فضل سورة الإخلاص والمعوذتين



فالح عبدالله العجمي



قال الله -تعالى-: {وَنُنـزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } (الإسراء 28). القرآن شفاء وبشرى ورحمة للعباد، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - دل أمته على كل خير، وحذرهم من كل شر، ومما دلهم عليه من الخير قراءة القرآن؛ لأنها من أفضل الأعمال ومن أفضل القربات، فيشرع للمؤمن الإكثار من قراءة القرآن ففيه الخير العظيم والفائدة الكبيرة، كما قال الله -تعالى-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء:9)، وقال -سبحانه-: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (فصلت:44).

وقد اختص الله -تبارك وتعالى- العديد من سور القرآن الكريم بفضل خاص، وكان من بينهما المعوذتان، فعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «أنزلت علي الليلة آيات لم أر مثلهن قط، قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس»، وفي هذا الصدد سنعرض لكم فضل المعوذتين من السنة النبوية الصحيحة.

مداومة النبي - صلى الله عليه وسلم -على قراءتهما

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يداوم على قراءة المعوذتين في الصباح والمساء مع أذكار الصباح والمساء، وكان يداوم عليهما في أدبار الصلوات وفي صلواته، وكان يداوم عليهما في أذكار النوم في يده وينفث فيهما ويمسح بهما علي جسده؛ وذلك لعظمهما فهما من أفضل ما قرأ بها الإنسان، فهما من أحب السور إلى الله -سبحانه وتعالى-، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضلهما من حديث عقبة بن عامر عند أحمد في مسنده «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ألا أخبرك بخير سورتين أو قال ثلاث سور نزلت، لا في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في الفرقان ولا في القرآن مثلهما؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، قال عقبة: منذ سمعتهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم أتركهم.

سور مباركة عظيمة

فهذه السور مباركة عظيمة على قلة آياتها ولكن فيها الخير والبركة، ولابد على الإنسان عندما يقرأ هذه السور أن يستشعر هذه الآيات وأن يعرف معناها حتى يعرف ما يدعو الله بهما وما يقرأ بهما.

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}

يقول الله -تعالى-: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} قل أعوذ: أي قل يا محمد ويا أيها الناس جميعا ألتجئ وأعتصم وأحتمي بالله -عز وجل- من الفلق، والفلق: هو الصبح إذا خرج وطلع معه الشروق وخرج معه أشرار الخلق، فأنت تستعين بالله من شر الصبح وما فيه {مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} نستعيذ بالله من كل ما خلق فيه شر، {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}: نستعيذ بالله من شر الليل إذا دخل وكذلك القمر كما جاء في حديث عائشة مرفوعا -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيدها وقال: «يا عائشة وأشار إلى القمر وقال إنه الغاسق إذا وقب» فالليل والقمر بمعنى واحد فلا يدخل القمر إلا بالليل {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} وهن السحرة والسواحر والساحرات الذين ينفثون في العقد عندما يسحرون أحدا من الناس فإنهم يأخذون شيئا من ملابسه أو من شعره ويعقدون له العقد فينفثون فيها بريقهم وبشيء من كلامهم ومن السحر والخزعبلات.

{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}

أي من كل عين حاسدة، ومن كل عين لامة، استعاذ بهما مع أنه في بداية السورة استعاذ من كل ما خلق ولكنه خص هؤلاء الثلاثة لأهميتهم وخطورتهم، ولابد على الإنسان إذا أصيب بعين أو أصيب بسحر أو أصيب بمس أن يقرأ قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فإنهما شفاء من كل داء.

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}

قال الله -تعالى-: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}: أي ألتجئ وأعتصم وأحتمي برب الناس، {مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ}: ذكر ثلاثة أسماء، تضمنت صفات لله -تعالى- وهي «الرب والملك والإله» وهذه الصفات العظيمة لله -سبحانه وتعالى- لا يشاركه فيها أحد فهي صفات عظيمة.

{مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}

أي من شر الشيطان وشِركه، من شر الشيطان وشَركه، من شر الشيطان ووساوسه للإنس والجان، (الخناس) هو الذي إذا ذكرت الله خنس واختفى وضعف واضمحل، فكلما ذكر الإنسان الله -عز وجل- فإن الشيطان يذهب عنه ويبتعد {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}

فهذا عمل الشيطان يوسوس في صدور الناس كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم»، فهو يوسوس إليك وأنت لا تحس به.

{من الجنة والناس}

فالشياطين نوعان: شياطين أنس كالصاحب السيئ الذي يدعوك إلى الفاحشة والمنكر والحرام فإنه من جنس الشياطين الذين يوسوسون للناس، وشياطين جن، وختم الله هذه السورة بأن الشياطين نوعان: أنس وجن، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع مع المعوذتين سورة الإخلاص.

سبب نزولها

هذه السورة العظيمة التي كان سبب نزولها أن الكفار سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نسب الله؛ فأنزل الله -سبحانه وتعالى- {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وكان النبي يجمع بينها وبين المعوذتين في الرقية وفي أذكار الصباح والمساء وأذكار بعد الصلوات {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الله واحد فرد أحد، قل يا محمد لكفار مكة: إن الله أحد ليس من القبائل ولا من الشعوب فهو الذي خلق هؤلاء، فالكفار كانوا يظنون أن لله نسبا فأنزل الله هذه السورة.

{اللَّهُ الصَّمَدُ}

الصمد الذي يصمد إليه الناس والخلائق أي يحتاجه الناس والخلائق في حوائجهم إذا وقعوا في مصيبة أو في حاجة أو إذا وقعوا في شيء أهمهم، فإنهم يلجؤون إلى الله -سبحانه وتعالى-، فالخلائق كلها تصمد إلى الله، وقيل إن معناها ما بعدها وهي» الذي لم يلد ولم يولد» ها هو الصمد الذي لم يأت بولد أبدا، ولم يولد: أي لم يكن له أب ولا أم فهو الخالق الرازق البارئ المصور -سبحانه وتعالى-، {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} لا مثيل لله ولا ند ولا شريك ولا نظير ولا شبيه له -سبحانه وتعالى.