شروط لا إله إلا الله

الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر





اعلم أخا الإسلام -أرشدك الله لطاعته ووفقك لمحبته- أن خير الكلمات وأعظمها وأنفعها وأجلّها: كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)؛ فهي العروة الوثقى، وهي كلمة التقوى، وهي أعظم أركان الدين، وأهم شعب الإيمان، وهي سبيل الفوز بالجنة والنجاة من النار، لأجلها خلق الله الخلق، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، وهي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة، وهي أصل الدين وأساسه ورأس أمره {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(آل عمران:18)، والنصوص الواردة في فضلها وأهميتها وعظم شأنها كثيرة جداً في الكتاب والسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وفضائل هذه الكلمة وحقائقها وموقعها من الدين فوق ما يصفه الواصفون، ويعرفه العارفون وهي رأس الأمر كله».

أخا الإسلام اعلم وفقك الله لطاعته: أن (لا إله إلا الله) لا تُقبل من قائلها ولا ينتفع بها إلا إذا أدى حقها وفرضها، واستوفى شروطها الواردة في الكتاب والسنة، وهي شروط سبعة مهمة، يجب على كل مسلم تعلمها والعمل بها؛ فليس المراد منها عد ألفاظها وحفظها فقط؛ فكم من عامي اجتمعت فيه والتزمها، ولو قيل له اعددها لم يحسن ذلك، وكم من حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم وتراه يقع كثيراً فيما يناقضها؛ فالمطلوب إذاً العلم والعمل معاً لتكون من أهل (لا إله إلا الله) صدقا ومن أهل كلمة التوحيد حقاً، والتوفيق بيد الله وحده، وقد أشار سلفنا الصالح قديماً إلى أهمية شروط (لا إله إلا الله) ووجوب الالتزام بها ، ومن ذلك :

- ما جاء عن الحسن البصري -رحمه الله- أنه قيل له: إن ناساً يقولون: من قال: (لا إله إلا الله) دخل الجنة، فقال: «من قال: (لا إله إلا الله) فأدَّى حقها وفرضها دخل الجنة».

- وقال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته: ما أعددتَ لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، فقال الحسن : «نعم العدة لكن لـِ(لا إله إلا الله) شروطاً؛ فإياك وقذف المحصنات».

- وقال وهب بن منبه لمن سأله: أليس مفتاح الجنة (لا إله إلا الله)؟ قال: «بلى؛ ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فُتح لك، وإلا لم يُفتح لك»، يشير بالأسنان إلى شروط (لا إله إلا الله) الواجب التزامها على كل مكلف .

وشروط (لا إله إلا الله) سبعة كما تقدم وهي: العلم بمعناها نفياً وإثباتاً المنافي للجهل، واليقين المنافي للشك والريب، والإخلاص المنافي للشرك والرياء، والصدق المنافي للكذب، والمحبة المنافية للبغض والكره، والانقياد المنافي للترك، والقبول المنافي للرد، ثم إليك بيان كل شرط من هذه الشروط مع ذكر دليله من الكتاب والسنة :

العلم بمعناها المراد منها نفياً وإثباتاً

وذلك بأن تنفي جميع أنواع العبادة عن كل من سوى الله، وتثبت ذلك لله وحده كما في قوله -تعالى-: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(الف اتحة:5) أي: نعبدك وحدك ولا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بغيرك. فلابد لقائل (لا إله إلا الله) من العلم بمعناها قال -تعالى-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}(محمد :19)، وقال -تعالى-: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(الز خرف:86)، قال أهل التفسير: أي إلا من شهد بـ«لا إله إلا الله»، { وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي ما شهدوا به في قلوبهم وألسنتهم. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» .

اليقين المنافي للشك والريب

ومعناه أن يكون موقناً بهذه الكلمة يقيناً جازماً لا شك فيه ولا ريب كما قال -تعالى- في وصف المؤمنين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}(ا لحجرات:15). ومعنى {لَمْ يَرْتَابُوا} أي أيقنوا ولم يشكُّوا.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ»، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» .

الإخلاص المنافي للشرك والرياء

وذلك بتصفية العمل من جميع شوائب الشرك الظاهرة والخفية وذلك بإخلاص النية في العبادات لله وحده جميعها. قال -تعالى-: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}(الزم ر:3)، وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}(البينة :5)، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ».

الصدق المنافي للكذب

وذلك بأن يقول هذه الكلمة صادقاً من قلبه يواطئ قلبه لسانه، قال -تعالى- في ذم المنافقين: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}(ال منافقون:1)؛ لأنهم قالوا هذه الكلمة ولكنهم لم يكونوا صادقين فيها، وقال -تعالى-: { الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}(ا لعنكبوت:1-3)، وفي الصحيحين عن معاذ بن جبلرضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» .

المحبة المنافية للبغض والكره

وذلك بأن يحب قائلها الله ورسوله ودين الإسلام والمسلمين، القائمين بأوامر الله، الواقفين عند حدوده، وأن يبغض من خالف (لا إله إلا الله) وأتى بما يناقضها من شرك أو كفر، أو يناقض كمالها من بدع ومعاص، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله»؛ ومما يدل على اشتراط المحبة في الإيمان قوله -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}(البقرة:1 65)، وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».

الانقياد المنافي للترك

فلابد لقائل: (لا إله إلا الله) أن ينقاد لشرع الله، ويذعن لحكمه، ويسلم وجهه لله، قال -تعالى-: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}(الزمر:54)، وقال -تعالى-: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}(النساء :125)، ومعنى {أَسْلِمُوا} و{أَسْلَمَ }في الآيتين أي : انقاد وأذعن .


القبول المنافي للرد

فلابد من قبول هذه الكلمة قبولاً حقاً بالقلب واللسان ، وقد قصَّ الله في القرآن الكريم علينا أنباء من قد سبق ممن أنجاهم الله لقبولهم لـ (لا إله إلا الله)، وانتقامه وإهلاكه لمن ردها ولم يقبلها، قال -تعالى-: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ}( يونس:103)، وقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (الصافات:35-36)، هذا والله المرجو أن يوفقنا جميعاً لتحقيق كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)قولاً وعملاً واعتقاداً، وهو الموفق وحده والهادي إلى سواء السبيل.