كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
الكتاب: الأم
المؤلف: الشافعي
الناشر: دار المعرفة - بيروت
الطبعة: بدون طبعة
سنة النشر: 1410هـ/1990م
عدد الأجزاء: 8
عن الكتاب:
أملى الشافعي كتابه الأم على تلاميذه في مصر بما وصل إليه رأيه في آخر حياته ويعبر عن المسائل بأنها مذهب الشافعي الجديد, وكتاب الأم قمة مؤلفات الشافعي في الفقه, ويفتتح فيه الكتب والأبواب بآية أو حديث ليعتبره أصلا لما سيذكره من أحكام ثم يسرد أحكام المذهب بما يتسم بالجزالة والعمق ويسير على طريق وسط بين أصحاب الرأي وأهل الحديث. ويجعل الأصل في استنباط الأحكام الكتاب والسنة, فإن لم يجد دليلا لجأ إلى القياس والاجتهاد, وجعل الشافعي كتابه الرسالة كالمقدمة للأم ثم ألحق بالأم جملة كتب في الخلاف والفقه المقارن, وطبع على هامشها مختصر المزني - وكتاب اختلاف الحديث.
وجاء في موقع الوراق، ما يلي:
كتاب الأم أو (المبسوط برواية الربيع) كما يسميه ابن النديم، كتاب جمع بين دفتيه تراث الشافعي برمته، حسب رواية الربيع، بما في ذلك (الرسالة) كما يذكر ابن النديم، حيث عدها في مقدمة الكتب التي اشتمل عليها (الأم) . وما من شك في أن للشافعي كتبا لم يروها الربيع، ومنها الكتب التي بقيت في حوزة حرملة التُجيبي = الذي نزل الشافعي ضيفا عليه لما أتى مصر، حسب بعض الروايات= منها: كتاب (الشروط) وهو ثلاثة أجزاء، وكتاب السنن، وهو عشرة أجزاء، وكتاب (ألوان الإبل والغنم وصفاتها وأسنانها) و (كتاب النكاح) وكتب كثيرة، انفرد حرملة بروايتها، انظر تفصيل ذلك في ترجمته في كتب (طبقات الشافعية) وكانت وفاة حرملة سنة (243هـ) عن (78) عاما. وقد وصلتنا نسخ كثيرة من مخطوطات كتاب (الأم) وفي بعضها خلاف يسير في عدد الكتب وترتيبها. وطبع لأول مرة بمطبعة بولاق بمصر سنة (1321هـ) في سبعة أجزاء، في أربعة مجلدات كبار، على نفقة المرحوم الأستاذ أحمد بك الحسيني المحامي (ت 1332هـ 1914م) وبتصحيحه، وهو الذي ألف كتاب "مرشد الأنام -خ" في شرح قسم العبادات من كتاب الأم للشافعي، ويقع في (24) مجلداً، صدّره بمقدمة كبيرة في تراجم الشافعية، قال الزركلي: (رأيت قسماً منها مخطوطاً انتهى فيه إلى وفيات سنة 1326 هـ، وأخذت عنه) وجعل على هامش الأجزاء الخمسة الأولى من نشرته (مختصر المزني) وعلى هامش الجزأين الأخيرين (مسند الإمام الشافعي) و (اختلاف الحديث) للشافعي، وافتتح الجزء الأول بكتاب الرسالة في أصول الفقه، ووقعت في (72) صفحة من نشرته، ولكنه نص على أن ذلك من تصرفاته، ولم تكن في أصل المخطوطة. وفي مقدمة نشرته قوله: ((اعلم أنه قد حصلت لنا عدة نسخ من الأم، ومنها بعض أجزاء عتيقة بخط ابن النقيب، منقولة من نسخة بخط سراج الدين البلقيني، تفردت بزيادات مترجمة معزوة لبعض مؤلفات الشافعي رحمه الله، مثل كتاب (اختلاف الحديث) وكتاب (اختلاف مالك والشافعي) ونحوهما، وربما كان في هذه الزيادات تكرار بعض ما اتفقت عليه النسخ، ولكنها مع ذلك لا تخلو من فوائد، من فروع وتوجيهات للإمام رحمه الله، ولهذا أثبتنا تلك الزيادات بهامش المطبوع، إن اتسع ذلك، وإلا جعلناها في الصلب بعد عبارة (الأم) مفصولا بينها، والله المستعان) وأعيد طبع هذه النشرة سنة (1326هـ) ثم تكررت طبعاته. فكان منها ما صدر في عشرة مجلدات ضخمة، مثل نشرة دار قتيبة (1991م) . وهو في كل طبعاته يفتقر إلى الترتيب في الكتب والأبواب، وقد سبق إلى ترتيبه جماعة، منهم: الأمير سنجر الجالوي (ت 745هـ) وابن اللبان محمد بن أحمد (ت 749هـ) وسراج الدين البلقيني عمر بن رسلان (ت 805هـ) وله عدة مختصرات، منها (مختصر البويطي) و (مختصر حرملة) وأهمها: (مختصر المزني: ط) وهو أشهر المختصرات، طبع في كثير من طبعات الأم (ملحقا بها) قال الإمام أبو العباس ابن سريج فيما نقله ابن خلكان: (يخرج مختصر المزني من الدنيا عذراء لم تفض، وهو أصل الكتب المصنفة في المذهب الشافعي، وعلى مثاله رتبوا، ولكلامه فسروا وشرحوا) وكانت وفاة المزني في رمضان سنة (264هـ) عن (89) عاما. ومن أهم ما وضع على كتاب الأم كتاب (الزاهر في غريب ألفاظ الإمام الشافعي) تأليف أبي منصور الأزهري (ت 370هـ) صاحب (تهذيب اللغة) وقد طبع بتحقيق د. عبد المنعم طوعي بشنّاتي (دار البشائر الإسلامية: بيروت: 1419هـ 1998م) ويعرف أيضا بشرح ألفاظ مختصر المزني. وهو عمدة الفقهاء في تفسير ما يشكل عليهم من اللغة المتعلقة بالفقه، كما قال ابن خلكان. ويضم كتاب (الأم) حسب تسمية ابن النديم لمحتواه: (105) كتب، وحسب تسمية ياقوت (129) كتابا، وفي كل من القائمتين ما ليس في الأخرى، ويضم حسب النسخة المطبوعة ما يزيد على (140) كتابا. وهو في حقيقته العلمية: التعديل الأخير لكتاب الحجة الذي ألفه الإمام الشافعي في بغداد، وسماه ابن النديم (كتاب المبسوط برواية الزعفراني) وكان الشافعي قد افتتح حياته العلمية بكتاب سماه: (الزعفران) على اسم الغلام الذي كان سبب تأليفه، وهو غلام اقتدى به الشافعي مرة في الصلاة في أحد مساجد بغداد، فسها الزعفران في صلاته، ولم يعلم كيف يصنع، فخرج من الصلاة وقد أفسدها، فألف الشافعي بسبب هذه القصة كتاب (الصلاة) وسماه: (الزعفران) ورواه عنه الإمام الزعفراني (ت 259هـ) الذي اكتسب هذه النسبة من روايته للكتاب، شأن بلدته (الزعفرانية) . ثم شرع الشافعي في تطوير كتاب (الزعفران) شيئا فشيئا، حتى انتهى من كل أبواب الفقه، واشتهر عمله هذا بكتاب الحجة، أو (العمل البغدادي) أو (القول القديم) أو: (المبسوط برواية الزعفراني) فلما قصد الشافعي مصر عام (199هـ) للحد من غلو أتباع شيخه: (الإمام مالك) كما يقول - وكلفته هذه المغامرة حياته كما سيأتي - خاض معهم سلسلة طويلة من حوار المذاهب، أسفرت عن تعديلات جمة لكتاب الحجة، باستثناء (13) كتابا، من أصل (140) كتابا، لم يطرأ عليها أي تعديل، كما يذكر الشيخ محمد أبو زهرة، وقد سماها ياقوت الحموي في ترجمة الشافعي ومنها: (كتاب الصيام والحدود والرهن الصغير، والإجارة والجنائز) قال: ثم أمر بتحريق ما غير اجتهاده فيه، وربما تركه -ولم يحرقه- اكتفاء بما نبه عليه. قال ابن النديم في الفهرست في ترجمة الزعفراني: (وروى المبسوط عن الشافعي على ترتيب ما رواه الربيع، وفيه خلف يسير، وليس يرغب الناس فيه، ولا يعملون عليه، وإنما يعمل الفقهاء على ما رواه الربيع) انظر (أبو زهرة: الشافعي حياته وعصره/ ص 157) . والمقصود بالربيع: أبو محمد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي (بالولاء) أول من أملى الحديث بمسجد ابن طولون بمصر. قال ياقوت: (مات سنة سبعين ومائتين، - ومولده عام 174 - وقبره غربي الخندق مما يلي الفقاعي، وهو آخر من روى بمصر عن الشافعي وكان جليلاً مصنفاً، حدث بكتب الشافعي كلها ونقلها الناس عنه) وفي اعتنائه بكتب الشافعي أخبار يشوبها التهويل، كقول الطرايفي: (حضرت الربيع بن سليمان يوما، وقد حط على باب داره سبعمائة راحلة في سماع كتب الشافعي) وهو غير تلميذ الشافعي: أبي محمد الربيع بن سليمان الجيزي الأزدي بالولاء. الذي ساهم برواية مسألتين فقط من تراث الشافعي، كما ذكر السبكي في ترجمته في الطبقات (1/ 259) ووفاته عام (256هـ) . قال المرحوم محمد أبو زهرة (الشافعي حياته وعصره: ص179) : بعدما ذكر اضطراب قول الشافعي في المسألة الواحدة: (والحق أن التردد عند تعارض الأقيسة ليس دليل نقص في الاجتهاد، ولكنه دليل الكمال في العقل.... وكلما رأيت باحثا يحقق ويردد ولا يريد أن يكون أسير فكرة قبل أن يأسره الدليل فاعلم أنه العالم ... إلخ) قال: (وقد عقد فخر الدين الرازي في كتابه (مناقب الشافعي) فصلا لاختلاف الأقوال عند الشافعي ... وقسمها إلى خمسة أقسام..إلخ) . وكان الدكاترة زكي مبارك قد طلع على الناس عام (1934م) ببحوث على صفحات جريدة البلاغ، أنكر فيها نسبة كتاب الأم للشافعي، ولاحاه العلماء في ذلك، وطالت الملاحاة زهاء ثلاثة أشهر، فجمع وقائعها في كتيب سماه (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي: كتاب الأم لم يؤلفه الشافعي) وأهدى عمله هذا إلى ماسنيون. وقال في مقدمته (الغنيمة القيمة لطالب العلم هي أن يصحح غلطة تلبس ثوب الصواب، أو ينشئ نظرية، أو يوجه الناس إلى حق مجهول.... وملك الدنيا بأسرها لا يساوي عندي تصحيح هذه الغلطة التي درج عليها الناس منذ أجيال، وهي نسبة كتاب الأم إلى الشافعي، مع أن الشافعي لم يؤلف ذلك الكتاب، ولم يعرفه على الإطلاق) . قال (ص23) : (وكنا نسمر في منزل الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق - شيخ الأزهر- في إحدى ليالي رمضان، وكان بالمجلس الأستاذ أحمد أمين، وجرى ذكر المعارك التي قامت حول رأينا.. فقال: هناك فروض ثلاثة: الأول أن يكون الشافعي جلس على (شلتة) وصنف كتاب الأم. والثاني: أن يكون جلس على دكة وأملاه كله في حلقة الدرس. والثالث: أن يكون كتب بعضه وأملى بعضه، ثم نظمه البويطي أو الربيع بن سليمان. ثم استبعد الفرض الأول والثاني ورجح الثالث) . وكان لرأي زكي مبارك على عفويته، أثره البالغ في كل المحاولات التي تقدم بها الأخصائيون في سبيل تأصيل الكتاب، حتى إن الشيخ محمد أبو زهرة قال (ص 172) في صدد حديثه عن نسبة الكتاب إلى الشافعي: (إن للمسألة ثلاثة فروض: الفرض الأول أن الشافعي قد كتب هذا الكتاب أو أملاه....والفرض الثاني: أن يكون الشافعي قد دون مسائل مختلفة بقلمه وأملى بعضها بعبارته ... والفرض الثالث: أن يكون (الأم) ليس من تأليف الشافعي، بل هو جمع لأقواله المدونة التي كتبها أو أملاها بعبارته. قال: وهذا الفرض مردود لإجماع العلماء على نسبة كتاب الأم للشافعي. ثم رد على زكي مبارك، من غير أن يسميه، فقال (ص 163) بعدما ذكر إجماع العلماء على نسبة (الأم) إلى الشافعي: (ولم يشذ عن هذا الإجماع أحد، ولكن جاء في كتاب تصوف اسمه (قوت القلوب) عبارة في باب الأخوة سيقت استطرادا، ومنها ما يفيد أن البويطي هو الذي صنف كتاب الأم وأعطاه الربيع....ثم ناقش كلمة صاحب (قوت القلوب) وهو (أبو طالب المكي المتوفى سنة 386هـ) ثم قال (ص 168) : (ولقد أثار بعض المتقدمين ذلك، فقد جاء في التهذيب لابن حجر: قال أبو الحسين الرازي: أخبرني علي بن محمد أبي حسان الزيادي بحمص قال: سمعت أبا يزيد القراطيسي يقول: (سماع الربيع بن سليمان من الشافعي ليس بالثبت، وإنما أخذ أكثر الكتاب من آل البويطي بعد موت البويطي) قال أبو الحسين الرازي: وهذا لا يقبل من أبي يزيد، بل البويطي كان يقول: (الربيع أثبت في الشافعي مني، وقد سمع أبو زرعة الرازي كتب الشافعي كلها من الربيع قبل موت البويطي بأربع سنين) قال أبو زهرة: (ولقد قال الراوي عن الربيع كما جاء في كتاب (الأم) (طبعة مصر ج2 ص 93) (أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي بمصر سنة سبع ومائتين قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله) وهذا بعد موت الشافعي بثلاث سنين، وقبل موت البويطي بأربع وعشرين سنة. والخلاصة أن الربيع بن سليمان هو الذي روى كتب الشافعي، ودون آخر آرائه فيها. بل كان مشهورا بين العلماء أن الربيع لم يسمع كل كتب (الأم) على الشافعي، وسمى ياقوت هذه الكتب التي لم يسمعها الربيع، وهي (13) كتابا، من أصل (140) كتابا. وصرح بذلك الربيع بقوله في (غسل الميت) : (لم أسمع هذا الكتاب من الشافعي، وإنما أقرؤه على المعرفة) وقوله في كتاب إحياء الموات: (ولم أسمع هذا الكتاب، وإنما أقرؤه على معرفة أنه من كلامه) . وكان الغزالي قد استعار كل فصول (قوت القلوب) وضمها إلى كتابه (الإحياء) ومن هنا قال في (الإحياء) في الحق السابع من الباب الثاني من كتاب (آداب الأخوة والإلفة) وهو حق (الوفاء والإخلاص) : (وآثر البويطي الزهد والخمول ولم يعجبه الجمع والجلوس في الحلقة واشتغل بالعبادة وصنف "كتاب الأم" الذي ينسب الآن إلى الربيع بن سليمان ويعرف به، وإنما صنفه البويطي ولكن لم يذكر نفسه فيه ولم ينسبه إلى نفسه، فزاد الربيع فيه وتصرف وأظهره) . واعتمد حاجي خليفة رأي الغزالي في التعريف بكتاب الأم فقال: (كتاب الأم للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204 أربع ومائتين جمعه البويطي ولم يذكر اسمه، وقد نسب إلى ربيع بن سليمان بوبه الإمام أبو محمد الربيع بن سليمان المرادي المؤذن بمصر فنسب إليه دون من صنفه وهو البويطي فإنه لم يذكر نفسه فيه ولا نسبه إلى نفسه كما قال الغزالي في الإحياء. قال في (المهمات) وهو نحو خمسة عشر مجلداً متوسطاً) ... وخير ما قيل في كتاب زكي مبارك قول الشيخ أحمد شاكر في مقدمة نشرته للرسالة (ص9) : (أحسن ما في هذا الكتاب أنه مكتوب بقلم كاتب بليغ، والحجج على نقض كتابه متوافرة في كتب الشافعي نفسها، ولو صدقت رواية أبي طالب المكي لارتفعت الثقة بكل كتب العلماء ... إلخ) . والبويطي المذكور هو أبو يعقوب يوسف بن يحيى القرشي، البويطي: نسبة إلى (بويط) قرية من أعمال بني سويف في مصر الوسطى، وكانت وفاته سجينا ببغداد عام (231هـ) في محنة خلق القرآن، قال الربيع بن سليمان: (رأيت البويطي على بغل، وفي عنقه غل، وفي رجله قيد، وبين الغل والقيد سلسلة من حديد، فيها طوبة وزنها أربعون رطلا، وهو يقول: إنما خلق الله سبحانه الخلق ب (كن) فإذا كانت مخلوقة، فكأن مخلوقا خلق مخلوقا، فوالله لأموتن في حديدي) .!. وأما كتب الخلاف التي اشتمل عليها كتاب (الأم) والتي تجدها في المجلدين الأخيرين من معظم طبعات الكتاب، فهي
1- كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى عن أبي يوسف، ويعرف باختلاف العراقيين.
2- كتاب اختلاف علي وعبد الله بن مسعود، وسماه ابن النديم (ما خالف العراقيون علياً وعبد الله) وهو الصواب لمن تأمل الكتاب.
3- (اختلاف مالك والشافعي) وموضوعه الرد على الإمام مالك في مسألة أصولية وهي: (عمل أهل المدينة)
4- جماع العلم: وهو أهم آثار الشافعي على الإطلاق، رد به على منكري السنة، بما لا زيادة عليه، إلا أنه لم يسم الرجل الذي حاوره، واشتمل الحوار على أكثر من (400) فقرة، بين سؤال وجواب.
5- كتاب إبطال الاستحسان، وهو الخروج بالمسألة عن حكم نظائرها في الكتاب والسنة، لعلة خفية غير ظاهرة.
6- كتاب الرد على محمد بن الحسن الشيباني فيما خالف فيه الإمام مالكا وفقهاء أهل المدينة، ومعظم مسائله تدور حول الجنايات.
7- كتاب سير الأوزاعي، قال البيهقي: (وهو كتاب في السير، أصله لأبي حنيفة، فرد عليه الأوزاعي، فرد أبو يوسف على الأوزاعي، فرد الشافعي على أبي يوسف) .
وكان الكتاب الثالث من هذه الكتب وهو (اختلاف مالك والشافعي) سبب مقتل الإمام الشافعي كما ذكر ياقوت في ترجمة الإمام الشافعي، (6/ 395) وكان الذي تصدى للرد على الشافعي فقيه من أتباع مالك يسمى فتيان بن أبي السمح المالكي المصري (ت 205هـ) فلما رأى تلاميذ فتيان ظهور الشافعي على شيخهم (هجموا عليه وضربوه ضربا موجعا، ضرب النذالة والحقد والوحشية، فحُمل إلى منزله، ولم يزل فيه عليلا حتى مات) وكان موته كما هو مشهور ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة، آخر يوم رجب، سنة (204هـ) وعمره (54) سنة. وقد أشار إلى هذه القصة أبو حيان الأندلسي في يائيته في (سيرة الشافعي) فقال:
(ولما أتى مصر انبرى لإذائه ... أناس طووا كشحا على بغضه طيا)
(أتى ناقدا ما حصلوه وهادما ... لما أصلوا إذ كان بنيانهم وهيا) (فدسوا عليه عندما انفردوا به ... شقيا لهم شل الإله له يديا)
(فشج بمفتاح الحديد جبينه ... فراح قتيلا لا بواء ولا نعيا)
انظر القصيدة في ختام كتاب (مناقب الشافعي) للحافظ ابن حجر. ومن طريف أخبار الشافعي في مصر أنه دخلها كدخول جمال الدين الأفغاني، - وكلاهما من قريش - فأحدث فيها ضجة صار معها حديث الفقهاء، وتبعه إلى مصر تلامذته الذين خلفهم في الحجاز، وكان قبل ذلك قد اتهم بتعصبه للعلوية، والعمل سرا مع الإمام يحيى بن عبد الله - أخي محمد النفس الزكية، وتجد أخباره مفصلة وبيعة الشافعي له في (شرح البسامة) لابن الزحيف وكتاب: الإمام الشافعي: داعية ثورة ص112 ? 130 - وأنه لم يرو في كتابه (قتال أهل البغي) إلا عن علي بن أبي طالب، واقتيد من الحجاز في عشرة من شيوخ قريش، وزج به في السجن، وحكم عليه بالإعدام، فشفع له محمد بن الحسن الشيباني، كما تذكر الروايات المتناقضة، التي ينص بعضها على اعتقاله في اليمن سنة (184هـ) وليس في الحجاز. وأنه نزل عند رغبة صديقه بشر ابن أبي كبار البلوي في رسالته التي بعث بها إلى الشافعي، يحذره فيها من والي اليمن (عبد الله بن مصعب) انظرها في كتاب (صفة جزيرة العرب) .. فلما أتى مصر برفقة تلميذيه الربيع المرادي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، نزل حسب بعض الروايات على كبير المالكية في مصر: عبد الله بن عبد الحكم، وكان صديقا له - ولما مات الشافعي دفنه عبد الله في تربة آبائه بني عبد الحكم - وأمر ابنه محمدا بملازمته وقال له: (الزم هذا الرجل يا بني، فإنك لو جاوزت هذا البلد، فتكلمت في مسألة فقلت فيها: قال أشهب، لقيل لك: من أشهب؟) قال محمد: (فما زال كلام والدي في قلبي حتى خرجت إلى العراق، فكلمني القاضي بحضرة جلسائه في مسألة، فقلت: قال أشهب عن مالك، فقال: ومن أشهب؟ ما أعرف أشهب ولا أبلق) وانفرد محمد برواية كتاب (الوصايا) عن الشافعي، وكان يحتفظ بنسخة منه بخط الشافعي، وكان عمره لما توفي الشافعي (22) سنة، فرجع فيما يقال بعد موته إلى مذهب مالك. وتوفي عام (268هـ) عن (82) عاما. وقبر الإمام الشافعي كما يصفه ياقوت كان على مصطبة تجمع ثلاثة قبور، هي قبر الشافعي، وقبر عبد الله بن عبد الحكم، وقبر ابنه عبد الرحمن صاحب كتاب (فتوح مصر) . وقد حاول نظام الملك أن ينقل جثمان الشافعي إلى مدرسته (النظامية) التي بناها ببغداد سنة (474هـ) وبذل في ذلك أموالا طائلة فكانت فتنة كادت تودي بعرش مصر، انظر تفاصيل ذلك في كتاب (المواعظ والاعتبار) وأولها: (ومن أبدع ما حكي في مناقبه) وذكر المقريزي أنه في يوم الأحد 7/ جمادى الأولى/ 608هـ أقيمت قبة على ضريح الشافعي، ووضع على القبة سفينة، وبلغت النفقة عليها خمسين ألف دينار مصرية، وتبارى الشعراء في وصف السفينة، فمن ذلك قول البوصيري صاحب البردة:
(بقبة قبر الشافعي سفينة ... رست من بناء محكم فوق جلمود)
(وإذ غاض طوفان العلوم بقبره ... استوى الفلك من ذاك الضريح على الجودي) .
وذكر المقريزي أن القبور التي كانت تجاوره، نقلت إلى القرافة، ولم يدفن تحت القبة غير سلطان مصر الملك العزيز عثمان ابن صلاح الدين، وأمه (شمسة) . ولا صحة لقول من قال: (كان قبر الشافعي رمزا لدولة بني أيوب، ولما قبض صلاح الدين على الوزير شاور السعدي، ذبحه على قبر الشافعي) فقد حدث ذلك صدفة كما يفهم من رواية ابن شداد وابن الأثير وابن خلدون وأبي الفداء وابن العديم والنويري وابن خلكان وكل من روى قصة مقتل شاور. وانظر في الوراق تسمية ابن النديم لما اشتمل عليه كتاب الأم، وأولها: (ويحتوي هذا الكتاب على) وتسمية ياقوت وأولها: (وهذا فهرست كتب الشافعي) .
عن الكاتب:
الشافعي (150 - 204هـ، 767 - 820م).
محمد ابن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي بن عبد المطلب بن عبد مناف وينسب إلى شافع فيقال له الشافعي، كما ينسب إلى عبد المطلب فيقال المطلبي، كما ينسب إلى مكة لأنها موطن آبائه وأجداده فيقال له المكي، إلا أن النسبة الأولى قد غلبت عليه. ولد بمدينة غزة بفلسطين، حيث خرج والده إدريس من مكة إليها في حاجة له، فمات بها وأمه حامل به، فولدته فيها ثم عادت به بعد سنتين إلى مكة. حفظ القرآن بها في سن السابعة وحفظ موطأ مالك في سن العاشرة. اختلط بقبائل هذيل الذين كانوا من أفصح العرب فاستفاد منهم وحفظ أشعارهم وضرب به المثل في الفصاحة. تلقى الشافعي فقه مالك على يد مالك. وتفقه بمكة على شيخ الحرم ومفتيه مسلم بن خالد الزنجي، المتوفى سنة 180هـ، وسفيان بن عيينة الهلالي، المتوفى سنة 198هـ وغيرهما من العلماء. ثم رحل إلى اليمن ليتولى منصبًا جاءه به مصعب بن عبد الله القرشي قاضي اليمن. ثم رحل إلى العراق سنة 184هـ، واطلع على ما عند علماء العراق وأفادهم بما عليه علماء الحجاز، وعرف محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وتلقى منه فقه أبي حنيفة، وناظره في مسائل كثيرة ورفعت هذه المناظرات إلى الخليفة هارون الرشيد فسُرَّ منه. ثم رحل الشافعي بعدها إلى مصر والتقى بعلمائها وأعطاهم وأخذ منهم. ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة 195هـ في خلافة الأمين. وقد أصبح الشافعي في هذه الفترة إمامًا له مذهبه المستقل ومنهجه الخاص به. واستمر بالعراق مدة سنتين عاد بعدها إلى الحجاز بعد ما ألّف كتابه الحجة الذي رواه عنه أربعة من تلاميذه في العراق وهم: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والزعفراني، والكرابيسي، ثم عاد مرة ثالثة إلى العراق سنة 198هـ وأقام بها أشهرًا ثم رحل إلى مصر سنة 199هـ أو سنة 200هـ على قول بعض المؤرخين، ونزل ضيفًا عزيزًا على عبد الله بن الحكم، بمدينة الفسطاط، وبعد أن خالط المصريين وعرف ما عندهم من تقاليد وأعراف وعادات تخالف ما عند أهل العراق والحجاز. فكرَّ في إعادة النظر فيما أملاه البويطي، والمزني، والربيع المرادي بالعراق. وظل بمصر إلى أن توفي بها سنة 204هـ وضريحه بها مشهور. وقد رتب الشافعي أصول مذهبه كالآتي:
كتاب الله أولاً وسنة الرسول ثانيًا، ثم الإجماع والقياس والعرف والاستصحاب. وقد دون مذهبه بنفسه. فقد ألّف في مذهبه القديم كتاب الحجة، وهذا الكتاب لم يصل إلينا بعينه، حيث أعاد النظر فيه وجاء منه ببعض المسائل في مذهبه الجديد في كتاب الأم الذي أملاه على تلاميذه في مصر. ولم يصل إلينا كتاب الأم إلا برواية الربيع المرادي. فهي المطبوعة الآن في سبعة أجزاء.
يعد الشافعي أول من ألّف في علم أصول الفقه، ويتضح ذلك في كتابه المسمى الرسالة وقد كتبها في مكة وأرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي ـ حاكم العراق حينذاك ـ مع الحارث بن شريح الخوارزمي البغدادي، الذي سمي بالنقال بسبب نقله هذه الرسالة. ولما رحل الشافعي إلى مصر، أملاها مرة أخرى على الربيع بن سليمان المرادي. وما أملاه على الربيع يسمى بالرسالة الجديدة وما أرسله إلى عبد الرحمن بن مهدي يسمى بالرسالة القديمة. وقد ذهبت الرسالة القديمة، وما بين أيدينا هو الرسالة الجديدة، التي أملاها على الربيع، وقد انتشر مذهب الشافعي في الحجاز والعراق ومصر والشام وفلسطين وعدن وحضرموت، وهو المذهب الغالب في إندونيسيا وسريلانكا ولدى مسلمي الفلبين وجاوه والهند الصينية وأستراليا.