتَاهُ أَمِيْرُ بَرْقَة ، فَقَالَ : غداً العِيْد . قَالَ : حَتَّى نرَى الهِلاَل ، وَلاَ أُفَطِّر النَّاس ، وَأَتقلَّد إِثمَهُم ، فَقَالَ : بِهَذَا جَاءَ كِتَاب المَنْصُوْر - وَكَانَ هَذَا مِنْ رَأْي العُبَيْدِيَّة يفِّطرُوْنَ بِالِحسَاب ، وَلاَ يعتبرُوْنَ رُؤْيَة -فَلَمْ يُرَ هِلاَل ، فَأَصبح الأَمِيْرُ بِالطُّبولِ وَالبُنُودِ وَأُهبَةِ العِيْد . فَقَالَ القَاضِي : لاَ أَخرج وَلاَ أُصَلِّي، فَأَمر الأَمِيْرُ رَجُلاً خَطَبَ. وَكَتَبَ بِمَا جرَى إِلَى المَنْصُوْر ، فَطَلَبَ القَاضِي إِلَيْهِ، فَأُحضِر . فَقَالَ لَهُ : تَنَصَّلْ ، وَأَعفو عَنْكَ ، فَامْتَنَعَ ، فَأَمر ، فَعُلِّق فِي الشَّمْس إِلَى أَنْ مَاتَ ، وَكَانَ يَسْتَغيث العطشَ ، فَلَمْ يُسقَ . ثُمَّ صَلَبُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ. فلعنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالمِين " .ا.هـ.
والإمام مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ ، قال الإمامُ الذهبي (16/149) : " قَالَ أَبُو ذرٍ الحَافِظُ : سَجَنَهُ بَنُو عُبَيْدٍ، وَصلَبُوهُ عَلَى السُّنَّةِ، سَمِعْتُ الدَّارَقُطْنِي َّ يذكُرُهُ، وَيَبْكِي، وَيَقُوْلُ : كَانَ يَقُوْلُ، وَهُوَ يُسْلَخُ : " كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُوراً " [ الإِسرَاء : 58 ] .
قَالَ أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ : أَقَامَ جَوهرُ القَائِدُ لأَبِي تَمِيمٍ صَاحبِ مِصْرَ أَبَا بَكْرٍ النَّابُلسِيَّ، وَكَانَ ينزلُ الأَكواخَ، فَقَالَ لَهُ : بَلَغَنَا أَنَّكَ قُلْتُ : إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ عَشْرَةُ أَسهُمٍ، وَجبَ أَنْ يَرْمِيَ فِي الرُّوْمِ سَهْماً، وَفينَا تِسْعَةً. قَالَ : مَا قُلْتُ هَذَا، بَلْ قُلْتُ : إِذَا كَانَ مَعَهُ عَشْرَةُ أَسهُمٍ، وَجبَ أَنْ يرمِيَكُمْ بِتِسعَةً، وَأَنْ يَرمِيَ العَاشرَ فِيْكُمْ أَيْضاً، فَإِنَّكُم غيَّرْتُم الملَّةَ، وَقَتَلْتُم الصَّالِحِيْنَ، وَادَّعَيْتُم نورَ الإِلهيَّةِ، فشهرَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ، ثُمَّ أَمرَ يَهُودِيّاً فَسَلَخَهُ.
قَالَ ابْنُ الأَكفَانِيِّ : تُوُفِّيَ العَبْدُ الصَّالِحُ الزَّاهِدُ أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّابُلسِيِّ، كَانَ يَرَى قِتَالَ المغَاربَةِ، هَرَبَ مِنَ الرَّملَةِ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَخَذَهُ مُتَوَلِّيهَا أَبُو محمودٍ الكُتَامِيُّ، وَجعَلَهُ فِي قفصِ خشبٍ، وَأَرسَلَهُ إِلَى مِصْرَ، فَلَمَّا وَصلَ قَالُوا:أَنْتَ القَائِلُ، لَوْ أَنَّ مَعِيَ عَشْرَةَ أَسهُمٍ ... وَذَكَرَ القِصَّةَ، فسُلِخَ وَحُشِيَ تِبْناً، وَصُلبَ .
قَالَ مَعْمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زِيَادٍ الصُّوْفِيُّ : أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سُلِخَ مِنْ مفرِقِ رَأْسِهِ حَتَّى بُلِغَ الوَجْهُ، فَكَانَ يذكُرُ اللهَ وَيَصْبرُ حَتَّى بلغَ الصَّدْرَ فَرَحمَهُ السَّلاَّخُ، فوكزَهُ بِالسِّكِّينِ مَوْضِعَ قلبِهِ فَقضَى عَلَيْهِ " .ا.هـ.
هذا غيضٌ من فيضٍ ، وبما جرى به القلم ، وما لم نذكرهُ عن الدولةِ العبيديةِ في الجوانب الأخرى كثير ، ولعلنا نتأملُ في هذا التاريخِ جيداً لنأخذ منه العبرةَ
ومع دولةٍ أخرى ، وجرائمها في حقّ أهلِ السنةِ
للأمانة..منقول