تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: تذكرت قول الشاعر..

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي تذكرت قول الشاعر..

    تذكرت قول الشاعر..
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي


    الشعر العربي الفصيح هو ذلك الفن الجميل الذي ينساب داخل النفوس العربية الأصيلة فيخالط لحمها ودمها، ويبقى في حناياها ما بقيت في أجسادها أرواحُها إما بلفظه وإما بمعناه.

    فحينما كانت النفوس خالصة العروبة، عاشقة للقول المنظوم، معروفة بنقاء الأذهان، وصفاء الوجدان، غير متكدرة بأمراض الحياة المادية، ولم يغشَ صفاءها بهرجُ الحياة المعاصرة ومشكلاتها وأشغالها الملهية؛ كان الشعر يرد على أسماعها فيستقر في ذاكرتها ويأبى الهجرة منها؛ لكرامة نُزله لدى قوم يحبهم ويحبونه، ويفتخرون ببقائه على سوح أذهانهم، ويتبارون به في ميادين ألسنتهم.

    لقد كانت القصائد والأبيات المفردة تجري على ألسنة أولئك العرب الأقحاح جريان الدماء في العروق، فإذا مرت بها أحوال الحياة تذكرت أقوال شعرائها، ومنظوم حكمائها، وكأنها بذلك تشهد بصدق قول القائل، وتوافقه على ما قال، أو تستعين بقوله على تصوير ما شهدت، وتأكيد ما لاحظت، أو المضي في أمر أو الكف عنه، شاهدةً في بعض ذلك بتنبؤ الشاعر، ودقة حدسه، وسبق خياله.

    وبهذا بقي الشعر الرائق باقياً في جبين الدهر ترويه أجيال على إثر أجيال، وتسلمه الأيام لليالي، وكل زمان إلى آخر.

    قال علي بن الجهم في سير شعره وخلوده:


    وَلَكِنَّ إحْسَانَ الخَلِيْفَةِ جَعْفَرٍ
    دَعَانِي إِلَى مَا قُلْتُ فِيْهِ مِنَ الشِّعْرِ


    فَسَارَ مَسِيْرَ الشَّمْسِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ
    وَهَبَّ هُبُوبَ الرِّيْحِ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ[1].





    وقال أبو الطيب:


    فسارَ بهِ مَن لا يسيرُ مشمِّراً *** وغنَّى بهِ مَن لا يغنِّي مغرِّدا[2].



    وقال أيضًا:


    قوافٍ إذا سِرْنَ عَنْ مِقْولي *** وثَبْن الجبال وخُضْنَ البحارا[3].



    وقال علي الجارم:


    وما الشِّعرُ إلاّ تَرْجُمانٌ مُخلَّدٌ *** يَقُصُّ على الأجيْالِ مَجداً مُخَلَّدا[4].


    وفي هذه السطور سنقف مع بعض المواقف التي تذكّر أهلها فيها أقوالَ الشعراء لتصوير ما هم عليه، وتجلية ما مروا به؛ لندرك مدى قدرات تلك الحافظة العربية الواعية، ونستمتع بأفنان هذه الواحة الأدبية الوارفة التي اجتنيناها من حدائق أدبية شتى.

    عمر بن الخطاب وشاعر بني تميم:
    دخل هشام البختريّ في ناسٍ من بني مخزوم على عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال له: يا هشام، أنشدني شعرك في خالد بن الوليد. فأنشده فقال: قصَّرت في البكاء على أبي سليمان رحمه الله، إنْ كان ليحب أن يذلَّ الشرك وأهله، وإن كان الشّامت به لمتعرضاً لمقت الله. ثم قال عمر رضي الله عنه: قاتل الله أخا بني تميم ما أشعره! [5]:


    فَقُلْ لِلَّذِي يَبْقَى خِلافَ الَّذِي مَضَى
    تَهَيَّأْ لأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَنْ قَدِ


    فَمَا عَيْشُ مَنْ قَدْ عَاشَ بَعْدِي بنافعٍ
    وَلا مَوْتُ مَنْ قَدْ مَاتَ يَوْمًا بِمُخْلِدِي[6].





    سعد وعدي بن زيد:
    لما قدم سعد بن أبي وقاص القادسية أميراً أتته حرقة بنت النعمان بن المنذر في جوار في مثل زيها، تطلب صلته، فلما وقفن بين يديه، قال: أيتكن حرقة؟ قلن: هذه، قال: أنت حرقة؟ قالت: نعم، فما تكرارك استفهامي؟! إن الدنيا دار زوال، وإنها لا تدوم على حال، تنتقل بأهلها انتقالا، وتعقبهم بعد حال حالا، إنا كنا ملوك هذا المصر قبلك، يجبى إلينا خراجه، ويطيعنا أهله، مدة المدة، وزمان الدولة، فلما أدبر الأمر وانقضى، صاح بنا صائح الدهر، فصدع عصانا، وشتت ملأنا، وكذاك الدهر يا سعد، إنه ليس من قوم بحبرة، إلا والدهر معقبهم عَبرة، ثم أنشأت تقول:


    فبينا نسوسُ الناسَ والأَمْرُ أَمرُنا
    إذا نحنُ فيهم سُوقَةٌ نتنصَّفُ


    فأُفٍّ لدنيا لا يدوم نَعيمُها
    تَقَلَّبُ حالاتٍ بنا وتَصَرَّفُ




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: تذكرت قول الشاعر..

    فقال سعد: قاتل الله عدي بن زيد كأنه كان ينظر إليها حيث تقول:


    إنَّ للدَّهرِ صولةً فاحْذَروها
    لا تبيتنَّ قدْ أمنتَ الدُّهورا




    قدْ ينامُ الفتَى صحيحاً فيردَى
    ولقدْ باتَ آمناً مسرورا




    وأكرمها سعد وأحسن جائزتها، فلما أرادت فراقه، قالت: حتى أحييك تحية أملاكنا بعضهم بعضاً: لا جعل الله لك إلا لئيمٍ حاجة، ولا زال لكريم عندك حاجة، ولا نزع من عبد صالح نعمة إلا جعلك سبباً لردها عليه. فلما خرجت من عنده تلقاها نساء المصر فقلن لها: ما صنع بك الأمير؟ قالت:


    حَاطَ لي ذِمّتي وَأكْرم وَجْهي *** إِنَّمَا يُكْرِم الكريمُ الكَريما [7].

    عائشة ولبيد:
    قال أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن الموحد: أخبرنا القاضي أبو المظفر هناد بن إبراهيم بن نصر النسفي، أخبرنا أبو الفتح أحمد بن عبيد الله بن ودعان الفقيه بالموصل، أخبرنا الخضر بن عبد الوهاب بن يحيى الحراني، حدثنا خيثمة بن سليمان، حدثنا محمد بن عوف الطائي بحمص، حدثنا عثمان بن سعيد، حدثنا محمد بن مهاجر عن الزبيدي عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: رحم الله لبيداً إذ يقول:


    ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ في أكْنَافِهِمْ *** وبَقِيتُ في خَلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ

    فقالت عائشة: كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عروة: رحم الله عائشة كيف لو أدركت زماننا هذا؟ قال الزهري: رحم الله عروة كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الزبيدي: رحم الله الزهري كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال ابن مهاجر: رحم الله الزبيدي كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال ابن عوف: رحم الله ابن مهاجر كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال خيثمة: رحم الله ابن عوف كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الخضر: رحم الله خيثمة كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال ابن ودعان: رحم الله الخضر كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال هناد: رحم الله ابن ودعان كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال أبو الحسن: رحم الله هناداً كيف لو أدرك زماننا هذا؟[8].

    معاوية وابن الإطنابة:
    قال معاوية: اجعلوا الشعر أكبر همكم، وأكثر آدابكم؛ فإن فيه مآثر أسلافكم، ومواضع إرشادكم؛ فلقد رأيتني يوم الهرير، وقد عزمت على الفرار فما ردني إلا قول ابن الإطنابة، وكان جاهلياً:


    أَبَتْ لِي عِفَّتِي وأَبَى بَلائِي
    وأَخْذِي الحَمْدَ بالثَّمَنِ الرَّبِيحِ




    وإِقْدامِي على المَكْرُوهِ نَفْسِي
    وضَرْبِي هامَةَ البَطَلِ المُشِيحِ




    وَقَوْلِي كلَّما جَشَأَتْ وجاشَتْ
    مَكانَكِ، تُحْمَدِي أَو تَسْتَرِيحِي[9].





    أبو بكر بن عياش وذو الرمة:
    قال أبو بكر بن عياش: نزلت بي مصيبة أوجعتني، فذكرت قول ذي الرُّمة:


    لعلَّ انحدارَ الدَّمعِ يُعقبُ راحةً *** من الوجدِ أو يشفي نجيَّ البلابلِ

    فخلوت فبكيت فسلوت [10].

    مالك بن دينار وشاعر:
    عن مالك بن دينار قال: مات بشر بن مروان فدفن، ثم مات عبد فدفن إلى جنبه، فمررت بقبريهما بعد ثلاثة فلم أعرف قبر أحدهما من الآخر! فذكرت قول الشاعر:


    والْعَطِيَّاتُ خِسَاسٌ بَيْنَنَا *** وَسَوَاءٌ قَبْرُ مُثْرٍ وَمُقِلْ![11].


    الشافعي ومالك بن القين الخزرجي:
    قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت أشهب بن عبد العزيز يدعو على محمد بن إدريس الشافعي بالموت- أظنه قال في سجوده-[12]، فذكرت ذلك للشافعي رحمه الله، فتثمل:


    تَمَنَّى رجَالٌ أَن أَموتَ وَإِن أَمُت
    فَتِلكَ سَبيلٌ لَستُ فِيها بِأَوحَدِ




    فَقُلْ للَّذِي يَرْجُو خِلافَ الَّذِي مَضَى
    تَهَيَّأ لأُخْرَى مِثْلَهَا فَكَأنْ قَدِ[13].





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: تذكرت قول الشاعر..

    فمات الشافعي ومات أشهب بعده بثمانية عشر يوماً! [14].

    عبد الملك بن مروان وكثير عزة:
    روى العتبى عن أبيه: أن عبد الملك بن مروان كان يوجه إلى مصعب بن الزبير جيشًا بعد جيش فيهزَمون، فلما طال ذلك عليه واشتد غمه أمر الناس فعسكروا ودعا بسلاحه فلبسه، فلما أراد الركوب قامت إليه أم يزيد ابنه فقالت: يا أمير المؤمنين، لو أقمت وبعثت إليه لكان الرأي، فقال: ما إلى ذلك من سبيل. فلم تزل تمشي معه وتكلمه حتى قرب من الباب، فلما يئست منه رجعت فبكت وبكى حشمها معها، فملا علا الصوت رجع إليها عبد الملك فقال: وأنت أيضاً ممن يبكي! قاتل الله كثيِّراً، كأنه كان يرى يومنا هذا حيث يقول:






    إذا ما أرادَ الغزوَ لم تثنِ عزمَهُ
    حَصَانٌ عليها نظمُ دُرٍّ يزينُها


    ولكنْ مضى ذو مرَّةٍ متثبِّتٌ
    لسُنّةِ حقٍّ واضحٍ يسْتَبِينُها[15].





    الخضر والفرزدق:
    قال الفرزدق: أبق غلامان لرجل منا يقال له: الخضر فحدثني قال: خرجت في طلبهما وأنا على ناقة لي عيساء كوماء أريد اليمامة، فلما صرت في ماء لبني حنيفة يقال له: الصرصران ارتفعت سحابة فرعدت وبرقت وأرخت عزاليها فعدلت إلى بعض ديارهم، وسألت القِرى فأجابوا فدخلت داراً لهم، وأنخت الناقة وجلست تحت ظلة لهم من جريد النخل، وفي الدار جويرية لهم سوداء إذ دخلت جارية.. فسألت الجارية لمن هذه العيساء -تعني ناقتي- فقالت: لضيفكم هذا، فعدلت إلي فقالت: السلام عليكم، فرددت عليها السلام، فقالت لي: ممن الرجل؟ فقلت: من بني حنظلة. فقالت من أيهم؟ فقلت: من بني نهشل، فتبسمت، وقالت: أنت إذاً ممن عناه الفرزدق بقوله:


    إن الذي سمَك السماءَ بنَى لنا
    بيتاً دعائمُه أعزُّ وأطولُ


    بيتاً بناه لنا المليكُ وما بَنَى
    مَلِكُ السماءِ فإنه لا يُنْقَلُ


    بيتاً زُرَارةُ مُحْتَبٍ بفِنائه
    ومُجَاشِعٌ وأبو الفَوَارِس نَهْشَلُ



    قال: فقلت: نعم، جعلت فداك. وأعجبني ما سمعت منها. فضحكت: وقالت: فإن ابن الخطفي قد هدم عليكم بيتكم هذا الذي فخرتم به، حيث يقول:


    أَخْزَى الذي رفَع السماء مُجَاشِعاً
    وبَنى بِناءكَ بالحَضيض الأسفلِ


    بيتاً يُحَمِّمُ قَيْنُكم بفِنائه
    دَنِساً مَقَاعِدُه خبيثَ المَدْخَلِ[16].






    الفرزدق ومضرس بن ربعي وأبيات نهشل بن حري وأبي المهوش الأسدي:
    مر الفرزدق بمضرس بن ربعي وهو ينشد قوله:

    تحمل من وادي أشيقر حاضره
    وقد اجتمع الناس، فقال الفرزدق: يا أخا بني فقعس، متى عهدك بالقنان؟! فقال: تركته تبيضُ فيه الحُمّر!. أراد الفرزدق قول نهشل بن حري:

    ضمن القنانُ لفقعس سوءاتها *** إنَّ القنان بفقعس لمعمّرُ
    وأراد مضرس قول أبي المهوش الأسدي:


    قَدْ كُنْتُ أحْسَبكُمْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ
    فَإذَا لَصاف تَبيضُ فِيهِ الحُمَّرُ


    وَإذَا يَسُرُّكَ مِنْ تَمِيمٍ خَصْلَةٌ
    فَلَمَا يَسُوءُكَ مِنْ تَمِيمٍ أكْثَرُ[17]



    والقنان ولصاف: جبلان. والحمر على وزن صرد- وتشدد ميمه وهو اللائق في البيت-: طائر، شبههم به في الضعف والجبن.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: تذكرت قول الشاعر..

    ابن عائشة وحميد بن ثور:
    أخرج ابن النجار عن ابن عائشة قال: سَمِعني رجلٌ وأنا أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لو عُزِّي المرءُ في حياته من الأسقام لأفناه الليل والنهار[18]. فقال: هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟! فقلت: قاتل الله حميد بن ثور إذ يقول:






    أرى بصري قد رابني بعدَ صحّةٍ *** وحسبُك داءً أن تَصِحَّ وتسلما[19].
    المنصور ويزيد بن مفرغ:
    قال علي بن مخلد: كنت واقفاً على رأس المنصور وأنا غلام، فما رأيت ملكاً ولا سوقة كان أفسح منه أخلاقاً، ولا أقل ضرباً وشتماً لملك يمين، وكان ربما دعا الغلام من غلمانه لبعض ما يحتاج إليه فيسمع نداءه فلا يجيبه، قال: فسمعته يوماً يقول للربيع: ما أدري كيف أصلح غلماني وخدمي؟! أصوت للواحد منهم أصواتاً فلا يجيبني وأنا أعلم أنه قد سمع!.

    قال: يا أمير المؤمنين، لنت لهم غاية اللين فلو غلظت عليهم بعض الغلظة استقاموا. فقال: ابغني سوطاً ومسماراً، فأتاه بهما فعلق السوط تجاه مجلسه، فكان إذا صاح بالخادم وافاه عشرون في لحظة، فقال: قاتل الله القائل [هو يزيد بن مفرغ]:


    العبدُ يُقرعُ بالعصا *** والحُرُّ تكفيه الملامَه[20].
    المأمون والأَعْوَر الشَّنِّيّ:
    قال المأمون لأحد أولاده - وقد سمع منه لحناً-: ما على أحدكم أن يتعلم العربية فيقيم بها أوده، ويزين بها مشهده، ويفلَّ بها حجج خصمه بمسكتات حكمه، ويملك مجلس سلطانه بظاهر بيانه. أو يسرُّ أحدكم أن يكون لسانه كلسان عبده أو أمته، فلا يزال الدّهر أسير كلمته! قاتل الله الذي يقول [هو الأَعْوَر الشَّنِّيّ]:


    ألَمْ تَرَ مِفْتاحَ الفُؤادِ لِسانَهُ
    إذا هو أَبْدَى ما يَقُولُ مِن الفَمِ

    وكائِنْ تَرَى مِن صامِتٍ لكَ مُعْجِبٍ
    زِيادَتُهُ أو نَقْصُهُ في التَّكَلُّمِ

    لِسانُ الفَتَى نِصْفٌ ونِصْفٌ فُؤادُهُ
    فَلَمْ يَبْقَ إلا صُورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ[21].



    الواثق وابن الأحنف:
    قال أحمد بن حمدون: كان بين الواثق وبين بعض جواريه شر، فخرج كسلان، فلم أزل أنا والفتح بن خاقان نحتال لنشاطه، فرآني أضاحك الفتح فقال: قاتل الله ابن الأحنف حيث يقول:


    عدلٌ من اللهِ أبكاني وأضحككمْ
    فالحمدُ لله عدلٌ كلُّ ما صنعا

    اليومَ أبكي على قَلبي وأندُبُهُ
    قلبٌ ألحّ عليهِ الحزْنُ فانصَدَعَا[22].



    ثعلب وأبو تمام:
    قال ثعلب [أحمد بن يحيى]: ما يكاد وقت الصلاة إلا تذكرت قول أبي تمام:


    وأحقُّ الأقوامِ أن يقضي الديـ *** ـنَ امرؤٌ كان للإلهِ غريمَا [23].

    الحموي وعلي بن الجهم:
    قال الحموي في ترجمة بعضهم: وحكى والدي في ترجمته قال: مما اتفق لي معه أني ذهبت أنا وإياه إلى عيادة مريض، فصادفنا عنده يعقوب الطبيب اليهودي، فلما خرجنا خرج الطبيب معنا فسأله القارئ عن المريض فقال: ربما أنه يموت اليوم أو غداً؛ فإن نبضه ساقط جداً، ففي ثاني يوم من ذلك مرض القارئ ومات بعد أيام، ولم تمض جمعة إلا والطبيب مات أيضاً، وعوفي المريض! فذكرت قول القائل [هو علي بن الجهم]:


    كمْ من عليلٍ قد تخطَّاهُ الرَّدى *** فنجا وماتَ طبيبهُ والعوَّدُ[24].





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: تذكرت قول الشاعر..

    أبو خليفة المحاربي وأبو عمرو العدوي مع أبيات شاعرين:
    مر أبو خليفة المحاربي على أبي عمرو العدوي، عدي الرباب وعندهم بقرة قد ذبحت، فقال أبو خليفة: يا أبا عمرو ما ننفي عن ديارنا جيفةً إلا صارت إليكم، فقال أبو عمرو: يا أبا خليفة إنما هي سحابة تمر فتفسد ذلك كله. أراد أبو خليفة قول الشاعر:


    إِذا مَا نَفينَا جيفةً عَن دِيَارنَا *** رَأَيْت عديّاً حول جيفتنا تسري


    وأراد أبو عمرو قول الشاعر:


    .. بماء سحاب لم تخضه محارب[25].


    ابن شهيد وشاعر:
    قال ابن شهيد الأندلسي: مررتُ بشيخٍ يُعلمُ بنياً له صناعة الشّعر وهو يقول له: إذا اعتمدت معنًى قد سبقك إليه غيرُك فأحسن تركيبه، وأرقَّ حاشيته فاضرب عنه جُملة، وإن لم يكن بُدّ ففي غير العروض التي تقدَّم إليها ذلك المحسنُ، لتنشط طبيعتُك، وتقوى مُنَّتُك.

    فتذكرتُ قول الشاعر وقد كنتُ أنسيته:

    لما تسامى النّجمُ في أفقهِ
    ولاحت الجوزاءُ والمِرزمُ

    أقبلتُ والوطء خفي كما
    ينسابُ من مكمنه الأرقمُ[26].




    الثعالبي وكشاجم:
    قال الثعالبي في القاضي أبي القاسم الشيرازي: قد آتاه الله تعالى في اقتبال العمر جوامع الفضل، وسوغه في ريعان الشباب محاسن الاستكمال، فهو مع أصله الشريف وعرقه الكريم أديب فقيه شاعر، خطيب فصيح القلم واللسان، عارف بأمور السلطان، وكأن أبا الفتح كشاجم عناه بقوله:

    ما كان أحوجَ ذا الكمالَ إلى *** عيبٍ يُوَقِّيهِ منَ العَيْنِ[27].

    ابن الجوزي وشاعر:
    قال ابن الجوزي: نظرت في قول الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ﴾ ثم قال: ﴿ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج: 18]... فرأيت الجمادات كلها قد وصفت بالسجود، واستثنى من العقلاء! فذكرت قول بعضهم:


    ما جحدَ الصامتُ من أنشأهُ *** ومن ذوي النطق أتاه الجحود [28].

    الطنطاوي ومحمد بن عبد الملك:
    قال علي الطنطاوي:... ولما خرجنا من الوادي، وأنهينا إلى الفضاء الرحب، رأينا وجه أُحد وعلى سفحه النخيلُ والبساتين، ورأينا سَلعاً وهو جبل أسود عال، يقوم حيال أُحد فيحجب المدينة وراءه، فلا يبدو منها إلا جانب الحرة، وطرف النخيل، فذكرت قول محمد بن عبدالملك وقد ورد بغداد فحنّ إلى المدينة:


    ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلةً
    بسلعٍ ولم تُغلق علي دروبُ

    وهل أُحدٌ بادٍ لنا وكأنه
    حِصانٌ أمام المقربات جنيبُ

    يخبُّ السراب الضحل بيني وبينه
    فيبدو لعيني تارة ويغيب

    فإن شفائي نظرةٌ أن نظرتها
    إلى أُحد والحرتان قريب

    وإني لأرعى النجم حتى كأنني
    على كل نجم في السماء رقيب




    وأشتاق للبرق اليماني إن بدا
    وأزداد شوقاً أن تهب جنوب[29][30].

    -------------------



    [1] التذكرة الحمدونية (5/ 404).

    [2] شرح ديوان المتنبي (2/ 64).

    [3] ديوان المتنبي (ص: 68).

    [4] ديوان علي الجارم (ص: 76).

    [5] من سنن العرب: مخالفة ظاهر اللفظ معناه؛ كقولهم عند المدح: قاتله الله ما أشعره! فهم يقولون هذا ولا يريدون وقوعه. فيقال في التعجب: قاتله الله! فإن الشيء إذا بلغ غايته: يدعى عليه؛ صونًا له عن عين الكمال. قال بعضهم: يعني: أي: صونًا له عن إصابته بالعين أي: بالحسد الذي يصيب كل شيء كامل. ينظر: الصاحبي في فقه اللغة (ص: 50)، شرح الرضي على الكافية (3/ 124).

    [6] الجليس الصالح والأنيس الناصح (ص: 440).

    [7] الجليس الصالح والأنيس الناصح (ص: 78).

    [8] مختصر تاريخ دمشق (ص: 1062).

    [9] التذكرة الحمدونية (1/ 154).

    [10] الكامل في اللغة و الأدب (1/ 76).

    [11] المتفق والمفترق للخطيب البغدادي (2/ 129).

    [12] والسبب ما قاله الربيع بن سليمان،: سمعنا أشهب يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي وإلا ذهب علم مالك. فبلغ ذلك الشافعي، فأنشأ يقول البيتين. ينظر: ترتيب المدارك وتقريب المسالك (1/ 164).

    [13] بهجة المجالس وأنس المجالس (ص: 159).

    [14] الوافي بالوفيات (3/ 263).

    [15] أمالي القالي (ص: 7).

    [16] الأغاني (8/ 49).

    [17] التذكرة الحمدونية (2/ 58).

    [18] حديث لا أصل له.

    [19] الازدهار في ما عقده الشعراء من الأحاديث والآثار (ص: 3).

    [20] التذكرة الحمدونية (1/ 124).

    [21] بهجة المجالس وأنس المجالس (ص: 7).

    [22] الأغاني (8/ 372).

    [23] محاضرات الأدباء (2/ 18).

    [24] خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (2/ 461).

    [25] التذكرة الحمدونية (2/ 58).

    [26] رسالة التوابع والزوابع (ص: 12).

    [27] يتيمة الدهر (2/ 215).

    [28] صيد الخاطر (ص: 318).

    [29] إلى أرض النبوة (2/ 13).

    [30] ونسبها أبو هلال العسكري إلى عبد الله بن محمد الفقعسي. ديوان المعاني (2/ 193).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •