3777 - ( خذل عنا ؛ فإن الحرب خدعة ) .
قال الالباني في السلسلة الضعيفة:
ضعيف جداً
أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ 109/ 226) ، وأبو عوانة (4/ 82) ، والديلمي (2/ 111-112) عن يعقوب بن محمد : حدثنا عبد العزيز بن عمران : حدثنا إبراهيم بن صابر الأشجعي ، عن أبيه ، عن أمه بنت نعيم بن مسعود الأشجعي ، عن أبيها قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ عبد العزيز بن عمران هو المعروف بابن أبي ثابت الزهري المدني ، وهو متروك .
ومن فوقه لم أعرفهم ، وبنت نعيم اسمها زينب ، ونعيم صحابي مشهور قالوا : وهو الذي أوقع الخلاف بين الحيين (قريظة وغطفان) في وقعة الخندق ، فخالف بعضهم بعضاً ورحلوا عن المدينة ، والقصة رواها ابن إسحاق بغير إسناد ؛ وفيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : "فخذل عنا إن استطعت ؛ فإن الحرب خدعة" . انظر "تاريخ ابن كثير" (4/ 111) ، ورواها الطبري (1/ 114/ 236) عن الزهري مرسلاً ؛ دون حديث الترجمة . (تنبيه) : "إبراهيم بن صابر" هكذا وقع في "تهذيب الطبري" ، ووقع في "مسند أبي عوانة" : "..هانىء" مكان "صابر" ، وفي "الديلمي" : "جابر" . وهذا تحريف شديد ، أضاع علينا معرفة هوية إبراهيم هذا ، وقد ذكر الحافظ المزي في شيوخ عبد العزيز بن عمران ثلاثة باسم إبراهيم :
الأول : إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة .
الثاني : إبراهيم بن حويصة .
الثالث : إبراهيم بن أبي الصقر .
ولم أعرف من هؤلاء إلا الأول ؛ وهو أشهلي أنصاري مولاهم ، ولم يذكروا له رواية عن أبيه ، ثم هو ضعيف . والله أعلم .
واعلم أنني إنما خرجت الحديث هنا من أجل طرفه الأول : "خذل عنا" ، وإلا ؛ فبقيته صحيح ، بل متواتر ، أخرجه ابن جرير عن عشرة من الصحابة ، وبعضها في "الصحيحين" ، وخرجه السيوطي في "الجامع الصغير" عن أربعة عشر صحابياً ، ليس فيهم أبو الطفيل وأسماء بنت يزيد ، وقد أخرجهما الطبري ، فيصير العدد (16) . وقد أخرجته عن بعضهم في "الروض النضير" (770) ، وغيره ، فانظر "صحيح الجامع الصغير" (3171) .
ثم وقفت على الكتاب الذي سماه مؤلفه الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله : "تنبيه القاري على تقوية ما ضعفه الألباني" ! ومما قواه هذا الحديث ! فقد ساقه من رواية البيهقي في "دلائل النبوة" (3/ 445-446) من طريق أحمد بن عبد الجبار : حدثنا يونس ، عن ابن إسحاق قال : فحدثني رجل ، عن عبد الله بن كعب بن مالك قال : جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله ! إني قد أسلمت ؛ ولم يعلم بي أحد من قومي ، فمرني أمرك ... إلخ .
قلت : كذا صورة الأصل ، وهي بخطه ؛ كما أخبرني من أهداه إلي ، وهذا من أوهامه رحمه الله ! لأنه كان عليه أن يذكر جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - لنعيم بن مسعود ؛ لأن موضع استشهاده أو انتقاده علي إنما هو فيه ، وهو :
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذل عنا ما استطعت ؛ فإنما الحرب خدعة" . فانطلق نعيم بن مسعود ... الحديث .
قلت : فهنا محل تلك اللفظة : "إلخ" كما هو ظاهر .
ثم ساقه من رواية البيهقي أيضاً من الطريق ذاتها ، عن ابن إسحاق قال : حدثنا يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة قالت :
كان نعيم بن مسعود رجلاً نموماً ، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : ... ، فذكر القصة مختصرة جداً ، وفيه :
فلما ولى نعيم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الحرب خدعة" .
وقال الدويش عقبه :
"وهذا إسناد حسن ، وقد أشار إليه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (7/ 403) بأطول من هذا ، وسكت عليه . والله أعلم" .
كذا قال ! غفر الله له ، وفيه أوهام عجيبة !
أولاً : قوله : "وقد أشار إليه الحافظ .." إلى قوله : "وسكت عنه" .
فأقول : الذي سكت عنه الحافظ ليس هذا الذي ساقه الدويش من رواية البيهقي عن عبد الله بن كعب المرسلة ، ورواية عروة عن عائشة المسندة ، وإنما سكت عن رواية ابن إسحاق في "السيرة" (3/ 247-250) مطولة جداً ، ساقها الحافظ ملخصة ، وسبب سكوته واضح ؛ لأن ابن إسحاق لم يسندها ، فهي ظاهرة الإعضال ، ككثير من روايات سيرته ؛ كما هو معروف عند أهل العلم .
ثانياً : قوله : "وهذا إسناد حسن" ! خطأ واضح ؛ لأنه إن أراد به الطريق الأول الذي فيه موضع الشاهد : "خذل عنا" ؛ ففيه ثلاث علل :
الأولى : الإرسال ؛ لأن عبد الله بن كعب بن مالك تابعي لم يدرك القصة .
والثانية : فيه الرجل الذي لم يسم !
والثالثة : أحمد بن عبد الجبار - وهو العطاردي - ؛ قال الحافظ في "التقريب" :
"ضعيف" .
وإن أراد به الطريق الآخر ؛ فليس فيه موضع الشاهد أولاً ، ثم هو من طريق أحمد بن عبد الجبار الضعيف ثانياً . وإذا كان مدار الطريقين عليه ؛ فعدم ذكره في الطريق الآخر موضع الشاهد إن كان قد حفظه ؛ فهو يدل على ضعف الشاهد ، وإن كان لم يحفظه ؛ فهو يدل على ضعفه هو ؛ لأنه مرة ذكره ، ومرة لم يذكره .
وبالجملة ؛ فانتقاد الرجل تضعيفي للحديث برواية البيهقي هذه على ما فيها من الاضطراب والضعف ؛ لهو من الأدلة الكثيرة على أنه لا يحسن هذه الصناعة الحديثية ، ولا الكتابة فيها .