خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - أحكام فصل الشِّتَاء وفَضَائِلُه


مجلة الفرقان





جاءت خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 21 من ربيع الآخر 1443هـ - الموافق 26/11 /2021م مبينةً أحكام فصل الشِّتَاءُ وفَضَائِلُه؛ حيث بينت الخطبة أنَّ مِنْ قُدْرَةِ اللهِ وَنَعْمَائِهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ جَعَلَ فِي السَّنَةِ فُصُولًا مُخْتَلِفَةً، شِتَاءً وَرَبِيعًا وَصَيْفًا وَخَرِيفًا، وَكَمْ فِي اخْتِلَافِ هَذِهِ الفُصُولِ مِنْ مَصَالِحَ لِلْعِبَادِ وَالبِلَادِ! وَكَمْ فِيهَا مِنِ اخْتِلَافِ الأَقْوَاتِ وَالأَطْعِمَةِ؛ طَعَامٌ وَفَاكِهَةٌ فِي الصَّيْفِ، وَطَعَامٌ وَفَاكِهَةٌ فِي الشِّتَاءِ!

وأشارت الخطبة إلى أنَّ السلف الصَّالِح -رضوان الله عليهم- كانوا يَفْرَحُونَ بِالشِّتَاءِ إِذَا أَقْبَلَ؛ فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: «مَرْحَبًا بِالشِّتَاءِ، فِيهِ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ، أَمَّا لَيْلُهُ فَطَوِيلٌ لِلْقَائِمِ، وَأَمَّا نَهَارُهُ فَقَصِيرٌ لِلصَّائِمِ»، وَسَمَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - «الصِّيَامَ فِي الشِّتَاءِ بِالغَنِيمَةِ البَارِدَةِ» كَمَا جَاءَ فِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ الجُمَحِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ»، وَالغَنِيمَةُ البَارِدَةُ هِيَ الَّتِي يَتَحَصَّلُ عَلَيْهَا الجَيْشُ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَتَعَبٍ، فَكَذَلِكَ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ، فَالشِّتَاءُ هُوَ رَبِيعُ المُؤْمِنِ، يَرْتَعُ فِيهِ فِي بَسَاتِينِ العِبَادَاتِ وَيَسْرَحُ فِيهِ فِي مَيَادِينِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ.

نِعَم اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ

وأكدت الخطبة أننا فِي هَذَا الفَصْلِ لابد أنْ نَسْتَذْكِرُ نِعَمَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- الكَثِيرَةَ، وَمِنْهَا: المَسْكَنُ وَالمَلْبَسُ، فقَدِ امْتَنَّ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ فَقَالَ -تعالى-: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} (النحل: 5)، فَلَنَا بُيُوتٌ تُؤْوِينَا، وَأَلْبِسَةٌ تَقِينَا، فَلِلَّهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ، ثُمَّ تَذَكَّرُوا حَالَ إِخْوَانِكُمُ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ مِمَّنْ لَا مَأْوَى لَهُمْ وَلَا لِبَاسَ، فَاللهَ اللهَ فِي تَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ لَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ مِنَ الخَدَمِ وَنَحْوِهِمْ.

شِدَّةُ البَرْدِ تُذَكِّرُنَا بِنَارِ جَهَنَّمَ

وَشِدَّةُ البَرْدِ فِي الشِّتَاءِ تُذَكِّرُنَا بِنَارِ جَهَنَّمَ - عَافَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهَا - فَلَقَدْ نَوَّعَ اللهُ -سُبْحَانَهُ- أَصْنَافَ العَذَابِ عَلَى الكَافِرِينَ، فَقَالَ -تعالى-: (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) (ص: 57) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي تَفْسِيرِ الغَسَّاقِ: «هُوَ الزَّمْهَرِيرُ البَارِدُ الَّذِي يَحْرِقُ مِنْ بَرْدِهِ»، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» . (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ).

الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ

ثم شددت الخطبة على أن المسلم فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ يحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ جُمْلَةٍ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَمِنْ ذَلِكَ:

لا تسبي الحمى

تَحَمُّلُ شِدَّةِ البَرْدِ، وَالصَّبْرُ عَلَى مَا قَدْ تُسَبِّبُهُ مِنْ أَمْرَاضٍ؛ فَقَدْ دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُمِّ السَّائِبِ فَقَالَ: «مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ تُزَفْزِفِينَ؟» -أي: ترتعدين- قَالَتِ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا. فَقَالَ: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى؛ فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ». (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

إِسْبَاغُ الوُضُوءِ وَإِتْمَامُهُ

وَمِنْهَا: إِسْبَاغُ الوُضُوءِ وَإِتْمَامُهُ فِي شِدَّةِ البَرْدِ وَعَدَمُ التَّسَاهُلِ فِي ذَلِكَ، فَفِي ذَلِكَ الأَجْرُ العَظِيمُ وَالفَضْلُ الكَبِيرُ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟«ق َالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

التَّحْذِيرُ مِنْ تَرْكِ النَّارِ عِنْدَ النَّوْمِ!

وَمِنْهَا: التَّحْذِيرُ مِنْ تَرْكِ النَّارِ عِنْدَ النَّوْمِ مِنْ غَيْرِ إِطْفَاءٍ؛ فَقَدِ احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم - ؛ فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ». (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه ).

السُّنَنُ النَّبَوِيَّةُ وَالأَدْعِيَةُ السُّنِّيَّةُ

وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْرِصُ عَلَيْهِ المُسْلِمُ فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ: السُّنَنُ النَّبَوِيَّةُ وَالأَدْعِيَةُ السُّنِّيَّةُ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَصَابَنَا -وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ -تعالى-». (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وكَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: «صَيِّبًا نَافِعًا«
(رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا). وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الحَدِيثَ، وَقَالَ: «سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ». ثُمَّ يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا لَوَعِيدٌ لِأَهْلِ الأَرْضِ شَدِيدٌ». (رَوَاهُ مَالِكٌ فِي المُوَطَّأِ).


أحكام خاصة

ثم بينت الخطبة أنَّ مِنْ لُطْفِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، أَنْ شَرَعَ لَنَا بَعْضَ الأَحْكَامِ الَّتِي تُخَفِّفُ عَنَّا شِدَّةَ البَرْدِ وَالمَطَرِ وَنَحْوِهِمَا، فَمِنْ ذَلِكَ:

المَسْحِ عَلَى الخِفَافِ وَالجَوَارِبِ

مَشْرُوعِيَّةُ المَسْحِ عَلَى الخِفَافِ وَالجَوَارِبِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً فِي نَفْسِهَا، وَأَنْ يَلْبَسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ، إِمَّا طَهَارَةُ غُسْلٍ وَإِمَّا وُضُوءٌ، وَلِلْمَسْحِ مُدَّةٌ لَا يَجُوزُ تَجَاوُزُهَا، وَهِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ؛ لِمَا رَوَاهُ صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَ ّ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ).


مَشْرُوعِيَّةُ الجَمْعِ بَيْنَ الصَلَوات

وَمِنْهَا أَيْضًا: مَشْرُوعِيَّةُ الجَمْعِ بَيْنَ صَلَاتَيِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَبَيْنَ صَلَاتَيِ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ فِي المَطَرِ الَّذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ وَيُوقِعُ الحَرَجَ فِي خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى المَسَاجِدِ؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا: الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ»، فَقَالَ أَيُّوبُ (لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ): «لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ، قَالَ: عَسَى» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْلَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ).